لافتة سوداء عليها اسم شركة إنفيديا بالأبيض ورمزها بالأخضر وفوقها هيكل معدني أبيض مؤلف من شبكة هندسية

ينتظر المستثمرون بفارغ الصبر يوم 22 أيار/مايو الجاري، عندما ستعلن إنفيديا (Nvidia) -أكبرُ شركةٍ منتجةٍ لأجهزة الذكاء الاصطناعي في العالم- عن أرباحها المالية للربع الأول من السنة المالية 2025 بعد إغلاق الأسواق، في وقتٍ يتطلع فيه الجميع إلى هذا التقرير، بالنظر إلى اعتماد سوق الأسهم بدرجةٍ كبيرة على نجاح الذكاء الاصطناعي في الوقت الحاليّ. وفي حين أنّ الحدث ما يزال على بُعد بضعة أسابيع، إلا أن موجة التفاؤل تتعاظم قُبيل إصدار هذا التقرير. وفيما تتجه شركات التكنولوجيا الكبرى إلى زيادة إنفاقها على الذكاء الاصطناعي (AI)، فإن شركة Nvidia قد تكون المستفيد الأول من هذا الاتجاه.

ويبدو جلياً أن شركة Nvidia تستفيد من الإنفاق العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكلٍ لا مثيل له مقارنةً مع أيّ شركةٍ أخرى، إذ يتوقع المحللون أن ترتفع إيرادات الشركة في العام المالي الحالي بنسبة 84% عن العام الماضي، لتصل إلى ما يزيد على 112 مليار دولار، وهو ما يمثّل -على سبيل المقارنة- أكثر من عشرة أضعاف ما سجلته الشركة في السنة المالية 2020.

ونادراً ما أعلنت شركاتٌ بحجم إنفيديا (Nvidia) عن مثل هذا النموّ الممتاز مع ارتفاع الإيرادات بمقدار 10 أضعافٍ في غضون خمس سنوات. ويبدو أن موجة الإثارة هذه لن تتوقف هنا، حيث يتوقع المحللون إيراداتٍ تبلغ 137 مليار دولار في السنة المالية المقبلة.

إنفيديا (Nvidia) ستعلن عن أرباح الربع الأول في 22 أيار/مايو

يتوقع المحللون ارتفاع إيرادات Nvidia بنسبة 239% على أساسٍ سنويّ لتصل إلى 24.9 مليار دولار في الربع الأول من السنة المالية 2025 التي انتهت في 28 نيسان/أبريل. وتتوافق هذه التوقعات مع التوقعات الصادرة عن Nvidia نفسها، والتي تتحدّث عن متوسط إيراداتٍ يبلغ 24 مليار دولار.

ومن المتوقع أن يرتفع صافي أرباح Nvidia بمقدار خمسة أضعافٍ ليصل إلى 13.7 مليار دولار في هذا الربع، حيث تجني الشركة ثمار الطلب الهائل وارتفاع أسعار رقائق الذكاء الاصطناعي التي تُنتجها.

شركات التكنولوجيا الكبرى توسّع استثماراتها في الذكاء الاصطناعي

باستثناء Nvidia، فقد أصدر جميع أعضاء مجموعة الشركات السبع الكبرى (Magnificent 7) الآخرين تقارير أرباحِهم الفصلية، وكانت زيادة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي الموضوعَ المشترك لهذه التقارير. وتحدثت شركة تسلا (Tesla) -التي يرى رئيسها التنفيذي إيلون ماسك (Elon Musk) أن شركة تصنيع السيارات الكهربائية هي مطوِّرٌ للذكاء اصطناعي أكثر من كونها منتجاً للسيارات- عن استثماراتها في الذكاء الاصطناعي خلال إعلان أرباح الربع الأول الذي أصدرته الشهر الماضي.

وفي إشارةٍ منه إلى وحدة معالجة الرسوميات H100 من Nvidia، والتي يمكن أن تكلف أكثر من 40 ألف دولار، قال ماسك: “ما يقارب من 35,000 وحدة H100 نشطة، ونتوقع أن يرتفع هذا الرقم على الأرجح إلى 85,000 وحدة تقريباً بحلول نهاية هذا العام”. وأضاف أن وحدة معالجة الرسوميات هيَ تسمية “خاطئة”، مشيراً إلى ضرورة ابتكار تسميةٍ جديدة لوصف هذه الرقائق عالية القوة، وذلك لأنها لم تعد تُستخدم في الغالب لإنشاء الرسوميات في ألعاب الفيديو، وإنما باتت تمثل الآن أدواتٍ أساسيةً تُستخدم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التي تدفع بالاقتصاد الأمريكي إلى الأمام. وينبغي الإشارة هنا إلى أن تسلا (Tesla) تستخدم أيضاً هذه الرقائق، ولكن من أجل تقنية القيادة الذاتية الخاصّة بها، والتي تُعَد أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للشركة، إذ يعود الفضل إليها في وصول القيمة السوقية للشركة إلى ما يزيد على 550 مليار دولار.

