تم توجيه اتهاماتٍ لشركة ميتا (Meta) بالتحيّز للجانب الإسرائيلي والتصرّف بشكلٍ معادٍ للفلسطينيين مع توارد أنباءٍ عن قيامها بحظر نسبةٍ كبيرةٍ من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية في خِضمّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي المُستعِرِ حالياً.
وقد استمرّت هذه المخاوف بالتزايد، لا سيّما في ضوء الأحداث الأخيرة التي عاشتها الضفة الغربية والصراع الذي نشبَ لاحقاً في غزة. فحتى سلسلة الفيديوهات القصيرة (الريلز) التي نشرتها المخرجة الفلسطينية الأمريكية ختام جبر -والتي تعرضُ من خلالها صوراً للحياة في فلسطين ولرحلةٍ عائليةٍ إلى الضفة الغربية- لم تنجُ من مِقصّ الرقيب في شركة ميتا، على الرغم من أنها لم تتطرَّق إلى الصراع الحاليّ على الإطلاق.
لقد سلطت هذه الحالةُ الضوءَ على القضية الأشمل والمتمثلة بتَشدّد بعض المنصّات مثل إنستغرام (Instagram) في حظر المحتوى عشوائياً، ودونما إيلائِهِ القدرَ الكافي من التدقيق، سواءً أكان الأمر يتعلق بفلسطين أو إسرائيل أو أية قضيّةٍ أخرى مثيرة للجدل.
فهمُ الصراع بين إسرائيل وحماس وتداعياته الرقمية
تصاعدت حدّة الصراع في غزة مع قيام حماس بشنّ هجومٍ واسع النطاق على إسرائيل، والتي سارعت بالردّ بإطلاق الصواريخ، وإطباق الحصار على غزة، مع استعداداتٍ لشنِّ هجومٍ بريٍّ على هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية.
وعلى خلفية تداعيات هذا الصراع، أولت شركة ميتا (Meta) اهتماماً خاصاً بمراقبة منصّاتها لتحديد حالات انتهاك المحتوى. وعلى وجه التحديد، عمدت الشركة إلى الحظر التام للمحتوى الذي يؤيد أو يدعم حماس، والتي تصنّفها كلٌ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمةً إرهابية. ومن المعلوم أيضاً أن خطاب الكراهية محظورٌ على فيسبوك وغيره من منصّات التواصل الاجتماعي، وهو خطابٌ تفشى -للأسف- على جانبي الصراع نظراً لأن المسألة الإثنية هي إحدى وجوه هذا الصراع المعقّد.
وفي هذا الإطار، تواجه منصّة X (تويتر سابقاً) انتقاداتٍ من الاتحاد الأوروبي لعدم قدرتها على الحدّ من المحتوى الإرهابي وخطاب الكراهية.
ومع تدهور الأوضاع في غزة، تم توجيه اتهاماتٍ إلى منصّة إنستغرام تشير إلى انحيازها لممارسة الرقابة الصارمة على المحتوى الذي يناقش القضية الفلسطينية بشكلٍ عام، حتى وإن لم يتعلق الأمر بحركة حماس بالذات. فقد اشتكى المستخدمون من تعرُّضهم لمضايقاتٍ وإجراءاتٍ متشدّدةٍ لا مبرّر لها، على خلفية نشرهم لمحتوى متعلقٍ بفلسطين. ومثل هذه الحالات لا تبدو فرديةً أو معزولة، إذ باتت تشكّل حالةً نمطيةً متكرّرةً ذات أبعادٍ يمكن أن تشير إلى ممارساتٍ تحيّزيّةٍ متأصّلةٍ ضدّ المستخدمين الفلسطينيين عبرَ منصّات ميتا.
مصاعب الاعتدال في ميتا بمواجهة التوترات المتصاعدة
تواجه شركة ميتا مشكلاتٍ بتمييز الفروق الدقيقة في اللغة العربية، والتي تشتملُ على ما يزيد عن 25 لهجةً متنوّعةً، وغالباً ما يؤدي افتقارها إلى القدرة على تمييز التنوّع في المصادر اللغوية -إلى جانب اتّباعها لسياسات المحتوى الصارمة- إلى زيادة التشدّد في الرقابة على المحتوى بالنتيجة.
وتَظهر تعقيداتٌ أخرى -في هذا الخصوص- من الشراكات القائمة بين ميتا وكياناتٍ مثل وحدة الإنترنت الإسرائيلية، الأمر الذي يُلقي بظلالٍ من الشكّ حول التأثير السياسي الذي يُثقل على سياسات المنصة. فقد نشطت وحدة الإنترنت الإسرائيلية بمتابعة التمويل الفلسطينيّ عبرَ الفضاء الرقميّ، بما في ذلك العملات الرقمية.
