يتساءل الكثيرون -ولعلك أحدهم- عن معنى “صانع محتوى رقمي”، ويشير هذا المصطلح إلى أنشطةٍ متنوعةٍ نظراً لاستخدامه في سياقاتٍ عديدة، ما يجعل تعريفه بشكلٍ محدّد أمراً صعباً، إلا أنه يمكننا القول إن صناع المحتوى الرقمي هم من يقومون بإنشاء المحتوى الذي يتم عرضه عبر الإنترنت وفي وسائل اتصالٍ أخرى -مثل التلفاز- حيث يقوم أحدهم باستخدام قوة التكنولوجيا لإنشاء المحتوى الإبداعيّ -أو ما يفتقر أحياناً لسمات الإبداع- ومشاركته عبر منصّاتٍ عديدة على الإنترنت.

ويشير مصطلح “صانع محتوى رقمي” لمجموعةٍ كبيرة من المبتكرين -مثل منشئي المحتوى المُصوّر على اليوتيوب والمدوّنين- ممّن وجدوا مساحةً للتعبير عن أفكارهم وآرائهم في عالمنا الرقميّ، وتتمحور مهمّة صناع المحتوى الرقمي حول الاستفادة من إمكاناتهم الإبداعية في إنشاء المحتوى ومشاركته مع قاعدة جماهيريةٍ عريضة.

ويستطلع هذا المقال عالمَ الابتكار الرقمي بتناول أهميّته والأنواع المختلفة من صناعة المحتوى الرقمي، كما يحتوي على دليلٍ توجيهيٍّ لكيفية البدء كي تصبحَ صانعَ محتوى رقمي.

ما معنى “صانع محتوى رقمي”؟

بعبارة بسيطةٍ، يقوم صناع المحتوى الرقمي بإنشاء محتوى يستهوي جمهوراً محدّداً باستخدام أدواتٍ ومنصاتٍ رقميةٍ لابتكار المحتوى ونشره لعرضه على الجمهور المستهدَف عبر الإنترنت، ومن أبرز الأمثلة على هذه المنصات: يوتيوب وتيك توك وانستقرام وتويتر والمواقع الإلكترونية وغيرها من المنصات الرقمية الأخرى، حيث يقوم غالبية صناع المحتوى بإنشاء موادهم الإعلامية عبر الإنترنت -مثل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع اليوتيوب ومنشورات المدوّنات- كما يقوم البعض بإنشاء مواد إعلاميةٍ خارج نطاق الإنترنت -مثل القنوات التليفزيونية مدفوعة الاشتراك.

وثمّة أنواعٌ مختلفةٌ من المحتوى -مثل مقاطع الفيديو والصور والرسومات البيانية ومنشورات المدوّنات وغيرها من المواد الإعلامية؛ وبغضّ النظر عن نوع وسيلة النشر، يتعيّن على صناع المحتوى الرقمي -بمختلف أنواعه- إنشاء محتوى عالي الجودة وعلى قدرٍ عالٍ من الجاذبية لتحقيق النجاح. ومن الأمثلة على المحتوى الرقمي الجذاب: المقاطع المصوّرة المضحكة، عمليات إطلاق المنتجات الجديدة، تقييمات البرامج التلفيزيونية، والأدلة التوجيهيّة إضافةً لمدوّنات الفيديو التي تتمحور حول الأحداث اليومية لحياة أحدهم الشخصية.

وبغضّ النظر عن صيغة المحتوى (سواءً كان مصوّراً أو صوتياً أو مكتوباً)، يتمثل الهدف الرئيسيّ منه في جذب اهتمام أكبر قدرٍ من الجمهور والتفاعل معه باستخدام محتوى يتمتع بالجاذبية؛ فعلى العكس من صناع المحتوى التقليديين -ممّن ينشطون في مجالاتٍ فنيةٍ محدّدة- يمتلك صناع المحتوى الرقمي -غالباً- مجموعةً فريدةً من المهارات، ما يتيح لهم تصفّح المشهد الرقميّ بشكلٍ فعالٍ بحيث لا يقتصر محتواهم على جمهور إقليميٍّ محدّد، بل تمتد قاعدتهم الجماهيرية لتشملَ كافة أنحاء العالم.

ازدياد أعداد صناع المحتوى الرقمي في وسائل الإعلام الحديثة بشكلٍ غير مسبوق

تسبَّبَ نموّ المشهد الرقميّ والإنترنت وتطوّرهما بتنامي الحاجة لمزيد من صناعة المحتوى الرقمي، ما تسبّب بزيادة أعداد صناع المحتوى الرقمي بشكلٍ كبير، إذ يقوم عددٌ كبيرٌ من الأفراد والشركات والمؤسسات بالتحوّل إلى الساحة الرقمية، ما يُوجد الحاجة لمعلوماتٍ كثيرة كي يتم تقديمها بشكلٍ رقميٍّ وبصيغ عديدة لتلبية كافة حاجات الجمهور؛ وقد أسهَمَ ظهور صناع المحتوى الرقمي بتغيير مشهد الوسائل الإعلامية بشكلٍ كبير، إذ قامَ هؤلاء بتعطيل القوالب الإعلامية التقليدية، فضلاً عن توفير وسائلَ جديدة لسرد القصص والترفيه والتعليم والتأثير.

يُذكر أن إتاحة الفرصة لعامة الأفراد من شتى مجالات الحياة بالمشاركة في صناعة المحتوى -بفضل منصّاتٍ عديدة من أمثال يوتيوب، انستقرام، تيك توك وفيسبوك- مكنّهم من ممارسة صناعة المحتوى ومشاركة أفكارهم الفريدة، فضلاً عن تسبّب هذا الطابع الديمقراطيّ بإيجاد كمٍّ هائلٍ من المعلومات حول مختلف المواضيع التقنية وغير التقنية، ما أتاح للعامة تعلم الأشياء بسهولةٍ تامةٍ وبشكلٍ مجانيٍّ، أو لقاء رسومٍ معقولة.

ومع إتاحة ممارسة صناعة المحتوى الرقمي فوائدَ عديدةً -مثل إمكانية التعبير عن الأفكار الشخصية بشكل مبتكَرٍ وبناء العلامات التجارية الشخصية- تقاطعت مهنة صناعة المحتوى مع غيرها من المهن في إتاحتها إمكانية تحقيق دخلٍ كبير واكتساب شهرة عريضة، إلا أن صناعة المحتوى الرقمي تستلزم مجابهة العديد من التحديات: أولاً، وبالنظر للاهتمام المتزايد بهذا القطاع -بسبب شهرته وتأثيره المتزايد- تشهد صناعة المحتوى تنافساً هائلاً بحيث أصبحَ من المرجّح اشتدادها أكثر فأكثر، ما يستلزم بذل جهود كبيرة وتحرّي الجودة العالية لضمان التميّز.

