رغم تعرّض وسائل التواصل الاجتماعي لانتقاداتٍ كثيرة، فقد ظهرت فوائد عديدةٌ لاستخدامها كوسيلةٍ ثوريةٍ في العصر الرقميّ الحالي؛ وتبدو استخداماتها متنوّعةً، بدءاً من التعليم والصحة النفسية إلى الشؤون السياسية والتجارية والعلاقات الشخصية. ورغم الآثار الإيجابية العديدة لوسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها لا تخلو من بعض المخاطر المحتملة، والتي يُعدّ الوعي بها وتطبيق الضمانات الضرورية لتجنبها عاملين أساسيين في استخدامها بشكلٍ موفق.

من خلال هذه المقالة سنتعمّق في هذه المحاور لتوفير نظرة شاملةٍ حول الآثار الإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعيّ على فئات الأطفال والشباب، كما سنناقش آثارها الإيجابية على الصحّة النفسية ودورها المجتمعيّ؛ وتتضمّن هذه المقالة -كذلك- مراجعةً لعدد من الدراسات البحثية الحديثة لتسليط الضوء على آخر اتجاهات الحوار والتطوّرات المتعلقة بهذا المجال.

النقاط الرئيسية لفوائد وسائل التواصل الاجتماعي

  • وسائل التواصل الاجتماعيّ تلعب دوراً مهماً في تحفيز التعلم والإبداع بين الفئات العمرية الصغيرة (Baytiyeh, 2021).
  • وسائل التواصل الاجتماعي تُعتبر منصّاتٍ قويّةً للتعبير عن الذات والتواصل بين الشباب (Vaingankar et al., 2022).
  • وسائل التواصل الاجتماعي يمكنها التأثير إيجابياً على الصحة العقلية وبخاصّةٍ لدى المصابين بمرض عقليّ (Naslund et al., 2020).
  • ولكن من المهم الموازنة بين الفوائد المحتملة لوسائل التواصل الاجتماعي والمخاطر المتعلقة بها وتطبيق الضمانات اللازمة لتعظيم فوائدها وتقليل أضرارها .(Casale, 2020)
  • وفّرت وسائل التواصل الاجتماعي سبيلاً للمشاركة المجتمعية في الشؤون السياسية، لتسمح بتوصيل أصوات الفئات المهمّشة .(Pew Research, 2023)
  • في الشؤون التجاريّة، أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى أشكالٍ تسويقيةٍ أكثرَ تخصيصاً وتفاعلاً (B2C, 2023).
  • على مستوى العلاقات الشخصية، تسمح وسائل التواصل الاجتماعي لمستخدميها بالحفاظ على علاقاتهم الشخصية عن بعد وتشكيل صلاتٍ جديدة بناءً على المصالح المشتركة والتعبير عن الذات بشكلٍ فريد .(Hatamleh et al., 2023)

الآثار الإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال والشباب

في عالمنا القائم اليوم على التواصل الدائم، تمّت الإشادة بفوائد وسائل التواصل الاجتماعي في مجالاتٍ كثيرة؛ فبالنسبة للأعمار الشابة لم تعد هذه المواقع مجرّد أدواتٍ ترفيهيّة؛ بل أصبحت ساحةً مهمّةً للتعلم والتعبير عن الذات والإبداع والتواصل، وأصبحت قوة الإنترنت والهواتف الذكية إلى جانب التطبيقات الخاصّة بمنصات التواصل الاجتماعي تعمل جميعاً على إثراء التعلم عن بعد والمشاركة المجتمعية عبر الإنترنت، وعليه فقد سلطت الأبحاث الضوء على قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على تحويل التعلم -بشكله التقليديّ- إلى تعلم يتم توفيره بوسائل منخفضة التكلفة، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي محفّزة للإبداع وتحسين الوصول إلى الموارد المعرفية بغضّ النظر عن الموقع الجغرافيّ، فضلاً عن تعزيزها لتبادل الأفكار وتعزيز تفرّد الهوية وبناء مجتمعاتٍ خاصّةٍ بمستخدميها.

خلال الأقسام التالية، سنتناول فوائد وسائل التواصل الاجتماعي في دعم التعلم والإبداع لدى فئة الشباب، إلى جانب مناقشة دورها في إثراء التعبير عن النفس والتواصل وتحسين الصحة النفسية، مسلّطين الضوء على أهميتها في العصر الرقميّ الذي أصبحنا نعيشه.

