وافقت أكثر من 190 دولةً في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ -المعروف باسم COP28- على التخلص تدريجياً من الوقود الأحفوريّ. وفيما يلي، نقدم لكم ما يجب معرفته عن المؤتمر وما إذا كانت أهداف مؤتمر المناخ هذه طموحةً كما تبدو؟ أم أنها ليست كذلك.

ويُطالب مؤتمر COP28 “بالابتعاد عن الوقود الأحفوريّ والتخلي عنه ضمن أنظمة الطاقة بطريقةٍ عادلةٍ ومنظمة”. وتهدف الدول إلى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة لتصل إلى قيمةٍ صفريةٍ بحلول عام 2050، الأمر الذي سيكون ضرورياً لتحقيق أهداف اتفاقية باريس التي تدعو الدول إلى الحدّ من الاحتباس الحراريّ عند 1.5 درجةٍ مئويةٍ فوق درجات حرارة ما قبل الثورة الصناعية.

النقاط الرئيسيّة لمؤتمر COP28

يطالب اتفاق COP28 بتوفير الدعم للدول الأكثر عرضةً لتغيّرات المناخ، كما طالبَ الاتفاق بـ “تطوير خطط الاستجابة الوطنية ومعالجة نقص البيانات والمعلومات المتعلقة بالمناخ، وضمان التنقل البشريّ العادل والآمن والكريم في حالات النزوح وإعادة التوطين والهجرة عند التعرّض لخسائرَ وأضرارٍ بشكلٍ مؤقتٍ أو دائم”.

ومن المثير للتعجب، أن المؤتمر الذي استمرَّ لمدة أسبوعين كان منعقداً في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تُعتبر من أكبر منتجي النفط على مستوى العالم. ومع ذلك، فقد بدأ الشرق الأوسط بالميل نحو الطاقة النظيفة واستثمار الأموال المُكتسبة من استخراج النفط -أو “البترودولار” (petro-dollar)- في مبادرات الطاقة النظيفة، سواء كان ذلك داخل البلاد أو على المستوى العالمي.

الدول الغنية بالنفط تدخل في استثماراتٍ متنوّعةٍ أيضاً في مجالات الطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية

ففي الوقت الحالي، قامت CYVN Holdings L.L.C. -وهيَ شركةٌ استثماريةٌ مملوكةٌ لدولة الإمارات العربية المتحدة- باستثمار حوالي 740 مليون دولار في شركة السيارات الكهربائية الصينية NIO، بينما قام الصندوق السياديّ للمملكة العربية السعودية بضخ مليارات الدولارات في شركة السيارات الكهربائية الناشئة Lucid Motors ومقرّها الولايات المتحدة.

وبذات الوقت، وصَفَ رئيس مؤتمر COP28 سلطان الجابر اتفاق COP28 بأنه “تاريخيٌّ” وقال في كلمته الختامية: “لقد قدّمنا خطة عملٍ قويةً للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة دون 1.5 درجة مئوية”، مشيراً إلى أهداف اتفاقية باريس لتغيّر المناخ. وطالبَ الجابر الدولَ بالالتزام بالاتفاق قائلاً: “علينا أخذ الخطوات اللازمة لتحويل هذا الاتفاق إلى إجراءاتٍ ملموسةٍ فعلاً”.

وعبّر وزير الخارجية النرويجيّ إسبن بارث إيدي (Espen Barth Eide) عن رضاه بشأن الاتفاق قائلاً: “هذه المرّة الأولى التي يجتمع فيها العالم حول نصٍّ واضح بشأن الحاجة للابتعاد عن الوقود الأحفوري”.

يُذكر أن الاتفاق لم يكن سهلاً، على الرغم من وجود تقاريرَ عن ضغوطاتٍ شديدة من قِبَل السعودية التي تعتبر أكبرَ مصدّرٍ للنفط في العالم، ومقرّ شركة أرامكو (Aramco) أكبر شركة نفطٍ في العالم، والتي تفوّقت مؤقتاً على شركة أبل لتصبحَ أكبر شركةٍ في العالم خلال العام الماضي.

الوصول أخيراً إلى حلّ وسطٍ في COP28

يُعتبر اتفاق COP28 حلاً وسط بين الدول الكبرى المُنتجة للنفط التي كانت ترغب باستثناء “الوقود الأحفوريّ” من البيان الختامي، والدول الغربية التي أرادت تسجيل اتفاقٍ حول “الإيقاف التدريجيّ” للوقود الأحفوريّ كجزء من النصّ النهائيّ للاتفاق.