علاوةً على ذلك، عندما تقوم منصات العرض بتغيير أو تعديل خوارزميّات (برمجيات) التوصية الخاصّة بها، يتعيّن على صناع المحتوى -غالباً- التعامل مع هذه المتغيرات بتعلم كيفية تحسين محتواهم بما يتناسب مع التعديلات الطارئة، مع أخذ تفضيلات الجمهور المستهدَف بعين الاعتبار.

ففي بعض الأحيان يتعيّن على صناع المحتوى الرقمي -لا سيّما صانعو المحتوى المصوّر- توخّي الحذر بشأن حقوق التأليف والنشر؛ فمن المعلوم أن النظام الخاصّ بهذه الحقوق في اليوتيوب -وغيرها من المنصات- هو نظامٌ غير جيد على العموم، ناهيك عن إمكانية وقوعهم ضحيةً للانتقادات اللاذعة والسخرية والتنمّر الإلكتروني والتشهير عبر الإنترنت.

وبالرغم من هذه التحديات، تزايد نموّ قطاع صناعة المحتوى بشكلٍ سريع بفضل جاذبية الحرية الإبداعية وإمكانية تحقيق مكاسبَ كبيرة والتواصل مع الأشخاص ذوي الاهتمامات والتوجّهات المشتركة؛ فبحسب مجموعة جولدمان ساكس، تبلغ القيمة الإجمالية لقطاع صناعة المحتوى حالياً 250 مليار دولار؛ وبالنظر للتطوّر التقنيّ الهائل وازدياد الاستهلاك التقنيّ بشكلٍ مطّرد، يُرجّح محللون تضاعف هذه القيمة تقريباً بحلول عام 2027 لتبلغ 480 مليار دولار، وتتعزّز هذه الزيادة بفضل الاهتمام المتزايد بصناعة المحتوى -والتي أصبحت تمثل هاجساً لدى كافة الفئات العمرية وحتى أصغرها سناً- حيث أظهرت إحصاءات منصة SmallBusinessBlog أن 29% من الأطفال الأمريكيين يرغبون بصناعة مدوّنات الفيديو عبر يوتيوب؛ وتشير دراسةٌ استقصائيةٌ مشابهةٌ تم إجراؤها في المملكة المتحدة إلى أن 30% من الأطفال أفادوا بتطلعهم لاحتراف صناعة المحتوى على اليوتيوب لكسب الدخل.

أنواع صناع المحتوى

ثمّة أنواعٌ عدّةٌ من صناع المحتوى في عالم صناعة المحتوى الرقمي مترامي الأطراف، ويختلف صناع المحتوى باختلاف اهتماماتهم ونوعية المحتوى المبتكر ومنصّة العرض المفضّلة لديهم؛ وتقدم كافة فئات صناع المحتوى -مثل صناع مقاطع الفيديو عبر يوتيوب ومنشئي المدوّنات- صيغاً فريدةً لمشاركة المعلومات والمحتوى إضافةً لطرقٍ متنوعةٍ لكسب المال، وإليكم فيما يلي عرضاً لبعض هذه الفئات:

منشئو محتوى يوتيوب

يتصدّر صانعو محتوى اليوتيوب (اليوتيوبرز) -أي منشؤو مقاطع الفيديو عبر يوتيوب- واجهة صناعة المحتوى الرقميّ الثورية، حيث يقوم هؤلاء باستخدام المقاطع المصوّرة لجذب جموع المتابعين وتعليمهم وإمتاعهم عبر يوتيوب -وهي المنصّة التي يستخدمونها لتحميل الفيديوهات والتفاعل مع جمهورهم وإثراء معارفهم- ويقدم مبدعو اليوتيوب أنوعاً عديدة من الفيديوهات كالتقييمات التقنية والتعليق على الألعاب والأدلة التوجيهية الخاصّة بالطبخ إضافةً إلى عمليات البث المباشر للأحداث مستخدمين معداتهم التصويرية والصوتية ومهاراتهم التحريريّة لعرض آرائهم، ويجتذب هؤلاء -غالباً- مجتمعاتٍ من المشتركين المخلصين.

وفضلاً عن إنشاء الفيديوهات وتحميلها، يقوم العديد من صناع المحتوى بالبث المباشر لبث مقاطع الفيديو وإعادة عرضها لساعاتٍ طويلة، وتجتذب هذه الفيديوهات المتابعين بشكلٍ متزايد حيث يقوم بعضهم بمشاهدتها لساعاتٍ طويلةٍ قبل أخذ قسطٍ من الراحة.

ومن ناحيةٍ أخرى، تلقى مقاطع الفيديو القصيرة الخاصّة بمنصّة يوتيوب (YouTube Shorts) -والتي تحاكي مقاطع الفيديو الخاصّة بمنصة التيك توك- رواجاً كبيراً بفضل قيام صناع المحتوى باختيار محتوى قصيرٍ وجذاب لإمتاع المشاهدين واجتذاب المزيد منهم.

وتجدر الإشارة إلى أن أحد أفضل صناع المحتوى على اليوتيوب والذي يتصدّر صناعة المحتوى عالمياً: مستر بيست (Mr. Beast) والذي يُعرَف أيضاً باسم جيمي دونالدسون -ويبلغ عدد مشتركي قناته 163 مليون مشترك- يتصدّر القائمة من حيث الأرباح المحققة بـ 54 مليون دولار سنوياً، حيث يقدم دونالدسون محتوى مثيراً -مثل البقاء مدفوناً لأكثرَ من 50 ساعة ومحاولته الصيام المتواصل لمدة 30 يوماً- ليجذبَ اهتمامَ الجمهور من صغار السن.

