اصطفاف المتسوّقين عند متجر BestBuy خلال تخفيضات الجمعة السوداء

ثمّة بوادر مبكرةٌ تشير إلى أن موسم تخفيضات الجمعة السوداء سيكون أكثرَ هدوءاً هذا العام بسبب معدل التضخم المرتفع الذي أضرَّ بقدرة المستهلكين الشرائية وميزانياتهم ودفعهم لانتظار أفضل الصفقات في بداية موسم العطلات النشط.

وتعقيباً على ذلك، قال محللو قطاع البيع بالتجزئة إن مبيعات شهر تشرين الأول/ أكتوبر الضعيفة، وزيادة الدين العام، وتراجع المدّخرات تشير إلى إنهاك المستهلكين، ما جعلهم يعطون الأولوية للخصومات وتفضيل السلع العملية على عمليات الشراء المتهوّرة.

ووفقاً للبيانات الصادرة عن موقع Adobe Analytics، فقد ارتفع معدل الإنفاق في المتاجر الإلكترونية يوم عيد الشكر بنسبة 5.5% فقط مقارنةً بالعام السابق ليصلَ إلى 5.6 مليار دولار. وبالرغم من نموّ هذا المعدل، إلا أنه يوضح تراجع مكاسب قطاع التجارة الإلكترونية عن مستوياته خلال عامي 2020 و2021. كما يتوقع موقع Adobe أن تستمرَّ هذه الوتيرة مع ارتفاع مبيعات الجمعة السوداء في المتاجر الإلكترونية بنسبة 5.7% فقط لتصل إلى 9.6 مليار دولار.

وأكّد موقع Adobe أن المتسوّقين يركزون -في الغالب- على عروض الإلكترونيات والألعاب والملابس، ويتوقع الموقع أن تصل نسبة الخصومات وسطياً إلى 30% على الإلكترونيات و35% على الألعاب، وتفوق هذه النسب المتوقعة ما قدّمه تجار التجزئة قبل عامٍ مضى.

المتسوّقون الأمريكيون يتوخّون الحذر بينما يتجه الأوروبيين إلى خصومات المتاجر الإلكترونية

يمكن رؤية صدى هذا النهج الحذر أمام واجهات المحلات، حيث خرج ملايين المتسوّقين الأمريكيين -المهتمّين بالخصومات- لانتظار افتتاح المحلات يوم الجمعة السوداء؛ وذكرَ الرئيس التنفيذيّ لشركة Macy’s جيف جانتي (Jeff Gennette) أن عدداً كبيراً من المتسوّقين احتشدوا أمام المتجر في الصباح الباكر مقارنةً بالعام الماضي، وأضاف إنه لا يمكن حالياً التنبؤ بمستويات الزخم التي سيشهدها موسم العطلات بشكلٍ عام.

يُذكر أن نصف موقف السيارات الخاص بمتجر وول مارت (WMT) في ولاية كونيتيكت كان فارغاً بحلول الساعة 6 صباحاً، مقارنةً بالأعوام السابقة حين كانت صفوف المتسوّقين تمتد حول المبنى. ويقول المتسوّقون إنهم يتعمّدون اتباع نهج منظم يهدف لمقاومة عمليات الشراء المتهوّرة بسبب تأثير التضخم على ميزانياتهم سلباً، ما أجبرهم على تحديد أولوياتهم.

من جهةٍ أخرى، تشير البيانات إلى أن التجارة الإلكترونية حظِيَت مجدّداً بالحصة الأكبر من مبيعات الجمعة السوداء بنسبةٍ تقارب 40% من جميع عمليات الشراء، كما سجلت مبيعات الهواتف المحمولة أرقاماً قياسية، ما يعكس تأثير عنصر الراحة خلال الشراء على قرارات الشراء أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى.

وفي أوروبا، جذبت الخصومات على الملابس المستهلكين بالإضافة إلى الإلكترونيات والأجهزة المنزلية الذكية. وكشف موقع Adobe عن زيادة حادة في حركة المرور في المتاجر الإلكترونية في فرنسا والمملكة المتحدة، حيث بدأ المتسوّقون بالبحث مبكراً عن العروض والصفقات في كبريات سلاسل متاجر التجزئة الإلكترونية متعدّدة الجنسيات.

