شعار شركة تسلا معلقاً بإحدى منشآتها

تعرّض سهم شركة تسلا (Tesla) -الذي كان يتمتّع بقوّة لا يمكن إيقافها- لضربةٍ قويةٍ في عام 2024، حيث انخفضت قيمته بنسبةٍ تقارب 29% منذ بداية العام، وجاء هذا التراجع نتيجة تباطؤ نموّ شركة صناعة السيارات الكهربائية العملاقة، ومُواجهتها منافسةً متزايدةً من نظيراتها، إلى جانب تحوّل إستراتيجيتها بوضوح نحوَ إنتاج سيّاراتٍ ميسورة التكلفة، ليخرُجَ بعض محللي القطاع حالياً بآراء مفادها أنه لا يجب اعتبار شركة تسلا واحدةً من مجموعة “السبعة الرائعين” بعد الآن، وهي مجموعةٌ من أسهم قطاع التكنولوجيا التي ظلّت في طليعته لسنواتٍ عديدة.

وجاءت الضربة الأخيرة بعد إعلان تقرير أرباح الشركة للربع الماليّ الرابع لعام 2023 الصادر أواخرَ كانون الثاني/يناير الماضي، والذي أظهرَ تباطؤاً لمبيعات ومعدّل تنامي ربحيّة الشركة على حدٍّ سواء مقارنةً بالسنوات الرائعة الأخيرة، لتتراجَع قيمة سهمها بنسبةٍ تجاوزت 12% في اليوم التالي، ما أدى لإزالة حوالي 80 مليار دولار من قيمتها السوقية، في تراجع حادّ لشركة تسلا التي كان تُعتبر سابقاً أكبرَ شركةٍ لتصنيع السيارات في العالم من حيث القيمة.

وعلى الرغم من تسجيل شركة تسلا (Tesla-TSLA) تزايداً بنسبة 38% في تسليم السيارات عام 2023 مقارنةً بسابقه -حيث سلمت 1.8 مليون سيارة للعملاء- إلا أن هذا الرقم لم يصل إلى معدلات النموّ السنويّ السابقة التي بلغت 50%، والتي أثارت حماسة المستثمرين ودفعت قيمة السهم للارتفاع بشكلٍ كبير.

ولعلَّ أكثرَ ما يثير القلق هو تحذير فريق الإدارة من أن معدل النموّ خلال عام 2024 “قد يكون أقلّ من سابقه بشكلٍ ملحوظ”، حيث تُعطي الشركة الأولوية لتطوير نموذج سيارات “الجيل القادم” الجديدة ميسورة التكلفة، والتي من المتوقّع إطلاقها في النصف الثاني عام 2025.

تراجع الأرباح وارتفاع التكاليف يثيران مخاوف المستثمرين

مخطط بياني يوضح تراجع أرباح الربع الرابع لعام 2023

يُذكر أن أرقام أرباح الربع الرابع التي جاءت مخيّبةً للآمال هزّت السرد المتفائل بمستقبل شركة تسلا فيما يتعلق بربحيتها وقوّة سعر سهمها، حيث انخفضت ربحية السهم المعدلة بنسبة 40% مقارنةً بالعام الماضي، فيما جاءت الإيرادات البالغة 25.1 مليار دولار أقلَّ من التوقعات بمقدار 500 مليون دولار، على الرغم من التخفيضات الأخيرة الكبيرة للأسعار.

كما انخفض الهامش التشغيليّ إلى النصف تقريباً على أساسٍ سنويّ، ليصلَ إلى 8.2% فقط، ويعودُ ذلك جزئياً إلى ارتفاع تكاليف إطلاق شاحنتها الكهربائية المثيرة للجدل سايبرترك (Cybertruck) التي دخلت حيّز الإنتاج في وقتٍ متأخرٍ من العام الماضي.

يمكنكم أيضاً قراءة: موجةٌ من التخفيضات تضرب سهم شركة تسلا (Tesla) بشدّة، فهل يمكنها استعادة مجدها السابق؟

في الوقت ذاته، قام المدير التنفيذيّ للشركة إيلون ماسك (Elon Musk) -خلال تقرير نتائج الربع الرابع- بخفض توقعاته بشأن ارتداد الهوامش الربحيّة سريعاً، مشيراً إلى ارتفاع معدلات الفائدة كأحد العوامل التي تضغط على المشترين المحتملين؛ وتحدّث ماسك عن “ضرورة خفض معدلات الفائدة سريعاً، وإذا لم يحدث لك فإن الأمور لن تكون جيدة”. لكن، ولسوء حظ شركة تسلا وإيلون ماسك، فإنه من الصعب خفض أسعار الفائدة نظراً لإشارات الاحتياطي الفيدرالي الحذرة، في الوقت الذي يتوقع فيه المتعاملون بالأسواق أن يتم اتخاذ أولى قرارات خفض معدلات الفائدة بعد بضعة أشهر على الأقل، كما انتقد المحللون بشدة غياب الرؤية الإستراتيجية والتوجيه المالي ضمن التقرير.