المُعلمون

بفضل صناع المحتوى ممّن يقومون بنشر المعرفة بطرقٍ مبتكرة على المنصات الرقمية، رفع العالم الرقميّ آفاق التعليم لمستوياتٍ جديدة؛ إذ يوفر صناع المحتوى التعليميّ أدلةً توجيهيةً وشروحاتٍ توضيحيةً إضافةً لدوراتٍ تدريبيةٍ عبرَ الإنترنت، ما يسهم بتمكين الراغبين في التعلم من كافة أنحاء العالم، ويتمثل هدف أولئك الصناع الأساسيّ بتضمين معارفهم في مواد بسيطةٍ يسهل على الجمهور استيعابها، كما يقدمون صيغَ توصيلٍ وتشغيلٍ ونماذجَ بجانب شروحاتٍ تفصيليةٍ لإزالة الغموض عن مواضيعَ معقدة أو تعليمَ مهاراتٍ عمليةٍ متعلقةٍ بمواضيعَ شتى -مثل الابتكار والأعمال التجارية عبر الإنترنت والتغذية والتمويل الشخصيّ وغيرها الكثير.

يُذكر أن المحتوى التعليميّ يتم توفيره بصيغ عديدة مثل المدوّنات المقروءة والنشرات الإخبارية والدورات عبر البريد الإلكتروني ومشاركة صور الشروحات والفيديوهات التوضيحيّة والندوات عبر الويب إضافةً للدورات المدفوعة؛ وينتشر موفّرو الشروحات التعليمية في منصاتٍ عديدة -مثل اليوتيوب والتيك توك وانستقرام- حيث يقومون بإنشاء مقاطعَ مصوّرة جذابةٍ وممتعةٍ لتعليم جموع العامة. وفي حين يستخدم المعلمون منصّة يوتيوب -بشكلٍ رئيسيٍّ- لطرح أفكار تقنيةٍ معمقةٍ وإنشاء الفيديوهات وتحميلها، فإنهم يميلون لاستخدام كلٍّ من منصّات LinkedIn وMedium وMailChimp وSubstack لإرسال المنشورات المكتوبة والنشرات الإخبارية. وتُعتبَر منصات التعلم عبر الإنترنت -مثل Skillshare وCoursera- خياراتٍ رائعةً أيضاً لأنها توفر لناشري المحتوى الثقافيّ طريقةً موثوقةً لتحقيق دخلٍ عبر دوراتٍ مدفوعةٍ لمحتواهم ذي الجودة العالية، وتُعَد قناة Crash Course -قناة يوتيوب يقوم بتشغيلها الأخوان جون وهانك جرين- إحدى أفضل القنوات التعليمية بفضل خبرة الأخوين الكبيرة في مجال الأدب والتاريخ والعلوم، وتقدم هذه القناة الرائجة مقاطعَ فيديو صغيرةً -يبلغ طول كلٍّ منها 15 دقيقةً تقريباً- تحتوي على معلوماتٍ حول مواضيعَ مختلفةٍ -مثل علم التشريح والذكاء الصنعيّ- كما تحتوي هذه المقاطع على رسوماتٍ توضيحيةٍ ومتحركةٍ، ما يُسهّل عملية التعلم لكافة المشاهدين، لا سيّما الأطفال والمراهقين.

صناع المحتوى الصوتيّ

تختص هذه الفئة من صناع المحتوى بعالم المواد الصوتية، ويقدمون تجاربَ غامرةً بالاعتماد على قوة الكلمة وصداها، حيث يقوم صانعو المحتوى الصوتيّ (البودكاست) بجذب المستمعين باستخدام محادثاتٍ معمّقةٍ ومقابلاتٍ شيقةٍ لا تخلو من الطرافة والمناقشات المحفّزة للتفكير عبر المنصات الصوتية.

وباعتمادهم على معدات تسجيل الصوت ومواهبهم الحواريّة، يستهدف صناع المحتوى المسموع تناولَ مجموعةٍ كبيرة من المواضيع ومعالجتها، ما يعزّز التواصل الفعال مع قاعدتهم الجماهيرية وتوسيعها بفضل حميمية الصوت. ويمتلك صناع المحتوى هؤلاء ميزةً فريدةً تتمثل في التفاعل المستمرّ للمتابعين؛ فبعد أن ينجحوا بجذب اهتمام جمهورهم، تتاح لهم إمكانية الحفاظ على هذا الاهتمام وتقديم النصائح والمحتوى الترفيهيّ والقصص بطريقةٍ غير متاحةٍ لغيرهم من صناع المحتوى الآخرين؛ ويُشار لوجود تداخلٍ قويٍّ بين صناع المحتوى الصوتيّ ونظرائهم من صناع المحتوى الآخرين، حيث يمكن لصانع المحتوى المسموع -في كثير من الأحيان- أن يكون أكاديمياً أو مؤلفاً أو المؤلفين، إلا أنهم يستخدمون البودكاست كوسيلةٍ رئيسيةٍ لتقديم محتواهم وتوسيع قاعدتهم الجماهيرية.

ويتيح لكم العمل باستخدام المواد الصوتية ميزاتٍ عديدةً ومختلفةً تضمن لكم ممارسة صناعة المحتوى بشكلٍ فعالٍ -سواءٌ كنتم تودون معالجة المحتوى الخاص بعملاءَ عبر الإنترنت (كإضافة تعليقٍ صوتيٍّ احترافيّ) أو تقديم برامجَ شخصيّة- حيث شرع صانعو المحتوى المسموع مؤخراً بتقديم محتواهم بصيغ أخرى، حيث أصبح بث البودكاست عبرَ منصة Spotify -أو نظيراتها من المنصّات الصوتية الأخرى- أمراً شائعاً، بينما يتم بث الإصدارات المرئية عبر نظيرتها يوتيوب.

وبفضل تقديم صيغ عديدة، أصبح لدى صناع المحتوى هؤلاء مصادر دخلٍ إضافية، ما يتيح لهم تحقيق الدخل بسهولةٍ تامةٍ بإضافة صيغةٍ أخرى.

وتُعَد نشرة Serial الصوتية -والمتخصّصة في الجرائم الحقيقية- مثالاً بارزاً على مواهب صناع المحتوى الصوتيّ، إذ أوجدت ظاهرةً جديدةً على مستوى العالم تتمثل بإعداد مقاطعَ صوتيةٍ حول جرائمَ حقيقية، وقامت “سارة كوينيج” -صانعة البودكاست الشهيرة- برواية أحداث جريمة قتلٍ وقعت عام 1999 ضمن حلقاتٍ عديدة في موسم واحد، وكانت تقدم أدلةً وخلفياتٍ إضافيةً في كلّ حلقةٍ سعياً منها لكشف الملابسات الحقيقية للقضية.

