في مشهد ابتكارات التقنيات الاستهلاكية الذي يدهشنا دائماً بكلّ جديد، ظهر مؤخراً دبوس الذكاء الصُّنعي (AI Pin) من شركة Humane كمحاولةٍ طموحةٍ لإحداث ثورة هائلةٍ في كيفية تفاعلنا مع أجهزتنا الرقمية.
فآخرُ الصيحات في هذا العالم جهازٌ يمكن وصفه بأنه “كمبيوتر قابلٌ للارتداء” و”عقلٌ ثانٍ” بسعر 699$ مع اشتراكٍ شهريّ بقيمة 24$. ويَعِدُ هذا الجهاز بتحرير المستخدمين من ارتباطهم المستمرّ بهواتفهم الذكية.
ولكنّ دبوس الذكاء الصُّنعي هذا -وفقاً لمراجعاتٍ متعمَّقةٍ لأبرز الصحفيين التقنيين- لا يُقدم تجربة مستخدمٍ سلسةً وموثوقةً كما ينبغي رغم إمكاناته الواعدة.
دبوس الذكاء الصُّنعي من شركة Humane يَعِدُ بنمط حياة أكثرَ تطوّراً من الهواتف الذكية
دبوس الذكاء الصُّنعي القابل للارتداء على سترة المستخدم وله عدسة كاميرا وجهاز إسقاط وميكروفون
يمثّل دبوس الذكاء الصُّنعي رؤية شركة Humane لمستقبل التكنولوجيا الذي يدمج تقنيات الذكاء الاصطناعيّ بسلاسةٍ ضمن حياتنا اليومية، ليقدّمَ لنا تجاربَ أفضلَ ويقلل من اعتمادنا على واجهات الهواتف الذكية التقليدية.
وتمّ تصميم الجهاز ليكون بمثابة مساعد يعمل بالذكاء الاصطناعي ويتم التحكم فيه عن طريق الأوامر الصوتية ويمكنه إتمام مجموعةٍ واسعةٍ من المهام، بدءاً من إجراء المكالمات الهاتفية وإرسال الرسائل، وصولاً إلى الردّ على الاستفسارات وحتى التحكم بالأجهزة المنزلية الذكية.
كذلك تشتمل الميزات الرئيسية لدبوس الذكاء الصُّنعي على كاميرا مُدمجةٍ ومكبر صوتٍ ونظام عرض فريد من نوعه يعتمد على تقنية “الحبر الليزري” الذي يعرض شاشةً افتراضيةً على راحة يد المستخدم، بحيث يمكن التفاعل معها عن طريق اللمس دون الحاجة إلى شاشةٍ تقليديةٍ، وهو ما قد يبدو ابتكاراً مستقبلياً ولكنّه في الحقيقة مجرّد جهاز عرضٍ صغير وحسب.
ومن خلال توفير تجربة مستخدم تتجاوز التطبيقات وشاشات اللمس، يهدف فريق Humane إلى إنشاء علاقةٍ أكثر وعياً وإثارةً بين الإنسان والتكنولوجيا.
كما يوضّح ديفيد بيرس (David Pierce) -المحرّر العام في موقع The Verge- أن “الفكرة الأساسيّة لدبوس الذكاء الصُّنعي من شركة Humane تتخلص ببساطةٍ على شكل هاتفٍ بدون شاشة”، ويضيف: “بدلاً من الحاجة إلى فتح التطبيقات والنقر على لوحة المفاتيح، فإن هذا الجهاز الصغير القابل للارتداء يجمع كافة المهام ضمن مساعد الذكاء الاصطناعي ونظام التشغيل CosmOS الخاص بشركة Humane”.
أداءٌ دون المستوى الموعود
كشفت المراجعات التي أجراها عددٌ من الصحفيين التقنيين أن دبوس الذكاء الصُّنعي هذا يعاني للوفاء بوعوده الطموحة، إذ يواجه مشاكلَ عديدةً بدءاً من أوقات الاستجابة البطيئة وعدم فعالية ميزة التعرّف على الصوت، وصولاً إلى مشكلة واجهة المستخدم المُربكة.
لقد اتضح أن فكرة المطوّرين عن تقديم تجربةٍ “أكثرَ وعياً وإثارةً ” -وفق ما يَعِدُ جهاز دبوس الذكاء الصُّنعي بتقديمه- ما تزال مُحبطةً للغاية خاصّةً عند مقارنتها بتجربة الهاتف الذكي.
