يبدو أن المشكلات المرتبطة بمنصّة العملات الرقمية FTX المتوقفة حالياً عن العمل لم تنتهِ بعد، وقد تكون السببَ في هبوط عملة بيتكوين (BTC) مجدّداً، وإن بدرجةٍ أقلَّ هذه المرّة. ويعتقد المحللون والعديد من أعضاء مجتمع الكريبتو أن الانخفاض الأخير في سعر بيتكوين يرجع جزئياً إلى بيع ما تبقى من ممتلكات شركة FTX المفلسة، والبالغة حوالي مليار دولار من أسهم صندوق بيتكوين الاستثماريّ لشركة جرايسكيل (GBTC).
وكان التداول في صندوق بيتكوين الاستثماريّ GBTC متاحاً سابقاً في أسواقٍ خارجَ البورصة حتى 10 كانون الثاني/يناير 2024، عندما تقدمت شركة جرايسكيل (Grayscale) بطلبٍ لتحويله إلى صندوقٍ للتداول العام الفوريّ لبيتكوين في البورصة (Bitcoin spot ETF). وخلال سبعة أيامٍ من التداول منذ ذلك الحين، غادرت الصندوق استثماراتٌ بقيمة 3.45 مليار دولار؛ حيث اتسم اليوم السابع من التداول بكونه الأسوأ بالنسبة لـ GBTC، إذ شهد تسجيل رقمٍ قياسيٍّ للتدفقات الخارجة، وبلغ صافي التأثير السلبيّ 640 مليون دولار، وبذلك تم وصفُ اليوم بأنه “يوم الاستنزاف الكبير لصندوق GBTC”.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها مؤسساتٌ فاعلةٌ -تلك المعروفة بـ”التسعة”– لتعويض ذلك الخلل من خلال تجميع 553 مليون دولار، فقد بقيَ التأثير الإجمالي كبيراً. وجاءت هذه الخطوة في خضمّ عددٍ كبيرٍ من عملياتِ إطلاق صناديقَ أخرى جديدة أكدّت النشاط القويّ في سوق الكريبتو.
LATEST: The Great GBTC Gouge hit record -$640m on Monday, the Nine did their best to offset but fell short w/ a $553m haul. ROLLING NET FLOWS still healthy at +$1b but ongoing battle. The Nine now have a 20% share vs GBTC. Volume also remains very high for new launches in 2nd wk pic.twitter.com/ng0BU8mi6L
— Eric Balchunas (@EricBalchunas) January 23, 2024
استنزاف منصة FTX الكبير لصندوق GBTC: هل كانت FTX سبباً في هبوط بيتكوين؟
قامت لجنة إنفاذ عمليات تصفية ممتلكات منصة FTX والحدّ من تأثيرها على السوق -الخاصّة بمنصة FTX التي وقعَت في حالة إفلاسٍ معقدةٍ- بتصفيةِ أكثرَ من ثلثي ممتلكاتها في صندوق GBTC، وقد بلغت حينها ما قدره 22.28 مليون سهم.
ولعبت عمليات البيع الضخمة هذه -والتي تمت بعد فترة وجيزةٍ من تحوّل GBTC إلى صندوق تداولٍ فوريٍّ لبيتكوين في البورصة (spot ETF)- دوراً رئيسياً في التدفقات الضخمة الخارجة التي شهدها الصندوق. تزامن ذلك مع إطلاق العديد من صناديق التداول الفوريّ لبيتكوين في البورصة، بما في ذلك تلك التي تعود لكبار الفاعلين في سوق الكريبتو من أمثال بلاك روك (BlackRock) وفيديليتي (Fidelity)، والتي شهدت منذ ذلك الحين تدفقاتٍ استثماريةً كبيرةً إليها.
وعلى عكس التوقعات المُرجِّحة لزيادة سعر بيتكوين بعد الموافقة على spot ETFs، شهدت بيتكوين (BTC) حالةً من التراجع نتيجة زيادة ضغوط البيع على ضغوط الشراء، غيرَ أنه يبقى من المتعذّر معرفةُ الأسباب الدقيقة التي نتجت عنها هذه التدفقات الاستثمارية.
رغمَ ذلك، يبقى من شبه المؤكد أن أحد العوامل الرئيسية تمثّلَ بالتصفية الضخمة التي قامت بها FTX لما يقرُبُ من مليار دولار من أسهمها في صندوق GBTC. وفي حين أن هذا قد لا يُشكل نسبةً كبيرةً من معروض بيتكوين الحالي الذي يبلغ 767 مليار دولار تقريباً، إلا أن عمليات البيع التي نفّذتها FTX شكّلت أكثر من 15% من إجمالي حجم تداول بيتكوين في ذلك الأسبوع المتمثّل بـ 169,561 عملة بيتكوين بقيمة 6.645 مليار وقتَ كتابة هذا الخبر.
