اشتعلت أسواق العملات الرقمية مع الارتفاعات الهائلة لأسعار عملات الميم التي دفعت قيمتها السوقية الإجمالية إلى تجاوز علامة 50 مليار دولار هذا الأسبوع، وانطلقت هذه التحرّكات الصاعدة نظراً لاجتماع عدّة عواملَ ساهمت في تحفيزها، وأبرزُها ارتفاع الطلب من قبل صغار المستثمرين والمُضاربات الشديدة وزخمُ المشاعرالإيجابية عموماً تجاه أصول القطاع ككلّ.
وتُذكر هنا قيادةُ عملات دوجكوين (Dogecoin-DOGE) وشيبا إينو (Shiba Inu-SHIB) وبيبي (Pepecoin-PEPE) وبونك (Bonk-BONK) رَكبَ انطلاقة جنون عملات الميم إلى جانب الوافد الجديد Dogwifhat (WIF)، حيث شهدَت جميعُها ارتفاعاتٍ سعريةً لافتةً خلال الأيام الماضية، كما تجاوزت مكاسبُ بعضِها نسبة 100% خلال بضعةِ أسابيعَ، إلا أن أسعار غالبية هذه العملات قد تراجَعَت إثرَ فشلِ سعر بيتكوين بتجاوز أعلى مستوياته المسجّلة على الإطلاق عند 69,000$ مطلعَ اليوم، غيرَ أنّ المتداولين ظلّوا يتطلّعون إلى موجة الارتفاعات التالية المُحتملة.
ارتفاعات عملات الميم: هل تُعَد مؤشراً على انطلاق موسم العملات البديلة؟
يعتقد محللو موقع تحليلات الكريبتو الرائد K33 Research أنّ حركة عملات الميم الصاعدة يمكن أن تشكّل بادرةً “لموسم العملات البديلة” المُرتقب (وهيَ فترةٌ يتجاوز فيها أداء العملات الصغيرة والبديلة نظيرَهُ لعملة بيتكوين)، حيث صرّح محللو K33 Research في تقريرٍ حديثٍ بقولهم: “بناءً على التجارب السابقة؛ حان الوقت تقريباً لبدء العملات البديلة بالتفوّق من حيث الأداء”، كما أشارت الشركة إلى المكاسب الكبيرة التي حقّقتها عملات الميم DOGE وSHIB وBONK وPEPE وWIF (المبنيّة على بلوكتشين سولانا) هذا الأسبوع والتي يُمكنها اعتبار هذه التحركات المتتابعة إشارةً مُحتملةً إلى قرب انطلاقة أسعار العملات البديلة.
ولطالما اعتُبرَت بيتكوين قائدة ركب التحركات الصاعدة لأسواق الكريبتو، لتتبعها العملات البديلة بسبب تدوير المستثمرين للأرباح من بيتكوين إلى عملاتٍ بديلةٍ أكثرَ مخاطرةً يُمكنها توفير مكاسبَ أعلى، ويبدأ “موسم العملات البديلة” عادةً بعد إتمام سعر بيتكوين لمساره الصاعد ودخوله مرحلة تقلّب محدود نسبياً، حيث تكرّرت هذه الدورة مراراً عبرَ مراحلِ تطوّر أسواق الكريبتو.
وكانت شركة تحليلات الكريبتو البارزة Swissblock قد عبَّرت عن رأيٍ مشابهٍ بخصوص موسم العملات البديلة المُنتظر، حيث نصَحَت المُستثمرين -في آخر تحديثاتها للأسواق- بمراقبة سعر إيثيريوم ومستوى 3,500$، إذ يعني النجاحُ بتخطّيه بداية تفوّق أداء العملات البديلة على أداء بيتكوين، وقد تجاوَز سعر العملة بالفعل حاجز 3,500$ البارحةَ بالترافق مع ارتفاع سعر بيتكوين، ولم تتغيّر نسبة استحواذها على القطاع كثيراً منذ ذلك الحين.
خوف المستثمرين الصغار من فوات الفرصة يغذي ارتفاعات عملات الميم
جاءت موجة الارتفاعات القوية لعملات الميم بفضل هجمةٍ كبيرة من صفقات المضاربة على ارتفاع أسعارها؛ خاصّةً من قبل صغار المستثمرين مستهلَّ اليوم، ويتم تغذية التحرّكات السعرية الصاعدة لعملات الميم بمشاعر الخوف لدى المستثمرين من فوات فرصة تحقيق الربح (FOMO)، وذلك حسب تقريرٍ قدّمته شركة تداول الكريبتو الرائدة QCP Capital، ما يشير إلى تغيّرٍ مهمٍّ في ديناميكية المشاركة بالأسواق.
وتحدّث التقرير عن ذلك موضّحاً: “تشهد العملات البديلة ارتفاعاتٍ قويةً حالياً -وبالأخصّ عملات الميم- مع تنامي مشاعر الخوف من فوات الفرصة، ولن يتوقف المشترون عن الاقتراض حتى الوصول إلى مستوياتٍ عليا جديدة، ويُمكن لهذا أن يحدث في أيّ وقتٍ قدماً”؛ وتتوافق هذه الملاحظة مع آراء محللين من مؤسساتٍ ماليةٍ كبرى -مثل JPMorgan- حيث أشاروا إلى لعب صغار المستثمرين دوراً كبيراً بتحفيز التحرّكات الصاعدة لأسواق الكريبتو التي شهدها الشهر الماضي، حيث مثلت مشاركة ” المستثمرين الصغار” -كما أشارَ إليهم المدير العام لـ JPMorgan نيكولاوس بانيجرتزوغلو “Nikolaos Panigirtzoglou”- عاملاً مهمّاً في بلوغ سعر بيتكوين الشهر الماضي أعلى مستوياته المسجّلة منذ عامين.
جنون عملات الميم: دوجكوين وشيبا إينو تقودان القطيع
تأتي عملتا دوجكوين (DOGE) وشيبا إينو (SHIB) في طليعة جنون عملات الميم، حيث تمكنت كلتاهما من حجز مكانةٍ لها على قائمة أعلى 15 عملةً رقميةً من حيث القيمة السوقية وإثباتِ جاذبية ورواج عملات الميم والإقبال الكبير عليها من قبل المستثمرين الأفراد والمؤسّساتيين.
وكانت عملة دوجكوين قد ظهرَت للمرة الأولى كمزحةٍ مستوحاة من طرافة شخصيّة Doge، إلا أن سعرَها شهد ارتفاعاً بمعدل 67% على مدار الأيام السبعة الماضية وحدَها، كما حققت المزيد من الارتفاعات قبل انزلاق سعر بيتكوين صباح اليوم، وتسبَّبَت هذه الزيادة القوية بعودة DOGE إلى قائمة العملات العشر الأعلى من حيث القيمة السوقية، ما يُعتَبرُ إنجازاً كبيراً بالنسبة لعملةٍ بدأت كمزحةٍ ساخرة من جنون قطاع الكريبتو.
من جانب آخر، شهدت عملة SHIB -المُلقبّة بقاتلة دوجكوين- أيضاً تحركاتٍ سعريةً صاعدةً مهولة، إذ ارتفعَ سعرها بمعدل 194% خلال الأيام السبعة الماضية، وقد عزّز هذا الأداء المُبهر مكانة عملة SHIB كلاعبٍ قويّ في قطاع عملات الميم بالتوازي مع تدفق المستمرين نحو هذه الأصول المُضاربيّة شديدة التقلّب. وتحتلّ عملة SHIB حالياً المرتبة العاشرة على قائمة العملات الرقمية الأعلى من حيث القيمة السوقية تبعاً لموقع CoinMarketCap.
ارتفاع أسعار Dogwifhat وSmog: الوافدون الجدد يسرقون الأضواء
فيما تصدّرت عملتا دوجكوين وشيبا إينو عناوين ارتفاعات عملات الميم؛ ظهرَ وافدون جُدُدٌ نجحوا بسرقة الأضواء نتيجة أدائهم المذهل مؤخراً، وتبرز من بين هؤلاء الوافدين عملة Dogwifhat (WIF) القائمة على بلوكتشين سولانا (Solana)، والتي شهد سعرُها ارتفاعاً بمعدل 220% خلال الأيام السبعة الماضية و760% خلال آخر 30 يوماً لينجحَ بتسجيل أعلى مستوياته الجديدة على الإطلاق في عطلة نهاية الأسبوع، لينخفضَ سعرُها بعدها إلى مستوى 1.33$ (وليبقى على ارتفاعٍ بمعدّل 111% هذا الأسبوع).