المؤثرون

عندما يُذكر مصطلح “صانع محتوى رقمي” يتبادر المؤثرون لأذهان الغالبية، ذلك لأن المؤثرين قد أصبحوا من أكثر فئات صناع المحتوى شهرةً نظراً لتفاعل العامة معهم طوال الوقت؛ ويستخدم المؤثرون مصداقيتهم وخبراتهم ومهاراتهم لإقامة روابط قويةٍ مع جمهورهم بهدف “التأثير” عليهم من أجل تبني فكرة أو علامةٍ تجاريةٍ أو نمط حياة مُعيّن، ليتسبَّبَ نموّ قطاع التسويق بالاعتماد على المؤثرين بشكلٍ كبيرٍ في تحويل إنشاء المنشورات الخاصّة بمنصات التواصل الاجتماعي من هوايةٍ إلى مهنةٍ ذات إمكاناتٍ ربحيةٍ هائلةٍ، حيث يتم استخدام تأثيرها كأداة تسويقيةٍ للاستفادة من المتابعين والمشتركين عبر منصّاتٍ عديدة لتحقيق المبيعات، ما يسهم بدعم العلامات التجارية، حيث يقوم المؤثرون بالجمع بين تجاربهم وقِصَصِهم الشخصيّة ومحتوى العلامات التجارية بطريقةٍ تضمن تشجيع الجمهور على شراء البضائع أو طلب الخدمات نظراً لاستخدامها من قبل صناع المحتوى أو توصيتهم باستخدامها.

جديرٌ بالذكر استخدام المؤثرين في هذه النوعية من المحتوى لمجموعةٍ كبيرة من الأدوات -مثل المؤثرات البصرية الجذابة كالصور الشخصية عالية الجودة والمنتقاة بعنايةٍ والصور المحرّرة بشكلٍ جيد، والصور الشخصية والتقييمات، إضافةً للأدلة التوجيهيّة وغير ذلك؛ وبفضل مدى التأثير الهائل لصناع المحتوى هؤلاء على متابعيهم، يُعَد المؤثرون بالغي الأهمية بالنسبة للعلامات التجارية الساعية للوصول إلى الجماهير المستهدَفة، وغالباً ما ينشط المؤثرون في مختلف منصات التواصل الاجتماعي -مثل انستقرام وتيك توك وسنابشات وفيسبوك وتويتر وحتى يوتيوب- حيث تتيح لهم إيجاد روابط شخصيةٍ قويةٍ باستخدام مدونات الفيديو لعرض تفاصيل حياتهم اليومية.

كما يقوم معظم صناع المحتوى هؤلاء بكسب الدخل عبر الشراكات التي تربطهم بعلاماتٍ تجاريةٍ تقدم لهم الأموال لقاء المحتوى الذي يعرضونه أو مقابل روابط الإحالة والعمولات على المبيعات. وفضلاً عن هذه الشراكات، يمكن للمؤثرين كسب دخلٍ لقاءَ سلع رقميةٍ -مثل التنزيلات القابلة للطباعة أو الإعدادات المسبقة الخاصّة بتحرير الصور- والتي تقدمها متاجر خارجية مثل Etsy.

وبالنظر لاتساع تأثير صناع المحتوى هؤلاء وازدياد أعداد متابعيهم، تقوم بعض الشركات بإصدار منتجاتٍ أو خدماتٍ مرتبطةٍ بالعلامات الخاصّة بالمؤثرين والتي سبق وأبدى جمهورهم اهتماماً بشراء مثيلاتها في السابق.

وتُعَد كيلي جينير أحد أهم المؤثرين، إذ يبلغ عدد متابعيها في انستقرام أكثرَ من 398 مليون متابع، وتكسب صانعة المحتوى هذه مبلغاً مذهلاً قدره 1.8 مليون دولار لكلِّ منشور مدعوم تقوم بمشاركته -بحسب منصة Visual Capitalist الشهيرة- ما يجعلها المؤثرة الأعلى دخلاً عالمياً.

المدوّنون

يُعَد نشاط المدوّن (البلوجر) أحد أقدم أنواع صناعة المحتوى الرقمي، إذ يتساءل البعض عمّا إذا كان من الممكن اعتبار المدوّنين صنّاع محتوى رقمي، لكن هذا الأمر لا جدالَ فيه؛ حيث أسهم المدوّنون بالفعل بكمٍّ كبير من المعلومات المتاحة عبر الإنترنت، وكمثل صنّاع البودكاست -المتخصّصين في صناعة المحتوى الصوتي- يختص المدوّنون بإنشاء المحتوى المكتوب، إذ يقومون بكتابة محتواهم بصيغة مقالاتٍ من كافة الأنواع، وغالباً ما يتخصّص غالبية صناع المحتوى المقروء (البلوجرز) في مجالٍ بعينه -مثل السفر أو أنماط الحياة أو الجمال والموضة أو مجالاتٍ تعليميةٍ محدّدة- ويركز بعض المؤثرين هؤلاء على شخصيّاتهم ويقومون بالكتابة حول شتى المواضيع -مثل السيارات والأطعمة والأخبار والموسيقى وغيرها.

وبفضل كتابة ونشر المدوّنات، يجذب المدونون جمهورَ قرّاء خاصّاً بهم من المتابعين، وبعد أن يصبح لديهم عددٌ معينٌ منهم، يتعين على صناع المحتوى الرقمي هؤلاء مواصلة نشر المحتوى ذي الصلة بما يود المتابعون قراءته، وإذا لم يقوموا بذلك فقد يخسرون اهتمام متابعيهم؛ حيث يمتلك بعض صناع المحتوى هؤلاء مواقع إلكترونيةً خاصةً بهم يستخدمونها لنشر مقالاتهم، أو يقومون بإنشاء مواقع تخصّهم عبر منصّاتٍ عديدة -مثل WordPress وWix وSquarespace- كما يستخدم بعضهم منصّاتٍ -مثل Medium- لنشر محتواهم والتفاعل مع جمهورهم.

وبفضل خبرتهم الواسعة في هذا المجال، يمتلك المدوّنون طرقاً عديدة لتحقيق الدخل -مثل عرض الإعلانات في مواقعهم الإلكترونية، ورعاية العلامات التجارية بالتسويق لمنتجاتها على صفحات مقالاتهم، والدورات المدفوعة، والوصول المدفوع لمجتمعاتٍ معينةٍ. وبسبب إطلاق تطبيقاتٍ جديدة وترقب الناس لكلِّ جديد، يتعيّن على المدوّنين بذل جهود كبيرة وتوسيع نطاق عملهم في منصّاتٍ أخرى. ونتيجةً لذلك، يمتلك معظم المدوّنين حساباتٍ في انستقرام وبنترست، ما يساعدهم على جذب جمهورٍ أوسعَ عبرَ المقالات.

