الجميع يكذبون، لكنّ السؤال هو إلى أيِّ مدى يمكن أن يكذب الشخص! الكذب هو أمرٌ شائعٌ للغاية خاصّةً في المجتمعات التجارية، لذلك يجب أن يمتلك رجل الأعمال الجيد القدرة على معرفة ما إذا كان الشخص الذي أمامه يكذب، فعند الاشتباه في أنّ شخصاً ما يكذب، فالوقت يكون قد حان لاختبار ردِّ فعله من خلال طرح بعض الأسئلة التي تعمل على اكتشاف سلوكيات الكذب وإيجاد دليلٍ على الخداع. وتهدف هذه الأسئلة إلى البحث عن المزيد من المعلومات، وليس إجبارَ الشخص الآخر على الاستسلام والاعترافِ كما نرى على شاشات التلفزيون.
تجهيز الاجتماع
في الظروف المثالية، يجب أن تتمكنوا من رؤية جسم الشخص بأكمله، أي ألا تكونوا جالسين على مكتب حيث يكون جزءٌ كبيرٌ من جسم الشخص الآخر محجوباً بطاولة، هذا ما لم يكن سطح الطاولة مصنوعاً من الزجاج. في الواقع، يميل الكاذبون عادةً إلى وضع شيءٍ ما -مثل حقيبةٍ أو أيِّ شيء آخر- بينهم وبين من يقوم بالاستجواب.
وأثناء طرح الأسئلة، غالباً ما يقوم الأشخاص المحترفون بكشف علامات الكذب بجعل الشخص الذي يستجوبونه يجلس على كرسيٍّ في منتصف الغرفة حتى يتمكّنوا من ملاحظة أيِّ علاماتٍ سلوكيةٍ مشبوهةٍ من الرأس إلى القدمين، وبالطبع لن ترغبوا في أن تبدو كمحققين يقومون باستجواب شخصٍ ما، لكن قد يكون من الأفضل عدم وجود جسمٍ بينكم وبين الشخص المعنيّ مثل المكتب أو الطاولة. ويمكنكم الجلوس في مكانٍ محايد حيث يمكنكم مراقبة لغة الجسد الكاملة للشخص الآخر، فعلى سبيل المثال يمكنكم الجلوس على أريكةٍ، وذلك يُعتبر خياراً أفضلَ بكثيرٍ من طرح الأسئلة من وراء المكتب.
أثناء طرح الأسئلة، يقوم معظم الكاذبين بإظهار أوّل إشارة للكذب في غضون أوّل 5 ثوانٍ من طرح السؤال، لذا تأكدوا من البحث عن أيِّ دليلٍ على الكذب مع كلِّ إجابة. جديرٌ بالذكر أن ما تبحثون عنه هو تجمّعاتٌ من علامات الكذب، وعندما تكتشفون علامةً أو اثنتين -قد تشمل دلائل لفظيةً وغيرَ لفظية- خلال السؤال الواحد، فهناك احتمالٌ كبيرٌ أن يكون الشخص غير صادقٍ وقد يكون من الأفضل استكمال الاستجواب بشكلٍ أعمق.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الأفضل أن تتركوا فترةً زمنيّةً -ثلاث أو أربع ثوانٍ- بين إجابة الشخص وطرح السؤال التالي، حيث تسبّب هذه الفترة الزمنية الفارغة اضطراباً عاطفياً لدى الكاذب، ما سيجعله يقدم معلوماتٍ مفصّلةً أكثر.
7 علاماتٍ لفظيةٍ على الكذب
عند القيام بطرح أسئلة على شخص يُشتبه في أنه يكذب، ستكون هناك دلائلُ لفظيةٌ تكشف عن محاولتهم إخفاء الحقيقة. لهذا نقدم لكم أدناه 7 دلائلَ لفظيةٍ للكذب تُساعدكم على معرفة ما إذا كان الشخص يكذب أم لا.
- يقومون بتكرار السؤال كاملاُ قبل الإجابة: يُعتبر هذا تكتيكاً شائعاً يستخدمه الكاذبون لتأخير الجواب، حيث يملؤون الفراغ الزمنيّ بتكرار السؤال بينما تحاول عقولهم صياغة إجابةٍ لا تكشف كذبهم وتتفق مع الحقائق التي ذكروها سابقاً.
- الإجابة عن السؤال بسؤالٍ آخر: ويسمّى هذا النوع بأسئلة التفادي، حيث يتفادى الشخص الإجابة عن السؤال المطروح عن طريق طرح سؤالٍ آخر في الاتجاه المعاكس مثل “لماذا تسأل؟”. وتعتبر أسئلة التفادي نوعاً آخر من تكتيكات التأخير بينما هم يفكّرون في الرد المناسب، كم أنها غالباً ما تستخدم لمحاولة تحديد ما الذي تعرفونه بالفعل.