وسائل التواصل الاجتماعي كأداة تعليميّةٍ ومحفزة على الإبداع

يُعدّ الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في إثراء القدرة على التعلم والإبداع لدى الشباب دوراً هاماً حيث أصبحت جهات التعلم عن بعد ومجتمعات التعلم عبر الإنترنت تستفيد من خدمات الإنترنت والهواتف الذكية وتطبيقات التواصل الاجتماعي.

جديرٌ بالذكر أن الورقة البحثية المقدمة من قِبَلِ Baytiyeh والصادرة عام 2021 توضّح قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على تسهيل الانتقال من التعليم التقليديّ (وجهاً لوجهٍ) إلى بيئة تعلّمٍ مجانيةٍ عبر الإنترنت، حيث تناول بحثه مناطق النزاعات بشكلٍ خاص، ولا تقتصر استنتاجاته على هذا السياق بل يمكن تعميم هذه الإستراتيجيات بفعاليةٍ لأغراضٍ شتّى.

يُشار إلى أن مجالات الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز التعلّم والإبداع تشمل الآتي:

  • الهيكلية التعليمية: يتم استبدال النماذج التعليمية التقليدية التي ترتكز على المعلم بنهج آخرَ تركيزه على الطالب، حيث يتجه المعلمون للعمل كمرشدين بدلاً من أن يعملوا كموزّعين للمعرفة.
  • تسهيل الوصول: بغضّ النظر عن الموقع، تعمل وسائل التواصل الاجتماعي على تعزيز إمكانية الوصول للأنشطة التعليمية بتغييرها لسبل الوصول إلى المعلومات، ما يجعل منها وسيلةً تتسم بالسرعة والسهولة والتكلفة الأقلّ وبالتالي تكون أكثرَ تعزيزاً للقدرة على التعلم.
  • الإبداع: تحفز وسائل التواصل الاجتماعي على الإبداع، حيث يقوم الطلاب بعرض قدراتهم ويتلقون تقييماتٍ لعملهم ما يُسهم في تطوّرهم الإبداعيّ، ويُشار لتوفير بعض المنصات منافذ للأعمال الإبداعية والتشجيع على التعلم المستمرّ مثل منصّتي إنستغرام وVoiceThread.

وسائل التواصل الاجتماعي كساحاتٍ للتعبير والتواصل

تتوفر الدلائل على إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا الرقميّ بتوفيرها المجال أمام الشباب للتعبير عن أنفسهم وبناء علاقاتٍ جديدة، حيث تسلط دراسة Vaingankar وآخرين في عام 2022 الضوء على الدور التحويليّ الهام الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي كمنصّةٍ للتعبير عن النفس والتواصل بتوفيرها مساحاتٍ للشباب لمشاركة أفكارهم ومشاعرهم وخبراتهم وبناء مشاعر التقدير الذاتيّ وإثراء الهوية.

تجدر الإشارة إلى أن أوجه الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي مُتعدّدة، حيث تسهم بتكوين روابط متنوّعةٍ تُسهّل على الشباب إمكانية التفاعل والانخراط في المجتمعات القائمة على الاهتمامات المشتركة إضافةً للانغماس في حواراتٍ عالمية، كما تسهم شبكات الاتصال هذه بشكلٍ إيجابيّ في تعزيز الصحة النفسية للمستخدمين بتوفيرها للدعم النفسيّ عبرَ تعزيز العلاقات وإثراء الجوانب الاجتماعية في عصر التواصل الرقميّ.

وفي هذا الإطار، تبرز مزايا وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ أكبر:

  • المحتوى: يتشارك الشباب المعلومات المختلفة مع بعضهم البعض ليستوعبوها مشكّلين تصوّراتٍ ومواقف خاصّةً بهم.
  • التواصل: يتفاعل الشباب فيما بينهم ويثرون المناقشات المجتمعية لبناء روابط وعلاقاتٍ متنوّعة.
  • التعبير: تعمل الطرق المختلفة للتواصل والتعبير عن النفس على تشكيل الهوية وتعزيز الشعور بتقدير الذات.

وإجمالاً، فإن وسائل التواصل الاجتماعي لا تقتصر على كونها منصّاتٍ رقميةً وحسب، بل تُعتبر أداة حيويّةً لدعم الصحة العقلية لدى الشباب وتشكيل الهويّة والتناغم المجتمعيّ.