ويُعَد نيل باتيل أحد أشهر المدوّنين في العالم، إذ حظيَ بتقدير كلٍّ من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والأمم المتحدة كأحد أفضل 100 من روّاد الأعمال عالمياً، ويختص باتيل بإنشاء الإعلانات عبر الإنترنت وتسويق المحتوى وتحسين نتائج محركات البحث (SEO).

ما هي المهارات التي تلزمني كي أصبح صانع محتوى رقمي ناجح؟

تُعَد المهارات اللازمة للنجاح في صناعة المحتوى الرقمي متنوّعةً جداً، وتتمثل أهم عوامل النجاح في القبول الجماهيريّ، أو أن تقوموا بإنشاء محتوى يجلب المتعة لكثيرٍ من الناس، كما يتعيّن عليكم الإلمام بالتسويق الرقمي. وفضلاً عن ذلك، تعتمد كافة المهارات الواجب توافرها فيكم على نوع المحتوى الرقمي الذي تودون إنشاءه؛ فمثلاً، يتعيّن على المدوّنين امتلاك مهارات كتابةٍ رائعةٍ تُمتع القرّاء، فضلاً عن معرفة كيفية التسويق لمدوّناتهم بشكل جيد، وقد يحتاجون لمهارات تحسين محركات البحث الأساسيّة (السيو).

وبالمقابل، يتعيّن على مستخدمي يوتيوب امتلاك شخصياتٍ ممتعةٍ ومحبّبةٍ ذات مهاراتٍ إبداعيةٍ متنوعةٍ مثل تحرير الفيديوهات، وإعداد وكتابة محتوى فيديوهاتٍ مضحكة، واستخدام إحدى أدوات تحرير الصور لإنشاء صورٍ مصغّرة مميّزة، إضافةً لابتكار عناوين جذابةً تغري المستخدمين بمشاهدة الفيديوهات.

كيف يكسب صناع المحتوى الرقمي الأموال؟

ثمّة طرقٌ عديدةٌ لكسب الأموال من صناعة المحتوى الرقمي، إلا أنه يمكن تصنيفها ضمن فئتين مرتبطتين بالتسويق الرقميّ: صناعة المنتَجات الخاصّة بكم وبيعها أو التسويق المدفوع عبر شراكاتٍ مع علاماتٍ تجارية. وتتاح لبعض أنواع صناع المحتوى فرصٌ واضحةٌ لإطلاق المنتجات وبيعها، إلا أن الإمكانات المتاحة غير محدودة تقريباً.

أمثلة على منتجات صناع المحتوى الرقمي

كتّاب نشرات البريد الإلكتروني

صفحة الاشتراك في Substack للمهندس العملي

يمكن لكتاب النشرات الإخبارية الموجزة عبر البريد الإلكتروني -بسهولةٍ تامةٍ- بيع هذه المنشورات كمنتجاتٍ لقاء اشتراكاتٍ قدرها بضعة دولاراتٍ شهرياً، وفي حال كان لديكم عددٌ كبيرٌ من المشتركين فقد تحققون دخلاً كبيراً، حيث يحصد جيرجلي أوروز -المؤلف والمسوّق اللامع وصاحب موجز The Pragmatic Engineer الإخباريّ- ملايين الدولارات من رسائله الإخبارية الموجزة والمرسلة عبر البريد الالكتروني فقط. وتجدر الإشارة إلى أنّ “The Pragmatic Engineer” تُعَد أفضل نشرة إخباريةٍ تُعنى بالتكنولوجيا في العالم -وهي تقريباً ثانية أفضل نشرة إخباريةٍ على الإطلاق- ما يجعل جيرجيلي صانع محتوى رقمي اسثنائياً ومميزاً.

صانعو محتوي يوتيوب الخاصّ بلعبة الشطرنج

يمتلك ليفي روزمان -والمعروف أيضاً باسم GothamChess- أكبرَ قناة يوتيوب مخصّصةٍ للشطرنج، حيث يبلغ عدد مشتركيها أكثرَ من 4.1 مليون مشترك، ويُعزى الفضل في هذا النجاح الكبير لسلسلة دورات الشطرنج عبر الإنترنت التي يقوم ليفي بإعدادها بنفسه، كما يُصَنّف ليفي “كأستاذ دوليّ” في الشطرنج -وهي ثانية أعلى الدرجات بعد “الأستاذ الكبير”- بفضل نجاحه في الجمع بين مهارته ومعرفته الكبيرة في الشطرنج من جهةٍ وبراعته في ابتكار محتوى عالي الجودة يلقى رواجاً كبيراً لدى الملايين، ليقومَ بإدارة مشروع تجاريٍّ ناجح بشكلٍ مذهل. وبالنظر للوقت الطويل والخبرة الكبيرة التي استلزمها لإتقان تعليم الشطرنج، يمكننا القول إن ليفي يبيع المحتوى الخاص به بسعرٍ منخفضٍ جداً قدره 64$ أو 80$ للدورة التدريبية الواحدة -وذلك وفقاً لمدى التعمّق في الدورة التدريبية.

إستراتيجيات التسويق المدفوع الخاصّة بصناع المحتوى الرقمي

يُعَد التسويق المدفوع -بشكل أساسيّ- أحد أشكال الإعلان، حيث يقوم صناع المحتوى بعقد شراكاتٍ مع الشركات لجذب المشاهدات والمبيعات والاشتراكات وما شابه لقاء الحصول عل مبالغ معينةٍ، ويقوم بعض صناع المحتوى بعقد شراكاتٍ مع كافة الشركات ممّن ترسل لهم رسائل بريد إلكتروني تقترح عقد صفقات جيدة لقاء ذكر منتجاتها في مقاطع الفيديو أو المدوّنات الخاصة بهم، إلا أن هذا الأسلوب لا يُعدّ فعالاً لأنكم بحاجة لإستراتيجيةٍ شاملةٍ للتسويق المدفوع بحيث تضمن لكم تحقيق أفضل الأرباح الممكنة، وننصحكم بأخذ النصائح المهمّة التالية بعين الاعتبار عند وضعكم لإستراتيجيتكم الخاصة:

  • معرفة خصائص الجمهور المستهدَف: تُعَد معرفة خصائص الجمهور الذي قد يتلقى المحتوى الخاص بكم مهمةً جداً لتحقيق الأهداف.
  • توخّي الحذر عند عقد الشراكات: قوموا بالبحث عن شركاتٍ تناسبكم وتمتثل لمعايير المجتمع الخاص بكم.
  • السعي لعقد شراكاتٍ ضمن نطاق تخصّصكم: يتيح لكم التسويق للشركات التي تنشط في مجال تخصّصكم تحويل العملاء المحتملين بشكلٍ فعالٍ، كما تقدم هذه الشركات أجوراً كبيرة لقاء خدماتكم التسويقية.
  • تحرّي الثبات والاتساق: قد تمتنع الشركات عن العمل معكم إذا كنتم تفتقرون للثبات والاتساق في عملكم.
  • تتبع مستوى نجاحكم بأنفسكم: قوموا باستخدام روابط التتبع -كلما أمكن ذلك- لتتبع أدائكم والتحقق منه بشكلٍ مستقل.
  • التخطيط للعمليات الترويجيّة بشكلٍ حذر: ثمة فارقٌ كبيرٌ بين الإعلانات غير المتقنة التي يتم إعدادها على عجلٍ ونظيراتها التي يتم التخطيط لها بعناية.
  • تحرّي الموثوقية: قد يلاحظ معظم الناس عدم موثوقيتكم أو مبالغتكم في الترويج لميزات المنتجات، ما قد يتسبّب بعزوفهم عن المتابعة.

كيف تشرع بالعمل كصانع محتوى رقمي؟

بعد أن بيّنا لكم طبيعة عمل صناع المحتوى الرقمي والمهارات اللازمة للنجاح، يتعيّن عليكم الشروع بوضع إستراتيجية عمل خاصّةٍ بكم؛ وقد يكون الشروع بممارسة صناعة المحتوى الرقمي أمراً صعباً ومرهقاً بالنظر للأعداد الهائلة من صناع المحتوى وتعدّد طرق صناعته، وتتباين الطرق التي يعتمدها صناع المحتوى بشكلٍ كبير نظراً لأن صناعة المحتوى تُعَد عمليةً ابتكاريةً، وعليه لا توجد طريقةٌ مثلى تتيح لكم الشروع بالعمل بشكلٍ ناجح، إلا أن الخطوات الواردة أدناه ستساعدكم على تحديد كيفية الانطلاق بشكلٍ فعّال.

الخطوة الأولى: حدّدوا مجالكم

قبل الشروع بصناعة المحتوى الرقمي، يتعيّن عليكم تحديد المجال الذي تودون صناعة المحتوى المرتبط به بسبب تعدّد المجالات المتاحة في هذا القطاع؛ ويتيح لكم تحديد مجالٍ يجذبكم ويثير اهتمامكم إيجاد ركيزة لمحتواكم الرقمي، ولا يتعيّن عليكم سوى التفكير بشكلٍ متعمّقٍ بميولكم ونطاق قوتكم ومجالات خبراتكم، إذ يتيح لكم تحديد هذه المجالات الخروج بقائمةٍ للتخصصات التي يمكنكم التميّز فيها لأن هذه القائمة تحتوي على المجالات التي تميلون إليها وتستهويكم بشكلٍ عفويّ، كما يضمن لكم مواصلة صناعة المحتوى حتى بعد أن يخبو حماسكم الأوليّ لممارسة النشاط. ويُعَد تحديد مجال اهتمامكم حاسماً لصناعة المحتوى الناجح، فإذا قمتم بصناعة محتوى خاص بمجال معيّنٍ، فقد يتفاعل الجمهور معكم بشكلٍ كبير لأن هذا يتيح لهم فهم أسباب متابعة المحتوى الخاص بكم بشكلٍ دقيق، كما يساعدكم اختيار تخصّصٍ معيّنٍ على التميّز كصناع محتوى رقمي، بالنظر لسرعة نموّ هذا القطاع واحتدام المنافسة فيه، كما يُسهم فهم نوع المحتوى الذي تقومون بصناعته بشكلٍ واضح ودقيقٍ في دفع الناس لتزكيته عند الآخرين، ويشجّع المؤسسات على ترشيحكم لبرامج وجوائز صناعة المحتوى.

علاوةً على ذلك، يُسهم تحديد مجال تخصّصٍ معيّنٍ في الحفاظ على اتساقكم وتركيزكم، إذ يمكن لصناع المحتوى الرجوع لتخصّصهم كي يذكّروا أنفسهم بالأسباب التي دفعتهم لصناعة المحتوى بادئ الأمر إذا أصابتهم حالة انغلاقٍ ذهنيٍّ وشعروا بأنهم عاجزون عن مواصلة الإبداع. وأخيراً، يُسهم اختيار تخصّصٍ مناسب في الحفاظ على اتساقكم وتجديد روح العزيمة في نفوسكم.

الخطوة الثانية: حدّدوا أهدافكم

بعد فهم نوع المحتوى الذي تودون صناعته واختيار المنصة التي تودون النشر فيها، تتمثل الخطة التالية في تحديد أهدافكم، ويُعَد هذا أمراً بالغ الأهمية إذا كنتم تودون ممارسة صناعة المحتوى كمهنة، إلا أن تحديد الأهداف يُعدّ مهماً أيضاً إذا كنتم تودون ممارستها كمهنةٍ أو نشاطٍ تمارسونه في أوقات فراغكم، وتضمن لكم إستراتيجية تحديد الأهداف تحقيقَ الغايات المرجوّة بمرور الوقت، فضلاً عن إمكانية الاستفادة المادية من صناعة المحتوى الرقمي.

علاوةً على ذلك، يساعدكم تحديد الأهداف على استعادة نشاطكم وتجديد روح العزيمة في نفوسكم إذا كنتم في حالة جمود أو يأس بسبب مواجهة صعوباتٍ جمّة؛ وقد يُسهم الشروع بشيء جديد في إثارة حماسكم بشكلٍ مفرط، ما قد يتسبّب بتحديد أهدافٍ غير واقعيةٍ أو غير عمليةٍ؛ فمن المهم جداً أن تكونوا صادقين مع أنفسكم، وأن تقوموا بدراسة أوضاع قطاع صناعة محتواكم الرقمي قبل تحديد الأهداف، ما يضمن رسمَ أهدافٍ واقعيةٍ وقابلةٍ للتحقيق ضمن إطار زمنيٍّ مُحدّد، فضلاً عن الخروج بتحدياتٍ تُشجّعكم على المُضيّ قدماً والسعي لتحسين مهاراتكم بشكلٍ دائم.

