تبدو ثروة إيلون ماسك على وشك الانخفاض بعد حكم قاضيةٍ في ولاية ديلاوير أمس بإلغاء خطة التعويضات الضخمة البالغة 56 مليار دولار لمنصبه في شركة تسلا، حيث رأت القاضية أن ماسك لديه سيطرةٌ مفرطةٌ على الشركة ومجلس إدارتها.
على وجه التحديد، قضى الحكم بأن مجلس إدارة الشركة فشلَ بإثبات “أن خطة التعويضات كانت عادلة”. سنقوم اليوم بالغوص في تفاصيل هذه الخطة وسبب إلغائها والخطوات التالية للشركة بعد هذا الحكم، إضافةً إلى مقارنة خطة التعويضات الضخمة لماسك مع خطط تعويضات المدراء التنفيذيين الآخرين في مجال التكنولوجيا لنرى ما إذا كانت الخطة عادلةً أم لا.
ولطالما كانت التعويضات المالية للمدراء التنفيذيين قضيةً شائكةً، فقد اتسعت الفجوة بين تعويضات المدراء التنفيذيين وتعويضات الموظفين العاديين على مرّ السنين. ووفقاً لدراسةٍ أجراها معهد السياسة الاقتصادية في عام 2022، كانت أجور المدراء التنفيذيين 344 ضعفَ أجر الموظفين العاديين، وهي زيادةٌ حادةٌ عن عام 1965 عندما كانت تقدر بـ 21 ضعفاً.
مخطط بيانيٌّ يُظهر تباين تعويضات المدراء التنفيذيين والموظفين العاديين على مرّ السنين
ومن المنطقي أن يتقاضى ماسك أجراً أكبرَ مقارنةً بسواه من المدراء التنفيذيين بسبب ارتباط شخصيته مع تأسيس الشركة بشكلٍ وثيق، لكنّ مبلغ 56 مليار دولار لا يزال كبيراً للغاية كأجرٍ لشخصٍ واحد.
هذه ليست المرّة الأولى التي يتم فيها الطعن بأجر ماسك
لا تُعَد هذه أول مرّة يتم فيها الطعن بحزمة الأجور الضخمة التي يتقاضاها ماسك، خصوصاً عندما أصبح المدير التنفيذي الأعلى أجراً في العالم عام 2018، الأمر الذي طعن به ريتشارد تورنيتا (Richard Tornetta) أحد المساهمين في شركة تسلا. ويبدو أن ماسك لا يحصل على راتب ثابتٍ أو مكافأة أو حافزٍ من شركة تسلا، على عكس نظام تعويضات معظم الشركات الأخرى التي تمنح المدير التنفيذيّ تعويضاً يجمع بين الأجر الثابت والمكافآت المتغيّرة، بينما يرتبط تعويض ماسك بمقاييسَ معينةٍ مثل القيمة السوقية لشركة تسلا، ما جعل تعويضه يصل إلى مبلغ هائلٍ قيمته 55.8 مليار دولار من 12 شريحةً نصّت عليها الاتفاقية الأخيرة.
وقالت تسلا في الملف المقدّم بالنيابة عنها إن “التعويض الوحيد الذي سيحصل عليه إيلون هو مكافأة أداء غير مضمونةٍ نسبتها 100%، حيث تضمن عدم منحه أيَّ تعويضٍ ما لم تحقق تسلا وجميع المساهمين أداءً جيداً للغاية”، وأضاف الملف:
“تتكوّن المكافأة من أسهم خياراتٍ تُعَد صالحةً فقط إذا حققت تسلا إنجازاتٍ معينةً ستجعل منها -إذا ما تحققت- إحدى أكبر الشركات في العالم بقيمةٍ سوقيةٍ لا تقل عن 650 مليار دولار، أي عندما تتجاوز 10 أضعاف قيمتها الحالية”.
وتميّز أداء أسهم شركة تسلا بتفوّقه خلال الفترة المحدّدة ضمن هيكل تعويضات ماسك عام 2018، لتصبحَ الشركة اليوم أكبرَ شركةٍ مصنّعةٍ للسيارات بقيمةٍ سوقيةٍ تقارب 600 مليار دولار. ولتوضيح هذا النموّ الضخم، يمكننا مقارنة قيمتها السوقية بتلك التي تتمتع بها شركة تويوتا موتورز -أكبر شركةٍ مصنعةٍ للسيارات في العالم من حيث إجمالي عمليات التسليم للعملاء- والبالغة حوالي 325 مليار دولار.