آثار وسائل التواصل الاجتماعي الإيجابية على الصحة النفسية

يمكن لخصائص وسائل التواصل الاجتماعي إحداث تأثيراتٍ إيجابيةٍ على الصحة النفسية، وخاصّةً لأصحاب الأمراض المتعلقة بها.

ويعمل البحث المقدّم من قِبَلِ Naslund وآخرين في عام 2020 على تلخيص الابحاث المتعلقة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وسط الأفراد المصابين بأمراضٍ نفسيّة، وخلص البحث إلى أنه بإمكان منصات وسائل التواصل الاجتماعي توفير إحساسٍ بالاتصال مع الآخرين، ما يحدّ من الشعور بالعزلة، وتشمل أوجه الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي فيما يخص الصحة النفسية ما يلي:

  • التعبير عن الذات: توفر هذه الوسائل للمهمّشين طرقاً للتعبير عن النفس والتفاعل الهادف والبناء.
  • شبكات الدعم المشترك: تعمل وسائل التواصل الاجتماعي كساحاتٍ للتفاعل وإثراء الدعم لتعزيز مشاعر الانتماء المجتمعي.
  • التعليم: تسهّل الوصول إلى الموارد التعليمية والخدمات المتعلقة بالصحة النفسية.

وخلاصة القول هنا إنّ الموازنة بين أوجه الاستفادة والمخاطر المحتملة تُعدّ أمراً بالغ الأهمية، حيث يمكن للوعي بها أن يؤدي إلى زيادة الاستفادة منها والحدّ من أضرارها.

الاستخدامات الجيدة والسيئة لوسائل التواصل الاجتماعي

كما سبق وأشرنا، هناك أوجهٌ عديدة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن مقالة Casale لعام 2020 تشير إلى أن الاستخدام الزائد لوسائل التواصل الاجتماعي -أو ما يُعرف بالاستخدام الإشكاليّ لوسائل التواصل الاجتماعي -(PSMU) يمكنه التأثير سلباً على الحياة اليومية، إذ يمكن لهذه الاستخدامات التسبّب بحدوث إدمانٍ سلوكيّ أو أن يكون تعبيراً عن أعراضٍ لأمراضٍ نفسيةٍ موجودة مسبقاً مثل الرهاب الاجتماعيّ أو الاكتئاب؛ كما أشار الباحثون إلى أن الاستخدام المتكرّر لوسائل التواصل قد يترافق مع حالاتٍ نفسيةٍ سلبيةٍ مؤقّتة.

وللإبقاء على علاقة مثمرة مع وسائل التواصل الاجتماعي هذه يتوجب فهم تلك المخاطر واتباع إجراءاتٍ وقائيةٍ مثل:

  • مراقبة الوقت الذي تقضونه على وسائل التواصل الاجتماعي.
  • أخذ الحذر تجاه المحتوى الذي يتم التفاعل معه.
  • فهم دوافع الاستخدام.
  • أخذ قسطٍ من الراحة بين فترات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
  • ممارسة نشاطاتٍ صحيّةٍ لا تعتمد على الإنترنت.

وختاماً، توفر وسائل التواصل الاجتماعي فوائدَ عديدة، إلا أن الاستخدام الأمثل والمتوازن لها يُعدّ أمراً بالغ الأهمية لتجنب استخدامها الإشكاليّ.(PSMU)

فوائد وسائل التواصل الاجتماعي في مجالاتٍ مختلفة

امتدت تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي لتشمل مختلف جوانب حياتنا اليومية بما فيها الشؤون السياسية والتجارية والعلاقات الشخصية، ولتلعب دوراً بارزاً في النشاط السياسيّ بشكلٍ خاص، ما أدى لإصلاح الخطاب السياسيّ العام وغيّرَ من توجّهات الحملات الانتخابية، كي تبلغ أصداء أصوات المواطنين آفاقاً جديدة.

كذلك يرى القطاع التجاري في وسائل التواصل الاجتماعي فوائدَ عديدة، حيث أصبحت أداةً تسويقيةً أساسيةً من خلال التفاعل بشكلٍ شخصيٍّ مع المستهلكين. وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن العلاقات الشخصية استثناءً من هذه التطورات، حيث سهّلت التواصل عن بعد وزادت من التفاعل بناءً على الاهتمامات المشتركة والتعبير عن النفس بشكلٍ فريد، وتجدون أدناه بعضاً من أوجه الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في الشؤون السياسية والتجارية والعلاقات الشخصية.

