صورةٌ للنائب مايك فلود (Mike Flood) في قاعة مجلس الكونجرس متحدثاً وخلفه رجلٌ جالس في مقعده

قامت مجموعةٌ مشتركةٌ من مشرّعي الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) بتقديم مسوّدة تعديلٍ إلى مجلسي الكونجرس الأمريكي (الشيوخ والنواب)، وذلك بهدف إلغاء قانون المحاسبة الخاص بالعملات الرقمية المثير للجدل الصادر عن لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) خلال العام الماضي.

ويُعرف هذا القانون باسم Staff Accounting Bulletin No. 121 أو قانون SAB 121، والذي يتطلب من شركات الحفظ الوصائيّ للعملات الرقمية نيابةً عن عملائها تضمينَ قيمة هذه الأصول في ميزانيتها الخاصة. ويَعتبر النقاد أن ذلك القانون سيفرض عبئاً غير مُجدٍ على البنوك والشركات المالية الأخرى الساعية لتوفير خدمات الحفظ الوصائيّ للعملات الرقمية نيابةً عن المستثمرين.

لماذا يستهدف المشرّعون هذا القانون؟

قادَ جهودَ إلغاء القانون كلٌّ من السيناتور الأمريكية سينثيا لوميس (Cynthia Lummis) من الحزب الجمهوري عن ولاية ويسكونسن، والنائب مايك فلود (Mike Flood) من الحزب الجمهوري عن ولاية نيبراسكا، إضافةً للنائب الديمقراطي وايلي نيكل (Wiley Nickel) عن ولاية شمال كارولاينا، حيث أجمعوا على تجاوز لجنة SEC للسلطة الممنوحة لها عندما أصدرت هذا القانون دون استشارة الكونجرس أو أية جهاتٍ تنظيميةٍ أخرى.

وأكد النائب فلود هذا التوجه بقوله: “لقد أصدرت لجنة SEC قانون SAB 121 دون التشاور مع الجهات التنظيميّة الأخرى، على الرغم من أن هذا المعيارَ المحاسبيَّ يؤثر على معاملاتها مع المؤسسات المالية المُحتفظةِ بالأصول نيابةً عن عملائها، كما أن اللجنة لم تتبع إجراءات إرسال الإشعارات وتلقي التعليقات عند إصدارها للقانون”.

وعليه، قدم المشرّعون قراراً مشابهاً تحت مسمّى مشروع قانون مراجعة الكونجرس (Congress Review Act-CRA)، والذي يسمح له بتعديل القوانين الفيدرالية بتصويت أغلبيهٍ بسيطةٍ عليه. وفي حال نجاحِها، ستمنع جهودهم SEC من مطالبة المؤسسات المالية بالامتثال لهذه القوانين التي أقرّتها اللجنة بشكلٍ منفرد.

وفيما سيكون من الصعب تحديد آثار هذا القانون على قطاع الكريبتو، لكنّها ستكون على الأرجح إيجابيةً بسبب نهج لجنة SEC المتشكك والمُعادي ضمنياً للقطاع المزدهر.

مجموعات القطاع ترحّب بجهود إلغاء القانون “المرهق”

رحّب مجتمع الكريبتو وقطاع البنوك بجهود تعديل هذا القانون، ويرون أن توجيه اللجنة المعروف باسم SAB 121 يفرض متطلباتٍ رأسماليةً مُفرطة الشدة تمنع المؤسّسات المصرفية من توفير خدمة الحفظ الوصائيّ للعملات الرقمية رغم توفر القدرة التشغيلية لديها للقيام بذلك بأمان.

وعن ذلك، صرّحت الجمعية الأمريكية للبنوك في بيانٍ داعم لإلغاء القانون: “يُعتبر قانون SAB 121 انحرافاً كبيراً عن النهج المحاسبيّ المستدام والمتبع للأصول الخاضعة للحفظ الوصائيّ، كما يمثل تهديداً لقدرة القطاع البنكيّ على توفير خدمات الحفظ الوصائيّ لأرصدة عملائها بكلّ أمان”.

