بدأت أسواق الكريبتو أولى خطواتها مطلع الأسبوع الحاليّ بتوترٍ وحذرٍ شديدين، مع تسارع توالي تبعات موجة الأزمات المصرفية المضطربة ونشر عدوى شاملةٍ قد تضربُ جنبات هذا القطاع بأكمله وتبعثر أوراقه.

وكانت مشاعر الخوف قد تملّكت الأسواق المالية خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث انطلقت شرارتها بإغلاق شبكة مدفوعات SEN التابعة لبنك سيلفرغيت (Silvergate) -وهي البنية التحتية الرئيسية لربط الكريبتو بالقطاع المصرفي- ثمّ بالانهيار الداخليّ لبنك وادي السيليكون (Silicon Valley Bank) صاحب المرتبة 16 ضمن قائمة أكبرِ البنوك الأمريكيّة من حيث إجمالي المبالغ المودعة فيه.

وبعد ظهور التفاصيل المتردّية لأداء حقيبة السندات الخاصة ببنك SVB، لم يمض الكثيرُ من الوقت حتى أدّى ذلك إلى تدافعٍ مُطّردٍ لسحب الودائع منه تحسّباً لانهيارٍ مشابهٍ لما حدث في عام 2008.

وبالتالي فقد خيّمت مشاعر الخوف والقلق العارم بشأن احتمال انتشار عدوى مصرفيّةٍ مجدّداً تهدّد بانهياراتٍ محتملةٍ تشمل العديد من الكيانات المصرفيّة الكبرى.

ولم تقتصر نتائج الانهيار على هذين البنكين فقط، فقد لحقت الأضرار بأسهم عددٍ لا بأس به من البنوك الأمريكيّة، مع تراجع قيمة بعض أسهمها بنسبةٍ بلغت -35% يوم الجمعة الماضي، والذي شهد عمليات إغلاقٍ لعدّة بنوكٍ أمريكيّةٍ متعدّدة.

ومع استمرار مشاعر الخوف والذعر بالامتداد إلى الساعات الأولى من الصباح الباكر، فقد تراجع مؤشر S&P 500 خلال الساعات الأولى من صباح هذا اليوم ليبلغ مستوياتٍ متراجعةً قياساً إلى مستوياته التي بلغها بداية العام الجاري، وذلك بالتوازي مع امتداد موجةِ اضطراب الأسواق بسبب الأزمة المصرفيّة لتلقي بظلالها الوخيمة على عمليات التداول في مستهلّ الأسبوع الحالي.

وما صبّ مزيداً من الزيت على الرماد المشتعل تحت السطح، فقد تمّ إيقاف التداول على أسهم عدّة بنوكٍ أمريكيّةٍ -كما أشيع- هذا الصباح نتيجةً للتقلّبات السعريّة الشديدة.

وفي تلك الأثناء وعلى حين غرة، خرجت عملة بيتكوين (Bitcoin-BTC) من سباتها لتجتاحَ الأسواق مجدداً في ارتدادٍ مفاجئ لأسعارها نحو الأعلى، ما بعث المزيد من الارتياح لتتجاوزَ بسعرها مستوى 20,000$ من جديد، في ارتدادةٍ أقلُّ ما توصف به أنّها “عودةٌ ملحميةٌ” حيث يتسابق المستثمرون الآن للعثور على ملاذٍ لرؤوس أموالهم يكون أكثر أماناً من أجل الحفاظ على قيمة مدّخراتهم واستثماراتهم خارج حدود القطاع المصرفيّ بأكمله، مع إشاراتٍ توحي بأنه على وشك التداعي.

وبالتوازي مع تساؤل الكثيرين عن سبب ارتفاع أسعار عملة بيتكوين (Bitcoin-BTC) مؤخّراً، بينما تتراجع أسعار أسهم البنوك في مختلف بلدان العالم؛ يشارُ إلى وجود ثلاثة أسباب قد تساعد في تفسير ارتفاعاتِ أسعار العملات الرقمية في مستهلّ هذا الأسبوع.

