برزت شركة إنفيديا (NVIDIA) كقوةٍ مهيمنةٍ في عالم الذكاء الاصطناعي سريع التطوّر بعد أن أصبحت منتجاتها من الشرائح المتقدمة المُستخدمة لتشغيل مراكز البيانات هيَ المفضلةَ لدى شركات الخدمات السحابية التي تُغذي هذه الثورة.
مع ذلك، فإن نموّها غير المسبوق يفرض على محللي وول ستريت تحدياً فريداً يتمثل في التوصل إلى توقعاتٍ لسعر سهم الشركة ومبيعاتها وأرباحها في المستقبل، والتي ستتأثر كلها بأداء الشركة في هذه السوق.
وكان سهم إنفيديا قد حقق خلال هذا العام وحده مكاسبَ ملفتةً بلغت نحو 145%، على الرغم من تعرُّضه لانخفاض حادٍ في اليومين الماضيين، ربّما بتأثير بيع المستثمرين بدافع جني بعضٍ من هذه المكاسب الضخمة.
صعوبة توقع إيرادات NVIDIA وتقييمها
لأكثر من عام، أدّت الزيادة الكبيرة في الطلب على شرائح الذكاء الاصطناعي من NVIDIA إلى تجاوز أداء الشركة للتوقعات المالية الفصلية لوول ستريت، وقد تسبّب هذا النموّ الذي فاق المعدلات المتوقعة إلى تعقيد الأمور بالنسبة للمحللين الذين تتمثل مهمتهم بتوقع أداء الشركة في الأرباع القادمة.
يأتي الأكثرُ إثارةً للدهشة في أنّ المسؤولين التنفيذيين للشركة يواجهون مشكلةً مماثلة من حيث الصعوبة الكبيرة في تقدير نتائج الربع التالي، حيث تعتمد المبيعات بشكلٍ كبير على مدى قدرة الشركة بتلبية الطلب المتزايد على شرائحها عالية الأداء.
فمنذ الربع المالي الذي انتهى في نيسان/أبريل 2023، تمكنت الشركة من تجاوز توقعات متوسط إيراداتها بنحو 13%، كما أعلنت الشركة في آب/أغسطس من العام نفسه عن إجمالي مبيعاتٍ تجاوز توقعاتها لذلك الربع من عام 2023، ويمثل ذلك أكبر لحظة تفوّقٍ حققته إنفيديا (NVIDIA) منذ عام 2013، وفقاً لبيانات بلومبيرج.
ويُعَد عاملُ العرض المتغيّرَ الأكثرَ غموضاً في عملية التقييم، وفقاً لبرايان كوليلو (Brian Colello) المحلل في شركة Morningstar الذي يتابع أسهم الشركة الصانعة للشرائح. وفي هذا الإطار، فإن NVIDIA تبذل قصارى جهدها منذ فترةٍ طويلةٍ لتلبية حاجة السوق من شرائح الذكاء الاصطناعي، وبحسب كوليلو فقد تمكنت من زيادة معروضها مؤخراً، ما يدعم التفاؤل السائد بتحقيق أهداف الإيرادات.
بناءً على هذه التقديرات الإيجابية، رفع كوليلو توقعاته للهدف السعريّ الخاص بسهم الشركة الشهرَ الماضي من 91$ إلى 105$. ورغم أنها إشارةٌ إيجابيةٌ للشركة وأداء السهم، إلا أن سهم NVIDIA يتم تداوله حالياً أعلى من هذا الهدف بنحو 16%. وصرَّح كوليلو لمجلة Fortune هذا الأسبوع قائلاً: “لست أوّلَ محللٍ يرفع هدف السعر أو القيمة العادلة للسهم، أو يُفاجَأ بأن الإيرادات هيَ أعلى كثيراً ممّا كنا نعتقد قبل عامٍ من الآن”.
شركة إنفيديا (NVIDIA) تحتل المرتبة الثالثة بين الشركات على مؤشر S&P 500 من حيث تفوّقها على تقديرات الإيرادات
لقد جعلت الفجوةُ بين تقديرات المحللين والنتائج التي قدمتها الشركة من الصعوبة بمكانٍ على المحللين تعديلَ توقعاتهم لسهم NVIDIA، والذي يعتمد بشكلٍ رئيسيّ على هذه المتغيرات كمدخلاتٍ لنماذج التدفق النقدي المخصوم (DCF).
