حُكم الاستثمار في البورصة
ما من شك في أنّ هناك صعوبات معقدة في فهم المحتوى الأخلاقي للـسوق الاقتصادي العالمي، لأن بعـض التبادلات بـين المتعاملين تعمل على أساس مصلحة الفـرد، ويخضع بعضها للمعايير التنافسية، ولـيس التعاونية، دون مراعاة أهمية العمل في مجموعة متكاملة. ولا شك أن المنهجيـة الفرديـة فــي عــزل الأخــلاق عــن معظــم تعاملات السوق أدت إلــى ســيطرة الميــول الفرديــة غيــر التضامنية علـى اتجاهـات الـسوق، وبالتالي تفكك علاقـات الـسوق القائمـة علـى التنافس المطلق. من هنا يبحث الكثير من العرب والمسلمين عن أحكام الشريعة في علاقـات الاسـتثمار، بأشكالها المختلفة، ومن بينها: الاستثمار في البورصة.
محتويات المقال
المقاصد الشرعية للاستثمار المالي
في كتابه البحثي ” الاستثمار المالي: حقيقته ومقاصده وضوابطه”، يورد الكاتب/ أستاذ العلوم الإدارية والمالية د.ياسر عبد الكريم الحوراني، مقاصد الاستثمار المالي في الإسلام، والتي تتلخص في:
- تحقيق عمارة الأرض واستخلاف الإنسان.
- تحقيق العائد المادي الفردي والعائد المادي المجتمعي.
- القضاء على الفقر والبطالة وتحقيق النمو.
- تحريك المال بين فئات المجتمع “التداول”.
- تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة.
- تحقيق التكافل الاجتماعي.
تكمن أهمية هذه المقاصد في كونها القواعد الأساسية التي تنطلق منها الضوابط الشرعية الثلاث لعمليات الاستثمار كافة. والتي هي: ضوابط عقدية، وضوابط أخلاقية، وضوابط مالية.
ففي الضوابط العقدية، تتجلى أهمية معرفة المستثمر المسلم بفقه التعامل المالي. إذ ينبغي عليه الإحاطة بالطريقـة الشرعية المثلى للكسب ومعرفـة الحلال من الحرام، ومن ذلك القدرة على التمييز بين العقود الصحيحة والفاسدة، وكيـف يـسلم مــن الربــا. وفــي حالــة عــدم القــدرة علــى معرفــة حقــائق المعاملات الماليــة عليــه الاستعانة بأهل الورع والعلم ممن له باع في الخبرة والكفاءة.
ولا تنعدم حاجـة الإنـسان إلى التحرر من الجهل في أمور المبايعات ولو باليسير، فقـد ورد فـي الحـديث أن رجـلاً ذكـر للنبي أنه يُخدع في البيوع، فقال النبي: “إذا بايعت فقل لاخِلابة” أي: لا خديعة. قال العلماء: لقنه النبي هذا القول ليتلفظ به عند البيع.
ومن الأمور الواجبة فـي فقـه المعاملات الماليـة أن يـستحوذ المـستثمرالمـسلم علـى قــدرة عاليــة تمكنــه مـن التخطيـط الــواعي للعمليــات المطلوبـة وكيفيــة تحصيل الأمان والسلامة دون الولوج في مخاطر عالية. ومـا يكـون عليـه المـسلم فـي معـاملات الاسـتثمار فـي سـوق المـال أحوج إلـى معرفـة تفاصـيل العمليـات الماليـة والفنيـة واتجاهات الـسوق، وطبيعـة الجماعـات الاقتصادية الضاغطة، ومـدى وجـود منافـسة حقيقيـة، ومـا شـابه مـن الأمورالمهمة في هذا الباب.
سوق الأوراق المالية (البورصة)
وفقاً لتعريف موقع الويكيبيديا، فإنّ اَلْبُورْصَةُ أَوْ سُوقُ اَلْأَوْرَاقِ اَلْمَالِيَّةِ، سوق لكنها تختلف عن غيرها من الأسواق، فهي لا تعرض ولا تملك في معظم الأحوال البضائع والسلع، فالبضاعة أو السلعة التي يجري تداولها فيها ليست أصولًا حقيقية بل أوراقًا مالية أو أصولًا مالية، وغالباً ما تكون هذه البضائع أسهماً وسندات. والبورصة سوق لها قواعد قانونية وفنية تحكم أدائها وتحكم كيفية اختيار ورقة مالية معينة وتوقيت التصرف فيها وقد يتعرض المستثمر غير الرشيد أو غير المؤهل لخسارة كبرى في حال قيامه بشراء أو بيع الأوراق المالية في البورصة لأنه استند في استنتاجاته في البيع أو الشراء على بيانات خاطئة أو غير دقيقة أو أنه أساء تقدير تلك البيانات.
