خلال الأسبوع الجاري، قضى أحد القضاة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية بإمكانية متابعة الدعوى القضائية المقدّمة من قبل عائلاتِ أكثرَ من 60 مراهقاً وشاباً فقدوا حياتهم بسبب جرعاتٍ زائدة من مادة الفنتانيل (Fentanyl)، ورفعت تلك العائلات دعوى ضدّ منصّة سناب شات (Snapchat) وشركتها الأم Snap Inc.
وتزعم تلك الدعوى أن خصائص سناب شات سمحت لتجار المواد المخدّرة ببيع أدويةٍ على هيئة أقراصٍ تحتوي على مادة الفنتانيل المخدّرة عبر المنصّة، ما أدى إلى وفاة عشرات القصّر والشباب في كافة أنحاء البلاد.
يُذكر أنه تم رفع الدعوى في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2022، وتعديلها خلال نيسان/أبريل من عام 2023، ويتهم مقدمو الشكوى منصّة سناب شات بتوفيرها “ملاذاً آمناً عبرَ الإنترنت لبيع المواد المخدّرة غيرِ المُصرّح بتداولها قانونياً”، وذلك عبرَ استغلال بعض خصائص المنصّة كاختفاء الرسائل تلقائياً وتحديد المواقع الجغرافية وخيار الخصوصيّة المسمّى “عيناي فقط” (My Eyes Only).
كما تزعم الدعوى أن هذه المزايا سهّلت أنشطة تداول المخدرات من جانب، وأعاقت إمكانية تتبع الممارسات غير القانونية التي تتم عبر المنصّة من جانب آخر؛ حيث ذكر المحامي ماثيو بيرجمان (Mathew Bergman) -مُمثّل من أقاموا الدعوى- أنه “قبل حدوث تلك الإصابات القاتلة التي أفضت لرفع هذه الدعوى القضائية، كانت منصّة سناب شات على علم باستخدام تجار المخدرات لخصائصها من أجل بيع المواد المخدّرة للقصّر”.
سناب شات غير قادرة على ردّ الدعوى القضائية استناداً إلى المادة 230
في حكمه القضائي الذي أصدره يومَ الثلاثاء الماضي، رفض لورنس ريف (Lawrence Riff) قاضي محكمة لوس أنجلوس العليا طلب سناب شات رفضَ الدعوى بموجب الفصل القانوني رقم 230 من قانون آداب أنشطة الاتصالات، وهو القانون الفيدرالي الذي يحمي المنصّات عبر الإنترنت من المسؤولية عن المحتوى الذي يُنشِئه مستخدموها، حيث دفعت سناب شات (SNAP) بأنه نظراً لوقوع صفقات المخدرات المزعومة بين المستخدمين، فإن القِسم 230 القانونيّ يوفر لها الحماية من المساءلة.
على صعيدٍ متصلٍ، رفض القاضي ريف أربعة مزاعمَ ضدّ سناب شات، لكنه سمح بالمُضيِّ قُدُماً بنظرِ أكثرَ من 10 دفوعٍ أخرى، بما فيها اتهاماتٌ بالإهمال وإصدار منتجاتٍ مَعيبةٍ والتضليل والقتل غير المتعمّد، مشيراً إلى أن تطبيق المادة 230 في هذه الحالة لا يزال “موضع نزاع” قانونيّ يجب النظر فيه مع استمرار نظر الدعوى القضائية.
يُذكر أنه يبدو جلياً للعيان اعتبار هذا القرار بمثابة هزيمةٍ قانونيةٍ لسناب شات وانتصارٍ للمُدّعين الذين يهدفون إلى تحميل شركات التواصل الاجتماعي مسؤولية وتبعات أزمة المواد المخدّرة.
وقال المحامي بيرجمان الذي يعمل في المركز القانونيّ لضحايا وسائل التواصل الاجتماعي معلقاً حول هذا الحكم: “هذه هيَ المرّة الأولى في التاريخ التي تتعرّض فيها شركة تواصلٍ اجتماعيٍّ لادعاءاتٍ بأنها تُسهّل بيع مواد غيرِ مصرّحٍ بتداولها وأدويةٍ قاتلة”.
