في خطوة قد تغير الواقع التنظيمي للأصول الرقمية في الولايات المتحدة، قام مجلس النواب الأمريكي بتمرير مشروع قانون الابتكار المالي والتكنولوجيا للقرن الحادي والعشرين (Financial Innovation and Technology for the 21st Century Act) المعروف باسم FIT21، وسط تأييد كبير من الحزبين.
ويهدف مشروع القانون الذي حصل على 279 صوتاً مؤيداً مقابل 136 صوتاً معارضاً إلى إنشاء إطار قانونيّ شاملٍ لتنظيم قطاع العملات الرقمية، ما يُمثل انتصاراً كبيراً لمناصري ومبتكري الكريبتو على حدٍّ سواء.
ويَعتبرُ كلٌّ من باتريك ماكهنري (Patrick McHenry) وفرنش هيل (French Hill) وداستي جونسون (Dusty Johnson) -وهم النواب الجمهوريون الذين قادوا مشروع قانون FIT21– الموافقة على القانون “خطوةً تاريخيةً” في السعي المستمرّ لتوفير وضوح تنظيميّ وحمايةٍ كافيةٍ للمستهلكين في النظام التقنيّ للأصول الرقمية. ويُطالب المشاركون في قطاع العملات الرقمية لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) منذ فترة طويلةٍ بمزيد من الوضوح لضمان امتثاله للقانون، لكنّ محاولاتهم باءت بالفشل في أغلب الوقت (أو قابلها رفضٌ من اللجنة) بحجّة أن النُظُم الحالية كافيةٌ لذلك.
ويمثل مرور قانون FIT21 في مجلس النواب، جهوداً متضافرةً من قبل المشرّعين لتحقيق توازن بين دعم الابتكار وحماية مصالح المستثمرين والنظام الماليّ ككلّ. ومع ذلك لم تنته المعركة بعد، إذ لا يوجد مشروع قانون مقابلٌ له في مجلس الشيوخ حتى الآن، كما أن الرئيس جو بايدن (Joe Biden) قد يستخدم حقه برفضه إذا تمت الموافقة عليه في كلا المجلسين.
الأقسام الرئيسية والآثار المترتبة على مشروع القرار FIT21
يحتوي FIT21 على توزيع واضح للمسؤوليات التنظيميّة بين وكالتين فيدراليتين رئيسيتين، وهما لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) ولجنة تداول السلع الآجلة (CFTC).
ويمنح القانون لجنة تداول السلع الآجلة سلطةً موسّعةً على السلع الرقمية مثل بيتكوين (Bitcoin-BTC)، بينما أعطى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية سلطةً على الأصول الرقمية المُقدَّمة كجزء من عقد استثماريّ.
من أبرز أحكام هذا القانون، إنشاء عمليةٍ تسمح بتداول السلع الرقمية التي تم تقديمها كعقود استثمار في الأسواق الثانوية، ويهدف هذا الإجراء إلى توفير مسار واضح لمشاريع الأصول الرقمية من أجل جمع التمويل مع ضمان الرقابة المناسبة وحماية المستهلكين.
بالإضافة إلى ذلك، يتطلب FIT21 إفصاحاتٍ تمويليةً وتشغيليةً صارمةً للكيانات التي تعمل في قطاع الكريبتو، مثل منصات التداول وشركات الكريبتو ومشاريع التمويل اللامركزي (DeFi).
وسيتم إلزام مطوّري الأصول الرقمية بتقديم معلوماتٍ دقيقةٍ وشاملةٍ بشأن عمليات مشاريعهم وهيكل الملكية، بالإضافة إلى هيكل الحوكمة العام؛ وسيؤدي عدم الامتثال لهذا المتطلب إلى عواقبَ وخيمة. ومع ذلك، تتميز هذه الالتزامات بأن معظم الشركات ستتمكن من الامتثال لها، على عكس مشاريع القوانين والأحكام الأخرى التي تم النظر فيها سابقاً.
من جانبه، علق النائب الجمهوري داستي جونسون (Dusty Johnson) من سان دييغو، قائلاً: “بدون هذا القانون، سيبقى مستقبل الابتكار في الأصول الرقمية محكوماً بعدم اليقين. ويمثل انتصار اليوم خطوةً نحو وضع قواعد واضحةٍ للمطوّرين في القطاع، حتى تتمكن أمريكا من البقاء كمركز عالميّ للابتكار التكنولوجي والمالي”.
ما الذي سيتغيّر إذا تمت الموافقة على قانون FIT21 بشكلٍ نهائي؟
يتطلب قانون FIT21 من الشركات التي تقدم خدماتها لعملاء، مثل منصات التداول والوسطاء والتجار، أن تنفذ مجموعةً كبيرةً من التدابير المُصمّمة لحماية مصالح المستهلكين. وستكون هذه الكيانات مُلزمةً بفصل أموال العملاء عن أموالها الخاصة، وتقديم كشوفاتٍ واضحةٍ وشفّافةٍ عن التمويل وتنفيذ تدابيرَ قويةٍ للتخفيف من تضارب المصالح المُحتمل.