وكتب دان إيفز -المدير العام لشركة Wedbush Securities- في تغريدة قاسيةٍ قائلاً: “كنا مخطئين للغاية عندما توقعنا أن يتصرّف ماسك وفريقه كالبالغين خلال تقرير الأرباح، وأن يقدموا نظرةً إستراتيجيةً وماليةً شاملةً حول آفاق تخفيضات الأسعار المستمرّة والهيكلية الربحيّة والطلب المتقلب”.

التهديد المتزايد من الصين يضغط على آفاق معدلات الطلب

أشار ماسك بنفسه إلى التهديد القائم الذي تواجهه شركة تسلا حالياً من قبل شركات تصنيع السيارات الصينية كشركة BYD، والتي تفوّقت على تسلا للمرة الأولى كأكبر بائع للسيارات الكهربائية (EVs) والهجينة عالمياً خلال الربع الرابع.

وقد حذّر ماسك خلال مؤتمر عرض تقرير الأرباح بقوله: “بصراحةٍ، أعتقد أنه إذا لم يتم وضع حواجز تجاريةٍ، فإنهم (مالكو شركات تصنيع السيارات الصينية) سيقضون على معظم شركات السيارات الأخرى الموجودة في العالم تقريباً”.

وتتنبأ تعليقاته الصريحة بمواجهةٍ محتملةٍ تلوح في الأفق، حيث أطلق المسؤولون الأوربيون بعد ذلك تحقيقاً بشأن سبل مكافحة الإغراق المتعلق بصادرات السيارات الكهربائية الصينية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الرسوم الجمركية في حال قامت المنطقة الأوروبية بكشف ممارسات تسعيرٍ غير عادلة.

ساحة المعركة التالية: القدرة على تحمّل التكلفة

بعد سنواتٍ من العمل الجادّ كي تُصبح قوّةً مسيطرةً في قطاع السيارات الكهربائية الناشئ، شهدت شركة تسلا ارتفاع قيمة سهمها إلى مستوياتٍ عاليةٍ من خلال تحقيق ربحيةٍ واعدة باعتبارها رائدة القطاع بدلاً من التركيز على النموّ بأيّ ثمن، وهي إستراتيجيةٌ تتبعها الكثير من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.

أمّا الآن، وبعد أن تغيّرت أوضاع السوق، يبدو أن الشركة قرّرت التوجّه نحو خفض تكلفة إنتاج وبيع منتجاتها، وهما خطوتان رئيسيتان تُميزان شركات تصنيع السيارات الصينية.

وفي هذا السياق، كتب سيث جولدستين (Seth Golstein) – كبير محللي الأسهم لدى شركة Morningstar- قائلاً: “استنتجنا من تقرير أرباح تسلا أن الشركة قامت بتغيير إستراتيجيتها للتركيز على تطوير سيّارتها الرياضية ميسورة التكلفة وتسريع إنتاجها، مع التركيز على خفض تكاليف تصنيع السيارات الحالية، وهو ما يعكس تغييراً في إستراتيجية عام 2023 التي كانت تهدف إلى خفض أسعار بيع السيارات لزيادة حجم تنامي مبيعاتها”.

وعليه، يتوقع جولدستين أن تشهد أعداد السيارات التي تسلمها تسلا تراجعاً بنسبة 10% خلال عام 2024 و6% في لاحقه 2025، حيث تُعطي الشركة الأولوية لتطوير خط إنتاج السيارات الجديدة ميسورة التكلفة، وتُواصل زيادة إنتاج شاحنات Cybertruck. وفي ذات الوقت، من المتوقّع ارتفاع معدل النمو مجدّداً ليصلَ إلى أكثر من 20% سنوياً اعتباراً من عام 2026 بدعم من إنتاج سيّارات ميسورة التكلفة.

