في أحدث مساعيها لرسم ملامح “الإنجاز الكبير التالي” الخاص بها، يبدو أن شركة التكنولوجيا العملاقة آبل (Apple) تعكف حالياً على تطوير روبوتاتٍ شخصيةٍ للمنازل وفقاً لتقريرٍ جديدٍ لمارك جورمان (Mark Gurman)، المراقب الشغوف في شركة آبل لدى وكالة بلومبيرج.
ورغمَ أن وجودها ما يزال في مراحله الأولى، إلا أنه من المتوقع أن تُفضي هذه الروبوتات بشركة التكنولوجيا هذه التي تتخذ من مدينة كوبرتينو الأمريكية مقراً لها إلى إطلاق خط إنتاجٍ ثوريّ جديد يُلبّي احتياجات هذه السوق الهائلة.
ويورد التقرير -نقلاً عن مصادرَ مطلعةٍ على جهود البحث والتطوير السريّة لدى آبل- أن الشركة تعمل منذ مدةٍ على تطوير أفكار ونماذجَ أوليةٍ لجهازي روبوتٍ منزليّ منفصلين:
1- روبوتٌ متحركٌ قادرٌ على التنقل ذاتياً داخل المنزل ومرافقة المستخدمين لتقديم المساعدة.
2- برمجيّةٌ آليةٌ أكثرُ تقدّماً تستضيفها وحدة عرض متحركةٌ أو “شاشةٌ ذكيةٌ” مصمَّمةٌ لتقليد إيماءات وتحركات رأس الإنسان وتوفير بعض الميزات المحسّنة مثل مكالمات الفيديو.
ورغم شُحّ التفاصيل الخاصّة بهذا المشروع، إلا أن فكرة اقتحام شركة آبل مجال الروبوتات المنزلية تمثل تحوّلاً إستراتيجياً مثيراً للاهتمام، حيث تتطلع الشركة إلى تكرار نجاح هاتف الآيفون (iPhone) الخاصّ بها، إضافةً إلى مواجهة المنافسة المتزايدة من نظرائها كشركات سامسونج (Samsung) وأمازون (Amazon-AMZN) وجوجل (Google) في المجالات التكنولوجيّة الناشئة.
بعد تعثّر مشروع آبل للسيارات الكهربائية، هل تمثل الروبوتات المنزلية النهجَ البديل؟
يبدو أن مشروع الروبوتات أصبح محور الاهتمام الجديد لمطوّري أجهزة شركة آبل بعد أن أوقفت الشركة رسمياً مبادرة إنتاج السيارات الكهربائية -والتي كثرت الشائعات حولها- في وقتٍ سابقٍ من عام 2024، حيث استمرَّ نشاط المشروع السريّ لسيارات آبل -والذي حمل الاسم الكوديّ “Project Titan” واستمرَّ لعدّة سنواتٍ- في تحديد التصميمات والتقنيات المحتملة لسيارةٍ كهربائيةٍ تحمل علامة Apple التجارية، والتي كان من شأنها منافسة منتجاتٍ مشابهةٍ لشركات تسلا (Tesla) وريفيان (Rivian) ولوسيد (Lucid) وغيرها.
لكن ولسوء الحظ، أدّت التحديات المتعلقة بالتكلفة وتوظيف الخبرات والعقبات التنظيمية والجداول الزمنية الضيقة للإنتاج إلى تعليق شركة آبل مؤقتاً لطموحاتها في مجال السيارات الكهربائية، حيث قامت شركة التكنولوجيا العملاقة -على إثر ذلك- بتسريح عددٍ كبير من المهندسين وأعادت تعيين آخرين للتركيز على مجالاتٍ تقنيةٍ أخرى مثل الواقع المعزَّز (AR) والذكاء الصنعيّ (AI) والمنتجات المنزلية.
