مجموعة أشخاص يقفزون بحماس وخلفهم خط أحمر عريض من مخطط بياني وأعلاه رمز عملة بيتكوين وفي الخلفية ظلال لمبان مرتفعة

ما تزال عملة بيتكوين (Bitcoin-BTC) ملكة عالم العملات الرقمية بلا منازع، والمقياسَ الأكثرَ موثوقيةً لحالة السوق ومستقبله. ويتساءل الجميع الآن عمّا إذا كانت اللحظة الحالية هي أفضلُ وقتٍ لبيع ممتلكاتهم من عملة بيتكوين. لحسن الحظ، هناك العديد من الخبراء المستعدّين لمساعدة الناس على اتخاذ قراراتٍ مدروسة.

ويراقب المحللون عن كثبٍ الاتجاهات على البلوكتشين وخارجها لاستخلاص نتائجَ مفيدةٍ يمكن أن تقدم مؤشراتٍ حول الاتجاهات المحتملة للسوق بعد أن تسبّب أحدثُ انخفاضٍ شهده سعر هذا الأصل الرقمي بحالةٍ من القلق بين المستثمرين من عمليات بيعٍ كبيرةٍ قد تشهدها السوق قريباً.

لذلك، فالسؤال الأبرز حالياً هو: هل حان الوقت المناسب لبيع عملة بيتكوين؟ في هذا السياق، يَطرح عددٌ من كبار المحللين آراءَهم حول ما قد يحمله المستقبل لعملة بيتكوين (BTC). وينبغي التنبيه إلى أنه لا يجب اعتبار أيٍّ من هذه الآراء توصياتٍ بشراء أو بيع هذا الأصل، وإنما يمكن استخدامها لإغناء التقديرات الشخصية للمستثمرين. فمن الحكمة دائماً التحدّث إلى المستشارين الماليين قبل اتخاذ هذا النوع من القرارات الاستثمارية.

التوقعات قصيرة الأجل: تحمّل زيادة التقلّبات السوقيّة الأخيرة

عند تحليل الاتجاه التالي لعملة بيتكوين (BTC) ينبغي أخذُ ثلاثِ وجهات نظرٍ في الاعتبار. الأولى تتعلق بالمدى القصير الذي يتأثر في الغالب بحجم الأموال الداخلة إلى صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة (ETFs)، وشهيّة المستثمرين للمخاطرة، والسيولة، ومستويات الخوف والطمع، والأحداث المؤثّرة في السوق، وغيرها من المقاييس المشابهة.

فيما يلي نظرةٌ عامة على المؤشرات قصيرة المدى التي يعتمد عليها المحللون لتقديم توقعاتهم بشأن سعر عملة بيتكوين للأسابيع القليلة القادمة.

مشكلة منصة Mt. Gox: مخاوفُ مبالغٌ بها أم قلقٌ مشروع؟

يُنظَرُ إلى مسألة توزيع عملات بيتكوين لدائني منصة Mt. Gox المفلسة كأحد أكثر الأمور أهميةً بالنسبة لمحللي السوق حالياً، حيث سيتم إعادة ما مجموعه 140,000 عملة بيتكوين تدريجياً بحلول تموز/يوليو 2024، ما قد يثير المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى عمليات بيعٍ ربّما تؤثر على السوق.

ويقدم أليكس ثورن (Alex Thorn) -رئيس قسم الأبحاث في Galaxy- وجهة نظرٍ جديرةً بالاهتمام حول هذا الحدث بالذات، حيث يقول: “نعتقد أن عدد العملات التي سيتم توزيعها سيكون أقلَّ ممّا يعتقد الناس، وسيتسبّب هذا بضغط بيعٍ أقلّ من المتوقّع على بيتكوين”؛ ويستند ثورن في تقييمه هذا إلى عدة عوامل:

  1. من المرجّح أن يتم توزيع حوالي 95,000 عملة BTC فقط في الدفعة “المبكّرة” الأولية.
  2. ستذهب حوالي 65,000 عملةٍ منها إلى الدائنين الأفراد، وكثيرٌ منهم قد يكونون من المؤمنين بالاحتفاظ ببيتكوين على المدى الطويل، وبالتالي ربّما يتردّدون في البيع نظراً لأنهم اشتروا هذا الأصل لأول مرةٍ منذ عقود عندما كانت شعبيته مقتصرةً على دائرةٍ صغيرة من الأفراد المتمرّسين في مجال التكنولوجيا.
  3. قد يُحجم هؤلاء المستثمرون عن البيع المباشر لأصولهم بالنظر إلى بعض الاعتبارات الضريبية، حيث أن الزيادة الهائلة في سعر بيتكوين ستؤدي إلى فرض ضرائبَ ضخمةٍ على مكاسب رأس المال على ممتلكاتهم.