وفيما يتعلق بالربحية، يتوقع جولدستين أن تظل هوامش الربح الإجمالية للسيارات منخفضةً بحوالي 19% خلال السنوات القليلة المقبلة، قبل أن تتعافى تزامناً مع تحقيق التوسع في خط إنتاج السيارات منخفضة التكلفة أواخر العقد الحاليّ.

إعادة ضبط قيمة سهم تسلا بعد سنواتٍ من الإثارة

سيارة تسلا وسط سيارات أخرى، خلفها ناطحات سحاب وأعلاها سهم يشير لاتجاه هابط

في حال تحققت توقعات آفاق الربحية هذه، فقد يشكّل ذلك صحوةً قاسيةً للمستثمرين الذين رفعوا قيمة تسلا إلى مستوياتٍ عاليةٍ جداً استناداً إلى قدرتها على فرض أسعار مرتفعةٍ وطموحاتها بتحقيق نموّ كبير.

يُشار هنا إلى أنه في ذروتها عام 2021، وعندما كانت قيمة السهم الواحد تبلغ حوالي 414$ (بعد تجزئته)، تم تداول أسهم تسلا بأكثرَ من 20 ضعف المبيعات المُتوقّعة لعام 2030، ما يعكس التفاؤل الكبير حينها تجاه قدرة الشركة على الاحتفاظ بمعدل تناميها السريع وهوامشَ ربحيةٍ مستقبليةٍ هائلة. أما الآن، فيبلغ سعر السهم الواحد 175$، ما يعكس انخفاضاً بنسبة 58% مقارنةً بأعلى مستوياته؛ ويبدو أن المنافسة تمكّنت من اللحاق بشركة تسلا بشكلٍ أسرع من المتوقع.

كذلك صرّح جولدستين لوكالة Blommberg بعد إعلان تقرير الأرباح بقوله: “تُشير تسلا إلى أننا لن نشهد أيام ازدهار نموّها السنوي بنسبة 50% أو حتى 30% إلى 40% خلال عام 2024”.

وخفّض جولدستين تقديره لقيمة سهم تسلا إلى 200$، وعلى الرغم من أن تقييمه للسهم لا يزال أعلى مقارنةً بمستويات تداوله الحالية، إلا أنه ما يزال بعيد جداً عن أعلى مستوياته المسجّلة قبل عامين، كما خفّض محللون آخرون مستهدفاتِهم السعريّة للسهم، وخفّض بنك باركليز (Barclays) توقعاته لسعره من 250$ إلى 225$.

نظرةٌ عامة: صعود وسقوط التقييمات العالية

تشبه إعادة ضبط قيمة سهم شركة تسلا التحرّكات المماثلة التي عانت منها أسهمٌ أخرى تم تضخيم قيمتها واضطرّت نماذج أعمالها الأساسية إلى مواجهة واقع اقتصاديّ قاسٍ بعد سنواتٍ من التوقعات العالية بشكلٍ مبالغ فيه.

على سبيل المثال، أصبحت شركة عقد الاجتماعات المصوّرة عبر الإنترنت زووم (Zoom-ZM)، اسماً معروفاً خلال فترة العمل عن بُعد أثناء جائحة كورونا، وأخذ الجميع تقريباً يستخدمون تطبيقها للتواصل مع الآخرين عبر الإنترنت، من الطلاب إلى الموظفين وحتى الأجداد. وعليه، ارتفع سعر سهم الشركة بنسبةٍ تجاوزت 300% خلال عام 2020 وحدَه إثرَ الزيادة الهائلة في إيراداتها.

مع ذلك، بحلول نهاية 2022 خسر سهم شركة زووم نسبةً تُقارب 89% من قيمته مقارنةً بأعلى مستوياته المسجلة خلال الجائحة عند 590$ للسهم الواحد، نتيجةً لانتهاء فترة العمل عن بعد وعودة ممارسة الأعمال من المكاتب وتصاعد الضغوط التنافسيّة.

في الوقت ذاته، شهد سهم شركة تحليلات البيانات السحابية Palantir صعود وأفولَ نجمِهِ بشكلٍ مماثل، حيث استفادت من موجة تسارع التحوّل الرقمي خلال جائحة كوفيد 19، لتشهد تضاعف قيمة سهمها بمقدار 4 أضعافٍ منذ إدراجه للتداول العام أواخرَ عام 2020 وحتى أوائل 2021.