من جهتها، صرّحت سناب شات في بيانٍ لها قائلةً: “نحن نعمل بجِدٍّ لوقف مروّجي المخدرات عن إساءة استخدام منصتنا”، مشيرةً إلى استمرارها بمجابهة الدعوى الموجّهة ضدّها في المحكمة.
جديرٌ بالذكر أن الفصل القانونيّ رقم 230 قد لا ينطبق على هذا الوضع لأنه لا يمثل مشكلةً بسبب محتوى غير قانونيٍّ على المنصة، بل يُشير المدّعون إلى بعض خصائصها مثل اختفاء الرسائل بحيث لا يمكن قراءتها في كثيرٍ من الأحيان من قبل سلطة إنفاذ القانون، حتى مع وجود أمرٍ قضائيٍّ (ما لم تتم قراءتها بعد)، والبعض الآخر يتيح بشكلٍ مباشرٍ تجارة المخدرات وتعرّض البعض للوفاة بسبب جرعاتٍ زائدة.
وإذا خرج المدّعون منتصرين في دعواهم القضائية، فقد يكون لذلك تبعاتٌ سلبيةٌ واسعة النطاق على الحماية التي توفّرها المادة 230 وتغيير كيفية مراقبة منصّات وسائل التواصل الاجتماعي للأنشطة على مواقعها؛ ويشير بعض الخبراء القانونيين في مجال التكنولوجيا إلى أن ذلك يفتح الباب أمام توسيع نطاق مسؤولية منصّاتٍ مثل سناب شات إذا تبيّن أن منتجاتها تُسهم في ارتكاب أعمالٍ جنائية.
وفي حال خسرت سناب شات هذه الجولة القانونية، فقد ينتج عن ذلك تقديم الآباء الآخرين -وحتى الجهات التنظيمية ومجموعات الدفاع الأخرى- دعاوى قضائيةً مشابهةً ضدّ منصات التواصل الاجتماعي لتسهيلها أيضاً أنشطةً غيرَ قانونيةٍ مستندين إلى نتيجة هذه الدعوى كسابقة.
وقد يمتدّ التأثير إلى منصاتٍ أخرى تتمتع بتقنياتٍ مماثلة. ففي الواقع، قد تكون منصّات المراسلات المشفّرة بين المستخدمين دون اطلاع طرفٍ آخرَ كتطبيق تيليجرام من بين الأهداف التالية، حيث تُمكّن هذه التطبيقات أيضاً مستخدميها من إرسال رسائلَ سريةٍ لا يمكن رؤيتها من قبل سلطات إنفاذ القانون في أغلب الأحيان.
الحوادث المأساوية المتسبّبة برفع الدعوى
بغضّ النظر عن نتيجة الدعوى، يجدرُ بنا ذكرُ المتضرّرين الذين قاموا برفعِها وما يعانوه من آلام لا يمكن تصوّرها، إذ يعتصر الحزن قلوبَ أكثرَ من 60 عائلةً مُشترِكةً برفع الدعوى خسرت أفراداً منها؛ كما يموت أكثر من 100,000 أمريكيٍّ سنوياً بسبب الجرعات الزائدة لمواد أشباه الأفيون المخدّرة.
وتتمحور الدعوى المُشار إليها حول قصص أكثرَ من 60 عائلةً أمريكيةً خسرت أحد أبنائها بسبب قيامهم بشراء أقراصٍ تحتوي على مادة الفنتانيل من بائعين عبرَ تطبيق سناب شات؛ فأحد الضحايا طفلٌ في السادسة عشرة من عمره يُدعى سامي تشابمان (Sammy Chapman) من مدينة لوس أنجلوس، ووالداه لورا بيرمان (Laura Berman) وسامويل تشابمان (Samuel Chapman) مُشترِكان برفع الدعوى؛ وذكرت والدة سامي أن ابنها كان في الصف الحادي عشر بمدرسته الثانوية، وكان يتمتّع بشخصيةٍ قويةٍ جذّابةٍ ويحلم بممارسة ريادة الأعمال، إلا أنه قام في كانون الثاني/يناير من عام 2021 بشراء أقراصٍ من شخص التقى به عبرَ تطبيق سناب شات، وكان يظنّ أنها حبوبٌ تحتوي مادة “أوكسيكودون” لتسكين الألم، ولكن تبيَّن احتواؤها على مادة فنتانيل القاتلة، لتتسبَّبَ بوفاة سامي بسبب جرعةٍ زائدة منها.