وعلى الرغم من أن السوق تفاعلت سلباً في البداية مع أخبار منصة Mt. Gox، إلا أن تحليل ثورن يشير إلى أن التأثير قد يكون أقلَّ حدةً ممّا كان يُخشى.

تأثير ضغط صفقات المضاربة على الارتفاع وفقاً للمحلل Willy Woo

يعزو محلل بيتكوين الشهير ويلي وو (Willy Woo) انخفاضَ الأسعار الأخير إلى “انهيار صفقات المضاربة على الارتفاع ” في سوق العقود الآجلة.

وهو يشير هنا إلى بيع الأثرياء في السوق كميةً كبيرةً من بيتكوين بسعر منخفض للدفع باتجاه انخفاض السعر هادفين لأن يتفاقم ذلك بسبب تفعيل أوامر وقف الخسائر للمُستثمرين الذين يحتفظون بمراكز متفائلةٍ بارتفاع سعر بيتكوين (BTC).

ويرى المحلل أن مُعظم المراكز المضاربة على الارتفاع ذات الرافعة المالية كان لها أساسُ تكلفةٍ يبلغ حوالي 62,500$، ما يعني أن انخفاضاً بنسبة 5% عن ذلك يمكن أن يؤدي إلى عمليات بيع كبيرة إذا وصل السعر إلى مستوى وَقْف خسائر هذه المراكز.

علاوةً على ذلك، يسلط المحلل Woo الضوءَ أيضاً على حالة الهدوء التي يتسم بها نشاط مُعدّني بيتكوين بعد حدث التنصيف، مشيراً إلى أن “المُعدّنين بدؤوا موجة بيع عملة بيتكوين لتأمين تكلفة تحديث الأجهزة بسبب ضعف ربحيّة الأجهزة القديمة، في حين أن أضعف المُعدّنين يغلقون مشاريعهم ويقومون بتصفيتها”.

ومع أن المحلل يرى إمكانية حدوث انعكاس سعريّ قصير الأجل، إلا أنه يُحذّر من أن “بيتكوين لم تخرج من مأزقها بعد” ويؤكد على وجوب أن يراقب المستثمرون ما إذا كان هذا الرفع المالي الزائد قد تم التخلص منه بعد الانخفاض الأخير الذي شهده سعر بيتكوين (Bitcoin-BTC).

العوامل السياسية والاقتصادية كمحفزاتٍ متوسطة الأمد

يشير محللون إلى أن الأشهر القادمة قد تشهد بعض المحفزات الجديرة بالاهتمام لتأثيرها المحتمل على سعر وأداء بيتكوين.

الانتخابات الأمريكية والمشهد التنظيميّ

تُعَد الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة أحد العوامل المهمة المؤثرة في سعر BTC وفقاً لمحلل الكريبتو ريكت فينسر (Rekt Fencer) الذي يرى أن طريقة التعامل مع الأصول الرقمية وقيام السياسيين بدعمها أو عرقلة تطوّرها تمثل عواملَ مهمةً جداً، حيث أبدى المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب بوضوح دعمه لقطاع العملات الرقمية، وفي حال فوزه قد يتزايد الاهتمام والطلب على بيتكوين والعملات البديلة لأنه من المرجّح أن يسعى ترامب لتوفير الوضوح التنظيميّ وإزالة العقبات التي تعيق توسّع القطاع. ومع ذلك، تحوّلت لجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC) خلال فترة إدارة بايدن الحالية بالفعل لدعم الكريبتو أو التخفيف من معاداته على الأقل مؤخراً، ما يقلل من أهميّة احتمال فوز ترامب.

