رغم الإشادة التي تعود إلى بضعةِ أيام فقط بالحيل التسويقية المذهلة لشركة ستانلي (Stanley) -صانعة الأكواب المعدنية الأنيقة الأكثرَ رَواجاً مؤخراً- واستخدامها منصّة التواصل الاجتماعي تيك توك (TikTok) لبيع آلاف الأكواب غالية الثمن، فقد باءت إستراتيجيتها التسويقية بالفشل عندما اكتشفَ مستخدمو تيك توك أن الأكواب تحتوي على مادة الرصاص السامة بجرعاتٍ عاليةٍ (خاصّةً بالنسبة للأطفال).
ونظراً لتصدّر القضايا الصحية والبيئية قائمة أولويات الكثيرين في عصرنا الحالي، أصابَ خبر وجود مادة الرصاص السامة في أدوات الشرب الشهيرة المستخدمين بصدمةٍ كبيرة، فقد كشفَ مقطعٌ مُصوّرٌ على التيك توك لتمارا روبين (Tamara Rubin) -المعروفة أيضاً باسم “Lead Safe Mama”- احتواءَ هذه الأكواب على مستوياتٍ عاليةٍ من مادة الرصاص، ما أثار قلقاً واسع النطاق بين المستخدمين، واضعاً العلامة التجارية المحبوبة بسبب منتجاتها الأنيقة والعملية رهن التدقيق.
ورداً على هذا الخبر، سلطت شركة هايدرو فلاسك ((Hydro Flask -المنافسة لشركة ستانلي والتي تعرّضت لانتقاداتٍ في السابق بسبب مشاكلَ مماثلةٍ- الضوء على تحوّلها إلى إنتاج منتجاتٍ خاليةٍ تماماً من مادة الرصاص، وهو أمرٌ سارٌّ لا يخلو من مفارقة، لا سيّما وأن الشركة تعرّضت لمشكلاتٍ مشابهةٍ في الماضي بسبب احتواء مُنتجاتها على هذا العنصر.
وقد أثارت هذه النقاشات جدلاً واسعاً حول عوامل السلامة والشفافية في قطاع أدوات الشرب، ما يُظهر الكيفية التي يُمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تدفع بها الشركاتِ للاستجابة إلى مطالب صناعة منتجاتٍ أكثرَ أماناً والتحلي بالمسؤولية، وهيَ أيضاً دعوةٌ واضحةٌ للعلامات التجارية كي تكون أكثر انفتاحاً على تحسين معاييرها من أجل رفاهية المستهلكين، كما كشفت الحادثة عن مدى قدرة الانتشار السريع عبر وسائل التواصل الاجتماعي على أن ينعكسَ سلباً على المسوّقين في حال سلط مستخدموها الضوء على المخاوف الصحية كاحتواء المنتجات على مادة الرصاص.
انتشار حالة قلقٍ واسعة النطاق
ابتدأ الجدل حول شركة ستانلي بمقطع مصوّرٍ انتشر عبر منصّة تيك توك ليجذبَ سريعاً انتباه الجميع، حيث كشفت فيه روبين عن احتواء أكواب ستانلي الشهيرة على مادة الرصاص السامّة موضّحةً أنها أجرت اختباراتٍ على منتجاتها وخلصت إلى أن الأكواب تحتوي على طبقةٍ مانعةٍ للتسرّب في الداخل تحتوي على مادة الرصاص.
وأتى هذا الخبر صادماً لمتابعيه خاصّةً مع انتشار منتجات ستانلي بقوة خلال الآونة الأخيرة بفضل تواجدها القوي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ سرعان ما انتشر الفيديو كالنار في الهشيم، ليصبحَ مثاراً لمناقشات المستهلكين عبر منصات تويتر وإنستجرام وفيسبوك، الأمر الذي استدعى حالةً من القلق بين الكثيرين بشأن عوامل السلامة الخاصّة بأدوات الشرب المفضّلة لديهم، ليعبّروا عن دهشتهم وقلقهم إزاء مدى تأثيرها على صحتهم.