وكانت مجموعةٌ من الدراسات السابقة التي أجراها مركز Pew للأبحاث قد أشارت أيضاً إلى دعم قويٍّ تتلقاه إسرائيل عبر فيسبوك، وتويتر، والمدوّنات، ما يسلّط الضوء على احتمالية وجود حالةٍ من التحيّز لإسرائيل على هذه المنصّات. ويمكن الإشارة هنا إلى الصراع الذي دارَ بين حماس وإسرائيل عام 2021 كمثالٍ على التحديات التي واجهتها شركة ميتا في هذا الخصوص.
وأقرَّ تقريرٌ صادرٌ عن مراقبين خارجيين بـ “التأثير السلبي للشركة على حقوق الإنسان” فيما يتعلق بحقوق حرية التعبير للمُستخدمين الفلسطينيين.
تحليل الجدل الدائر حول ممارسات حظر المحتوى لدى ميتا
لا يبدو الادعاء بكون عمليات حظر المحتوى التي تتّبعها شركة ميتا تستهدف بشكلٍ جائرٍ حساباتِ وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية جديداً.
فقد تحدّثت شخصياتٌ بارزةٌ -من بينها عارضة الأزياء والناشطة بيلا حديد– علناً عن شكوكها بشأن الحظر غير المُنصف للمحتوى المؤيد لفلسطين على إنستغرام. وأرجعت الشركة السببَ وراء بعض عمليات إزالة المحتوى خلال صراع عام 2021 إلى أخطاءٍ فنيةٍ، وأكدت التزامها بالإشراف المحايد على المحتوى، كما أنه من الطبيعي أيضاً أن تقع أخطاءٌ تتعلق بالإشراف على المحتوى على أيّة منصّة تواصلٍ اجتماعيٍّ ضخمةٍ مثل إنستغرام وغيرها.
مع ذلك، فإن هذه التفسيرات تُعتَبر غير مقنعةٍ بالنسبة للكثيرين، وخاصّةً للمجتمع الفلسطيني. فالادعاءات ضد ميتا (Meta) تمتد إلى ما هو أبعد من مجرّد التقليل من وصول القصص على إنستغرام (Instagram Story)، ويؤكد بعض منشئي المحتوى أن مؤشرات التفاعل مع محتواهم انخفضت بشدة، خاصّةً عندما انتقدوا ردّة فعل إسرائيل على هجمات حماس الأخيرة.
وتتسبَّب مثل هذه التناقضات في عملية إشراف المنصّات على المحتوى بزرع بذور عدم الثقة بين المستخدمين، ما يؤدي إلى ادّعاءاتٍ بوجود مشاعرَ معاديةٍ للفلسطينيين وحالةٍ من التحيّز لإسرائيل.
وفي هذا الخصوص، وثّق المركز العربيّ لتطوير وسائل التواصل الاجتماعي حالاتٍ محتملةً قام فيها موقع إنستغرام بوسم التعليقات التي تحتوي على رمزٍ تعبيريٍّ للعلم الفلسطيني. علاوةً على ذلك، تشير بعض التقارير إلى احتمالية تطبيق سياسات مجتمع ميتا بشكلٍ غير عادلٍ، خاصّةً بالنسبة للمحتوى المتعلّق بفلسطين.
خلاصة القول: هل هي حالةٌ من المشاعر المعادية للفلسطينيين والتحيّز لإسرائيل؟
تمثّل التحديات التي تواجه عملية الإشراف على المحتوى في منصّاتٍ مثل Meta عقبةً هائلةً بهذا الخصوص، ومع تشابك الأبعاد السياسية والثقافية والإنسانية للمحتوى، فإن تحقيق سياسة إشرافٍ عادلةٍ تماماً هو أمرٌ بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً.
ومع استمرار توارد الأحداث العالمية، ونموّ دور وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل التصوّرات، أصبحت منصّاتٌ مثل ميتا تحت دائرة الضوء، كونها تتحمّل مسؤوليةً جسيمةً في اتّباع ممارساتٍ عادلةٍ وشاملةٍ في الإشراف على المحتوى. وفي حال فشل هذه المنصّات بتحقيق ذلك، فمن المرجّح أن يكون الاتحاد الأوروبيّ أوّلَ من سيجبرها على دفع ثمن أخطائها ويُلزمها بتغيير ممارساتها.