وأشارت المراجعات إلى أحد نقاط الضعف الرئيسية المتمثلة بتباين تجارب التفاعلات الصوتية لدبوس الذكاء الصُّنعي، فرغم أن الجهاز قادرٌ على فهم بعض الاستفسارات والرّد عليها، فإنه غالباً ما يفشل بتقديم إجاباتٍ مباشرةٍ ووافيةٍ، ما يتسبّب بخيبة أمل المستخدمين.
ويقول بيرس حول ذلك: “مقابل كلّ تفاعلٍ ناجح مع دبوس الذكاء الصُّنعي، هنالك ثلاثة أو أربعة تفاعلاتٍ غير ناجحة؛ فعندما سألت عن الطقس في نيويورك حصلت على الإجابة الصحيحة؛ بعد ذلك عاودت السؤال عن الطقس في دبي، فأخبرني دبوس الذكاء الصُّنعي أن الطقس الحاليّ في دبي غير متاحٍ لموقع المستخدم المحدد في نيويورك”.
يُضاف إلى ذلك عدم فعالية ميزتي العرض باستخدام تقنية الحبر الليزري والتصفُّح بالإيماءات، وتصف تشيرلين لو (Cherlynn Low) -نائبة محرر المراجعات في موقع Engadget– عملية فتح الجهاز والتنقل في قوائمه بأنها “كابوسٌ” يُشعِرها كما لو أنّها “لا تعرف شيئاً”.
علاوةً على كلّ ما ورد، فمساحة العرض الصغيرة أحادية اللون، والحاجة إلى تثبيت اليد في وضعٍ غير مريح للتفاعل مع الواجهة تجعلان تجربة المستخدم مُملّةً وغير سلسة.
ارتفاع حرارة الجهاز ومشاكل عمر البطارية تُفقِد دبوس الذكاء الصُّنعي القدرة على المنافسة
تحدّث المراجعون أيضاً عن مشاكل أخرى لدبوس الذكاء الصُّنعي من شركة Humane، مثل ارتفاع درجة حرارة الجهاز وعمر البطارية المخيّب للآمال بشكلٍ عام. ويبدو أن هيكل الجهاز المصنوع من الألومنيوم وحجمه الصغير يعيقان قدرته على التخلص من الحرارة بكفاءة، ما يتسبّب بتوقّف الجهاز عن العمل بشكلٍ متكرّر حتى تنخفض حرارته. وتشير “لو” إلى أن دبوس الذكاء الصُّنعي غالباً ما ترتفع حرارته بشكلٍ مزعجٍ، حتى عند استخدامه في مناطق معتدلة الحرارة.
اقرؤوا أيضاً: مورجان ستانلي يتوقع انتعاش مبيعات الهواتف الذكية القائمة على الذكاء الاصطناعيّ بدءاً من عام 2024
وتُعَدُّ مشكلة عمر البطارية عيباً إضافياً كبيراً، حيث يعاني الجهاز خلال محاولته الاستمرار بالعمل ليوم كاملٍ دون الحاجة إلى تبديل معزّزات البطارية المُضمَّنة. وفي المحصلة، تؤثر الحاجة إلى التبديل المستمرّ بين ملحقات الطاقة سلباً على سلاسة التجربة التي يهدف دبوس الذكاء الصُّنعي من شركة Humane إلى توفيرها.
ويقول بيرس: “… إذا كنت سأدفع هذا السعر وألصق هذا الجهاز البارز على جسدي، فيجب أن يُقدّم لي أكثرَ من ذلك، فعمر البطارية مشكلةٌ بحدّ ذاته، حيث يأتي دبوس الذكاء الصُّنعي مزوّداً بمُعزّزَين للبطارية وعلبة شحن وشاحن مكتب، وسيضطرّ المستخدم لاستعمال كلّ تلك الملحقات مراراً وتكراراً”.
مفهومٌ مثيرٌ لكنه غير جاهزٍ للتبنّي على نطاقٍ واسع
على الرغم من جاذبية الفكرة الثورية لدبّوس الذكاء الصنعي، إلّا أن تجربة الجهاز وواجهة المستخدم لا تقدمان بديلاً مقنعاً للهواتف الذكية التقليدية، ونظراً لسعره المرتفع البالغ 699$ المترافق مع اشتراكٍ شهريّ قدره 24$؛ يمكن اعتبار الدبوس مجرّد حيلةٍ باهظة الثمن بدلاً من جهازٍ حقيقيّ قابل للاستخدام. وقد أجمعت الآراء على أن الجهاز بشكله الحاليّ لا يستحق الاستثمار فيه، وصرّح بيرس بجرأة: “كلا، مستحيل… دبوس الذكاء الصنعي فكرةٌ مثيرةٌ للاهتمام، لكنّها غير مكتملةٍ وتشوبها الكثير من العيوب غير المقبولة، ولا أستطيع التفكير بأي شخصٍ يمكن أن أنصحه بإنفاق 699$ على هذا الجهاز مع اشتراكه الشهريّ البالغ 24$”.