حُكم الاستثمار في البورصة
* رأي مجمع الفقه الإسلامي:
إنّ الأحكام الشرعية المترتبة على التعامل بالبورصة والأسهم المالية كثيرة ومتنوعة، وإعطاء حكم شرعي عام بشأنها متعسّر، والأصل بيان طبيعتها، وصورة المعاملات المالية التي تنتظم بها، ثمّ يجري تقديم الحكم الشرعي بشكلٍ خاصٍّ بكلّ مسألة على حدة.
لذلك، أفتى مجمع الفقه الإسلامي بأنّ:
- العقد القائم على دفع الثمن مباشرة (العاجل) للسّلعة الحاضرة المراد بيعها يُشترط أن تكون مملوكة للبائع ملكاً حقيقياً، ويجري فيها التقابض في مجلس العقد هي من العقود الجائزة، شريطة أن يقوم العقد على بيع السلع المباحة.
- يستثنى من شرط التقابض السلع التي يُجَوِّز الشرع تأخير قبضها.
- إذا لم تكن العين المباعة في ملك البائع فيجب أن تتوفر شروط السَّلم في هذا العقد، ولا يجوز للمشتري التصرف بالسلعة المباعة قبل قبضها.
- عقد السَّلم في اصطلاح الفقهاء هو عقد بيع لسلعة مؤجّلة، لكنّها موصوفة في الذّمة مقابل ثمن يُعطى عاجلاً.
- العقد العاجل في أسهم الشركات والمؤسسات الربحية عقد جائز بشرطين:
أولا: أن تكون الأسهم مملوكة للبائع.
ثانيا: أن يكون موضوع التعامل مباح شرعاً.
- عقد البيع المسمّى بسندات القروض بفائدة، سواءً أكان عقد عاجل أو آجل، محرّمة شرعاً بكلّ أنواعها؛ لأنّها معاملات تقوم على التعامل بالربا.
- عقود البيع القائمة على الدفع المؤجّل، وتجري على الأسهم أو السلع التي لا يملكها البائع بالكيفية التي تجري في الأسواق المالية (البورصة) محرّمة شرعاً؛ لأنّها تتضمن بيع المرء ما لا يملك، إذ يكون اعتماده في عقد البيع على اعتبار ما سيكون في ملكه بعد شرائه، وقد جاء النهي الشرعي صريحاً بذلك، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تبعْ ما ليسَ عندكَ).
- لا يصحّ قياس صورة البيع في العقود الآجلة في السوق المالية (البورصة) على صورة بيع السلم الجائزة في الشرع، ويعدّ هذا القياس باطل من وجهين:
الوجه الأول: في تعاملات الأسواق المالية لا يُدفع الثمن في العقود الآجلة في نفس مجلس العقد، بل يتمّ تأجيل دفع الثمن إلى موعد التصفية، خلافاً للثمن في بيع السلم، حيث يشترط أن يُدفع في مجلس العقد.
الوجه الثاني: في عالم البورصة يتمّ بيع السلعة نفسها المتّفق عليها في العقد عدّة بيوعات متتالية؛ فلا هي خرجت من ذمة البائع الأول، ولا حتى المشتري الأول حازها وتملّكها، والغرض من ذلك دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين، حيث يخاطروا في تحقيق الكسب والربح، فصار الأمر كالمقامرة تماماً، وهذه الصورة منتفية في بيع السّلم، إذ لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم أو التصرف به قبل قبضه.
الأصول المشفرة هي منتج استثماري شديد التقلب وغير منظم
* رأي دار الإفتاء المصرية:
في قناة دار الإفتاء المصرية على موقع يوتيوب، صرّح الشيخ عويضة عثمان بجواز تعاملات البورصة للشركات القانونية المصرّح بها، والتي تدخل أعمالها في دائرة المباح، كشركات الاتصالات مثلا، أو شركات البناء، طالما أن هذه الشركات تدخل في البورصة بهدف التربح لا الإفساد.