وتجاوزت القيمة السوقية لشركة تسلا -في ذروتها عام 2021- 1.2 تريليون دولار، حيث أصبحت أول شركة تصنيع سياراتٍ على الإطلاق تفوق قيمتها السوقية 1 تريليون دولار. وقد ساهمَ هذا الارتفاع الكبير بتمكين ماسك من استحقاق جميع الشرائح ليصبحَ المدير التنفيذيّ الأعلى أجراً في العالم بفارقٍ كبيرٍ عن سواه، إذ يليه في هذه القائمة جيف جرين -المدير التنفيذيّ لشركة الإعلانات TradeDesk- بمبلغ 835 مليون دولار (معظمُها على هيئة أسهم)؛ وبالرغم من ضخامة هذا المبلغ، إلا أنه يُعَد جزءاً صغيراً فقط من أجر ماسك.
من جانب آخر، لم يكن من المفاجئ أن يصبحَ ماسك أغنى شخص في العالم وأول شخص على الإطلاق يمتلك صافي ثروة يتجاوز 300 مليار دولار.
الدعوى ضد تعويضات ماسك
في طلب الاستئناف الخاص بذات القضية، قال تورنيتا إن المساهمين لم يكونوا على درايةٍ بمدى سهولة تحقيق الأهداف المنصوص عليها في خطة التعويضات لعام 2018، وأنه بالرغم من أن هيكل الأجور يُقدّم لماسك نسبةً سخيةً للغاية تبلغ 1% من أسهم شركة تسلا كلما حققت الشركة إحدى الشرائح الـ 12، لم يطلب مجلس الإدارة من ماسك المزيد من وقته للالتزام بالشركة.
جديرٌ بالذكر أنه منذ عام 2018، زاد التزام ماسك بمشاريعه الأخرى خصوصاً بعد شرائه لشركة تويتر في عام 2022، إضافةً لإطلاقه شركة الذكاء الاصطناعي xAI في محاولةٍ منه للاستفادة من صيحة الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ.
وأوضحت قاضية المحكمة الاستشاريّة كاثلين ماكورميك (Kathaleen McCormick) في حكمها المؤلف من 200 صفحةٍ إن ماسك امتلك “التحكّم الكامل بشركة تسلا” عند الموافقة على هيكل التعويضات، ووصفت موافقة مجلس الإدارة على الأجر بأنها “معيبةٌ للغاية”، وأن ماسك تمتّع بتأثيرٍ هائلٍ على تسلا ومجلس إدارتها، ونصّ الحكم على أنه:
“إضافةً لامتلاكه 21.9% من أسهم الشركة، لعبَ ماسك دوره النمطي كـ ‘مديرٍ تنفيذيٍّ نجم’، وشغل بعضاً من أكثر المناصب تأثيراً في الشركة (المدير التنفيذي، رئيس مجلس الإدارة، والمؤسّس). كما تمتّع بعلاقاتٍ وثيقةٍ مع المدراء المكلفين بالتفاوض نيابةً عن شركة تسلا، وتحكّم بسير العملية التي أدت إلى موافقة مجلس الإدارة على خطة التعويضات الخاصّة به. فقد كان فعلياً يُسيطر على شركة تسلا، على الأقل فيما يتعلق بهذه الاتفاقية”.
وبالإضافة إلى ماسك، كان مجلس إدارة تسلا يتألف من شقيقه كيمبال (Kimbal Musk) بالإضافة إلى صديقي ماسك -جيمس مردوخ (James Murdoch) وأنطونيو جارسيا (Antonio Gracia)- وقد احتفل الأول مع ماسك ضمن فعاليّاتٍ مختلفة.
وأشارت القاضية أيضاً إلى أن “مجلس الإدارة لم يطرح السؤال المهمّ -الذي يُكلف الشركة 55.8 مليار دولار- ألا وهو: هل تُعتبر خطة التعويضات هذه ضروريّةً لتسلا من أجل الاحتفاظ بماسك كمدير، وتحقيق أهدافها؟”.
مقارنة خطة تعويضات ماسك بنظيراتها للمدراء التنفيذيين الآخرين في مجال التكنولوجيا
بالرغم من أن جميع المدراء التنفيذيين يُحسدون على رواتبهم المرتفعة، إلا أنها لا تُقارن بالتعويضات الضخمة التي يحصل عليها ماسك. فعلى سبيل المثال –وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز– كان جيف جرين ثاني أعلى الأشخاص أجراً بحزمةٍ تُقارب قيمتها 835 مليون دولار، وجاءَ زيج سيرافين -المدير التنفيذيّ لشركة البرمجيّات العملاقة Qualtrics- في المركز الثالث بحزمةٍ ضخمةٍ بلغت 541 مليون دولار، وجاءت معظم ثروات المدراء التنفيذيين الأعلى أجراً من أسهم هذه الشركات عندما ارتفعت أسعارُها بشكلٍ كبيرٍ بعد إتمام المفاوضات.
