جدّد جيمي دايمون (Jamie Dimon) -الرئيس التنفيذيّ لبنك جي بي مورجان تشيس (JPMorgan Chase)- انتقاداته اللاذعة لعملة بيتكوين (Bitcoin-BTC) وغيرها من العملات الرقمية، وذلك رغم تزايد انخراط مؤسسته في قطاع الكريبتو وارتفاع الاهتمام المؤسسيّ بفئة الأصول هذه.
وأثارت هذه الازدواجيّة تساؤلاتٍ حول النهج العام لأحد أكبر البنوك العالمية تجاه قطاع العملات الرقمية المتقلب، كما جاءت تعليقات دايمون الحادة الأخيرة في إطار جلسة استماع لمجلس الشيوخ الأمريكي وفي برنامج “سكواك بوكس” (Squawk Box) على شبكة CNBC الأمريكية ضمن لقاء تلفزيونيّ بمدينة دافوس السويسرية.
في السياق ذاته، وصَف دايمون عملة BTC بأنها “حجرُ عَثرَة” مُعرباً عن توصيته الشخصيّة بعدم الانخراط بما يتعلق بها والاستثمار فيها، مشيراً إلى محدودية استخداماتها التي تتركّز على الممارسات المشبوهة مثل “تسهيل أنشطة غسل الأموال والاحتيال والاتجار بالجنس والتهرّب الضريبيّ”.
ولعله من المستغرب مدى تناقض معاداته الصريحة لعملة بيتكوين مع تزايد اعتماد مؤسسة جي بي مورجان لتكنولوجيا البلوكتشين والمنتجات الاستثماريّة الخاصّة بالعملات الرقمية.
ازدواجية آراء جي بي مورجان تجاه الكريبتو: تلاعبٌ بالسوق أم مجرّد رأي؟
في الوقت الذي أعربَ فيه دايمون عن تشكّكه، لم تتراجَع مؤسسة جي بي مورجان عن انغماسِها بأنشطة العملات الرقمية، حيث يُشغّل البنك شبكة معاملاته المغلقة على بلوكتشين إيثريوم، والتي يتم من خلالها تنفيذ معاملاتٍ ماليةٍ تصل قيمتها إلى مليار دولار يومياً، إلى جانب امتلاكه حصّةً مؤثرةً في شركةٍ بقطاع التكنولوجيا تتركز أعمالها على بلوكتشين إيثيريوم.
كذلك يشارك البنك -بشكلٍ واسعٍ- في منتجاتٍ استثماريةٍ مؤسساتيةٍ تتعلق بالعملات الرقمية، بما فيها الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs) التابعة لشركة بلاك روك، والمتعلقة بفئة الأصول التي ينتقدها دايمون. ويرى بعض النقاد أن موقف الأخير ربّما يُعَد إستراتيجيةً تم التخطيط لها للتأثير على الظروف المتعلقة بالقطاع، وفي الوقتِ نفسه استغلال الاهتمام المتزايد بعالم العملات الرقمية لرفع رِبحيّةِ استثمارات المؤسسة.
كما لاحظ محللو قطاع الكريبتو نمطاً متكرراً في تصريحات دايمون يتزامن مع تحرّكات السوق، ففي عام 2017 تعهّد دايمون بطرد أيِّ موظفٍ لدى بنك جي بي مورجان يتداول عملة بيتكوين، ما أدى إلى تراجع قيمتها بمعدل 24%.
وبعدها بوقتٍ قصيرٍ، دفع بنك جي بي مورجان باستثماراتٍ في صندوقٍ استثماريٍّ أوروبيٍّ يتعلق بعملة بيتكوين، ما يثير تساؤلاتٍ حول ما إذا كانت انتقادات دايمون مُصمَّمةً لإثارة حالةٍ من الخوف والشك وعدم اليقين (FUD) للتلاعب بالسوق سعياً للدخول عند مستوياتٍ جيدة.
إقرار دايمون بتكنولوجيا البلوكتشين وعدد من العملات الرقمية
تفتح الموافقة على إنشاء ETFs لتداول بيتكوين الفوريّ البابَ لعصر جديد من الاستثمار المؤسسيّ في أسواق العملات الرقمية، ليصبحَ استثمار المؤسسات المالية التقليدية في هذه الأصول أسهلَ من أيِّ وقتٍ مضى؛ فعلى الرغم من موقف دايمون المُعادي لبيتكوين، يُؤكد محللو جي بي مورجان أن هذا التطوّرَ سيؤدي إلى تدفق استثماراتٍ كبيرة إلى المنتجات الخاصّة بالعملات الرقمية والمتمثلة حالياً في هذه الصناديق الجديدة، ما يُمكنه دفعُ سِعرِها للأعلى.
ويشمل هذا تدفقاً متوقعاً بقيمة 36 مليار دولار إلى هذه الصناديق من منتجاتٍ استثماريةٍ أخرى خاصّةٍ بالعملات الرقمية كصندوق بيتكوين الاستثماريّ الخاص بشركة جرايسكيل(Grayscale Bitcoin Trust (GBTC)(. ورغم انتقاده لعملة BTC، أقرَّ دايمون بفعالية دور تقنية البلوكتشين، مُفرِّقاً بين العملات الرقمية ذات الاستخدامات الوظيفيّة المحتملة وتلك التي اعتبرَها عديمة القيمة، ما يشير إلى استيعابه للمفهوم الذي يقوم عليه قطاع الكريبتو، ويُرجَّحُ أن إستراتيجيّة جي بي مورجان قد تشمل اعتماداً انتقائياً لنظم البلوكتشين وبعضٍ من العملات الرقمية.
الخلاصة: إستراتيجية تفيض بالنقد اللاذع
تتناقض عبارات دايمون القاسية حول عملة بيتكوين -بشكلٍ مثيرٍ للاهتمام- مع الانخراط المتزايد لمؤسسة جي بي مورجان بقطاع العملات الرقمية، ما يدفع مجتمع الكريبتو للشك بمدى استعداد المؤسسات المالية التقليدية لتبني عملة بيتكوين عملياً.
ومع ذلك، ربّما يكون هذا التناقض مَحضَ مناورة إستراتيجيةٍ توضّح تنامي النهج المؤسّسي الأوسع للمؤسسة المصرفية تجاه قطاع الكريبتو، وقد يكون أيضاً مجرّد رأي دايمون الشخصيّ الذي يختلف فيه مع أشخاص آخرين ذوي نفوذ ضمن مؤسسة جي بي مورجان.
على أية حالٍ، وفي ضوء استمرارية تطوّر عالم الكريبتو، يُصبح فهم هذه الديناميكيات أمراً جوهرياً للمشاركين بالقطاع ممّن يتلمّسون طريقهم في ظلّ تداخل التصريحات والتلاعب بالسوق واتباع إستراتيجيات الاستثمار الخالصة.