بنك TD Cowen يخفّض توقعاته حول نموّ المبيعات السنويّة للجمعة السوداء

رسمٌ بيانيٌّ لنسب مبيعات الجمعة السوداء في المتاجر الحقيقية والإلكترونية

وفي ظلِّ معدل التضخم الأمريكي المرتفع نسبياً عند 3.2%، يعاني الأفراد من ضيق الأوضاع المالية، ما دفع المتسوقين إلى التركيز أكثر على الخصومات خلال الجمعة السوداء هذا العام. ومن جانبهم، استجاب تجار التجزئة إلى متطلبات المتسوّقين بإطلاق حملةٍ من العروض الترويجية، مع خصوماتٍ طفيفةٍ بنسبة 10% تشمل كلَّ المعروضات على مواقعهم، فضلاً عن خصوماتٍ إضافيةٍ على منتجاتٍ محدّدة مثل: الألعاب وأجهزة الكمبيوتر المحمولة (اللابتوب) والملابس وأجهزة المطبخ.

لذلك، يعتقد معظم المحللين أن مؤشرات الاستهلاك الضعيفة ستتطلب استمرار تجار التجزئة بطرح العروض الترويجيّة بشكلٍ مكثفٍ خلال فترة موسم عيد الميلاد لتشجيع المتسوّقين المتردّدين على الإنفاق.

وأوضح بنك TD Cowen الاستثماريّ هذا الاعتقاد، حيث قام مؤخراً بخفض توقعاته لمعدل نموّ المبيعات خلال العطلات الأمريكية إلى نطاقٍ يتراوح بين 2-3% على أساسٍ سنويٍّ بسبب توقعات حركة المرور المتباطئة بشكلٍ عام عبرَ المتاجر. وفي الوقت نفسه، تتراوح توقعات الاتحاد الوطني لتجار التجزئة حول معدل نموّ المبيعات خلال العطلات بين نسبتي 3-4%.

وقد أعرب الرئيس التنفيذيّ لشركة Lowe’s مارفين إليسون (Marvin Ellison) في مقابلةٍ له مع شبكة CNBC عن تمديد العروض الترويجية طوال موسم العطلات قائلاً: “سنقدّم سلسلةً متواصلةً من العروض الرائعة طوال موسم العطلات، بدايةً من هذا الأسبوع”.

كما علق كوري باري (Corie Barry) -الرئيس التنفيذيّ لمتجر BestBuy- بقوله: “بما أننا نسعى لخدمة عملاءَ يركزون بشكلٍ كبيرٍ على العروض الترويجية والخصومات، نتوقع أن نرى حالياً أنماط تسوّقٍ تذكّرنا بفترات العطلات التاريخية أكثرَ ممّا كانت عليه في العام الماضي، نظراً لزيادة نشاط المتسوّقين في أسبوع الجمعة السوداء وحملات التسوّق عبر الإنترنت ليوم الإثنين (Cyber Monday) وآخر أسبوعين من شهر كانون الأول/ديسمبر”.

هل أصبحت كلّ الأيام جمعة سوداء؟

احتلت الجمعة السوداء سابقاً العناوين فيما يخص التخفيضات والخصومات غير المسبوقة، إلا أن أهميتها تراجعت على مرّ السنين وسط استحواذ المتاجر الإلكترونية على دائرة الاهتمام بشعاراتٍ من قبيل “أسعارٌ مخفّضةٌ كلَّ يوم”، وبالتالي قللت من وقع تخفيضات الجمعة السوداء، كما ظهرَ منافسٌ جديدٌ وهوَ حملات التسوّق عبر الإنترنت ليوم الإثنين (Cyber Monday)، بالإضافة إلى بدء عروض تصفيات نهاية العام بشكلٍ مبكّرٍ في شهر تشرين الأول/أكتوبر.

يُذكر أن الموسم الحاليَّ اتّبَعَ ذات النمط، مع حرص متاجر البيع بالتجزئة على تشجيع المستهلكين على الإنفاق مبكراً للاستمتاع بأفضل الصفقات؛ فعلى سبيل المثال، أطلقت سلسلة متاجر البيع بالتجزئة Macy’s تخفيضاتٍ -مماثلةً للجمعة السوداء- على أدوات المطبخ وباقات هدايا التجميل خلال الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، لتُطلق بعدَها مزيداً من العروض على فئات الألعاب والعطور والمجوهرات قبل الحدث الرئيسيّ بأسبوع واحد.

وعادةً ما تهدف عروض التخفيضات المبكرة هذه إلى توزيع عمليات الشراء بخصمٍ على فترة أطولَ لتجنّب التركيز المفرط لعمليات الشراء في يوم الجمعة السوداء نفسها تجنّباً للمخاطر التقنية، إلا أن هذه الخطوة قد تؤجّج توقعات المستهلكين الباحثين عن صفقاتٍ بوجود خصوماتٍ متجدّدة باستمرار، مع انخفاض قدرة هؤلاء المستهلكين على الشراء بالأسعار “العاديّة”؛ ولذلك فإن إدارة توقيت ونسب عروض التخفيضات تحتاج إلى عملية موازنةٍ دقيقةٍ، حيث يتوجّب على تجار التجزئة إثارة حماسة المستهلكين على المدى القصير دون تكييف المزاج العام للمستهلكين بشكلٍ يُجبر التجار على تقليل الأسعار على المدى الطويل.