ومع طيّ الشركة لصفحة مشروع السيارات الكهربائية، يبدو أن مبادرة الروبوتات المنزلية التي يقودها فريق الذكاء الصنعي والأجهزة التابع لشركة آبل هي المشروع الذي يمكن أن يتحوّل إلى “الإنجاز الكبير التالي” للشركة؛ فمن المتوقّع لنجاح إنتاج الروبوتات المنزلية تغييرُ قواعد اللعبة، تماماً كما كان الحال مع إنتاج هاتف الآيفون، وذلك بالنظر إلى الإمكانات الهائلة لقطاع الروبوتات المنزلية. ومع ذلك، فإن المشروع يمثّل تحدياً أيضاً لشركة آبل التي يتعيّن عليها أولاً إثبات نفسها كقوةٍ مهيمنةٍ في فئةٍ جديدة تماماً من المنتجات.
اهتمام شركة Apple بالروبوتات المنزلية ليس وليد الصدفة
رغم انتشار أخبارٍ حول قيام شركة آبل بإنجاز أبحاثٍ متعلقةٍ بتطوير روبوتاتٍ منزليةٍ وطائراتٍ ذاتية التحكم للاستخدام المنزلي منذ سنوات، فإن تقرير بلومبيرج يُلقي ضوءاً جديداً على مدى النشاط والتقدم في بعض هذه المبادرات وراء الكواليس.
ويبدو أن فكرة الروبوت المنزليّ الشخصي تعود إلى عام 2019 على الأقل، عندما كان دوج فيلد (Doug Field) -المدير التنفيذيّ السابق لشركة آبل -والذي يشغل الآن منصب مدير العمليات المتعلقة بالسيارات الكهربائية لدى شركة فورد (Ford-F)– يقود جهود أبحاث الشركة في مجال الروبوتات مستعيناً بمهندسين من مبادرات تطوير المنتجات المنزلية الأخرى.
وشملت الأفكار والنماذج الأولية المقترحة -خلال تلك الفترة- طائراتٍ ذاتية التشغيل للاستخدام المنزليّ من أجل مراقبة المنزل داخلياً، وروبوتاتٍ قادرةً على المساعدة بإتمام المهام المنزلية الأساسية كتنظيف الأطباق، وأذرعاً آليةً للمساعدة في مكالمات الفيديو وغيرها من المهام، إلا أن العديد من هذه الأفكار عُلّقت أو تمّ التخلي عنها بالنهاية نتيجة عددٍ من العقبات الفنية. مع ذلك، تشير المصادر إلى أن شركة آبل (Apple-AAPL) واصلت دراسة جدوى الروبوتات المنزلية والتقنيات المشابهة كمادةٍ أوليةٍ لمشاريع منتجاتٍ استهلاكيةٍ محتملة.
وفي هذا الإطار، انحصر التركيز على مجالين رئيسيين، هما الروبوت المساعد المتنقل لمتابعة المستخدمين في أنحاء المنزل، وأنظمة العرض الذكية ذات قدرات الحركة التلقائية لتعزيز التواجد عن بعد وتجارب مكالمات الفيديو. ويبدو أن طاولة العرض الذكيّ المزوّدة بشاشةٍ آليةٍ -والتي تحدّثت عنها بلومبيرج- تشبه إلى حدٍّ كبير الجهاز المنزلي “الشبيه بجهاز الآيباد (iPad)”، والذي أُشيع أنه كان قيد التطوير عام 2022 قبل أن يتم إلغاء فكرته لاحقاً.
من يقود جهود شركة آبل في مجال الروبوتات؟
فيما يلي أسماءُ ثلةٍ من ألمع خبراء التكنولوجيا والأكثر تأثيراً ممّن يقودون المبادرة المتجدّدة للروبوتات المنزلية في شركة آبل:
- جون جياناندريا (John Giannandrea): النائب الأول لرئيس قسم تعلم الآلة وإستراتيجيات الذكاء الصنعي، والرئيس السابق لقسم الذكاء الصنعي لدى شركة جوجل.