وفي مقابلةٍ مع شبكة ABC News الإخبارية في كانون الأول/ديسمبر الماضي، تحدّثت السيدة بيرمان عن حزنها الشديد وسعيها لتحميلِ سناب شات المسؤولية عن ذلك.
ومن المدّعين الآخرين أمٌّ تُدعى كيم أوسترمان (Kim Osterman) من ولاية كولورادو فقدت ابنها ماكس (Max) عندما كان في الثامنة عشرة من عمره إثرَ قيامِه عام 2021 بشراء حبّة دواءٍ عبرَ سناب شات تحتوي على عقار الفنتانيل ادّعى بائِعُها أنها عقار “بيركوسيت” المسكّن للألم.
وقالت السيدة أوسترمان لقناة CBS Colorado: “لا يودّ أحدٌ أن يتلقى مكالمةً مفجعةً يقول فيها المتصل: ‘لا أدري كيف أخبرك بالأمر … لكنّ ابنكِ ماكس فارق الحياة’، لقد تلقيت هذه المكالمة”؛ وأردفت الأم الثكلى قائلةً: “طالما أن وسائل التواصل الاجتماعيّ موجودةٌ، سيبقى تطبيق سناب شات، ولا بدَّ من إجراء إصلاحاتٍ فيه ليُصبحَ أكثر أماناً”.
هل سيتمّ تعديل الفصل القانونيّ رقم 230؟
تزعم الدعوى آنفة الذكر أن تصميم سناب شات -لا سيّما ميزة الرسائل ذاتية الاختفاء- يتيح القيام بالأنشطة الإجرامية بشكلٍ يفوق منصات التواصل الاجتماعيّ الأخرى؛ ويُشير المدّعون إلى أن القرارات ذات الصلة بتصميم منتج سناب شات “أسهمت بشكلٍ مباشرٍ” في تيسير الاتّجار بمادة الفنتانيل الفتّاكة التي تستهدف المستخدمين القُصَّرَ للمنصة.
وبالرغم من إساءة استخدام كافة منصّات التواصل الاجتماعي الرئيسيّة عادةً، تدّعي عائلات اليافعين المتوفّين توفيرَ منصة سناب شات أجواء مناسبةً لحدوث انتهاكاتٍ واعتداءاتٍ أكثر من غيرها؛ وقد تتسبّب هذه القضية بإطلاق دعواتٍ لتعديل القِسم القانونيّ رقم 230 بحيث تتطرّق لميزات تصميم المنتجات التي قد تتسبّب بضررٍ كبيرٍ للمراهقين واليافعين ممّن لا يتّسمون بالوعي الكافي.
وبطبيعة الحال، قد لا تكون هناك حاجةٌ لتغيير المادة 230 للمُضيِّ قُدُماً في دعاوى قضائيةٍ أخرى بشكلٍ ناجح، وإذا ما تبيّن أن منصاتٍ أخرى تقوم بتيسير ممارسة السلوك الإجراميّ عبر خصائصها -مثل الرسائل ذاتية الاختفاء وتشفير الرسائل بين الطرفين- فقد يتم فرض عقوباتٍ كبيرة عليها دون أن يحق لها اللجوء للقضاء. ويمكن لهذه المنصات مراقبة الرسائل المشبوهة وتكثيف جهودها الأمنية، إلا أنه لا يمكن لخدمات المراسلة البسيطة تحقيق إنجازاتٍ كبيرة بهذا الخصوص دون التسبّب بإزعاج المستخدمين العاديين بشكلٍ كبير.
من جهةٍ أخرى، فقد يصبح هذا التغيير المُحتمل للمادة آنفة الذكر أحد أهمّ تبعات الدعاوى القضائية في قطاع التكنولوجيا لسنواتٍ عديدة نظراً لكون المادة 230 بالغةِ الأهمية لحماية منصات التواصل الاجتماعي من سيل الدعاوى القضائية.