وخلال الأرباع الخمسة الماضية، تجاوزت مبيعات شركة إنفيديا (NVIDIA) تقديرات المحللين بنسبة 12% في المتوسط، ما يضعها في المرتبة الثالثة بين الشركات المُدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز (S&P 500) الشهير من حيث التفوّق في الأداء؛ مع العلم أن السهمَ يغطيه حالياً محللون من 20 شركةً مختلفة.
وهكذا، فقد أصبحت شركة إنفيديا (NVIDIA) ثالث شركةٍ في الولايات المتحدة تصل إلى قيمةٍ سوقيةٍ تبلغ 3 تريليون دولار إلى جانب كلٍّ من مايكروسوفت (Microsoft-MSFT) وآبل (Apple-AAPL). وأكثر من ذلك، فقد أصبحت الشركة -لفترةٍ وجيزة- شركة الاستثمار العموميّ الأعلى قيمةً في البلاد عندما بلغت قيمتها 3.34 تريليون دولار في 18 حزيران/يونيو الجاري.
مقاييس تقييم NVIDIA مبالغٌ فيها بعض الشيء
تُعَد الشركة التي يرأسها جينسن هوانج (Jensen Huang) أيضاً واحدةً من أغلى الشركات من حيث مقاييس التقييم، حيث يتم تداول سهمِها حالياً بأكثر من 23 ضعفاً من مبيعاتها المتوقعة للأشهر الـ 12 المقبلة.
وأثار هذا المقياس المرتفع للتقييم -المعروف بنسبة السعر إلى المبيعات المستقبلية- مخاوفَ من المبالغة بتقييم سعر سهم الشركة، كونه لا يعكس بدقةٍ إمكانات نموّه غير المؤكدة نسبياً.
وكانت النتائج المالية لشركة NVIDIA مذهلةً للغاية مؤخراً. ففي الربع المالي الأول المنتهي في 28 نيسان/أبريل 2024، أعلنت الشركة عن:
- إيراداتٍ بقيمة 26.0 مليار دولار، بزيادة 18% عن الربع السابق، وبزيادة 262% على أساسٍ سنوي.
- إيراداتٍ قياسيةً ربعَ سنويةٍ لمراكز البيانات بلغت 22.6 مليار دولار، بزيادة 23% عن الربع السابق و427% على أساسٍ سنوي.
وتُظهِر هذه النتائج النموّ الهائل الذي شهدته NVIDIA بسبب ازدهار قطاع الذكاء الاصطناعي.
أربعة عوامل تدعم مبيعات NVIDIA وتعظّم الأرباح
تبرز أربعةُ عواملَ ضمن قائمة المحفّزات التي دفعت قُدُماً كلاً من المبيعات وأداء أسهم شركة NVIDIA في الأشهر الماضية، ومنها ازدهار قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتوسع مراكز البيانات المملوكة والمُدارة من قبل مزودي الخدمات السحابية الذين يحتاجون لتطوير بنيتهم التحتية بما يمكّنها من إنجاز مهام الذكاء الاصطناعي الضخمة.
1. صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي
لقد أحدثت برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل تشات جي بي تي (ChatGPT) من شركة أوبن إيه آي (OpenAI) وكلود (Claude) من شركة Anthropic ارتفاعاً كبيراً في الطلب على الشرائح عالية الأداء التي يمكنها تلبية الطلب الكبير على القوة الحاسوبية الناتج عن تدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي التي تعمل هذه الشركات على تطويرها.
وشهدت هذه الحلول إقبالاً مباشراً من قِبَل الطلاب والمهنيين والشركات والمؤسسات الحكومية لتوظيفها بهدف زيادة كفاءة عملياتهم الداخلية والإنتاجية الإجمالية. وفي حال استمرَّ هذا الإقبال في النموّ بوتيرةٍ سريعة، فستستفيد NVIDIA من هذا الاتجاه، حيث ستستمر مراكز البيانات بطلب شرائحَ أكثرَ من مزوّدي الخدمات السحابية الذين يدعمون هذه الحلول.
2. توسيع مراكز البيانات
دفع صعود تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مراكزَ البيانات والشركات المزوِّدة للخدمات السحابية إلى الاستثمار بكثافةٍ في توسيع قدراتها من خلال بناء منشآتٍ جديدة وإضافة المزيد من القوة الحاسوبية وتحديث البنية الأساسية الحالية لمشاريعها، مع توقعاتها باستمرار تزايد أحجام مهام العمل في المستقبل القريب.