واتفق معهد السياسات المصرفية (BPI) -في تصريحاتِه- مع هذه المبادرة، معلقاً بأن الإجراءات التي اتخذها المشرّعون تؤكد رأيَهم في القانون المعيب، والذي “يَحول دون توفير المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة -الخاضعة للرقابة التنظيميّة داخل البلاد- لحلول الحفظ الوصائيّ للأصول الرقمية”.

كذلك أكدت مجموعاتٌ أخرى كجمعية قِطاع الأوراق المالية والأسواق المالية (SIFMA) إضافةً لمنتدى الخدمات المالية أن النهج المنفرد الذي اتبعته SEC جعلَ البنوك تأخذُ حِذرها من توفير خدمات الحفظ الوصائيّ لأرصدة الأصول الرقمية بسبب المخاوف المتعلقة بالميزانية والتبعات التنظيميّة التي خلفها القانون.

ومع ذلك يجب أخذ هذه البيانات بحذر، فقد تم ذُكرها كجزء من بيانٍ صحفيٍّ مقتضب صادرٍ عن فلود ولوميس ونيكل للإعلان عن سعيهم لتغيير القانون. ومن المحتمل أيضاً أنه قد تم الانتهاء من وضع مشروع التعديل بعنايةٍ فائقةٍ، إذ يصعب أيضاً تصوّر اعتراض العديد من البنوك الكبرى على تخفيف القيود التنظيميّة في قطاعها.

مشرّعون يصرّحون بأن هذا القانون لم يكن ينبغي له أن يوجد بالأساس

يذكر فريق المشرّعين بأن القانون يضرّ بقطاعي البنوك والعملات الرقمية، فضلاً عن إقراره بشكلٍ معيب دون استشارة جهاتٍ تنظيميةٍ أخرى فضلاً عن الجمهور بشكلٍ عام، إذ لم تستشر لجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC) الجمهور -عبر استطلاعٍ للآراء مثلاً- عند إصدارها لتوجيه SAB 121، أو تتعاون مع جهاتٍ تنظيميةٍ ماليةٍ أخرى كما هو معتادٌ عند تغيير نهج السياسات الرئيسية، وأضافت لوميس وفريقها أن إجراءات اللجنة هذه شكّلت انتهاكاً للمتطلبات الإدارية والإجرائية.

وأكدت السيناتور لوميس قائلةً: “هنالك تبعاتٌ هائلةٌ لقانون SAB 121، وكان يتوجّب على SEC تلقي التعليقات حوله من جهاتٍ تنظيميةٍ مصرفيةٍ فيدراليةٍ إلى جانب الجمهور قبل تنفيذ هذا التوجيه المُلزم قانونياً”.

يُذكر أنه في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قام العديد من أعضاء الكونجرس -ومن ضمنهم لوميس- بإرسال مذكّرة للجهات التنظيمية المالية تحثّهم على ضرورة تقديم توجيهٍ فيما يخص SAB 121، حيث تم اعتبار سياسته غيرَ قابلةٍ للتنفيذ وفقاً لمراجعةٍ قام بها مكتب محاسبة الحكومة (GAF).

كما عثرَ المكتب على أدلةٍ تشير إلى أنه يجب تصنيف SAB 121 كقانونٍ تشريعيٍّ بدلاً من مجرّد توجيه. وإذا صحَّ ذلك، فإن هذا يعني أن SEC لم تلتزم بمتطلبات الاستشارة الإجرائية وتحليل معدل الفائدة إلى التكلفة قبل فرضِها وتنفيذها بالكامل.