ما هي النتيجة المتوقعة لهذه الدعوى؟
بعد قيام القاضي ريف برفض الطلب المقدم من شركة سناب لرفض الدعوى، فإنها ستمضي قُدُماً في مرحلة الاستكشاف ليقوم الطرفان بجمع الأدلة؛ ومن المرجّح أن تواصل سناب الادّعاء بأن مقتضى المادة 230 يُعفيها من المسؤولية، لكنّ المدّعين سيحاولون تقديم وثائقَ داخليةٍ ومعلوماتٍ وشهاداتٍ تثبت أن المدراء التنفيذيين للشركة كانوا على علم بأنشطة الاتّجار بالمخدرات عبر المنصة، وأنهم قاموا بتجاهل الضرر المُحتمل لهذه الخصائص، الأمر الذي سهَّل على المجرمين القيام بهذه الأنشطة.
ومع مُضيّ الدعوى في طريقها نحو مرحلة الاستكشاف، ادّعى المحامي بيرجمان أن المدّعين “سيقومون بتسليط الضوء على المآسي الناجمة عن حالات التسمّم بعقار الفنتانيل”.
وقالت عائلات الضحايا إنها تسعى لتحميل منصة سناب شات المسؤولية القانونية ليتم فرض تغييراتٍ من شأنها أن تجعلها أكثرَ أماناً للقاصرين، ما سيحول دون تسبّبها بالمزيد من الوفيات المستقبلية. وتأمل العائلات أيضاً بإضفاء طابع الشفافية حول مسائلَ مهمّةٍ -مثل خوارزميّات سناب شات ونماذج التصنيف القائمة على التفاعل الخاصّة بها- والتي تدّعي هذه العائلات أنها تُروّج للمحتوى الضارّ.
ووَصَفت كيم أوسترمان المُشترِكة برفع الدعوى معاناتها لفقد ابنها ماكس قائلةً: “كلما طالت فترة رحيلهم، كلما أصبح الأمر أكثرَ إيلاماً؛ ولا نريد شيئاً سوى الحقيقة وتغيير الواقع الحاليّ”.
أخيراً، يأتي هذا الحكم وسط مخاوفَ متزايدة في أوساط العامة بشأن مدى تأثير منصات التواصل الاجتماعي -مثل تيك توك وسناب شات- على الصحة العقلية للمراهقين وسلامتهم النفسية؛ يُذكر أن تسريب وثائق تدين فيسبوك من قبل فرانسيس هاوغن (Frances Haugem) خلال العام الماضي إلى جانب قيام منصة انستقرام ببحوثٍ داخليةٍ خاصةٍ بها دفعت ميتا بلاتفورمز (META) -وهي الشركة الأم لفيسبوك- لإطلاق المزيد من ميزات المراقبة الأبوية واتخاذ إجراءاتٍ وقائيةٍ لحماية مستخدميها من المراهقين.
وقد يتم إلزام تطبيق سناب شات بتعديل خصائص مُنتَجه إذا ربحت العائلات دعوى “نيفيل” -المدعية الرئيسيّة- ضدّ المنصة، كما قد يتم فرض تغييراتٍ مماثلةٍ تشمل القطاع برمّته.
وقال المحامي بيرجمان معلقاً على القرار المتخذ يوم الثلاثاء الماضي: “يمثل القرار المتخذ اليوم أولى الحالات التي تسمح فيها محكمةٌ للآباء بتحميل شركات التواصل الاجتماعي المسؤولية عن تسهيل بيع المواد المخدرة المميتة”؛ وأردف المحامي بقوله: “يتصدّر عقار الفنتانيل قائمة المواد المخدرة التي تتسبّب بموت الأطفال دون سن الثامنة عشرة، وتلعب منصات التواصل الاجتماعيّ دوراً بالغ الأهمية في عمليات بيع هذه المواد المميتة -والتي تسبّبت بزيادة وفيات المراهقين بنسبة 350% خلال السنوات الثلاث الماضية”.