شركة ألفابيت (Alphabet) تعزز مكانتها في مجال الذكاء الاصطناعي

لم تتوانَ شركات التكنولوجيا الكبرى عن تخصيص ميزانياتٍ مفتوحة للاستثمارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، بعد أن كانت تحرص على خفض التكاليف وتأجيل بعض الاستثمارات على مدى أرباعٍ سنويةٍ عديدة فيما مضى.

فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة ألفابيت (Alphabet) -الشركة الأم لشركة Google- عن نفقاتٍ وصلت إلى 12 مليار دولار في الربع الأول من عام 2024، ما يمثّل ضعف الإنفاق في الربع المقابل من العام الماضي.

وتعليقاً على نفقات الربع الأول، قالت روث بورات (Ruth Porat) -المديرة المالية لشركة Alphabet- إن الإنفاق “كان متجهاً بصورةٍ كبيرةٍ إلى الاستثمار في البنية التحتية التقنية لدينا، وأتت النسبة الأكبر لصالح الخوادم تليها مراكز البيانات”.

وأضاف بورات: “يعكس النموّ الكبير في النفقات على أساسٍ سنوي -والمُلاحظ في الأرباع الأخيرة- ثقتَنا في الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي لجميع مشاريعنا”.

وتتوقع شركة ألفابيت أن تكون النفقات في الأرباع القادمة من هذا العام مشابهةً أو أعلى من نظيرتها في الربع الأول، ما قد يعني المزيد من حصاد الأرباح بالنسبة لشركة إنفيديا (Nvidia).

ونستطيع القول إن شركة جوجل بقيت تحاول اللحاق بـ تشات جي بي تي (ChatGPT) حتى آخر بضعة أشهر تقريباً، لكنّ برنامجَها الآلي للدردشة Bard كان كارثياً في ظهوره الأول خلال العام الماضي بعد أن قدم إجابةً خاطئةً عن سؤال “ما هي الاكتشافات الجديدة عبرَ تلسكوب جيمس ويب الفضائي التي يمكنني أن أخبر عنها طفلي البالغ تسع سنوات؟” وحتى نموذج Gemini الذي تم تغيير علامته التجارية كان بعيداً عن الكمال، فغالباً ما كانت ترد منه إجاباتٌ عنصريةٌ غريبةٌ أو غير دقيقةٍ تاريخياً، بل ورفض توليد صورٍ لأشخاصَ ذوي بشرة بيضاء.

مع ذلك، أصدرت الشركة العديد من الإعلانات الرئيسية في حدث Google Cloud Next 2024 في نيسان/أبريل الفائت، كما دفعت الشركةُ باتجاه تهدئة المخاوف من التباطؤ في جهود الذكاء الاصطناعي، وجاءت أرباح الأسهم أفضلَ من المتوقع في الربع الأول لتدفعها إلى مصافّ شركات الـ 2 تريليون دولار من حيث القيمة السوقية.

إنفيديا ستستفيد من ارتفاع الإنفاق على الذكاء الاصطناعي

قالت شركة مايكروسوفت (Microsoft) -التي استثمرت مليارات الدولارات في OpenAI، وهي الشركة الأم لـ ChatGPT- إن نفقاتها في الربع المالي الثالث من عام 2024 -الذي انتهى في 31 آذار/مارس- ارتفعت بنسبة 80% على أساسٍ سنوي، لتبلغ 14 مليار دولار، مع توقعات الشركة بارتفاع هذه النفقات إلى 50 مليار دولار في السنة المالية المقبلة بسبب زيادة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي.

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي مصدرَ فخرٍ بين شركات التكنولوجيا الرائدة، ولم تَعُد تخلُ إعلانات الأرباح من الإشارة إليه. فقد أظهرت البيانات التي جمعتها شركة FactSet أن 179 من أصل 500 شركةٍ مُدرجةٍ على مؤشر ستاندرد آند بورز (S&P 500) استخدمت مصطلح “الذكاء الاصطناعي” في إعلانات أرباحها بين 15 كانون الأول/ديسمبر 2023 و14 آذار/مارس 2024.