علاوةً على ذلك، سيُطلَب من تلك الشركات إتمام عملية تسجيلٍ متكاملةٍ والالتزام بتقديم كشوفٍ وملاقاة شروط تشغيلٍ محدّدة تهدف إلى تحسين النزاهة العامة لسوق الأصول الرقمية. ويقول مؤيدو القانون إن هذه الأحكام لن تدعم حماية المستهلكين فقط، بل ستساهم أيضاً بإنشاء نظام أكثرَ قوّةً ومرونةً للأصول الرقمية.
ومن خلال وضع قواعد وإرشاداتٍ واضحةٍ، يهدف قرار FIT21 إلى جذب الشركات والمشاريع المبتكرة والاحتفاظ بها، ما يضع الولايات المتحدة في موقع رياديّ ضمن عالم التمويل اللامركزيّ وتكنولوجيا البلوكتشين المتطوّر باستمرار.
في الوقت ذاته، جادلت النائبة الديمقراطية ماكسين واترز (Maxine Waters) من كاليفورنيا -ومن أكبر المعارضين للقانون- بأن FIT21 يسمح للمشاريع التي “جنَت بالفعل مليارات الدولارات بشكلٍ غير قانونيّ” من خلال بيع الأصول الرقمية بدون إذن أو رقابة الجهات التنظيمية بتطهير سجلّهم من هذه الانتهاكات دون عقاب.
مؤسسات القطاع والمشرّعون من كلا الطرفين يؤيدون قانون FIT21
تم الترحيب بتمرير مشروع FIT21 في مجلس النواب كخطوة إيجابيةٍ في قطاع العملات الرقمية، والقطاع المالي ككلّ. ويعكس دعم الحزبين لمشروع لقانون الذي شمل انضمام 71 نائباً ديمقراطياً لنظرائهم الجمهوريين في تأييد المشروع مدى زيادة الوعي بالحاجة إلى وضع إطار تنظيميّ شاملٍ للأصول الرقمية.
وقد احتفل باتريك ماكهنري (Patrick McHenry) -الراعي الرئيسيّ لمشروع القانون ورئيس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب- بالتصويت على اعتبار أنه يوفر الوضوح التنظيميّ والحماية القوية للمستهلكين، وهو ما يلزم لازدهار النظام التقنيّ للأصول الرقمية في الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) تستهدف العملات الرقمية، والقضاة والمشرّعون يواجهونها أخيراً
وأوضح ماكهنري قائلاً: “إن الوضوح المتعلق بالأصول الرقمية يُعتبر أمراً ضرورياً. واليوم، تُعد موافقة الحزبين على مشروع قانون الابتكار المالي والتكنولوجيا للقرن الحادي والعشرين (FIT21) إنجازاً هاماً، حيث يؤكد ذلك على جهود لجان مجلس النواب المعنية بالزراعة والخدمات المالية لوضع إطار تنظيميّ مطلوب بشدة”.
بالإضافة إلى ذلك، حاز مشروع القانون على دعم كبير من قادة القطاع والجماعات الداعمة. فعلى سبيل المثال، وصف اتحاد البلوكتشين (The Blockchain Association) -وهو صوتٌ بارزٌ في عالم الكريبتو- تمرير مجلس النواب لـ FIT21 بأنه “لحظةٌ تاريخيةٌ وشهادةٌ على إيمان الكونجرس بمصداقية قطاع الكريبتو في الولايات المتحدة”.
يُذكر أنه في الأسبوع الماضي، وقع كبار المسؤولين التنفيذين والقادة في القطاع على رسالة تدعو إلى إنشاء إطار تنظيميّ واضح، مشيرين إلى تخلف الولايات المتحدة عن دولٍ أخرى في هذا المجال. وأتى في الرسالة: “من الضروريّ أن تحافظ الولايات المتحدة على ريادتها في الابتكار المالي”.
ويتفق ماكهنري مع هذا الرأي، ويدافع عن قانون FIT21 قائلاً إنه “يجعلنا نلحق بالركب حتى لا نخسر سياسة الابتكار لصالح الأوروبيين، أو البريطانيين أو سنغافورة أو اليابان أو هونج كونج”.
معارضة البيت الأبيض وكبار المسؤولين في لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) لمشروع قانون FIT21
في حين تُمثل موافقة مجلس النواب على FIT21 انتصاراً كبيراً لقطاع الكريبتو، واجه مشروع القانون معارضةً من بعض الجهات، بما في ذلك البيت الأبيض وبعض المشرّعين الديمقراطيين.
وأعربت إدارة بايدن عن مخاوفها بشأن عدم قدرة مشروع القانون على حماية مصالح المستثمرين والمستهلكين، بالرغم من أن الإدارة لم تهدّد صراحةً باستخدام حقها في الرفض ضده.
اقرأ أيضاً: أفضل محامي العملات الرقمية لعام 2024، ومن يتصدر القائمة؟
وذكر البيت الأبيض في بيانٍ للسياسة العامة أنه “يتطلع للعمل مع الكونجرس” على تطوير إطار تنظيميّ شاملٍ ومتوازنٍ للأصول الرقمية.