وعلى الرغم من أن حالة الرَواج التي شهدتها نظم الذكاء الصنعي (AI) ساعدت سهم Palantir في استعادة قدرٍ من قيمته المفقودة، إلا أنه لا يزال متوضّعاً دون أعلى مستوياته المسجّلة على الإطلاق عند 45$ للسهم الواحد، والذي بلغه عام 2021. وفي هذه الحالة على وجه الخصوص، تغيّرت الأجواء التي رفعت من قيمة سهم الشركة يوماً ما بالكامل، إلا أن الوضعَ تحسّنَ قليلاً، ولكنه لم يشهد تعافياً تاماً من التحوّلات التي طرأت عليه في أعقاب فترة الجائحة.

هل يمكن إزالة تسلا من مجموعة السبعة الرائعين؟ البروفيسور سيجيل يعتقد بإمكانية حدوث ذلك

البروفيسور جيرمي سيجيل (Jeremy Siegel)

يعتقد البروفيسور الأسطوريّ جيرمي سيجيل (Jeremy Siegel) -أستاذ التمويل المتقاعد لدى كلية وارتون لإدارة الأعمال بجامعة بنسلفانيا- أن إعادة ضبط سعر سهم تسلا وغيره من الأسهم المفضّلة مؤخراً في السوق تُعتبر علامةً إيجابيةً على صحّة السوق بشكلٍ عام.

وقد كتبَ سيجيل مؤخراً في إشارة إلى مجموعة الأسهم التكنولوجية السبعة الرائدة التي وفّرت لمستثمريها أعلى العوائد بالقطاع منذ مدّة قائلاً: “هنالك المزيد من النقاشات الدائرة مؤخراً حول مجموعة “الستة الرائعين” بدلاً من “السبعة” في إشارة إلى تراجع أداء سهم تسلا خلال آخر 9 أشهر”.

وأضاف معلقاً: “يُعتبر ذلك دلالةً على صحّة السوق؛ إذ لا تتمّ معاملة مجموعة ‘السبعة الرائعين’ ضمن قالب واحد، بل أصبحنا نرى تفريقاً بين تسلا والشركات الأخرى وفقاً لتباين توقعات الأرباح”.

إطلالة على المستقبل: ما الآثار المترتبة على ماسك؟

إلى جانب التأثيرات المحتملة على المستثمرين، فقد يؤدي التراجع الذي تشهده شركة تسلا إلى عواقبَ وخيمةٍ على رئيسها التنفيذيّ غريب الأطوار (ماسك) أيضاً، والذي يسعى إلى زيادة نسبة حصّة امتلاكه الشخصية للشركة من 13% إلى 25%؛ ويعود ذلك على ما يبدو إلى رغبته بالتمتّع بمزيد من السيطرة عليها، وربما توجيهها نحو اهتماماته المتزايدة بتقنية الذكاء الصنعي (AI) والروبوتات.

إلا أن الكثيرين من محللي وول ستريت شكّكوا في وجهة النظر هذه، حيث يرى بعضهم أن مثل هذه الخطوة قد تُشتّت انتباه ماسك بشكلٍ أكبرَ بعيداً عن سبل إصلاح الوضع، مُشيرين إلى أن النشاط الأساسيّ لشركة تسلا هو تصنيع السيارات.

وفي هذا السياق، تساءل بيتر كوهان (Peter Cohan) -أحد كبار كتّاب مقالات مجلة فوربس (Forbes)- قائلاً: “هل سيترك ماسك شركة تسلا إذا لم يحصل على ما يريد؟ هل سيقوم ببيع الشركة لمنافسٍ مهتم أكثرَ بالتنافس في قطاع المركبات الكهربائية؟”.

يُشار إلى أنّ التدهور الأخير في أداء أعمال تسلا والانخفاض الكبير في قيمة سهمها خلال عام 2024 حدَّ من نفوذ ماسك في مثل هذه المفاوضات الداخلية، وزاد من التوتر بشأن قدرته على التركيز مجدّداً على تصحيح مسار الشركة وتوجيهها لأداء مهمتها الأساسية في أسرع وقتٍ ممكن.

وفي حال واجهت الجهود المبذولة لإنتاج السيّارات ميسورة التكلفة عقباتٍ فعليةً، فقد يضطرّ ماسك للاختيار بين اتباع مسارَه في مجال الذكاء الصنعي أو تكريس طاقته بالكامل وحصّته الشخصية للشركة الرائدة في مجال صناعة السيارات الكهربائية، والتي أسّسها منذ قرابة عقدين من الزمان. وعلى أيّ حال، يبدو أن عام 2024 سيكون مصيرياً للشركة التي كانت حتى وقتٍ قريب أكثرَ قصص النموّ بالقطاع إثارةً.