وقد تسبّبت هذه الزيادة السعرية بدفع العملة إلى المركز الخامس في ترتيب عملات الميم من ناحية القيمة السوقية لتتجاوَز بذلك عملةFloki Inu (Floki) المعروفة، حيث اجتمَعت عواملُ عدّةٌ على تحفيز التحركات الصاعدة لسعر العملة بما فيها إضافتها الحديثة إلى “منطقة الميم والابتكار” على منصّة التداول Bitget، ممّا أثار توقّعاتٍ بإدراجها المحتمل في منصات تداولٍ رئيسيةٍ كمنصّتي كوينبيس (Coinbase) وبينانس (Binance)، كما أسهم التبنّي المُتصاعد لبلوكتشين سولانا بتحرّكاتها الصاعدة.
المضاربة والخوف من تفويت الفرصة يُشعلان جنون عملات الميم
حذّرَ محللون المُستثمرين -وسط حالة الجنون التي تشهدها عملات الميم- من الطبيعة شديدة التقلّب لهذه الأصول وأهمية الخروج من السوق في الوقت المناسب لضمان الربح، وتعزو ليندا ب. جونز (Linda P. Jones) -راوية كتب “3 Steps to Quantum Wealth” الصوتية لاستثمار الكريبتو- جنون عملات الميم إلى ثلاثة عواملَ رئيسية.
- اقتبست جونز تقاريرَ من مدير أحد الصناديق الاستثمارية (لم تذكر اسمه) مفادُها أن تدفق الاستثمارات الخارجة من هذه الصناديق يُغذّي التحركات الصاعدة لأسعار عملات الميم.
- أشارت جونز إلى قدرة عملات الميم على تحقيق أرباحٍ بنسبٍ مئويةٍ أعلى مقارنةً بعملة بيتكوين التي يمكن أن تتسبّب تحرّكاتها السعرية المحدودة نسبياً بقفزاتٍ هائلةٍ لأسعار عملات الميم الأكثر تقلّباً.
- نوّهت جونز أيضاً بالتوقّعات المشيرة إلى فرضِ تشريعاتٍ رقابيةٍ صارمةٍ على قطاع الكريبتو عام 2025 بحيث يُمكنها تحجيمُ ظاهرة عملات الميم: “ستحلّق الأرباح عالياً هذا العام وستختفي بعدها كما حصلَ مع فقاعة .com السعريّة” … وحذّرت بقولها: “سيأتي اليوم الذي سنتذكّر فيه كم كانت هذه العملات ممتعةً ومربحةً عندما كانت متواجدة”.
التحوّل المُحتمل إلى عملاتٍ بديلةٍ عالية الجودة
نظراً لاستمرار سيطرة الجنون المحيط بعملات الميم على أسواق الكريبتو، يُشير بعض المحللين إلى أن السيولة التي ولّدها هوس المضاربة على هذه الفئة يُمكن أن تتحوّل في النهاية إلى عملات بديلةٍ ذات جودة عاليةٍ تمتلك أساسياتٍ قويةً واستخداماتٍ عمليةً واقعية.
فعلى سبيل المثال، شهد سعر عملة بولكادوت (Polkadot-DOT) انتعاشاً خلال الأيام القليلة الماضية، حيث استعادت العملة مستوى 10.00$ الذي لم تصل إليه منذ أيار/مايو لعام 2022، ويمكن أن يكون هذا الارتفاع مؤشراً مبكراً على تحويل المستثمرين لأرباحهم المُحقّقة من جنون عملات الميم إلى مشاريع كريبتو بديلةٍ أخرى أكثرَ استقراراً وتحظى بأساسياتٍ أقوى.
وعلى الرغم من أن جنون مضاربات الميم قد يبدو وكأنه المُسيطر على العناوين الرئيسيّة حالياً، يعتقد بعض مراقبي القطاع أنه عندما يصل موسم ارتفاعات بيتكوين إلى ذروته وينضجُ قطاع الكريبتو الأوسعُ نطاقاً، قد يحدث توحيدٌ تدريجيٌّ لاهتمام المستثمرين مع عودة تركيزهم مجدّداً إلى العملات الرقمية والمشاريع التي تتميّز عملاتها باستخداماتٍ وظيفيةٍ عمليةٍ وإمكانات نموٍّ مُستدام.
ارتباط أداء عملات الميم ببيتكوين ما يزال قوياً
تجدر الإشارة إلى أن ارتباط أداء عملات الميم ببيتكوين (BTC)ما يزال قوياً حتى خلال الفترة الأخيرة. وعليه، يُمكن تفسير الزخم الإيجابيّ الذي تشهده بأنه نتيجةٌ لجاذبية القطاع بشكلٍ عام وليس نتيجةً لموجة هوسٍ عابرة.