هل يُعَد وجود ماسك مهماً جداً لتسلا وما هي خطواته التالية المتوقعة؟
مع أن بعض المساهمين في الشركة قد يتفقون مع القاضية ويرون أن خطة أجور ماسك لعام 2018 مرتفعةٌ للغاية وتشوبها العيوب، إلا أن آخرين يرون أنها منصفةٌ نظراً لدور ماسك المحوريّ في نموّ تسلا لتصبحَ إحدى كبريات شركات التكنولوجيا، حيث تجاوزت مبيعات الشركة من المركبات في العام الماضي 1.8 مليون مركبةٍ بالمقارنة مع 245,240 مركبةٍ في عام 2018.
بالإضافة إلى ذلك، أسهَم ماسك بتطوير تسلا لتصبحَ إحدى أهمّ قوى التكنولوجيا والذكاء الصنعيّ (AI)، وقد تعتمد الشركة في مرحلة نموّها القادمة على منتجاتٍ تقنيةٍ من أمثال الكمبيوتر العملاق Dojo والروبوت أوبتيموس (Optimus) الشبيه بالبشر، كما قد يُساهم تطوير الشركة لتقنيّة القيادة الذاتيةِ في تعزيز قيمتها على المدى الطويل.
تجدر الإشارة إلى أنه قبلَ أيّام من صدور قرار المحكمة قام ماسك بنشر تغريدة حذّر فيها من أنه لن يشعرَ بالطمأنينة لإنشاء منتجات الذكاء الصنعيّ الخاصّة بالشركة إذا لم يكن يمتلك أكثرَ من نصف أسهم تسلا. وأحدثت هذه التغريدة ضجّةً كبيرةً، وانخفض سعر سهم تسلا بسبب هذا التحذير الصريح الموجّه لمجلس إدارة الشركة.
This is the right take.
Elon owns ~411 million shares of $TSLA – is that not incentive enough for Tesla the company to do well for years to come?
His $100 billion today turns into 1 trillion if TSLA surpasses Saudi Aramco & Apple.
Why the need for another comp plan?
For the… https://t.co/CSpfJBgh92
— Yashu Sharma 🍊 (@heyitsyashu) January 15, 2024
وبعد قيام القاضية بإلغاء خطة تعويضات ماسك لعام 2018، قال الملياردير في تغريدة له: “لا أنصحكم بتسجيل شركتكم في ولاية ديلاوير”، ولم يصدر أيّ تصريح رسميٍّ آخر من قبل تسلا أو ماسك حتى الآن.
انخفاض سعر سهم تسلا بسبب قرار المحكمة
تسبّب قرار القاضية آنف الذكر بتأثيراتٍ كبيرة على كلٍّ من ماسك وتسلا، إذ يمثل إلغاء المحكمة تعويضات ماسك السابقة ضربةً موجعةً لخطة التعويضات الجديدة التي بذلَ جهداً كبيراً لإقناع مجلس الإدارة باعتمادها، فضلاً عن كافة الحزم المستقبلية المقترحة من قبله.
وخالف سهم تسلا (TSLA) توقعات المحللين بارتفاع سعره اليوم بعد قيام القاضية بإلغاء حزمة الأجور الضخمة السابقة. ويُعزى انخفاض أسهم تسلا لمخاوفَ بأنّ عدم وجود خطة تعويضاتٍ جديدة لماسك قد تدفعه إلى تطوير منتجات الذكاء الصنعيّ في إحدى شركاته الأخرى بدلاً من تسلا.
في النهاية، تعكس هذه التحرّكات السعريّة القيمة البيّنة لماسك وقيادتِه رغمَ إثارته الكثيرَ من الجدل، وسواءَ كنتم من أنصار ماسك أو مبغضيه، لا يمكن إنكار دوره الأساسيّ في نموّ تسلا المُذهل خلال السنوات القليلة الماضية، ما مكّنها من رفع قيمتها السوقية إلى مستوياتٍ لم يسبق لأيِّ شركة تصنيع سياراتٍ الاقتراب منها.