تجار التجزئة يخصّصون استثماراتٍ كبيرةً للتسويق بغرض تجهيز المشترين لترقب الخصومات الكبرى

سعياً منها لإرضاء المتسوّقين الأكثر حرصاً عند الإنفاق، تؤكد سلاسل البيع بالتجزئة على القيمة التي توفرها تمهيداً لافتتاح موسم العطلات بالغ الأهمية، حيث أعلنت شركاتٌ مثل: Best Buy، وLowe’s، وKohls عن تخفيضات الجمعة السوداء عبر الحملات الإعلانية المتلفزة، والإلكترونية، وشاشات العرض داخل المتاجر.

وبغرض اجتذاب المزيد من التفاعل، عَمَد بعضها إلى إطلاق عروضٍ ترويجيةٍ جديدة، حيث أعلنت عروض “Deal Drops” الترويجيّة لفترة محدودة عبرَ تطبيق شركة Best Buy عن سلع مرغوبةٍ مثل أجهزة الألعاب الجديدة، كما احتدمت المنافسة بين شركتي Home Depot وLowe’s لتوفير ضماناتٍ بالاستمتاع بأقلِّ الأسعار وتعويض الفارق إذا وجَد العملاء جهازاً أو أداةً معروضةً بسعرٍ أقلَّ في مكانٍ آخر.

وخلف الأبواب المغلقة، عمل تجار التجزئة والمورّدون للوصول مع الشركات المصنّعة التي تعرض منتجاتِها لدى هؤلاء التجار إلى اتفاقياتٍ تمكنها من خفض أسعار بيعِها، حيث يسهم الحدّ من أعباء التكلفة بإمكانية عرض حسوماتٍ كبرى على أسعار منتجاتٍ من فئاتٍ عديدة كأجهزة التلفاز وأجهزة الكمبيوتر المحمولة ومنتجات الألعاب.

وبينما يقلّ هامش الربح على هذه السلع المخفضة، إلا أن متاجر البيع بالتجزئة تهدف إلى تحقيق المكاسب لاحقاً من خلال بيع ملحقات المنتجات المخفّضة السعر بسعرِها الكامل، إضافةً إلى أحجام المُعاملات المرتفعة.

أوروبا تستعد لموسم تسوّقٍ هادئٍ هيَ الأخرى

على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، تشير التوقعات إلى اتجاه مماثلٍ يُرجِّح مزيداً من الحرص عند الإنفاق خلال موسم أعياد الميلاد وسط ارتفاع تكاليف المعيشة التي تعصف حالياً بالمستهلكين في قارة أوروبا، ولعلَّ ما عزَّزَ حدة التوقعات المتشائمة أن معاملات متاجر البيع بالتجزئة في المملكة المتحدة لم تحقق ارتفاعاً يُذكر خلال الأسبوع الماضي، حيث بلغ معدل التضخم الخاص بمنطقة اليورو 2.9% الشهر الماضي، ما دفع الأسر لتخصيص ميزانياتٍ محدودة لموسم العطلات، حيث أشارَ 65% من متسوّقي فرنسا وإيطاليا وإسبانيا إلى أنهم يتوقعون شراء الهدايا عبر الإنترنت بحثاً عن تخفيضاتٍ بحسب استطلاع .PwC

وعليه، توفر تخفيضات الجمعة السوداء البداية المثالية لتعزيز المبيعات للمستهلكين الأكثر حرصاً في الإنفاق، حيث أطلقت متاجر البيع بالتجزئة الكبرى عبر الإنترنت مثل أمازون (Amazon) وموقع AliExpress التابع لشركة Alibaba عروضاً ترويجيةً على مدار شهر تشرين الثاني/نوفمبر بخصوماتٍ أعلى مقارنةً بالعام الماضي، وسط توقع خبراء مبيعات التجزئة استمرار المبيعات الإلكترونية بتعزيز حصّتها السوقية على حساب المتاجر العادية.

وفيما تُعتبر الولايات المتحدة مهد عروض الجمعة السوداء الخاصة بمتاجر البيع بالتجزئة، فقد شق هذا الحدث حالياً طريقه ليطغى على قارة أوروبا كامتداد لظاهرة ثقافية، ولكن نظراً للأوضاع الاقتصادية المتوترة هذا العام، ينصح المحللون متاجرَ البيع بالتجزئة أن يستمرّوا بتقديم الخصومات لتحظى بفرصةٍ للتغلب على التوقعات الباهتة للمبيعات.