- الإجابة بردٍّ يثير شعوركم بالذنب: في هذه الحالة لا يقوم الكاذبون بالرد على السؤال المطروح، بل يقدمون جواباً يهدف إلى إثارة الشعور بالذنب لديكم على أمل أن تتوقفوا عن طرح المزيد من الأسئلة. وكمثالٍ على ذلك: قول شيء مثل “هل تشكك في الجميع؟”، كما قد يهاجم الكاذب الشخص الذي يوجه الأسئلة أو طرفاً ثالثاً، علماً بأن هذا الرد العدوانيّ يُعتبر دليلاً قوياً على الكذب.
- الرد بعباراتٍ احتجاجيّة: بدلاً من الإجابة عن السؤال المباشر، يقوم الكاذبون بالرد بقائمةٍ من الأسباب التي تدعوكم لعدم الشك في شخصيّتهم. فمثلاً قد يقولون: “لماذا تشتبه فيّ؟ أنا أتبرّع للجمعيات الخيرية وأنا شخصٌ يخشى الله وأذهب إلى الكنيسة كلَّ يوم أحد، انظر فقط إلى سجلّي”. وتتضمّن علامات الكذب الرئيسيّة عند استجواب الشخص بشأن حادثةٍ ما محاولة إثباتِ براءته، على عكس الصادقين الذي يقومون بكلِّ بساطةٍ بتقديم الحقائق.
وعلى سبيل المثال، عندما تقومون بطرح سؤالٍ مباشرٍ مثل “هل هذا أفضل سعرٍ لديك؟” ويتجنّب الشخص الإجابة المباشرة ويقدم بدلاً من ذلك قائمةً بالأسباب التي تدفعك لشراء المنتج أو الخدمة التي يقدّمونها، فإن هذا يُعتبر بياناً احتجاجياً، ويُعَد من بين أقوى علامات الكذب حيث يتم تصميمها لإقناعكم وليس فقط للإجابة بالحقائق المطلوبة.
- الإجابة بمعلوماتٍ قليلةٍ أو كثيرة جداً: عندما يعتقد الشخص أنك تشعر بأنه يكذب، سيحاول إعطاءك أفضل إجابةٍ تؤكد قصّته، وهذا يتطلب الكثير من الطاقة العقلية. وغالباً ما يبالغ في تفاصيل القصة على أمل أن يثبت أن ما يقوله هو الحقيقة، أو قد يقوم بالعكس من ذلك تماماً، فيقدم أقلَّ قدرٍ من المعلومات الضروريّة لتجنّب قول شيءٍ يتناقض مع ردود سابقة.
- الإجابة بعباراتٍ تتضمّن بياناتٍ تعزيزيّة: يمكن أن تشمل العبارات التعزيزيّة تأكيداتٍ استثنائية وردوداً ذات صلةٍ بالدين كجزء من الإجابة. فعلى سبيل المثال قد يستخدم الكاذب عبارات مثل “على حدِّ علمي…” أو “لأكون صادقاً، بقدر معرفتي…” بينما يقوم في الحقيقة بتجهيز الإجابة، حتى يمكنه القول بأنه قد أخطأ، ولكنّه لم يكذب في حال اكتشفتم فيما بعد بأن تلك المعلومات غير صحيحة. وتشمل الردود الأخرى المتعلقة بالدين عبارات مثل “أقسم بالكتاب المقدس” أو “الله يعلم بأنني بريء”.
- الرد بعبارات التباعد: وهنا يستخدم الشخص الضمائر وليس الأسماء. وعلى سبيل الذكر، يُعتبر التصريح الذي قدمه الرئيس بيل كلينتون (Bill Clinton) عندما قال: ” أنا لم أُقِم علاقةً مع تلك المرأة” مثالاً على ذلك، حيث كان يبعد نفسه عن الأمر عن طريق استخدام “تلك المرأة” بدلاً من اسم مونيكا لوينسكي (Monica Lewinski) في البيان الأوليّ. ويميل الكاذبون عادةً إلى إبعاد أنفسهم عن طريق إزالة كلمة “أنا” أو عدم استخدام اسم شخصٍ معيّنٍ في إجاباتهم، لهذا غالباً ما يكون استخدام عبارات الاستبعاد دليلاً على أن الشخص يكذب بشأنِ شيءٍ ما.
فضلاً عن ذلك، هناك شكلٌ آخر من أشكال الاستبعاد وهو فشل الشخص في الإنكار، ففي أغلب الأحيان لا يُنكر الكاذب الادعاء بشكلٍ مباشر. على سبيل المثال، إذا سألتم أحد الموظفين عمّا إذا كان قد سرق شيئاً ما، فقد يجيب الكاذب بـ “لن أسرق أبداً من صندوق القهوة” بينما سيجيب الصادق بـ ” لم أسرق أبداً من صندوق القهوة”.
علامات الكذب في القصص
تتألف أيّ قصةٍ من مقدمةٍ وحدثٍ رئيسيٍّ وخاتمة، فعندما يتحدّث شخصٌ ما عن الحدث الرئيسيّ لفترة قصيرة مثل سرقة ممتلكاتٍ أو تزوير بياناتٍ، ويقضي فترةً أطولَ في التحدّث عن الأشياء التمهيدية التي أدت إلى الحدث، فقد يكون ذلك من علامات الكذب.