هل تحتوي أكواب ستانلي على مادة الرصاص؟
نعم، إنها تحتوي على مادة الرصاص في حقيقة الأمر، ولكن الأمرَ ليس بالبساطة التي يبدو بها؛ فمن حيث المبدأ تتواجد مادة الصاص في الطبقة الداخلية لهذه الأكواب، أي أن الاستخدام العاديّ لن يعرّض أحداً للتسمّم بمادة الرصاص. ومع ذلك، تستخدم شركة ستانلي “معايير القطاع الخاصّة بمعالجة الحبيبات” خصوصاً في قاع منتجاتها من أجل إحكام عزل الفراغات ممّا يساعد في الحفاظ على درجة حرارة المشروبات، وهذه الحبيبات تحتوي على مادة الرصاص.
على أية حال، فقد بيّنت الشركة أنه بعد غلقِ هذا الجزء بإحكام، يتم تغطيته بطبقةٍ من الفولاذ القويّ المقاوم للصدأ، بمعنى أن الجزء الذي يحتوي على مادة الرصاص لا يُلامس المشروب أو المُستخدم، ما يجعل المنتج آمناً للاستخدام. وفي بيانٍ صدرَ عنها، أكدت الشركة لعملائها التزام منتجاتها بكافة معايير السلامة الأمريكية بما فيها معايير Prop65، وتخضع لاختباراتٍ معاملٍ مُعتَمَدة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA).
ولكنّ اختبارات روبين أظهرت أن حبيبات مادة الرصاص -المستخدمة لإحكام منع التسرّب عبر الفراغات- لا تحتوي جزئياً فقط على “بعض مادة الرصاص” -كما ذكرت الشركة، وإنما مصنّعةٌ بالكامل تقريباً من سبائك الرصاص بتركيزٍ يتراوح بين400,000 إلى600,000 جزءٍ في المليون؛ وهو ما يُعَد مثيراً للقلق خاصّةً وأن قانون تحسين سلامة منتجات المستهلك لعام 2008 ينص على أن أيَّ منتج للأطفال يحتوي على أكثر من 100 جزءٍ في المليون من مادة الرصاص في الأجزاء التي يمكن الوصول إليها يُعتبر غير آمنٍ على الإطلاق.
وعلى الرغم من بيان شركة ستانلي بشأن سلامة منتجاتها، أثارت تقارير مجتمع “Lead Safe Mama” الشكوك ليس فقط حول مزاعم السلامة الخاصّة بستانلي، وإنما بشأن سلامة استخدام منتجاتها خاصّةً بالنسبة للأطفال.
محاولة شركة Hydro Flask الاستفادة من الوضع، والمفارقة التاريخية!
لا تُعتبر أزمة منتجات ستانلي حدثاً فردياً، بل إنه يذكرنا بالجدل السابق الذي ثارَ حول علاماتٍ تجاريةٍ أخرى في السابق؛ فعلى سبيل المثال: تورّطت شركة Hydro Flask -منافسة شركة ستانلي الرئيسية- سابقاً في فضيحةٍ متعلقةٍ بمادة الرصاص التي كشفت عنها روبين المدافعة عن قضايا السلامة.
ففي تحوّلٍ لا يخلو من المفارقة الغريبة، تحاول شركة Hydro Flask الاستفادة من المخاوف المنتشرة على أوسع نطاقٍ بشأن استخدام شركة ستانلي لعنصر الرصاص كي تتباهى بأمان منتجاتها عبرَ منصة إنستجرام.
وأشار الرد السريع لشركة Hydro Flask إلى التزامها بمعايير السلامة، ومقارنة منتجاتها بمنتجات نظيرتها شركة ستانلي محلّ النزاع، وهو ما قد يبدو إستراتيجيةً تسويقيةً ذكية. وفيما بدى موقفها غير خالٍ من النفاق إلى حدٍّ كبيرٍ نظراً للمشكلات التي أثيرت حول منتجاتها التي تحتوي على مادة الرصاص، حيث سبق أن اتهمتها روبين بالممارسات نفسها. وبفضل جهود المدونة الشهيرة، أجرت العلامة التجارية تغييراتٍ كبيرةً لإزالة هذه المادة من منتجاتها المصنّعة.
