يبدو أن شركة آبل (Apple) لن تنتظرَ تنفيذ مشروع القانون الأمريكي الذي سيحظر أو يفرض بيع منصة تيك توك (TikTok)، والذي تمّ إقرارُه مؤخراً بعد أن كان مثارَ خلافٍ لمدّة أربع سنواتٍ تقريباً. فقد تُبادر آبل إلى حظر هذه المنصّة المملوكة لشركة بايت دانس (ByteDance) أولاً، بعد أن أظهرت بعض لقطات الشاشة أن تيك توك ربّما تتحايلُ على سياسات متجر تطبيقات آبل (Apple App Store) من خلال توفير خيار شراء “عملاتٍ” على الويب بدلاً من عمليات الشراء داخل التطبيق، في محاولةٍ منها للالتفاف على العمولة الضخمة التي تفرضها آبل.

وتُظهر لقطات الشاشة التي انتشرت على نطاق واسع أن TikTok تقدم لبعض المستخدمين خصماً لشراء عملاتٍ -يمكن استخدامها لمكافأة مُنشئي المحتوى على المنصّة- إذا تم شراؤها عبرَ موقع TikTok.com.

تيك توك تُحاول تجاوزَ رسوم متجر تطبيقات آبل

جاء في النصّ الذي شاهده بعض مستخدمي TikTok على التطبيق: “حاول إعادة الشحن على tiktok.com لتجنّب رسوم الخدمة داخل التطبيق”، وأضافت الملاحظة: “يُمكنكم توفير رسوم الخدمة والوصول إلى طرق الدفع الشائعة”.

وأثناء محاولة شراء العملات عبر TikTok.com، يتم توجيه المستخدم إلى واجهةٍ تقول: “وفّر حوالي 25% مع رسوم أقلَّ لخدماتِ جهةٍ خارجيّة” باستخدام هذا الخيار.

ومن المعلوم أن آبل تفرض رسوماً تتراوح عادةً بين 25-30% على عمليات الشراء داخل التطبيق. وحدث فيما مضى أيضاً أن حاولت شركاتٌ أخرى التحايلَ على هذه الرسوم عن طريق توجيه المستخدمين خِلسةً لإجراء عملية شراء على الإنترنت بدلاً من عمليات الشراء داخل التطبيق، مثل تطبيق سبوتيفاي (Spotify) وخلافه مع آبل منذ فترة حول هذه القضية.

وتبقى القضية الأكثر شهرةً -أو ربّما السيئة السمعة إلى حدٍّ ما- هيَ قضية شركة Epic Games المنتِجة للعبة فورتنايت (Fortnite) الشهيرة، عندما حاولت تقديم خصوماتٍ للمستخدمين مقابل إجراء عمليات شراء خارج النظام التقنيّ لشركة آبل، ولم تَرُقْ هذه الخطوة لآبل ولا لشركة ألفابيت (Alphabet) -الشركة الأم لجوجل- إذ قام كلاهُما بإزالة لعبة Fortnite من متجر تطبيقاته.

والآن تبدو تيك توك كمن يلعب بالنار في مراهنتها على أن آبل -وفقاً لبعض المحللين مثل مارك جورمان المتخصّص بـ Apple في بلومبيرج (Bloomberg)- لن تزيل مثل هذا التطبيق الهائل الانتشار بسبب هذه المخالفة.

مؤسس Epic Games يتساءل عمّا إذا كانت آبل ستحظر تيك توك أيضاً

في الوقتِ نفسه، انتقد تيم سويني (Tim Sweeney) -المؤسس والمدير التنفيذيّ لشركة Epic Games- شركةَ آبل مع ورود تقارير عن تجاوز تيك توك لسياسات متجر تطبيقات آبل. وكتب متهكماً على منصة X: “يجب إذاً إضافة تطبيقات أمازون (Amazon) وروبلوكس (Roblox) وكبرى الشركات في جنوب شرق آسيا إلى قائمة التطبيقات التي سيتعيّن على آبل حظرُها إذا طبقت سياساتها المُعلَنة بالتساوي، كما تدّعي”.

في الواقع، توصلت الشركات الكبرى إلى طرقٍ مستحدثةٍ لتجاوز الرسوم التي تفرضها كلٌّ من آبل وجوجل على عمليات الشراء داخل التطبيق. ومثالُ ذلك عندما بدأت منصة تويتر -X حالياً- بفرض رسوم على الحسابات الموثقة، حيث تبلغ الرسوم 11$ شهرياً على التطبيق و8$ على موقعها على الإنترنت، كما أنّها قدّمت عرضاً باشتراكٍ سنويّ برسومٍ مخفّضةٍ قدرها 84$، ولكنّه كان متاحاً فقط على موقعها الإلكترونيّ.

ولاحقاً، اتّبعت منصات شركة ميتا (Meta) أيضاً أسلوباً مشابهاً وعرضت الاشتراكات برسومٍ أقلَّ عن طريق موقعها الإلكتروني.

متجر التطبيقات يدرّ عوائدَ هائلة على آبل

تُقدّم تيك توك (Tiktok) حالياً خيار شراء العملات على الويب لعددٍ محدود فقط من المستخدمين، وفي حين لم يتم تأكيد أيّ من التفاصيل بعد، فمن المتوقع أن يكون هذا الخيار متاحاً للمستخدمين الذين أنفقوا الكثير من المال على التطبيق.