وفي حال نجحت NVIDIA بتلبية الطلب على شرائحها على الدوام، فمن المرجّح أن تنال هذه الشركة الأمريكية الصانعة للشرائح حصّةَ الأسد من مليارات الدولارات التي تخطط مراكز البيانات لاستثمارها في السنوات القليلة المقبلة.
3. وحدات معالجة الألعاب والرسوميات (GPUs)
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يبقى أهمَّ المحفًزات التي تغذّي النموّ في مبيعات NVIDIA مؤخراً، فما تزال قطاعاتٌ أخرى -ومنها الألعاب- تساهم بتعزيز إيرادات الشركة.
وفي هذا الإطار، حققت وحدة معالجة الرسوميات GeForce RTX التي تنتجها الشركة نجاحاً كبيراً في أوساط اللاعبين ومُنشِئي المحتوى الذين يحتاجون إلى قوةٍ حاسوبيةٍ كبيرة للتعامل مع الصور ومقاطع الفيديو عالية الدقة اللازمة عادةً لإنتاج ألعاب الفيديو الحديثة.
4. السيارات والحوسبة المتطوّرة
من المجالات الأخرى المثيرة للاهتمام -والتي من المرجّح أن تستفيد منها إنفيديا (NVIDIA)- صناعة السيارات وتطوير الأنظمة الذكية للترفيه القائم على المعلومات كميزةٍ مُضافةٍ إلى المركبات الحديثة، حيث تعمل شركة NVIDIA على تطوير وإنتاج الشرائح المشغِّلة لهذه الأنواع من الأنظمة، والتي يتزايد انتشارُها بين أحدث طرازات المركبات، وبشكلٍ خاص في المركبات الكهربائية.
علاوةً على ذلك، يمكن أن تستفيد NVIDIA أيضاً من الحوسبة المتقدّمة، وهي اتجاهٌ صاعد في تكنولوجيا المعلومات يتضمّن استخدام جهاز العميل لتشغيل المهام المرتبطة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي وغيرها من الأنظمة المماثلة. وتعمل الشركة بالفعل على تطوير منصاتٍ مثل NVIDIA EGXTM وNVIDIA IGN OrinTM لتوفير حلولٍ في هذا المجال.
آفاق تطوّر NVIDIA واعدة ولكنها لا تخلو من التحديات
وفقاً لبلومبيرج إنتيليجنس (Bloomberg Intelligence)، فمن المتوقع أن تنمو صناعة الذكاء الاصطناعي بمعدل سنويّ مُركّب تبلغ نسبته 42% على مدى العقد المقبل، ومن المرجّح أن يستمر هذا النمو بتبنّي الذكاء الاصطناعي لتغذية الطلب على منتجات إنفيديا.
مع ذلك -وعلى الرغم من موقعها الصلب في السوق حالياً- تواجه NVIDIA بعض التحديات التي قد تؤثر على أدائها المستقبلي، نذكر منها:
- المنافسة المتصاعدة من جانب الشركات الأخرى الصانعة للشرائح، مثل AMD وإنتل (Intel)، واللتين قد تطلقان قريباً منتجاتٍ تُضعِف هيمنة NVIDIA على قطاعاتٍ متعددة.
- شركات التكنولوجيا العملاقة مثل ألفابيت Alphabet (GOOG) ومايكروسوفتMicrosoft (MSFT) ومنصات ميتا Meta Platforms (META) التي تطوِّر شرائح الذكاء الاصطناعي الخاصّة بها.
- التحديات التنظيمية المحتملة في قطاع الذكاء الاصطناعي، والتي تتسبّب ببطء في نموّها.
- القيود التجارية الأمريكية التي تؤثر على مبيعات الشركة إلى الصين، والتي تمثّل سوقاً مهمةً لشركة إنفيديا (NVIDIA).
أخيراً، وللحفاظ على أفضليتها التنافسية، يجب على إنفيديا (NVIDIA) الاستمرار في الابتكار وتنويع منتجاتها؛ كما أن على الشركة الانخراط في مجالاتٍ ابتكاريةٍ مثل العالم الافتراضي (الميتافيرس) وتقنيات الواقع الممتد (XR) والحوسبة الفائقة، ما يُثبت بالفعل التزامَها بالبقاء في طليعة التقدم التكنولوجي.