فبينما تُظهر البيانات الصادرة عن منصة تحليلات البلوكتشين IntoTheBlock وجودَ ارتباطٍ حالياً بين أداء عملتي بيتكوين ودوجكوين -رائدة عملات الميم- بنسبة 87%، فإن هذا يعني أن أسعار عملات الميم عادةً ما تزدهر تزامناً مع استمرار سعر بيتكوين بالارتفاع لاختبارِ أعلى مستوياته المسجّلة على الإطلاق قرب 69,000$، ولكن بنسب أعلى بكثير.
ويُسلّط هذا الترابط الديناميكيّ الضوء على الدور المحوريّ الذي تلعبه بيتكوين في قطاع الكريبتو الأوسع، إذ غالباً ما تؤثّر تحركاتها السعرية على أداء العملات البديلة، ومنها عملات الميم.
القيمة السوقية لعملات الميم تتخطى نظيرتها لقطاعي الرموز غير القابلة للاستبدال والتمويل اللامركزيّ
ترك هذا الارتفاع الهائل لأسعار عملات الميم أثراً بالغاً على القيمة السوقية الإجمالية لعملات القطاع، حيث تجاوزت كلاً من قطاعي الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) والتمويل اللامركزيّ (DeFi).
فتبعاً لبيانات موقع CoinMarketCap، بلغت القيمة السوقية الإجمالية لعملات الميم 51.61 مليارَ دولار وقت كتابة الخبر، ما يُمثل زيادةً بنسبة 17% خلال آخر 24 ساعةً وحدَها.
ومع تخطي القيمة السوقية الإجمالية لقطاع الكريبتو علامة 2.5 تريليون دولار، فقد حقّقت العديد من عملات الميم عوائدَ لافتةً، إذ انتعشت وتجاوَزت قيمتها السوقية قيمَ فئاتٍ فرعيةٍ بالكامل داخل القطاع.
وعلى أية حال، تؤكد هذه التطوّرات المذهلة استمرارَ الطلب الهائل والتوقعاتِ الإيجابية المُحيطة بعملات الميم، حيث يواصل المستثمرون الاستثمارَ في هذه الأصول عالية التقلب والمثيرة للجدل في الكثير من الأحيان.
المخاطر التنظيميّة ومخاوف الاستدامة
على الرغم من أنّ انتعاش أسعار عملات الميم أثارَ إعجاب المستثمرين وعشاق الكريبتو بوجهٍ عام، إلا أنه بقيَ عرضةً لمخاوفَ متعلقةٍ بإمكانية استدامة هذه الظاهرة والمخاطر التنظيميّة المُحتملة التي قد تقضي عليها.
فكما ذكرت ليندا ب. جونز، تلوحُ في الأفق توقعاتٌ بشأن صدور قوانينَ رقابيةٍ صارمةٍ متعلقةٍ بأصول الكريبتو، مشيرةً إلى عام 2025 باعتباره قد يمثّل نقطة تحوّلٍ محتملةٍ؛ إذ قد تؤدي زيادة تدقيق الجهات التنظيميّة وإجراءاتها الرقابية إلى زوال موجة الهوس بعملات الميم، حيث تهدف السلطات إلى حماية المستثمرين والحفاظ على سلامة تعاملات الأسواق.
علاوةً على ما سبق، فإن عملات الميم تعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على المضاربة بطبيعتها، ما يُثير تساؤلاتٍ حول أوجه الاستفادة منها واستدامتها ضمن النظام التقنيّ للقطاع، حيث يُشير العديد من النقاد إلى أن هذه العملات تفتقر إلى استخداماتٍ عمليةٍ وأنّها مدفوعةٌ فقط بالضجّة والزخم المُثارين حولها، ما يجعلها عرضةً لانخفاضاتٍ سعريةٍ مفاجئةٍ وهائلة.
ومع ذلك، لفتَ الهوس الحاليّ بعملات الميم اهتمامَ مجتمعات الكريبتو بلا شك، مع متابعة المشاركين في القطاع لأيّ علاماتٍ تُشير إلى حلول موسم ازدهار العملات البديلة الجديد وفرص تحقيقِ مكاسبَ -أو خسائرَ- في هذه الزاوية شديدة التقلب والتي يُمكن توقع مُجرَياتها في الأسواق.