1. شركة سيركل تنجح في تجاوز أزمة بنك SVB شبه سالمة

غداة إعلان المؤسّسة الفيدرالية للتأمين على الودائع (FDIC) عن البدء ببيع أصول بنكِ وادي السيليكون SVB)) المنهار ضمن خططٍ تهدفُ إلى سداد ما يمكن أن يصلَ إلى 50% من قيمة ودائع عملاء البنك اليوم، فإنّ ذلك غدا عامل ارتياحٍ لأبرز حاملي عملةِ USDC المستقرة.

فيوم الأحد الماضي كشف الرئيسُ التنفيذيُّ لشركة سيركل جيريمي ألاير (Jeremy Allaire) عن أنّ مبلغ 3.3 مليار دولار (ما يمثل 8% من أرصدة شركة سيركل في كافة البنوك) الذي كانت الشركة قد أودعته في بنك SVB سوف يصبح متاحاً اليوم.

ويذكرُ أنّ مشاعر الخوف والفزع قد اعترت سوق الكريبتو عندما انهار ارتباط عملةUSDC المستقرّة -التي تُصدرها شركة سيركل- بالدولار الأمريكيّ الرسميّ، وكانت أزمة فكّ الارتباط قد بدأت بإعلان شركة سيركل عن تأثرها مالياً بأزمة بنك سيليكون فالي (SVB).

ومع تسابق المستثمرين على نقل رؤوس أموالهم من عملة USDC المستقرّة إلى غيرها، تراجعت قيمتها لتبلغ 0.87$، ما أدّى إلى فوضى عارمةٍ مؤقّتةٍ في سوق الكريبتو.

إلا أنّه على مدار عطلة نهاية الأسبوع، عاودت عملة USDC ربط قيمتها بالدولار الأمريكيّ الرسميّ مرّةً أخرى، لترتفع قيمتها من جديد إلى 0.99$.

كما شهدت جهود إعادة ربط قيمة العملة المستقرّة بالدولار الأمريكيّ الحثيثة دعماً هائلاً من منصة كوين بيز (Coinbase)، حيث تحرّكت المنصة لإعادة إدراج عملة USDC المستقرّة مقابل عملة الدولار الأمريكيّ الحكومي (USD) بنسبة 1:1 وإضافتها إلى قوائم التداول بعد الظهر، رغم أنّ الدولار النقديّ يبقى غير قابلٍ للسحب وفقاً لنظام المنصة.

وفي النهاية يبدو أنّ جهود شركة سيركل قد تكلّلت بالنجاح في الإفلات من أسوأ ما في أزمة بنك وادي السيليكون(Silicon Valley) في الوقت الراهن، ما أعطى دفعةً كبيرةً من مشاعر الاطمئنان في أسواق العملات الرقمية شديدة التقلب.

2. المعنويات المتعلقة بالبيانات على البلوكتشين: أسوأ عمليات البيع قد انتهت

رغم الجهود المتلاحقة لمعاودة الارتفاع لإعادة اختبار مستوى المقاومة عند 25,000$ مجدّداً، تمّ كبح جماح حركة سعر عملة بيتكوين (BTC) للأعلى نظراً للضغوط البيعيّة الكثيفة خلال قرابة الشهر، إلا أنّ الأسوأ يمكن أن نكون قد طوينا صفحته بالفعل.

وفي الحقيقة -وبالرجوع إلى المؤشّرات المتوفرة على البلوكتشين- فقد واجهت عملة بيتكوين 25 يوماً عصيباً بالنظر إلى صافي التدفّقات الداخلة إلى منصات التداول. ومن وجهة نظر الأفراد، قد يعني ذلك أنّه -على مدار 25 يوماً تقريباً- ذهب من عُملات BTC إلى منصّات التداول ما يزيد عن تلك التي تمّ إرسالها خارجها (إلى محافظ التخزين البارد)، وهو ما ينمّ عن إشارةٍ بيعيّةٍ في العادة، حيث يعمدُ المستثمرون إلى نقل ممتلكاتهم من عملة BTC إلى منصّات التداول لبيعها.