سياسة الاحتياطي الفيدرالي والسيولة العالمية

أشار عددٌ من المحللين إلى السياسة المالية للاحتياطي الفيدرالي كعاملٍ مهم في توقعات سعر بيتكوين متوسطة الأمد، وبيّن Rekt Fencer أن إجمالي أصول الاحتياطي الفيدرالي بلغ أدنى مستوياته، ما يشير لتدفقاتٍ ماليةٍ مُحتملةٍ في المستقبل قد تستفيد منها أسواق الكريبتو.

يُذكر أنّ Fencer يُعَد أحد المحللين الذين يشيرون بشكلٍ متكرّر لقرارات الاحتياطي الفيدرالي ذات الصلة بالسياسة المالية وتأثيرها على توقعات سعر بيتكوين متوسطة الأمد. وقَدَّر المحلل أن انخفاض مستوى إجمالي أصول البنك المركزي، يُرجّح ضخَّ سيولةٍ كبيرة في المستقبل، ما قد يسهم بدعم أسعار كافة الأصول في النظام المالي بما فيها بيتكوين. من جانب آخر، ذكر فينسر أن عدة دولٍ -مثل كندا وسويسرا- قامت بالفعل بخفض معدلات الفائدة، ما قد يعني احتمال قيام الولايات المتحدة باتخاذ إجراءاتٍ مشابهةٍ؛ وقد يتسبّب تبني سياسةٍ ماليةٍ توسّعيةٍ برفع قيمة BTC، وهو ما حدَث في الماضي.

القيمة السوقية للعملات المستقرة وآليات العملات البديلة

أخيراً، تحدّث المدير التنفيذيّ لشركة CryptoQuant كي يونغ جو (Ki Young Ju) عن أهمية سوق العملات المستقرة كأحد العوامل المؤثرة في السيولة الإجمالية لقطاع الكريبتو، مشيراً إلى أن القيمة السوقية لهذه العملات تقترب من أعلى مستوياتها على الإطلاق، ما يظهر ارتفاع مستويات السيولة الناجمة عن الشراء. ونبّه يونغ لنموّ الاهتمام بالعملات البديلة، ما قد يتسبّب بتحوّل الطلب عن عملة BTC بسبب بحث المستثمرين عن مشاريع أخرى توفر عوائد واعدةً قصيرة الأمد في وقتٍ بلغ فيه هذا الأصل الرقمي أعلى مستوياته على الإطلاق.

التوقعات طويلة الأمد وهيمنة المعنويات الإيجابية

أعطى بعض المحللين توقعاتٍ جريئةً حول مستقبل عملة BTC خلال السنوات القادمة بالنظر إلى عوامل الاقتصاد الكلي التي يرون أنها تتسبّب عادةً بارتفاع الأسعار.

ارتفاع سعر بيتكوين إلى 100,000$ أو أكثر

رغم التقلبات الشديدة قصيرة الأمد لسعر بيتكوين، وضع معظم المحللين توقعاتٍ متفائلةً لهذا الأصل الرقمي على المدى الطويل، حيث رجّحت بعض التوقعات أن يصل سعر BTC إلى 100,582$ بحلول نهاية عام 2024، فيما ذهبت توقعاتٌ أكثر تفاؤلاً إلى أن يتخطى السعر مستوى 150,000$ خلال الفترة نفسها.

انتقال الثروة عبر الأجيال كأحد العوامل المهمّة

وضعت نويل أتشيسون (Noelle Acheson) -المديرة السابقة لقسم تحليلات السوق في شركة Genesis Global Trading- توقعاتٍ قويةً طويلة الأمد بالنظر لانتقال ثروة الأجداد (boomers) للأجيال اللاحقة، ورجّحت أتشيسون أن يتم ضخ حوالي 20 تريليون دولار في سوق الكريبتو خلال العقد القادم تحت بند انتقال الثروة.