- مات كوستيلو (Matt Costello): نائب رئيس قسم هندسة الأجهزة.
- برايان لينتش (Brian Lynch): نائب رئيس قسم تكنولوجيا الأجهزة.
وقد مثّل جياناندريا على وجه الخصوص القوّةَ الدافعة في توسيع قدرات الذكاء الصنعيّ الخاصة بشركة آبل منذ أن استقطبته الشركة من جوجل عام 2018، وسيقود جياناندريا المخضرم في مجال الذكاء الاصطناعيّ -والذي ساعد في تطوير أداة مساعد جوجل الرقميّ- جهودَ تعلُّم الآلة وتطوير البرمجيات لصالح مشاريع روبوتات آبل.
في الوقت نفسه، يقوم كوستيلو ولينتش بالإشراف على سير أعمال هندسة الأجهزة من ناحية التصميم الماديّ للروبوتات وأجهزة الاستشعار والكاميرات والمكوّنات الأخرى، كما جرى إعادة تعيين مهندسٍ واحد على الأقل من العاملين سابقاً في أجهزة السيارات التابعة لمبادرة تايتان ضمن فريق عمل الروبوتات المنزلية، وذلك في إطار خطة الشركة لإعادة توزيع الموارد، وهو ما يؤكد الأولوية التي توليها آبل لهذه المبادرات الأخيرة.
كما تفيد التقارير بأن شركة آبل تبحث إمكانية إعادة تجهيز منصّة “SafteyOS” الداخلية -والمُصمَّمة في الأصل لتطوير قدرات القيادة الذاتية- واستخدامها لتشغيل الروبوتات المنزلية المستقلة أيضاً.
التحدّيات والمنافسة المحتدمة في قطاع روبوتات المنزل
يمثّل اتجاه شركة آبل لاستكشاف فئةٍ جديدة من المنتجات فرصةً لتجديد سمعتها كشركةٍ ابتكاريةٍ رائدة، ولكنَّ الطريق لا يخلو من عقباتٍ وحواجز يكمن لأحدها التسبّب بتأخر آبل عن ركب المنافسين في قطاع الروبوتات المنزلية الذي يعجّ بلاعبين معروفين كشركة iRobot ومكنسة رومبا (Roomba) الشهيرة الخاصّة بها، وبرمجيّة آسترو (Astro) المنزلية الخاصّة بشركة أمازون، والتي توفّر تحكّماً صوتياً عن طريق Alexa ومراقبة الهاتف المحمول أمنياً.
ويتناقش مدراء آبل حول كيفية إقناع المستهلكين بتحمّل الكلفة العالية لروبوتاتها المنزلية (حيث تشتهر آبل بتكلفة منتجاتِها العالية)، وقد تجدُ الشركة صعوبةً في حشد إقبالٍ كبير إذا فشلت بتوفير ميزاتٍ مُقنعةٍ وقيّمةٍ تبرّر سعرها المرتفع، كما توجد العديد من التحدّيات التقنية التي يجدر بفريق أبحاث آبل تجاوزها لإنتاج روبوتاتٍ متطوّرة بما يكفي للمنافسة ضمن هذا القطاع المزدحم، وترتبط هذه التحدّيات بالقيادة الذاتية والمناورة وتفادي العقبات وإدارة استهلاك الطاقة والذكاء الصنعيّ (AI).
يُذكرُ جَمعُ لاعبين كبارٍ في القطاع -بالأخصّ رومبا- كمياتٍ هائلةً من البيانات أتت من عشرات ملايين الروبوتات المُباعة؛ ما يمنحهم أفضليةً كبيرةً في تطوير الروبوتات، خاصّةً من ناحية القيادة الذاتية وتحديد المكان. ولطالما تحدّث خبراء الروبوتات عن صعوبة تطوير روبوتٍ قادرٍ على التنقل بسلاسةٍ في بيئةٍ غير سلسةٍ إلى جانب أداء مهامّ مفيدة دون تشكيل خطرٍ على المحيط، حيث يبقى روبوت آسترو مشروعاً قيد التطوير من هذه الناحية.