وهكذا فقد أدى ضغط البيع –والذي تفاقم بسبب تصفية FTX– إلى دفع سعر عملة بيتكوين نحوَ ما دون 39,000$ بعد أقلِّ من أسبوعين على اقترابها من 50,000$ مباشرةً بعد عملية الاختراق لحساب هيئة الأوراق المالية والبورصات ونشر إعلان زائفٍ عن موافقتها على ETFs. وفي كلّ الأحوال، بدأ مجتمع الكريبتو يُجدّد الآمال مع تراجع وتيرة بيع بيتكوين بعد تصفية ممتلكات FTX الضخمة منها الآن، وصولاً إلى استقرار -أو حتى بدء انتعاش- سعر بيتكوين (BTC).
تحوّل صندوق استثمار جرايسكيل إلى ETF وإشكاليّة الرسوم
شكّل تحويل صندوق GBTC التابع لشركة جرايسكيل (Grayscale) إلى صندوقٍ للتداول الفوريّ لبيتكوين في البورصة (ETF) لحظةً فارقةً في تاريخه، بعد أن كان سابقاً صندوقاً مغلقاً أقلَّ جاذبيةً، وقد احتوى 30 مليار دولارٍ من الأصول وقت تحويله.
في البداية، كان من المتوقّع أن يؤدي التحويل إلى تضييق الفروق بين سعر سهم الصندوق وصافي قيمة أصول بيتكوين التي يحتفظ بها الصندوق، غير أن الرسوم المرتفعة التي أعلنتها شركة جرايسكيل (Grayscale) والتي بلغت 1.5%، مقارنةً برسوم المنافسين التي تراوحت بين 0.2% و0.9%، شكّلت نقطة الخلاف التي ربّما دفعت المستثمرين إلى الخروج من الصندوق. فمن الصعب على شركة جرايسكيل أن تُقنع مستثمريها بأن إدارتها لمنتج بسيطٍ مثل Bitcoin ETF تستحقّ رسوماً بزيادة تتراوح بين 0.6% و1.3% على بقية منافسيها، وقد تضطرّ إلى خفض النسبة الحالية بأسرع وقتٍ ممكنٍ لتجنّب خسارة المزيد من الاستثمارات.
نظرةٌ في سياقٍ أوسع: شركة Alameda Research والتشابكات القانونية
ممّا زاد في تعقيد المشهد أن شركة تداول الكريبتو المُفلسة ألاميدا ريسيرتش (Alameda Research) المرتبطة بمنصة FTX دخلت في نزاعٍ قضائيٍّ مع شركة جرايسكيل متهمةً إياها بفرض رسوم باهظةٍ وإقرار حظرٍ على الاسترداد. وقد تم إسقاط هذه الدعوى مؤخراً، إلا أن ذلك زاد من تشابك روايات FTX وألاميدا وجرايسكيل، في آخر مراحلِ تنظيم بيتكوين والشروع بالمشاركة المؤسساتية.
يمكن القول إن حدَث تصفية شركة FTX لممتلكاتها في صندوق GBTC هوَ أكثر من مجرّد خبرٍ حول تطوّرات السوق، فهو يرمز إلى المعاناة المتزايدة لقطاعٍ عالقٍ بين وتيرة الابتكار السريع من جهةٍ والتدقيق التنظيميّ المتزايد من جهةٍ أخرى. وفي هذا السياق، تلعب المؤسسات الفاعلة دوراً متصاعد الأهمية في تشكيل سوق الكريبتو، كما يتضح ذلك أيضاً من الحجم الهائل لتحركات رؤوس الأموال وتأثير إستراتيجيات الشركات على ديناميكيات السوق.
الطبيعة الحسّاسة لسوق العملات الرقمية: يجب أن نضع ذلك دائماً في الحسبان
مع استمرار تطوّر سوق العملات الرقمية، تقدم كارثة انهيار منصة FTX وتأثيرها على صندوق GBTC رؤى مهمّةً حول نتائج التفاعل بين قرارات شركات الكريبتو والتغييرات التنظيمية وردود أفعال السوق.
في خضمّ ذلك، تُعَد تصفية FTX بمثابة تذكير بهشاشة السوق والحاجة المستمرّة إلى الاجتهاد والرؤية الإستراتيجية في هذا المجال سريع التطوّر. فإذا كان لبيع ممتلكات منصةٍ صغيرة مفلسةٍ أن يحرك سعر بيتكوين، وهو أصلٌ يمكن أن تبلغ قيمته الإجمالية ثلاثة أرباع تريليون دولار، فلنا أن نتخيّل ما يمكن أن تفعله مجموعةٌ كبيرةٌ من العوامل الأخرى التي لا يمكن التنبؤ بها على الإطلاق!