وعلى أيّة حال فإنّه اعتباراً من الخميس الماضي، انعكس تغيّر صافي حيازات منصات التداول مؤخراً من عملة BTC إلى صافي تدفّقٍ خارجيٍّ؛ حيث يبدو أنّ عمليات البيع قد انتهت الآن في إشارةٍ واضحةٍ على الشروع في الاحتفاظ بالعملة على المدى الطويل.

المصدر

وإجمالاً، عادةً ما يتمّ اعتبار مثل هذه التدفّقات الخارجة من منصات التداول ذات أهميّةٍ أكبرَ ممّا تبدو عليه؛ حيث يمكنها تشكيلُ أحد معالم الصورة الكليّة للاحتفاظ بعملات بيتكوين على المدى الطويل وتكديسها، مع تراجع النسبة المئويّة لأرصدة منصّات التداول إلى 11% الآن من إجماليّ المعروض المتداول من عملة بيتكوين، لتحقّق بذلك أدنى مستوى لها منذ شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2017.

المصدر

هل تريدون المزيد من هذه الأخبار؟ يبدو أنّ التراجع السعريّ إلى ما دون مستوى 20,000$ والذي نجم عن انهيار بنك سيليكون فالي (SVB) الداخليّ قد أبعد الأيدي الضعيفة الباقية وأخرجَها من فضاء الكريبتو.

بإلقاء نظرةٍ فاحصةٍ عن كثب على قدرة أسعار عملة بيتكوين على التماسك خلال الموجات السابقة، يبدو أنّها ترسم صورةً لا لبس فيها تشيرُ إلى اقتراب معروض البيع منها نحو نهايته، حيث احتلّ المعروض النشط منها موقع الريادة في تحديد منحى حركة الأسعار اليوميّة خلال الفترة الأخيرة على نطاقٍ واسع.

المصدر: Glassnode

من هم أصحاب الأيدي القوية؟ يبدو أنّ تجميع العملات يجري على قدمٍ وساق مع بلوغ عددِ محافظ عملة بيتكوين التي تحتوي على ما يزيدُ عن عُملة بيتكوين واحدةٍ كاملةٍ مستوى مليون عنوانٍ فريد؛ ويعرف هؤلاء باسم Wholecoiners””.

المصدر

وبوجهٍ عام، فإنّ المؤشرات التي تقيس المشاعر على البلوكتشين يمكنها رسمُ صورةٍ عامّةٍ تشيرُ إلى أفول نجم الفترة البيعيّة مع تحوّل السوق بمجمله إلى التكديس والاحتفاظ بالعملة، خاصّةً بين حاملي العملة على المدى الطويل؛ ويمكن أن يؤشّر قرب انتهاء الحركة البيعيّة على بداية اتجاهٍ مرتقب لعملة بيتكوين (Bitcoin-BTC) بالاتجاه الصاعد، والأمر نفسه بالنسبة للعملات الرقمية الأخرى كذلك.

3. بلوكتشين بيتكوين (BTC) أكثرُ أماناً الآن من أيِّ وقتٍ مضى

يأتي السبب الأخير الذي يمكن أن يدعو لمزيدٍ من التفاؤل في أسواق الكريبتو هذا الأسبوع مع زيادة تبنّي بلوكتشين بيتكوين العاملة ببرمجيّة التجزئة (Bitcoin SHA-256)، والتي يمكن اعتبارُ معدّل تجزئتها الحاليّ المعدّل الأكبرَ على الإطلاق.

يذكرُ أنّ معدّل التجزئة -والذي يعمل على قياس القوّة الحاسوبية التي يتمّ استثمارها في بلوكتشين بيتكوين- أصبح الأعلى حالياً من أيِّ وقتٍ مضى.