السياسية

تبعاً للدراسة التي أجراها مركز Pew للأبحاث عام 2023، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في النشاط السياسي وتشكيل الطرح السياسيّ العام والتأثير على الحملات السياسية:

  • أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصّةً للتعبير عن آراء المواطنين.
  • كما أصبحت مكاناً يتيح للمواطنين المشاركة في النقاشات السياسية.
  • إضافة إلى أنها تُعتبر أداةً بيد المواطنين للمشاركة في الأنشطة السياسية.

ليؤدي كلّ ذلك إلى إضفاء طابع المشاركة المجتمعيّة على الساحة السياسية، ما سمح بسماع الأصوات المهمّشة عبر وسائل الإعلام التقليدية.

التجارية

فيما يخص القطاع التجاري، عملت وسائل التواصل الاجتماعي على تغيير الطريقة التي تتفاعل بها الشركات مع المستهلكين، وقد يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده: “ما هي الآثار الإيجابية للتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟”.

عادةً ما تعمل الشركات على استخدام منصات الوسائط الاجتماعية بطرقٍ مختلفةٍ، بهدف إنشاء بُنيةٍ تسويقيةٍ تتفاعل مع المستهلكين بشكلٍ شخصيٍّ ومباشر:

  • الإعلان: تستخدم الشركات وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن منتجاتها وخدماتها.
  • التفاعل مع العملاء: تُعدّ وسائل التواصل الاجتماعي ساحةً وسيطةً للشركات من أجل التواصل مع العملاء.
  • تجارب المستهلكين وآراؤهم: تسمح وسائل التواصل الاجتماعي بجمع آراء المستهلكين من قبل الشركات، ما يثري الانخراط المباشر للمستهلكين في تشكيل منتجاتها وخدماتها.

العلاقات الشخصية

عملت وسائل التواصل الاجتماعي على تغيير الطريقة التي نتصل ونتواصل من خلالها مع الآخرين؛ حيث يشكل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ارتباطا وثيقاً بتكوين العلاقات الاجتماعية، وذلك بحسب ما خلصت إليه دراسة من Hatamleh وآخرين عام 2023:

  • تسمح وسائل التواصل الاجتماعي للعامة بالحفاظ على الاتصال عبر مسافاتٍ بعيدة.
  • كما توفر ساحةً لتكوين صلاتٍ جديدة بآخرين قائمةٍ على الاهتمامات المشتركة.
  • إضافةً لإتاحتها سبلاً فريدةً للتعبير عن النفس قد تغيب عن طرق التواصل التي لا تعتمد على الإنترنت.

وبالمقابل، يمكن لجودة هذه العلاقات التأثر بعواملَ مثل الثقة والاستفادة المنتظرة من هذه التفاعلات، إضافةً لاحتمالية وقوع آثارٍ سلبيةٍ كالعزلة الاجتماعية وفتور العلاقات الحميمة، إلا أنه من المهمّ تفهّم أن العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية يمكن أن تكون معقّدةً، وقد تختلف بناءً على خصائص منصّة التواصل وطبيعة الانخراط فيها بجانب الاختلافات الفردية.

الاستفادة من إيجابيّات وسائل التواصل الاجتماعي

تُعتبر وسائل التواصل الاجتماعي قوّةً مغيّرةً لمجرى الأمور لتأثيرها الممتد إلى مختلف القطاعات، وتشمل الشؤون السياسية والتجارية والعلاقات الشخصية، ما يتيح آفاقاً واسعةً لتأثيراتها الإيجابية؛ حيث تمكّن وسائل التواصل الاجتماعي -سياسياً- الأصوات المهمّشة من أن تصبح مسموعةً. وتجارياً، غيّرت هذه الوسائل وجه مشاركات العملاء؛ وعلى مستوى التواصل في العلاقات الشخصية، فقد تمّ إثراؤها عبرَ وسائل التواصل الاجتماعي. كما تمتد أوجه الاستفادة منها إلى التعليم بعد أن أصبحت ساحةً مهمّةً للتعلم والإبداع، موفّرةً طرقاً جديدة للتبادل المعرفي. وبرغم المزايا العديدة لوسائل التواصل الاجتماعي، فلا يجب أن نغفلَ عن استخدامها بطريقةٍ إشكاليةٍ أحياناً، ويُشكّل الاستخدام الواعي والمتوازن لوسائل التواصل الاجتماعي ضمانةً لعلاقةٍ صحيةٍ معها.