يمكنكم أيضاً الاطلاع على: أفضل 5 أجهزة قابلة للارتداء لم تسمعوا عنها بعد
وتوافق تشيرلين لو (Cherlynn Low) من موقع Engadget هذا الرأي حيث صرّحت قائلة: “يبدو دبوس Humane للذكاء الصنعيّ بطيئاً ومتقلّب الأداء وبالكاد يمكن ربطه بالذكاء، كما أن استخدامه يجعلني أبدو غبيةً للغاية، ولا يقدّم الجهاز بشكله الحاليّ مبرّراً لإنفاق 700$ لشرائه فضلاً عن الاشتراك الشهري البالغ 24$”.
من جهةٍ أخرى، عبّر المراجعون عن تفاؤلهم بالإمكانيات المستقبلية لهذا الاختراع ولفكرة أجهزة الذكاء الصنعي القابلة للارتداء، حيث يمكن لدبوس الذكاء الصنعي -مع استمرار تطوّر التقنية والبرمجيات- أن يقدم في نهاية المطاف حلّاً عملياً وأكثر فاعليةً للباحثين عن مقاربةٍ مدروسةٍ ومتكاملةٍ لحياتهم الرقمية؛ وعبّر بيرس عن ذلك قائلاً: “أتمنّى أن تتابع Humane مساعيها وتطوّر الوظائف الأساسية للجهاز وتجد طريقةً لتضمين المزيد من هذه الوظائف في الجهاز دون التأثير على عمر البطارية… وآمل أن يصبح الجهاز أسرع وأكثر كفاءةً، كما أتمنّى أن تقرر Humane إنتاج ساعةٍ أو نظارة ذكيةٍ أو أداة مصمّمةٍ خصيصاً كي تُحمل في اليد”.
تقديم تجربة أكثرَ وعياً في أجهزة التقنيات الاستهلاكية لا يزال فكرةً مستقبلية
يعاني دبوس Humane للذكاء الصنعي صعوبةً في الارتقاء إلى مستوى وعوده، ويؤكد هذا على التحديات الكبيرة التي تواجه هذه المقاربة الجديدة لتجربة الهواتف الذكية. ومن المؤكد أن فكرة الجهاز القابل للارتداء -المدعوم بالذكاء الصنعيّ وتقنية التحكم الصوتي والذي يشجع على علاقةٍ سلسةٍ مع التكنولوجيا- تبدو مثيرةً للاهتمام، لكنّ تنفيذها الحاليّ على هيئة دبوس الذكاء الصنعي يفشل بتقديم بديلٍ مقنع.
وكشفت المراجعات أن تجربة استخدام الجهاز محبطةٌ -وتغدو فكاهيةً أحياناً- بسبب نقاط الضعف التقنية ومشاكل الاستخدام المتمثلة بتباين كفاءة التفاعلات الصوتية وقِصَر عمر البطارية وارتفاع حرارة الجهاز، إضافةً إلى صعوبة التصفّح بالإيماءات وعيوب نظام إسقاط الحبر الليزري، ما يُصعّب اقتراح هذا الجهاز حتى لأكبر عاشقي التكنولوجيا ومستثمريها الأوائل.
ولا ينفي المراجعون إمكانيات الجهاز المستقبلية بشكلٍ كامل، حيث يمكن للجهاز -مع استمرار تطوّر التقنية والبرمجيات- أن يصبح في نهاية المطاف حلّاً عملياً وأكثرَ فعاليةً للباحثين عن نهج مدروسٍ ومتكاملٍ في حياتهم الرقمية. وحتى ذلك الوقت، يمكن للمستهلكين الباحثين عن طريقةٍ لتخفيف اعتمادهم على الهواتف الذكية أن يطّلعوا على خياراتٍ أكثرَ نضجاً وكفاءةً في السوق، فيما يبقى دبوس Humane للذكاء الصنعي فكرةً مثاليةً لا ترقى إلى مستوى وعودها في الوقت الحاليّ.