وبينما يجدر بكم التحقق من وضع أهدافٍ محدّدة وواضحةٍ بشكلٍ جيد تتيح لكم تقييم أدائكم، فإنه ينبغي لأهدافكم أن تكون قابلةً للقياس، ما يتيح لكم تتبّعها بشكلٍ مستمرّ، ويمكنكم استخدام الأرقام لتحقيق هذه الغاية. على سبيل المثال، قوموا بتحديد عدد معيّن من المتابعين تودون تحقيقه خلال فترة زمنيةٍ معينةٍ أو مبلغٍ معيّنٍ تتطلعون لتحقيقه.

وأخيراً، قوموا بتحديد موعد نهائيٍّ لبلوغ أهدافكم المحدّدة. فمثلاً، إذا كنتم تعتزمون تحقيق أهدافكم خلال الأشهر الثلاثة القادمة -بدءاً من كانون أيلول/سبتمبر- تحققوا من تحديد موعد البدء والموعد النهائيّ، كما يمكنكم تدوين دوافعكم لممارسة صناعة المحتوى، ما يساعدكم في الحفاظ على تركيزكم وتتبع أهدافكم؛ وإذا لم تنجحوا بتحقيق هذه الأهدافِ فلا داعي لليأس، إذ يمكنكم تحديد أهدافٍ جديدة وبذل قصارى جهدكم لبلوغها، أو العزوف عن هذه المهنة لأنها لا تناسبكم.

الخطوة الثالثة: قوموا باقتناء المعدات اللازمة

بعد الاستقرار على نوع المحتوى الذي تودون إنشاءه وتحديد الغايات المرجوّة، تتمثل الخطوة التالية باقتناء الأدوات والمعدات اللازمة، وتختلف هذه المعدات باختلاف نوع المحتوى. على سبيل المثال، لا يحتاج المدوّنون -عادةً- سوى لجهاز كمبيوتر محمول، بينما يحتاج مستخدمو يوتيوب لكاميرا وحاملٍ ثلاثيِّ القوائم ومكبّر صوت.

وقد تظنون أن هذه الخطوة صعبةٌ جداً عند الشروع بالتنفيذ، إذ يظن صناع المحتوى أنهم يحتاجون لمعدات تصويرٍ احترافيةٍ وحواملَ وإضاءة وبرمجيّات تحرير عالية الجودة كالتي يستخدمها صناع المحتوى المحترفون، إلا أننا ننصحكم باقتناء معداتٍ بسيطةٍ عند الشروع في التنفيذ، فإذا كنتم لا تملكون ثمن كاميرا احترافية، فقد يفي هاتفٌ ذكيٌّ جيد النوعية وحاملٌ ثلاثيّ القوائم بالغرض، حيث تُعَد الكاميرات المضمّنة في الهواتف الذكية من كافة الطرازات الحديثة مناسبةً جداً للانطلاق؛ وبدلاً من تبديد أموالكم على معدات الإضاءة باهظة التكلفة، يمكنكم الاكتفاء بالإضاءة الطبيعية المنبعثة من النوافذ. ويتيح لكم اقتناء هذه الأدوات البسيطة تعلم كيفية بدء العمل بالأدوات المتاحة لديكم، ويحول دون التسويف الذي قد تقعون فيه إذا كنتم تؤجلون الشروع بالعمل حتى اقتناء كافة المستلزمات عالية الجودة وباهظة الثمن.

الخطوة الرابعة: واظبوا على صناعة المحتوى

تستلزم صناعة المحتوى المواظبة على العمل بشكلٍ منتظمٍ نظراً لأن الاستمراريّة تُعدّ بالغة الأهمية في معظم خوارزميّات التوصية، كما أن ذلك يساعدكم على التحسّن بشكلٍ مطّرد؛ وقد يمثل الابتكار الجزء الأمتع والأكثر إرضاءً للنفس في عملية صناعة المحتوى، وقد يكون الجزء الأكثر إرهاقاً بحسب عقليتكم ونهجكم المتبَع؛ فإذا كنتم تودون الشروع بالعمل والتركيز على صناعة المحتوى لتقوموا بتحميله بشكلٍ ثابتٍ مع تعلم مهاراتٍ جديدة أثناء القيام بالعملية، فقد تتفوّقون بالكمّ والسرعة على نظرائكم ممّن يتحرّون الكمال منذ البداية، ولن يكون محتواكم الأول مثالياً، ويتعيّن عليكم -بلا شك- تحسين جوانبَ معينةٍ، وبدلاً من التوجّس بشأن التفاصيل الدقيقة، يجدر بكم مواصلة العمل بشكلٍ ثابتٍ والتركيز على جذب الجمهور والتواصل معه لبلوغ قاعدة متابعين قويّة.

علاوةً على ذلك، يتعيّن عليكم تتبع تقدم نهجكم الابتكاريّ وتحديد الجوانب الفعالة بالنسبة لكم ولجمهوركم؛ فمثلاً، قد تتنبّهون إلى أن القيام بالتصوير في وقتٍ مبكّرٍ أفضل من التصوير في وقتٍ متأخّرٍ لأنه يوفر لكم إضاءةً طبيعيةً لفترة طويلة، وسواءٌ كنتم تقومون بالكتابة أو تسجيل نشرة صوتيةٍ أو نشر الفيديوهات على اليوتيوب، يتعيّن عليكم دائماً تقييم عملكم السابق لتطبيق التحسينات اللازمة عند المُضيّ قدماً.

الخطوة الخامسة: استفيدوا من منصات التواصل الاجتماعي

لتحقيق النجاح في هذا المجال، يجب عليكم الترويج لأنفسكم؛ وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً جداً في نجاح إستراتيجية الترويج الذاتيّ الخاصّة بصناع المحتوى الرقمي؛ وننصحكم بإنشاء حساباتٍ عبر كافة وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسيّة مثل تويتر وانستقرام وفيسبوك واستخدامها بانتظام، ما يتيح لكم إمكانية جذب معجبين جدد من خلال عرض إبداعاتكم وشخصيتكم بشكلٍ عام.