مجتمع الكريبتو يرحب بتدقيق الكونجرس للسياسات الصارمة

رحّب قطاع العملات الرقمية أيضاً بمحاولة المشرّعين إلغاء توجيه اللجنة المسمى SAB 121، ويرون في هذا التوجيه تجسيداً لمحاولات SEC تقويض ازدهار قطاع الكريبتو ونهجه الابتكاريّ من خلال الاستبداد بالسلطة.

وقد أشادت غرفة التجارة الرقمية (Chamber of Digital Commerce) -وهي مجموعةٌ مناصرةٌ لقطاع الكريبتو- في بيان لها قائلةً: “إن غرفة التجارة الرقمية تشيد بمبادرة الحزبين المشتركة التي اتخذها (لوميس وفلود ونيكل) وسعيهم الحثيث لإلغاء “توجيه SEC المعروف بقانون SAB 121”.

علاوةً على ذلك، يشير بعض المشاركين في القطاع وداعميه إلى أن تقييد قدرة البنوك والمؤسسات المالية على توفير خدمة الحفظ الوصائيّ للأصول الرقمية تترك للمستثمرين خياراتٍ قليلةً لحفظ أرصدتهم لدى شركاتٍ عاملةٍ بالقطاع لا تخضع لرقابة الجهات التنظيميّة بشكلٍ كامل.

لذلك، يشير منتقدو قانون SAB 121 إلى أن أضرارَه تفوق منافعه فيما يتعلق بحماية المستهلكين، وقد يدفع التعاملات البنكية الخاصّة بالعملات الرقمية خارج القطاع المصرفيّ التقليدي في الولايات المتحدة بدرجةٍ كبيرة.

وبالطبع، تتفق البنوك وداعموها من المشرّعين على ذلك. فقد علق معهد السياسات المصرفية (BPI) على هذا الأمر قائلاً: “نتيجةً لذلك، يتم توفير خدمات الحفظ الوصائيّ للأصول الرقمية بواسطة العديد من المؤسسات غير البنكية، ما يُبقي النشاط خارج النطاق الاحترازيّ للبنوك التي تمتلك ممارساتِ إدارة مخاطرَ شاملةٍ وقويةٍ، ما سيُعرّض العملاء لمخاطرَ إضافيةٍ لا داعيَ لها”.

الخطوة التالية تتسم بعدم الوضوح بعد رفض لجنة الأوراق المالية والبورصات الإدلاء بأيّ تعليق

رفضت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) التعليق حتى الآن على جهود إلغاء توجيه اللجنة أو الردَّ على اتهامات المشرعين بشأن تجاوزها حدود سلطاتها من خلال إصدار قانون SAB 121 العام الماضي.

وفي حال لم تقم اللجنة بمراجعةِ وضعها، سيتوقف مصير القرار على التصويت بأغلبيةٍ بسيطةٍ في الكونجرس. ومع ذلك، لايزال الوقت المحدّد لذلك غير واضح، إذ لا تبدو أجواء التعاون الثنائي هيَ السائدة داخل الكونجرس بين الحزبين الكبيرين. لكن وبغضّ النظر عن النتيجة، تعكس هذه المواجهة الاهتمامَ المتزايد للمشرّعين بأسواق الكريبتو في خضمّ النقاشات المستمرّة حول أنسب حلولها الرقابية.

ومن غير المرجّح أن تقوم لجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC) بمراجعة موقفها من تلقاء نفسها؛ لذا أظهرَ المشرّعون استعدادهم للأخذ بزمام الأمور عندما ملاحظتهم تجاوزَ اللجنة لحدود سلطاتها، كما حدث مؤخراً عند الموافقة على صناديق التداول الفوريّ لبيتكوين في البورصة (Bitcoin Spot ETFs) عقبَ صدورِ قرارٍ قضائيٍّ مُلزم.

ختاماً، ومع استمرار تبني العملات الرقمية بوتيرة متسارعةٍ، سيستمرّ الصراع بين المشرّعين والجهات التنظيميّة في جدلٍ متواصلٍ حول حواجز الأمان المتعلقة بابتكارات قطاع الكريبتو.