* رأي الإمام السعودي ابن باز رحمه الله:
تورد الصفحة الإلكترونية للشيخ ابن باز رحمه الله رأيه الشرعي في استثمار الأسهم، فيقول: ” إذا كانت أسهم في حديد، في بناء، في أراضٍ، في سيارات؛ لا بأس، أما الربا لا”. وعن الأسهم التي يتم تداولها في البنوك، يقول فضيلته: ” أسهم البنوك لا تصح، أما أسهم خالية من الربا، كشركات الأراضي، السيارات، المعدات، الملابس؛ فلا بأس”.
* رأي الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله:
في توضيح للشيخ يوسف القرضاوي -رحمه الله- على موقعه الشخصي حول حُكم شراء الأسهم، يقول الشيخ: من الناحية الشرعية، الأسهم على ثلاثة أنواع:
- النوع الأول: أسهم شركات ملتزمة بالإسلام مثل البنوك الإسلامية، وشركات التأمين الإسلامية؛ فهذا لا خلاف في جواز المساهمة فيها وتداول أسهمها بالبيع والشراء، بعد ما تتحول موجودات هذه الأسهم إلى أصول ومنافع بنسبة أكثر من خمسين بالمائة، فيجوز تداولها بأي وسيلة مشروعة مثل البيع و الشراء، و لا يحتاج فيها إلى القبض الفعلي باعتبار أن هذه الأموال لا يحتاج فيها إلى القبض يدًا بيد.
- النوع الثاني: أسهم شركات أصل نشاطها محرم أساسًا، مثل شركات الخمور والخنازير وغيرها من المحرمات؛ وهذه بالإجماع لا يجوز المساهمة فيها ولا التعامل معها، ومثلها: البنوك الربوية وشركات الملاهي وغيرها، التي تتعامل بالمحرمات.
- والنوع الثالث: أسهم شركات أصل نشاطها حلال، مثل شركات السيارات والتقنيات والتجارة العامة والزراعات والصناعات وغيرها من الأنشطة المباحة، ولكنها قد يدخل عليها الحرام عن طريق التعامل بالفوائد أخذًا وعطاءً؛ فهذه محل خلاف بين الفقهاء في عصرنا. فمنهم من منع التعامل و المساهمة و الشراء والبيع باعتبار أن هذه الأسهم دخل فيها الربا الملعون آكله ومؤكله وكاتبه وشاهده؛ وبذلك لا يجوز التعامل بها بحال من الأحوال.
- ومنهم من يرى أن هذه الأسهم يمكن التعامل بها لحاجة الناس، ولكن بضوابط وشروط من هذه الشروط:
- أن لا تزيد نسبة النقود والديون عن 50%، ـ كما هو قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي ـ فإذا زادت لا يجوز تداولها إلا حسب قواعد ما يسمى بقواعد الصرف في الفقه الإسلامي، من ضرورة الفورية أو التقابض أو ما أشبه ذلك.
- أن لا تزيد نسبة ديون الشركة و قروضها عن طريق الفوائد عن 30%.
- أن لا تزيد نسبة الفوائد عن 5% أو 10% على الأكثر.
- أن يتم مراقبة هذه الشركات بدقة والتخلص من نسبة الفوائد فيها، أو أن يقوم الشخص نفسه بتطهير ماله من نسبة الربا الذي دخل في الربح.
- هذا ما رآه عدد من علماء العصر المشتغلين بالمعاملات المالية، رفقًا بالناس، وتيسيرًا عليهم، ولهم في ذلك بحوث ودراسات.
- وإذا كانت الشركة المسؤول عنها في مجال “الإنترنت” فأصل نشاطها حلال، فإذا أمكن الالتزام بالشروط والضوابط المذكورة؛ جاز التعامل معها للحاجة، والله أعلم.
ما هي الشركات المساهمة، وما مدى مشروعيتها في الإسلام؟
وهكذا، فإنّ الشريعة الإسلامية لم تترك باب الحلال والحرام مبهمًا أو مجملًا، ولم تتركه للأهواء والرغبات؛ بل تكفل الشرع بالبيان والتفصيل بنصوص صريحة صحيحة، فقال النبى ﷺ: “إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقْد اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ، كَالرَّاعِى يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ” (رواه البخارى ومسلم).
IMPT - البيع المسبق المُحتمَّل 100x
- مشروع الحد من إنبعاثات الكربون في العملات الرقمية وNFT
- حامليها لهم تأثير إيجابي على البيئة
- شراكات الصناعة، الفريق العام
- المرحلة الأولى من البيع المُسبق - مباشر الآن!