مع ذلك، كان جاري جينسلير (Gary Gensler) -رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية- ناقداً صريحاً لـ FIT21 (والعملات الرقمية بشكلٍ عام)، حيث يقول إن مشروع القانون هذا قد يعرقل عقوداَ من السوابق المتعلقة بالإشراف على عقود الاستثمار، ما قد يعرض المستثمرين وأسواق رأس المال لمخاطرَ لا تُحصى.
كما يُصرّ على أن القوانين الحالية كافيةٌ لتنظيم قطاع العملات الرقمية، وأن المشكلة تكمن في عدم امتثال بعض اللاعبين بالقطاع، وليس عدم وجود قواعد واضحة.
مشروع قانون FIT21 يواجه عقبة كبيرة في مجلس الشيوخ
بعد موافقة مجلس النواب، يواجه FIT21 الآن عقبةً جديدةً في مجلس الشيوخ، حيث تظل الاحتمالات غير مؤكدة حتى الآن. حالياً، لا يوجد مشروع قانون مُقابلٌ لـ FIT21 في الحجرة العُليا من الكونجرس، كما أن مستوى دعم أعضاء مجلس الشيوخ لمثل هذه التشريعات غير واضح بعد.
فقد حصل مشروع القانون على تأييد 70 عضواً ديمقراطياً فقط في مجلس النواب أمام 133 صوتاً معارضاً. ويُشار إلى أن 3 فقط من النواب الجمهوريين في المجلس هم من صوّتوا بالرفض، لكن نظراً إلى أن الديمقراطيين هم من يسيطرون على مجلس الشيوخ، سيكون من الأصعب الموافقة على مرور مشروع قانونٍ هناك مقارنةً بمجلس النواب بسبب المماطلة السياسية. فإذا قرّر معارضو مشروع القانون تعطيل FIT21، سيتطلب الأمر موافقة 60 صوتاً (من أصل 100) في تصويت إنهاء مناقشة المجلس من أجل إلغاء التعطيل والانتقال إلى التصويت النهائيّ على مشروع القانون.
الطريق أمام FIT21 يبدو ضبابياً في أفضل الأحوال
جديرٌ بالذكر أنه حتى إذا وافق مجلس الشيوخ على FIT21، فقد يواجه مزيداً من التدقيق والمراجعات المحتملة قبل أن يصبح قانوناً نافذاً، حيث تشير مخاوف البيت الأبيض المتعلقة بحماية المستهلكين والمستثمرين إلى أن الإدارة قد تسعى إلى إجراء تعديلاتٍ أو تقديم تنازلاتٍ من أجل معالجة هذه المشاكل قبل توقيع بايدن -أو الرئيس القادم- عليه ليصبح قانوناً.
فضلاً عن ذلك، قد تثير أحكام مشروع القانون المتعلقة بفصل المسؤوليات التنظيمية بين لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) ولجنة تداول السلع الآجلة (CFTC)، حروباً على النفوذ ونزاعاتٍ تتعلق بتخصّص كلٍّ منهم، ما قد يعيق تنفيذ إطار العمل المُقترح وإنفاذه إذا تمت الموافقة عليه في النهاية.
لكن بالرغم من كل تلك التحديات، يظل مؤيدو FIT21 متفائلين بشأن آفاق المشروع. وقد قام النائب فرينش هيل -أحد رعاة مشروع القانون- بتوضيح أهمية موافقة حزبي مجلس النواب قائلاً: “تم تمرير هذا التشريع بموافقة الحزبين، ما يشير إلى أن حماية المستهلك والابتكار الأمريكي هما من أولويات المشرّعين من كلا الطرفين”.
وكانت نانسي بيلوسي (Nancy Pelosi)، الرئيسة السابقة لمجلس النواب وهي شخصيةٌ مؤثرةٌ للغاية في الكونجرس وفي العاصمة واشنطن، من بين العديد من الديمقراطيين الذين صوّتوا بنعم لـ FIT21. وقد يفتح تأييدها أبواباً لمشروع القانون في مجلس الشيوخ، حيث أن لها تأثيراً هائلاً في النظام السياسي الأمريكيّ. وعلقت بيلوسي قائلةً: “يُعتبر FIT21 الخطوة الأولى لإنشاء إطار تنظيميّ للأصول الرقمية، ويجب تحسينه من خلال العمل مع مجلس الشيوخ والإدارة”.
وأضافت: “يجب علينا أثناء بناء أساسيات الابتكار المسؤول، اتخاذ إجراءاتٍ إضافيةٍ لتقوية أحكام حماية المستهلكين والمستثمرين ودافعي الضرائب”.
على أية حال، تتجه الأنظار إلى مجلس الشيوخ وإمكانية إجراء المزيد من التعديلات والتنازلات مع استمرار العملية التشريعية. وبغضّ النظر عن النتيجة، فإن تمرير FIT21 في مجلس النواب قد بدأ فصلاً جديداً في السعي المستمر لوضع إطار قانونيّ تنظيميّ شاملٍ للأصول الرقمية في الولايات المتحدة.