الخطوة السادسة: ابحثوا عن فرص لتحقيق الدخل

إذا كنتم تودّون ممارسة صناعة المحتوى الرقمي كمهنة، فيتمثل أحد أهدافكم الأساسية بتحقيق الدخل؛ فبعد الشروع في إنشاء المحتوى واعتياد العمل في هذا المجال، تتمثل الخطوة التالية في البحث عن فرصٍ مدفوعة الأجر وطرقٍ لكسب المال. وعندما يحقق صانع المحتوى الرقمي عدداً معيناً من المتابعين أو مستوى تفاعلٍ معيّن، تقدم منصاتٌ عديدةٌ -مثل يوتيوب وتيك توك وبين إنترست وتويتش وانستقرام- فرصاً مدفوعة الأجر -على الرغم من أن برنامج الدفع الخاص بتطبيق التيك توك لا يوفر دخلاً جديراً بالذكر- ويمكنكم معرفة ما إذا كنتم مؤهلين -أو قريبين من التأهل- للفرص المدفوعة بمراقبة تقدمكم في هذه المنصات وإيجاد طرقٍ لتنمية حساباتكم للوصول إلى متطلبات التأهل.

وتجدر الإشارة إلى أن الفرص المدفوعة الأخرى تشمل التعاون مع العلامات التجارية وجذب عمليات الدعم والروابط المدفوعة، وتقوم العلامات التجارية -أحياناً- بالتواصل مع صناع المحتوى الرقمي ممّن يعجبها مخرجاتهم ورؤاهم. وفي حال عدم حصول ذلك، يمكن لصناع المحتوى الرقمي الشروع بالتواصل مع العلامات التجارية بشكلٍ مباشرٍ لتقديم عروضهم إليها، ويستلزم هذا إنشاء ملفٍّ صحفيٍّ يحتوي تفاصيلَ عديدةً -مثل مجال الاختصاص والمحتوى وعدد المتابعين وحساباتكم في منصّات التواصل الاجتماعي وإحصائيات المشاركة والتفاعل– فضلاً عن تقديم الأفكار للعلامات التجارية والاستعداد للدخول في مناقشاتٍ معها، وقد يستغرق تحقيق الدخل بعض الوقت في بداية الأمر، لكنَّ المواظبة والمثابرة يُسهمان في تسريع هذه العملية.

نصائح موجّهة إلى صانع المحتوى الرقمي المبتدئ

سيساعدكم اتباع الخطوات المذكورة أعلاه على الانطلاق والمُضيّ قدماً نحو تنمية مهاراتكم وزيادة أعداد متابعيكم ودخلكم، حيث يستلزم التميّز وجذب الجمهور -الذي قد يتحوّل إلى مجتمع داعم- وجذب العلامات التجارية بذلَ جهود كبيرة. وتجدون أدناه بعضَ النصائح التي ستساعدكم في إتمام عملية إنشاء المحتوى بشكلٍ سريع.

قوموا بوضع جدول زمنيّ ونظّموا عملكم بشكل دائم

إذا كان نشر المحتوى أمراً رائعاً، فالأروع نشرُهُ بشكلٍ منتظم، حيث يُسهم الالتزام بجدولٍ زمنيٍّ منظّم للنشر في مساعدة جمهوركم على معرفة متى يمكنهم توقع محتواكم عالي الجودة، ما يسهم في مواصلة جذب اهتمامهم، كما يساعد نشره بشكلٍ منتظمٍ في اختياره من قبل معظم خوارزميّات التوصية، ويمكنكم اتباع إستراتيجياتٍ عديدة -مثل تسجيل المحتوى دفعةً واحدةً ونشره تدريجياً بمرور الوقت. فمثلاً، يمكنكم تسجيل خمسة مقاطع فيديو على التيك توك في يوم واحد خلال عطلة نهاية الأسبوع وجدولة نشرها واحداً تلو الآخر خلال الأسبوع التالي.

ثانياً، يمكنكم إنشاء روزنامةٍ خاصّةٍ بالمحتوى، حيث تقومون بعملية عصفٍ فكريٍّ حول المحتوى الذي ترغبون بإنشائه، وجدولة تاريخ التسجيل أو الإنشاء وتاريخ النشر، وتساعدكم هذه الخطوة على المثابرة والاستمرارية، إلى جانب تيسير عملية إنشائه وحمايتكم من الانغلاق الذهنيّ الذي يعاني منه الكثير من صناع المحتوى الرقمي.

حافظوا على نشاطكم في منصات التواصل الاجتماعي وتفاعلوا مع متابعيكم

فضلاً عن نشر المحتوى، يساعدكم النشاط المستمرّ في منصات الوسائط الاجتماعية الثانوية -مثل انستقرام وتويتر- على التفاعل مع جمهوركم بشكلٍ كبير، ما يسهم في إيجاد روابط أصيلةٍ معهم.

ولا يسهم هذا في جذب المشاهدين والمشتركين فحسب، بل يساعدكم أيضاً على الوصول إلى أشخاص أكثرَ وجذب متابعين جدد، فضلاً عن تقديمكم للعلامات التجارية كصناع محتوى رقمي شاملين، ما يزيد فرص تواصلهم معكم نظراً لأنهم يعرفونكم بشكلٍ أفضلَ ويدركون إمكاناتكم الإبداعية.

هل يمكنني اعتبار صناعة المحتوى الرقمي مهنة مناسبة لي؟

يمكنكم تحديد ما إذا كانت مهنة صناعة المحتوى الرقمي مناسبة لكم بأخذ عدة عوامل بعين الاعتبار، حيث يتعيّن عليكم الالتفات إلى ميولكم واهتماماتكم أولاً، وتحديد ما إذا كانت لديكم مجموعة المهارات المطلوبة، فضلاً عن امتلاك الأدوات اللازمة أو توفر إمكانية اقتنائها.

وإذا قرّرتم اتخاذها مساراً مهنياً، فإن المثابرة والصبر والاستمرارية تُعَد عواملَ مهمّةً للمُضيّ قدماً وجذب المزيد من المتابعين والتفاعلات، فضلاً عن تحقيق الدخل. ونظراً لأن تحقيق دخلٍ مستدام من صناعة المحتوى الرقمي يستغرق وقتاً طويلاً، فمن الحكمة البدء بهذه المهنة بدوامٍ جزئيٍّ وممارسة عملٍ آخرَ لكسب لقمة العيش.

المراجع

SmallBusinessBlog

GoldmanSachs

InfluencerMarketingHub