المصدر: Glassnode

لعدّة أسباب يمكن اعتبارُ هذا أمراً آخرَ يبعث على مزيدٍ من التفاؤل، وليس أقلّها أنّه لم يكن هناك مثل هذا القدر الهائل من القوّة الحوسبيّة يصبّ توجّهه نحو بلوكتشين بيتكوين، ما يمكن أن يعني أنّ اعتماد شبكة مُعامَلات البلوكتشين أصبح الآن هو الأعلى على الإطلاق، وهو ما يغذّي ثاني الأسباب التي تشير إلى أنّ بلوكتشين بيتكوين أصبحت بالفعل أكثرَ أماناً من أيِّ وقتٍ مضى؛ إذ أصبح احتمالُ وقوع هجوم 51% -والذي يخشاه جميع من على بلوكتشين بيتكوين (Bitcoin-BTC)- أصبح حدوثه الآن أقلّ إمكانيّة من أيٍّ من الأوقات السابقة على مدار تاريخ العملة الأبرز في ساحة الكريبتو.

يجب الانتباه أيضاً إلى أنّ تتبّع معدّل تجزئة شبكة مُعامَلات بلوكتشين عملة بيتكوين -والذي يتمّ تعديله كلَّ أسبوعين تقريباً- يلفت الأنظارَ إلى معدّل الصعوبة (والذي يقيس مدى صعوبة تعدين إحدى كتلِ المُعامَلات الماليّة على شبكة التحويلات الماليّة الخاصة بالبلوكتشين)، كما يرسمُ المعدّل صورةً كاملة الأبعاد حول عدد الأجهزة العاملة على تعدين عملة BTC، والذي يقدّرُ الآن بأنّه في أعلى مستوياته التاريخية. وإجمالاً، لم يكن تعدين عملة بيتكوين في حالةٍ من الصعوبة البالغة كما أصبح الوضع عليه مؤخراً.

المصدر

وفي الوقتِ الذي يقترب فيه سريعاً حدثُ تنصيف بيتكوين المنتظر (والذي يشير إلى خفض مكافآتِ تعدين كتلة\بلوك المُعامَلات على البلوكتشين إلى النصف) خلال النصف الأوّل من العام المقبل، فإنّ معدّل الصعوبة المرتفعُ حالياً يتجّه غالباً لمزيدٍ من الارتفاع وبلوغ مستوياتٍ تاريخيّةٍ جديدة، ومن المنتظر أن يؤول ذلك إلى إحداثِ صدمةِ المعروضِ من العملة، ما يمثّلُ ركيزةً أساسيّةً لسلسلة الارتفاعات السعريّة المرتقبة التالية، جنباً إلى جنب مع احتفاظِ المزيد من المعدّنين بعددٍ أقلَّ من عملات بيتكوين بصفةٍ مستمرّة.

وبينما يمكن لعملية التعدين -بالمجمل- أن توفّر قدراً لا يستهان به من القدرة على تحديد مستويات القيعان السعريّة للعملة الأبرز بشكلٍ دقيق، فبإلقاء نظرةٍ قريبةٍ على منحنى تجزئة بيتكوين (Bitcoin-BTC)، والذي يشيرُ إلى فترات استسلام المعدّنين وبيعهم لممتلكاتهم منها –ويحتمل أن تمثلّ تلك الفترات القيعانِ السعريّة لعملة -BTC فإنّه بإمكاننا ملاحظة أنّ المنحى الأخير لأسعار بيتكوين خلال العام الحاليّ قد دفع عملة BTC بعيداً عن منطقة الاستسلام الخاصّة بالمعدّنين، والتي أعقبت إفلاس منصّة FTX وما تبعه من أحداثٍ كارثيّة.

المصدر: Glassnode

وأخيراً، فإنّ ذلك كلّه بإمكانه أن يشيرَ -بما قد لا يدعُ مجالاً للشكّ- إلى أنّ أسوأ ما شهدناه من أحداثٍ خلال السوق الهابطة لعام 2022 قد انتهينا منه الآن وأصبح خلف ظهورنا، ويرجّح أن تميل الأسعارُ باتجاه المزيد من الارتفاع خلال الأشهر القادمة وصولاً لعام 2024.