فضلاً عن ذلك، تكون الخاتمة شيئاً قد تعلمه الشخص من تجربةٍ معيّنةٍ وغالباً ما تكون مُفصّلةً بالنسبة لشخصٍ يقول الحقيقة. ومع ذلك، عندما يكذب شخصٌ بشأن حدثٍ ما، فإنه لا يرغب بالتحدّث عما تعلمه أو أيِّ شيءٍ آخرَ لوقتٍ طويلٍ حتى لا يورّط نفسه أكثر، وعليه فإن قصص الكاذبين لا تتضمّن خاتمةً.
ومن علامات الكذب الأخرى هو أن الكاذبين يروون قصّتهم بترتيب زمنيّ، في حين يتحدث الأشخاص الصادقون عن الجزء الأكثر حدّةً أولاً ويستخدمون تفاصيل حسيّةً واضحةً في وصفهم، ثم يقومون بملء القصة بالتفاصيل الداعمة لاحقاً. لهذا إذا كنتم تشعرون بأن الشخص كاذبٌ وتريدون أن تضعوه في موقفٍ محرج بعد أن أخبركم بالقصة، فيمكنكم طرح أسئلةٍ عن تفاصيلَ أكثرَ من خلال الانتقال إلى أجزاء مختلفةٍ من قصّته لمعرفة ما إذ كان متوتراً. على سبيل المثال، يمكنكم سؤاله عمّا حدث “قبل” شيءٍ ما، إذ يكسر هذا النوع من الأسئلة الترتيب الزمنيّ ويصعّب على الكاذب الحفاظ على ترتيب الأحداث.
ووفقاً لباميلا ماير (Pamela Meyer)، إذا كنت تشكّ في أن شخصاً ما يكذب عليك، فما عليك سوى استخدام العملية الأساسية (BASIC) التي تتكون من خمس خطواتٍ عند طرح الأسئلة لاكتشاف علامات الكذب، علماً بأن BASIC هو اختصارٌ يساعدكم على تذكر الخطوات الـ 5 الأساسية.
- B: ترمز إلى السلوك الأساسي (Baseline Behavior) أي ما يفعلونه عادةً.
- A: ترمز إلى طرح أسئلةٍ مفتوحةٍ (Asking open-ended question)، إذ غالباً ما يحاول الكاذبون تحديد ما تعرفونه بالفعل، لذا فإن استخدام الأسئلة المفتوحة يجبرهم على إعادة سرد تفاصيلَ لم تحدث.
عند طرح أسئلةٍ مفتوحةٍ، تجنّبوا استخدام كلمة “لماذا” التي تعني أنهم قاموا بذلك بالفعل، وبدلاً منها استخدموا كلمة “ما” التي تكون بعيدةً أكثر. على سبيل المثال، بدلاً من “لماذا سرقت المال؟”، اسألوا “ما الذي دفعك لسرقة المال؟”.
ويجب العلم بأن الكاذبين يبرّرون سلوكهم من خلال قصصٍ داخليةٍ، وهو ما يساعدهم على النوم ليلاً على الرغم من أكاذيبهم، ففي بعض الأحيان قد يقول الكاذب أنه لا بأس من التلاعب بالبيانات الضريبيّة إذ إن الجميع يقوم بذلك. تجدر الإشارة إلى أنه عند طرح أسئلةٍ مفتوحةٍ، عليكم التفكير في الحوار الداخليّ الذي يمكن أن يدور في عقل الكاذب، ومن ثم طرح الأسئلة التي قد تكشف تفاصيل حول قصته ولماذا يعتقد بأن الأمرَ لا بأسَ به.
- S: ترمز إلى التركيز على التجمّعات (Study the Cluster)، حيث لا تقوم علامةٌ واحدةٌ فقط بكشف الكذب، بل تجتمع مؤشراتٌ عديدةٌ لكلِّ سؤالٍ يتمّ طرحه، بالإضافة إلى بعض السلوكيات المختلفة عن السلوك الطبيعيّ.
- I: ترمز إلى استنتاج الثغرات (Intuit the Gaps)، لا يجب عليكم تجاهل إحساسكم تجاه القصة، إذ توجد أربعة أنواع من الثغرات الحدسيّة التي يمكن أن تكشف أن الشخص يكذب، وهي ثغرات العبارات والمنطق والسلوك والعاطفة.
- C: ترمز إلى التأكيد (Confirm)، وفي حال كنتم تشكون في أن شخصاً ما يكذب بشأن شيءٍ ما، قوموا بطرح نفس السؤال بطرقٍ مختلفةٍ لتروا ما إذا كان سيجيب على السؤال بشكلٍ مختلفٍ قليلاً.
كيف يمكنكم استخدام الأسئلة لاكتشاف ما إذا ما كان شخصٌ ما يكذب؟