يُذكر أن جون كيري (John Kerry) -مبعوث المناخ في إدارة الرئيس الأمريكيّ جو بايدن (Joe Biden)- كان من داعمي الاتفاق النهائي، وقد صرّح قائلاً: “هذه لحظةٌ اجتمعَ فيها العمل المشترك الدوليّ بهدف تحديد المصلحة المشتركة بدلاً من المصلحة الفردية”.

ومن الجدير بالذكر أيضاً أن الصين كانت من بين الموافقين على هذا الاتفاق، حيث صرّح جاو ينمينج (Zao Yingming) -نائب وزير الإيكولوجيا والبيئة الصينيّ- أن الوثيقة النهائية لاتفاق COP28 “أعلنت الاتجاه العالمي غير القابل للعكس نحو الانتقال للطاقة النظيفة وخفض انبعاثات الكربون”.

وعلى الرغم من أن الغرب كان يُعتبر داعماً لجهود وقف تغيّر المناخ في المؤتمرات العالمية، فقد لعبت الصين دوراً رائداً في مواجهة تغيّر المناخ على الصعيد الوطنيّ. فهيَ تُعتبر بالفعل أكبرَ سوقٍ في العالم لمركبات الطاقة الجديدة (NEVs)، حيث إن واحدةً من كلِّ 3 سياراتٍ تُباع في الصين هيَ إمّا سيارةٌ كهربائيةٌ ذات بطاريةٍ (BEV) أو سيارةٌ هجينةٌ قابلةٌ للشحن (PHEV).

في المقابل، فإن أقلَّ من 10% من السيارات التي تُباع في الولايات المتحدة هيَ سياراتٌ كهربائية. وبناءً على ما سبق ذكره، أصبحت شركة BYD في الصين أكبرَ بائع لمركبات الطاقة الجديدة في العالم وتبدو مستعدّةً لأن تصبح قريباً أكبر بائع للسيارات الكهربائية ذات البطارية أيضاً.

هل اتفاق COP28 طموحٌ ومُبتكرٌ بالفعل؟

ترى معظم الدول المُشاركة في مؤتمر COP28 أن الاتفاق هو الأول من نوعِهِ، لكنّ البعض الآخر لا يرى هذه الأهداف طموحةً بالقدر الكافي، خاصّةً مع عدم وضوح الموعد النهائيّ لوقف استخدام الوقود الأحفوري.

من جهةٍ أخرى، نجد آن راسموسن (Anne Rasmussen) -كبيرة مفاوضي تحالف دول الجزر الصغيرة- من بين أولئك الذين لم يُعجبوا بالنتيجة النهائية للاتفاق، وقالت: “لقد حققنا تقدماً تدريجياً مقارنةً بالتقدم الجاري كالمعتاد، بينما ما نحتاج إليه حقاً هو تغيير أفعالنا”.

غير أن كلَّ ما ذُكرَ لا ينفي وجود نقاطٍ غامضةٍ أيضاً وثغراتٍ غير موضحةٍ في الاتفاق النهائيّ، كتكنولوجيا التقاط وتخزين الكربون على سبيل المثال. وحول ذلك قال الرئيس العالمي للمناخ والطاقة في World Wildlife Fund، مانويل بولغار فيدال (Manuel Pulgar-Vidal): “تشير النتيجة إلى أن هناك ميلاً واسعاً لابتعادٍ خطيرٍ عن المسائل الرئيسية، مثل التركيز على تقنيات التقاط وتخزين الكربون والوقود الانتقالي”.

بشكلٍ عام، فقد اعتبرَ معظم المراقبين COP28 خطوةً مرحباً بها للأمام، حتى لو كانت تدريجيةً وغيرَ ثوريةٍ كما تبدو للوهلة الأولى.

وفي الختام، يمرّ العالم حالياً بمرحلةٍ حرجةٍ، ويُعتبر عام 2023 العامَ الأعلى في درجات الحرارة على مرّ التاريخ. فمن حرائق الغابات في كندا إلى موجات الحرّ غير العادية في أجزاءٍ من أوروبا، تُصبح المخاطر الحيوية الناجمة عن تغيّر المناخ أكثرَ وضوحاً يوماً بعد يوم.