جدول يوضح التفضيلات الاستثمارية للشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 21 و43 عاماً بالمقارنة مع تفضيلات من تفوق أعمارهم 44 عاماً

وكتبت المحللة في أحدث إصدارٍ من نشرتها الإخبارية “Crypto is Macro Now”: “في حال سير الجيل الجديد الذي سيرث الثروة وفق النمط الذي خلص إليه الاستطلاع، فقد يتم ضخ 24% من الثروة في سوق الكريبتو، حيث يفضل 28% من الشباب العملات الرقمية على الأسهم والسندات بالمقارنة مع 4% من الفئة العمرية الأكبر”.

كذلك رجّحت أتشيسون في تحليلها أن يتم ضخ حوالي 10 تريليون دولار من هذه الاستثمارات في عملتي بيتكوين وإيثيريوم (Ethereum-ETH)، ورجّحت المحللة أن يرتفع سعر بيتكوين وإيثيريوم إلى 600,000$ و32,000$ توالياً في حال تحقق هذا السيناريو.

الإقبال المؤسساتيّ على صناديق تداول بيتكوين وإيثيريوم في البورصة يعزّز التوقعات المتفائلة طويلة الأمد

توفر الموافقة على إنشاء صناديق تداولٍ فوريّ في البورصة (spot ETFs) لعملتي BTC وETH حافزاً مهماً يأخذه المحللون باعتبارهم لدى توقع المسار المستقبليّ طويل الأمد لهذين الأصلين الرقميين لأنه قد يتسبّب بضخ مليارات الدولارات في نظامهما التقنيّ خلال ما يتراوح بين 3 و5 سنواتٍ القادمة.

ويمكن للمؤسسات الاستثمارية الثرية الوصول إلى هذه المنتجات بسهولةٍ تامةٍ، ما يُرجّح أن تقوم باستثماراتٍ كبيرة في حال تواصل نموّ اهتمامها بهذه الأصول، فضلاً عن سهولة الوصول إليها بفضل هذه الأدوات.

التعامل مع ظروف عدم اليقين عبر اتخاذ قراراتٍ مدروسة

قد تساعد آراء المحللين حول الأصول المالية المستثمرين في اتخاذ قراراتٍ استثماريةٍ مدروسة، لكن يجدر بكم دائماً القيام ببحث معمّقٍ بأنفسكم؛ ورغم أنه من شبه المستحيل توقع السوق بدقةٍ، يجدر بكم محاولة فهم الوضع العام لدخول وإغلاق الصفقات في أفضل الأوقات.

ويقترب سعر BTC حالياً من أعلى مستوياته على الإطلاق، فهل سيرتفع السعر أكثر؟ يُرجّح المحللون بثقةٍ كبيرة أن يرتفع السعر على المدى الطويل، لكنّ هذه التوقعات قد تكون خاطئة. وفي كافة الأحوال، إذا كنتم من المستثمرين الراغبين بكسب أرباح سريعةٍ من خلال شراء وبيع بيتكوين خلال بضعة أسابيع، فمن الصعب جداً أن نقول إن “الآن” هو وقتٌ مناسبٌ للشراء، فقد تتسبّب عدة عوامل بعمليات بيع كبيرة أو ارتفاع السعر إلى مستوياتٍ جديدة.

ويجدر بالمستثمرين والمتداولين أخذ عدة عوامل بالاعتبار لدى تقييم إمكانات بيتكوين المستقبلية، والتي يمكن عرضها كما يلي:

  1. العوامل المؤثرة في السوق ومستويات الصفقات المفتوحة بقروض.
  2. ظروف الاقتصاد الكليّ وسياسات البنك المركزي الأمريكيّ.
  3. التطوّرات التنظيمية والسياسية.
  4. اتجاهات الإقبال طويلة الأمد والتغيّرات المهمة في تفضيلات المستثمرين.
  5. التطوّرات التقنية في قطاع البلوكتشين.

ومثل كافة الاستثمارات، يجدر بكم القيام ببحثٍ معمّقٍ وتنويع استثماراتكم بشكلٍ مناسب، فضلاً عن الاقتصار على استثمار مبالغ يمكنكم تحمّل خسارتها؛ وتستلزم التقلبات الشديدة لسوق الكريبتو تبني نهجٍ متوازنٍ يأخذ بالاعتبار إمكانات تحقيق مكاسبَ كبيرة أو التعرض لمخاطرَ قد تتسبّب بخسائرَ فادحة.