تداعيات أزمة ستانلي على القطاع ككلّ
أدت مشكلة استخدام مادة الرصاص في منتجات ستانلي لتداعي تأثيراتٍ هائلةٍ على القطاع المختص بهذه النوعية من المنتجات، وستقود لاحقاً إلى مراجعةٍ حاسمةٍ لكيفيّة صنع المنتجات والموثوقية التي يأملها العملاء من مثل هذه الشركات؛ كما أظهرت هذه المشكلة مدى أهمية السلامة والوعي بالمخاطر الصحيّة المرتبطة بتجاهل معايير الأمان الصارمة للمواد المستخدمة في التصنيع. وعليه، فمن المتوقع أن تتم مراقبة الشركات العاملة في هذا القطاع بتدقيقٍ أعلى من قبل العملاء والجهات التنظيميّة، ما سيدفعها لتبني عمليات تصنيع أكثرَ شفافيةً ومسؤولية.
وفي أعقاب هذه الأحداث، من المرجّح أن يحدث ذلك تغييراً شاملاً في كيفية تصنيع الشركات لمثل هذه المنتجات، كي تشكّلَ صيحةَ إفاقةٍ للمسوّقين ممّن يحاولون إطلاق حملاتٍ تسويقيةٍ واسعة النطاق، فلولا الشهرة الواسعة التي حظيت بها أكواب ستانلي على التيك توك، لما كان لهذا الجدل حول مخاوف السلامة أن يظهرَ على الملأ.
علاوةً على ذلك، قد يؤدي هذا التوجه إلى زيادة استخدام مواد أكثرَ أماناً وتقنياتٍ أكثر تطوّراً يمكنها القضاء -تماماً- على الحاجة لاستخدام مواد ضارّة كهذه، كما يمكن أن يصبح التركيز على معايير السلامة والشفافية عاملاً رئيسياً في القطاع، ما يمكنه أن يؤثر كثيراً على الولاء للعلامة التجارية وتفضيلات المستهلكين.
وعلى الرغم من أن إعادة بناء ثقة العملاء قد يستغرق بعض الوقت، إلا أن العلامات التجارية التي تعمل بنشاطٍ لمعالجة قضايا السلامة وتُظهر التزامها بمعايير الشفافية وتتخذ خطواتٍ ملموسةً لتحسين منتجاتها ستشهد تنامياً في ثقة المستهلكين بمنتجاتها. وفي حالة شركة ستانلي، فقد يلجأ المستهلكون إلى منافِستها Hydro Flask -مثلاً- بعد تأكدهم من خلوّ منتجات الأخيرة من مادة الرصاص.
ختاماً
تسبّب الجدل مؤخراً بشأن احتواء منتجات ستانلي على مادة الرصاص بإثارة ضجةٍ عارمةٍ في أوساط قطاع المنتجات المعزولة، ما قد يدفع الشركات للتفكير في وضع منتجاتها والبحث عن سبل تغييرٍ ملائمة، وأخذ مطالبة العملاء بالوضوح وتطبيق أعلى معايير السلامة بعين الاعتبار، وتحمّل الشركات لمسؤوليتها تجاه المستخدمين (وتجاه مستقبلها وربحيتها بالأساس).
وفي ضوء تنامي مخاوف المستهلكين، أصبح القطاع المنتج لهذا النوع من المنتجات في موقفٍ حرج، فقد أصبح بحاجةٍ لاستعادة ثقة العملاء ووضع معاييرَ جديدة لضمان سلامة المنتجات وتحمّل مسؤلياته البيئية. كما قد يؤثر تطوّر هذه المشكلات على مستقبل قطاع المنتجات المعزولة، ما يدفعه نحو المزيد من الإبداع وتحمّل المسؤولية والتركيز الأكبر على صحة المستهلك. وإجمالاً، فإن أزمة منتجات ستانلي تُعَد جرس إنذارٍ وصرخةً للقائمين على هذا القطاع يمكنها دفعهم باتجاه تطوير منتجاتهم واعتماد ممارساتٍ تتبَع أعلى معايير الأمان والشفافية.