وبأخذ ما سبق بعين الاعتبار؛ يمكننا تصنيف روبوتات آبل في هذه المرحلة على أنها مشروع بحثٍ علميّ استكشافيّ، كما تشير بعض المصادر إلى إمكانية إلغاء المشروع أو تأجيل مواعيد الإطلاق في حال الفشل بإنتاج نماذجَ مقنعةٍ وتصاميمَ مناسبةٍ لمعايير الشركة العالية.
النجاح في مجال الروبوتات المنزلية سيشكّل انتصاراً لآبل بعد فشل مشروع مركبتها الكهربائية
يمكن أن تتغيّر نظرة المستهلكين وتبنّيهم للروبوتات وأدوات الذكاء الصنعيّ ضمن منازلهم في حال نجحت آبل بتسويق الروبوتات المنزلية المتطوّرة خلال الأعوام المقبلة، إذ سبق لشركات التقنية العملاقة تحقيق الكثير من الإنجازات منذ ظهور الإنترنت؛ إلّا أنها فشلت بإدخال روبوتاتٍ ومساعدين افتراضيين للقيام بالمهام المنزلية، ليقتصرَ الأمر على المكانس الكهربائية ومكبّرات الصوت الذكية.
ويمكن لآبل أن تغيّر الشكل الحالي للقطاع في حال ارتقاء روبوتاتها إلى مستوى الدعاية والضجّة المحيطة بها، حيث تتمتع الشركة بقدراتٍ لا مثيلَ لها على خلق أنظمةٍ تقنيةٍ راسخةٍ -تجمع المعدّات والبرمجيات- وتكنولوجيا قادرة على قلب موازين القطاع وجذب إقبالٍ كبيرٍ عليها.
يمكنكم الاطّلاع أيضاً على: 8 صيحاتِ ذكاء صنعيّ للشركات في عام 2024 – اطّلعوا على المزيد للحفاظ على صدارتكم في هذا المجال
وكما دخلنا في حقبة الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية مع جهازي الآيفون والآيباد؛ يمكن أن نشهد إقبالاً كبيراً من المستهلكين في حالِ نجحت شركة آبل بإنتاج روبوتٍ منزليٍّ متطوّرٍ يجمع أفضل برمجيات الذكاء الصنعي وقدرات الحضور عن بعد ومكالمات الفيديو ومزايا الأتمتة إلى جانب التصميم الأنيق والفريد؛ إذ سبَق وحققت آبل هذا الإنجاز ويمكنها تكراره مجدّداً بكلّ تأكيد. وفي حال أصبحت الروبوتات المنزلية الشخصيّة عنصراً أساسياً في كلّ منزلٍ -كما هو الحال مع الهواتف الذكية والمكبّرات الذكية- ستُفتح الأبواب لإطلاق نماذج تجاريةٍ جديدة وغير مسبوقةٍ، ولمصادرِ ربحٍ للشركات القادرة على الاستفادة من هذه الصيحات الجديدة.
ويمكن لنجاح مغامرة كهذه ترسيخ سيطرة آبل في هذا القطاع التقنيّ الناشئ لعدّة سنواتٍ قادمة، فيما سيفضي الفشل الكبير إلى التنازل للمنافسين ممّن استثمروا -بشكلٍ كبير- في قطاع الروبوتات والذكاء الصنعيّ كشركتي أمازون وألفابت (Alphabet) المالكة لجوجل؛ وتتجه جميع الأنظار إلى مؤتمر مطوّري آبل السنوي المرتقب في حزيران/يونيو المقبل بانتظار تلميحاتٍ حول رؤيا شركة آبل المتعلقة بقطاع الروبوتات وخارطة طريقٍ للمُنتج الجريء المُنتظَر.