وهذا الرقم يزيد عن ثلاثة أضعافِ متوسط العشر سنوات، كما يمثّل ثاني أعلى رقم منذ عام 2014، إذ كان أعلى رقم -وهو 181- قد تم تسجيله في الربع الثاني من عام 2023 عندما غيّر الذكاء الاصطناعي التوليدي المتقدم عالمَ التكنولوجيا إلى الأبد.

وعلى الرغم من عدم الإعلان رسمياً عن أرباح الربع الأول لشركة Nvidia حتى الآن، إلا أن هذه الطفرة تبدو مستمرّةً بكلّ وضوح، كما يظهر من خلال سعر سهم Nvidia. ومع أن الشركة التي يقودها Jensen Huang قد تراجعت عن أعلى تصنيفٍ لها في عام 2024، إلا أنها ما تزال مرتفعةً بنسبة 80% تقريباً لهذا العام، ما يجعلها صاحبة ثاني أفضل سهمٍ أداءً على مؤشر أسهم S&P 500 مباشرةً بعد سهم شركة Super Micro Computers.

مخطط بياني لتطور سعر سهم شركة إنفيديا

هل يواصل سهم Nvidia ارتفاعه بعد أرباح الربع الأول؟

تبدو شركة إنفيديا (Nvidia) مرشحةً لتقلّباتٍ كبيرةٍ -سواء ارتفاعاً أو انخفاضاً- بعد أرباحها الحالية. ونذكر هنا أن قيمة الشركة ارتفعت بنسبة 16% بعد إعلان الأرباح السابق في شباط/فبراير الماضي، لتضيف 273 مليار دولار إلى قيمتها السوقية، واعتُبرَ ذلك رقماً قياسياً لأيّ شركةٍ، حيث تجاوزَ الرقمَ القياسي السابق الذي سجلته منصات شركة ميتا (Meta Platforms) قبل بضعة أيام من ذلك التاريخ. وبإعلان أرباحها للربع الرابع من السنة المالية 2023، انضمت إنفيديا إلى نادي شركات الـ 2 تريليون دولار من حيث القيمة السوقية، مع العلم أن قيمتها السوقية كانت قد وصلت إلى 1 تريليون دولار في أيار/مايو 2023، عقِبَ إصدار تقرير أرباحها للربع الأول من السنة المالية 2024.

مع ذلك، فقد شهد سهم Nvidia انخفاضاً في بعض المناسبات على الرغم من ارتفاع الأرباح، وذلك بسبب ذهاب توقعات السوق إلى ما هو أبعد بكثيرٍ من مجرد “زيادة الأرباح” من الشركة بعد الحركة السعرية الممتازة للسهم.

ومع أن شركة إنفيديا حاضرةٌ في العديد من المجالات الأخرى -بما في ذلك الألعاب- إلا أن حظوظها في الوقت الحالي تتجلى بوضوح في الإنفاق على قطاع الذكاء الاصطناعي. فوفقاً للتعليقات الصادرة عن شركات التكنولوجيا الرائدة، فإن الإنفاق السخيّ على تطوير مشاريع الذكاء الاصطناعي سيستمرّ حالياً بكلّ تأكيد.

وفي ضوء غياب منافسين حقيقيين لها، تبدو رحلة Nvidia مجرد نزهةٍ بما للكلمة من معنى، حيث لم تتمكن شركات الرقائق الأخرى من التوصل إلى شرائح ذكاءٍ اصطناعي (AI) منافسةٍ ومقنعة. وعلى سبيل المثال، تتوقع الشركة العريقة في تصنيع الرقائق إنتل (Intel) أن تبلغ مبيعاتها حوالي 500 مليون دولار فقط خلال عام 2024 من رقائقها الجديدة Gaudi 3 AI، ما يمثّل جزءاً متواضعاً من حجم مبيعات إنفيديا. ومن جانبها، تتوقع شركة AMD أن تحقق أداءً أفضل قليلاً، وأن تبلغ المبيعات من شريحتها MI300 AI حوالي 4 مليارات دولار هذا العام.

في المحصلة، لا تبدو أسهم شركة إنفيديا مرشحةً لأيّ توقفٍ في الوقت الحاليّ بفضل استمرار الطلب الهائل على منتجات الشركة من رقائق الذكاء الاصطناعي بعد أن أصبحت السلعة المفضلة لشركات التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم.