مرحباً بكم في الجزء الأول من سلسلتنا المكوّنة من اربعة أجزاء، والتي نستطلع من خلالها الاتجاهات الرئيسيّة في أساليب التواصل لعام 2022؛ ويناقش الجزء الأوّل من هذه السلسلة مفهوم التسويق العاطفي وتعريفه التقليديّ ووضعه الحاليّ.
استخدم الناس العواطف لتحفيز الاخرين منذ آلاف السنين، وقد وضَعَ أرسطو -الفيلسوف اليوناني الشهير- أساليبَ للنداءات العاطفية أثبتت أنها مقنعةٌ بشكلٍ كبير؛ وبالرغم من أن اللعب على الوتر العاطفيّ قد يبدو أسلوباً تلاعبيّاً، إلا أنه بعيدٌ عن النوايا الشريرة في معظم الأحيان، ويقوم التسويق العاطفيّ بربط الناس بالأشياء التي يودّون الحصول عليها أو يحتاجونها على مستوى شخصيٍّ عميق. ومن المعلوم أن بعض الحملات التسويقية والإعلانية تقوم باستغلال المشاعر السلبيّة -مثل الخوف والجشع- إلا أننا نبحث في هذا المقال عن الكيفية التي يحقق بها التسويق العاطفيّ نتائجَ إيجابيةً، فضلاً عن شرح الأسباب التي تجعل من التسويق العاطفيّ اتجاهاً رئيسياً -ذا قوّة جذبٍ هائلةٍ- في أساليب التواصل.
ما هو التسويق العاطفيّ؟
يقوم التسويق العاطفيّ على تحديد عواطف الجمهور ويعتمد عليها لتسويق المنتجات لهم بشكلٍ ناجحٍ، ويستلزم التسويق العاطفيّ -المتجذّر ضمن أفضل الممارسات في أبحاث ومجال علم النفس السلوكيّ- فهماً عميقاً لمشاعر جمهورٍ معيّنٍ تجاه منتجٍ أو خدمةٍ محدّدةٍ وتجاه المنتجات والخدمات المنافسة أيضاً؛ ولا يؤدّي التسويق العاطفيّ الغرضَ المَرجوَّ منه دون التعامل بشكلٍ ناجحٍ مع مشاعر الجمهور المُستهدَف، فضلاً عن فهم تأثير هذه المشاعر على نظرتهم للمنتَج على وجه العموم.
ومن الأمثلة البسيطة للتسويق العاطفيّ حملات التسويق الخاصة بمقدّمي العلاج النفسيّ عبر الإنترنت، حيث يُعتبَر التسويق العاطفيّ مهماً جداً لإحداث تحوّلٍ نفسيّ، ويشمل الجمهور المستهدَف كافة الأشخاص ممّن يعانون من مشاعر الحزن ويمكن لهم الإفادة من استشارات الصحة النفسية عبر الإنترنت؛ وكثيراً ما نرى في تويتر تغريداتٍ يتحدّث أصحابها عن معاناتهم مع الصحّة النفسية، وكثيراً ما نرى في تويتر أيضاً إعلاناتٍ لمقدّمي هذا النوع من العلاج.
هل يمكن اعتبار التسويق النفسيّ أخلاقياً؟
تشهد البلاد -دون أدنى شك- أزمة صحّةٍ نفسيةٍ بسبب جائحة كورونا والاضطرابات السياسية الشديدة وغيرها من العوامل الهدّامة، ما تسبّبَ في شحن عواطف العامّة وغلبَتها على تصرّفاتهم بشكلٍ واضح، ويتّسم التعبير العاطفيّ في منصات التواصل الاجتماعي حالياً بالجرأة والصّدق والصّراحة، ما يضع المُسوّقين والمراقبين في موضعٍ مثيرٍ للاهتمام، حيث أصبحَ من السهل جداً فهم الخصائص النفسية الخاصة بالجمهور، وذلك بالانتباه لما يقوله هذا الجمهور بشكلٍ صريح، إلا أن المعلومات التي توفّرها منصات التواصل الاجتماعيّ حول عواطف الجمهور حالياً هي من النوع الذي كان الناس يحرصون قبل الجائحة على عدم معرفة الآخرين به -باستثناء الأصدقاء المقرّبين والأقارب وأخصائييّ العلاج- وإذا ما تم استخدام التسويق العاطفيّ من قِبَلِ أطرافٍ خبيثة، فقد يُستخدَم لنشر معلوماتٍ زائفةٍ وخطيرةٍ. وفي الجانب المقابل، وفي حال كان التسويق العاطفيّ بأيدٍ أمينةٍ، فقد يسهم في زيادة الممارسات الجيدة ذات الصلة بالصحّة العامة، فضلاً عن إتاحة خياراتٍ إضافية. ويعتمد التسويق العاطفي -بأفضلِ أشكاله- على إيجاد روابط مع الجمهور واستخدام رسائلَ تجذب العامة بشكلٍ حقيقيٍّ على المستوى العميق، بعيداً عن الشعور بالذنب أو التلاعب بالمشاعر.
كيف يتم استخدام التسويق العاطفي؟
يُستخدَم التسويق العاطفيّ منذ سنواتٍ عدّةٍ في كافة المجالات -بدءاً من الإعلانات التلفيزيونية التي تحرّك مشاعرنا أو تسبّب الإحباط للأشخاص من ذوي الحساسية المفرطة، ومروراً بالتأثيرات النفسيّة للشعارات والعلامات التجارية- باستخدام الأشكال والألوان التي يتمّ استخدامها لإثارة استجابةٍ عاطفيةٍ محدّدة؛ ونظراً لأنّ الناس يتفاعلون مع المثيرات النفسية بشكلٍ تلقائيّ، أخَذَ التسويق النفسيّ منحاً جديداً بالكامل، وإذا كنا نقوم بالتسويق لشيءٍ يحتاجه الناس سابقاً، فيجدر بنا استهداف العواطف التي تحفّزهم لمعرفة معلوماتٍ إضافيةٍ حول العلامات التجارية، على أمل أن تتسبَّبَ هذه الرحلة الاستكشافية بإحداث تحولٍّ نفسيّ ما. ويُعزى الفضل في نجاح هذا النهج إلى انخراط الناس في هذه العملية بشكلٍ عاطفيّ، ما يوجب علينا ابتكار رسائلَ مدروسةٍ بعنايةٍ لتشجيع الناس وتحفيزهم -دون التلاعب بمشاعرهم- ولا يمكننا التعامل مع الجمهور كصفقةٍ محتملةٍ، بل إنهم أشخاصٌ يواجهون مشاعرَ من المحتمل أنهم لم يُخبروا عنها من قبل، ويتعيّن علينا تحديد طرقٍ لإثارة -أو إيجاد- مشاعرَ إيجابيةٍ تجذب العامة للمنتَج الذي نقوم بتسويقه، فضلاً عن توجيهم نحو عملية التحوّل النفسيّ. ومن المشاعر الإيجابية التي يتعيّن علينا تضمينها في رسائل التسويق العاطفي: الاهتمام والحماس والتعاطف وحسّ الانتماء وغير ذلك الكثير؛ ويمكننا أن نشهد حدوث عملية التحول النفسيّ هذه بشكلٍ تلقائيٍّ لدى عامة الناس في شبكات التواصل الخاصّة بهم عبرَ الإنترنت.
ومن الممارسات الشائعة في منصات التواصل الاجتماعي قيام المستخدمين الذين يعانون من اضطراباتٍ عاطفيةٍ بطلب المساعدة من الآخرين -كأن يقوموا بإشاعة البهجة عن طريق الصور الطريفة لحيواناتهم الأليفة- ويحتشد المستخدمون الآخرون للتعبير عن تعاطفهم وأمنياتهم الصادقة لهؤلاء المستخدمين المكروبين؛ ويمثّل التسويق العاطفي طريقةً معقّدةً لإيجاد ارتباطٍ عاطفيٍّ مشابهٍ على المدى الطويل.
كيف يتم تضمين التسويق العاطفيّ في الأساليب الإعلاميّة المتعدّدة؟
يصبح التسويق العاطفيّ أكثرَ فاعليةً عندما تتضمّن إستراتيجياته اعتماد أساليبَ إعلاميّةٍ متعدّدة -مثل المحتوى ومنصات التواصل الاجتماعيّ وتجديد النشاط التسويقي– ولا ينبغي أن يكون في المحتوى التسويقيّ أي مفرداتٍ تخصّصيةٍ ذات صلةٍ بالمبيعات أو الكثير من الدعوات لاتخاذ إجراءاتٍ معيّنة؛ وكلما كان المحتوى أكثر إيجازاً، كلّما ازدادت فاعلية المحتوى العاطفيّ، وقد يستلزم الأمر تضمين دعوةٍ واحدةٍ مؤثرةٍ لاتخاذ إجراءٍ معيّنٍ، كما ينبغي أن يكون المحتوى مؤثراً جداً بحيث يُغري الناس بمشاركته مع الآخرين – وتُعتبَر المشاركة بحدّ ذاتها أحد أشكال الاستثمار العاطفيّ.
وفي حال تم استخدام محتوى تسويقيٍّ يثير العواطف بشكلٍ ناجحٍ، يُصبح تجديد النشاط التسويقيّ فاعلاً بشكلٍ كبير -بفضل رَوَاج منصات التواصل الاجتماعي- ويتيح لكم استخدام الأدوات التي تقدّمها الخدمات الإعلانية عرضَ الإعلانات للأشخاص ممّن قاموا بزيارة موقعٍ أو ملفاتٍ تعريفيةٍ في منصات التواصل الاجتماعي، أو قاموا بالبحث عن شيءٍ محدّدٍ، فضلاً عن إمكانية ابتكار رسائلَ نفسيةٍ تتسم بالقدر نفسه من الدفء والارتباط العاطفيّ الذي كنتم تسعون لإيجاده باستخدام أساليب أخرى. وقد خلصَت دراسةٌ إلى أن نسبة نجاح الإعلانات التي تتسم بالجذب العاطفيّ تبلغ 31%، بينما تبلغ نسبة نجاح الإعلانات التي لا تعتمد أيَّ نهجٍ عاطفيٍّ 16% فقط.
وتتمثّل فائدةٌ أخرى من فوائد التسويق العاطفيّ في كسب ولاء العملاء، فإذا ما أقمتم علاقةً عاطفيةً مع الجمهور بالاعتماد على مشاعرهم واحتياجاتهم والمساعدة التي تقدّمها منتَجاتكم أو خدماتكم، فمن المرجّح أن يتحوّلوا للعلامة التجارية التي تقومون بالتسويق لها من أجل تلبية حاجاتهم في المستقبل، وقد ينصحون الآخرين باستخدامها أيضاً.
أخيراً، يتعيّن عليكم بناء صداقةٍ مزدهرةٍ مع العملاء، وتمثّل هذه الصداقة جوهرَ التسويق العاطفيّ.