ولم تَصدر -حتى الآن- أية ردود أفعالٍ عن تيك توك ولا عن آبل تجاه التجاوز الواضح لرسوم متجر تطبيقات الأخيرة. ومع ذلك، فمن المتوقع أن نشهد تعليقاً قريباً، لأنّ رسوماً بمليارات الدولارات باتت على المحك.

ورغم أن شركة آبل لا تقدم تفصيلاً لعوائدها من متجر التطبيقات، فإن قسم “الخدمات” الخاص بها -والذي يشمل رسوم متجر التطبيقات- ينمو بوتيرةٍ سريعة. وبينما انخفضت إيرادات شركة Apple السنوية في العام المالي 2023، إلا أن إيرادات قسم الخدمات ارتفعت بأكثرَ من 9% على أساسٍ سنويّ لتصل إلى 85.2 مليار دولار، حيث كانت تكلفة هذا القسم فقط 24.8 مليار دولار وحقق عوائد تبلغ 85.2 مليار دولار.

وفيما أن علينا الانتظارَ لنرى ما إذا كانت شركة آبل ستذهب إلى حدّ حظر تيك توك (TikTok) -الذي يُعَدُّ من بين التطبيقات الثلاثة الأكثر تحميلاً في الولايات المتحدة- فإن تطبيق الفيديوهات القصيرة الشهير هذا يواجه -أصلاً- خطر الحظر من البلاد بأكملها.

الرئيس جو بايدن يوقع مشروع القانون الذي قد يؤدي إلى حظر تيك توك

وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن على مشروع القانون الذي قد يؤدي إلى حظر تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة. وبينما كان مشروع القانون في مرحلة المُداولات، تمكّن الجمهوريون في مجلس النواب من إدراج حظر تيك توك كجزءٍ من قرار المساعدات الخارجية الضخمة التي وافق عليها الحزبان، واقترَحها بايدن على أوكرانيا وإسرائيل وتايوان.

وتَعتبر الولايات المتحدة -إلى جانب العديد من الدول الغربية- تيك توك تهديداً أمنياً لها. ومن المؤكد أن المخاوف حيال هذه المنصة لها ما يبرّرها، إذ إنه وفقاً للقوانين الصينية، فقد تضطرّ شركة بايت دانس (ByteDance) المالكة للتطبيق لمساعدة الاستخبارات الوطنية الصينية، بما ينطوي غالباً على إرسال بيانات المستخدمين الأمريكيين إلى الحكومة الصينية. وفيما أنكرت ByteDance هذه الاتهامات جملةً وتفصيلاً، إلا أنها لم تُقنع الكثير من الحكومات.

وكانت الهند قد حظرت تطبيق تيك توك عام 2020 إثر اشتباكٍ حدوديّ مع الصين، بينما مَنعت دولٌ مثل المملكة المتحدة وكندا وأستراليا الموظفين الحكوميين من استخدام هذا التطبيق.

واكتسبت المخاوف بشأن مشاركة تيك توك (TikTok) للبيانات مع الصين زخماً إضافياً بعد ادّعاء عدد من موظفي TikTok السابقين أن خدمات هذه المنصة كانت مرتبطةً بشكلٍ وثيقٍ مع شركتها الصينية الأم ByteDance خلال فترة عملهم فيها، ما ألقى بظلالٍ من الشك على تأكيدات الشركة باستقلاليتها.

التوترات بين الولايات المتحدة والصين قد تتصاعد مستقبلاً

سواءٌ حظرت الولايات المتحدة منصة تيك توك أو أجبرتها على بيع حصّةٍ منها، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى صبّ الزيت على نار الحرب التكنولوجية المتواصلة بين الولايات المتحدة والصين، مع بوادرَ تشير إلى رفض الصين للبيع القسريّ.

وتشهد العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم علاقاتٍ متوترةً أصلاً بسبب قضايا متعدّدة، من ضمنها الحظر الأمريكي على تصدير الرقائق المتطوّرة إلى الصين بسبب مخاوفَ من استخدام الصين لهذه التقنيات لأغراضٍ عسكرية.

وليست الولايات المتحدة وحدها التي تشعر بالقلق بشأن كيفية استخدام شركةٍ ذات جذور صينية لبيانات مواطنيها. وكانت الصين أكثر تحفظاً مع دخول شركة تسلا مؤخراً في شراكة مع شركة بايدو (Baidu) الصينية لرسم خرائط البيانات، في مسعى منها -على ما يبدو- للحصول على الموافقة لتقديم خدمات القيادة الذاتية الكاملة (FSD) في البلاد.

وبالعودة إلى سياسات متجر تطبيقات آبل، فهذه ليست المرّة الأولى التي يُثار فيها الجدلُ حول العمولات الضخمة التي يتقاضاها المتجر. وفي حين تؤكد شركتا آبل (Apple) وألفابيت (Alphabet) أنهما لا تسعيان للاحتكار، إلا أن المستخدمين يقفون عاجزين أمام هذه الرسوم الباهظة، كما أن مطوّري التطبيقات الصغار بشكلٍ خاص يقعون تحت رحمة شركات التكنولوجيا الكبرى، وقد يؤدي إخراجُهم من متاجرها إلى فشل الكثيرين منهم.

وبخلاف الحالات السابقة، يبدو أن شركة آبل تواجه هذه المرة عملاقاً يُسمّى تيك توك في محاولته الالتفاف على رسوم متجر التطبيقات الخاص بها. ولا يسعنا سوى الانتظار لنرى إلى أيّ مدى ستذهب هذه الشركة من كوبرتينو في ردّها على تيك توك، هذا إذا اتخذت بحقّه أية إجراءاتٍ أصلاً.