شاب ينظر إلى لوح أزرق عليه مخططات والكثير من أوراق الملاحظات الصفراء

يسعى قطاع الاستثمار بالمشاريع الناشئة (VC) دائماً للبحث عن أفكار جديدة، فمع تزايد الإثارة حول تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها، يبحث المستثمرون عن شركاتٍ ناشئةٍ من كافة الأشكال والأحجام في هذا المجال للمشاركة في هذه التكنولوجيا. وهكذا، أخذ شابان في مرحلة الدراسة الثانوية هذه الفكرة على محمل الجد، وأسّسا شركةً ناشئةً لأتمتة واجهات برمجة التطبيقات (APIs) الخاصّة بنظم الذكاء الاصطناعي (AI)، والمثير للدهشة أنهما تمكّنا من جمع مبلغ 500,000$ لتمويل تطوير مشروعهما. والآن، إليكم كلَّ ما نعرفه حول هذه الشركة الناشئة، وبعض الأفكار المُلهِمة حول كيفية بدء مشروعكم الخاص أيضاً.

وأطلق كريستوفر فيتزجيرالد (Christopher Fitzgerald) ونيكولاس فان لاندشوت (Nicholas Van Landschoot) -اللذان أنهيا مؤخراً دراستهما الثانوية- شركتَهما المسماة APIGen، والتي تعمل على تطوير منصةٍ تهدف لتسهيل بناء واجهات برمجة تطبيقاتٍ مخصّصة الإعدادات عبر أوامر اللغة الطبيعية. وتتطلع الشركة إلى بناء واجهات برمجة تطبيقاتٍ مخصّصةٍ ومتقدمةٍ يمكنها القيام بمهامَّ متعدّدة في ذات الوقت.

وكما قال لاندشوت: “نحن في الواقع نولّد أكواداً برمجيةً لواجهات برمجة التطبيقات يمكن تنفيذها وفق منطق المشاريع التجارية والوظائف الفعلية القابلة للتخصيص ضمن هذه الواجهات أيضاً”. وإلى جانب تطبيقات الويب وقواعد البيانات، ستستهدف الشركة أيضاً الأجهزة الخاصة بإنترنت الأشياء (IoT)؛ فإجمالاً تعمل الشركة على الجمع بين نظم الذكاء الاصطناعي وواجهات برمجة التطبيقات وأتمَتَتها بما يُمكّنها من أداء المهام المعقّدة.

من ناحيته، قال فيتزجيرالد لموقع Tech Crunch: “يمكن أن تتراوح [واجهات برمجة التطبيقات] من مجرّد أدوات اتصالٍ جديدة عبر أحد مُدخِلات البيانات، مروراً بمصفوفةٍ واحدة لأحد قواعد البيانات، وصولاً إلى خلفيات التنفيذ الكاملة، وهو ما نحاول توفيره لتطبيقات الويب الخاصة بنظم إنترنت الأشياء (IoT) بالكامل”.

إليكم كيف أطلق لاندشوت وفيتزجيرالد شركتهما الناشئة

يشترك لاندشوت وفيتزجيرالد بحبّ مجال البرمجة، وسبق لهما أن التقيا بإحدى المناظرات في مدرستهما، وعملا أولاً على تطوير برمجيّة محادثةٍ آليةٍ تسمح للناس بالدردشة باستخدام البيانات، غير أنهما تخليا عن الفكرة بعد أن اكتشفا أنها ليست مبتكرةً بما يكفي.

وأثناء عملهما على هذا المشروع، أدركا أن تطبيقهما يعتمد كثيراً على واجهات برمجة التطبيقات التي كان إنشاؤها مرهقاً للغاية، ثمَّ أنشآ نسخةً تجريبيةً لبلورة فكرتهما وبدآ بجمع الملاحظات حولها من زملائهم المبرمجين.

كما بدأ الشابان بالتواصل مع شركات دعم المشاريع الناشئة عبر منصّة LinkedIn وإرسال رسائلَ إلى أيّ شخصٍ يُعتقد أنه قد يكون مهتماً بالفكرة. ومن بين من تواصلا معه فيليب بروينيمان (Philip Broenniman)، مؤسس شركة فارانا كابيتال (Varana Capital)، والذي وافق على مقابلتهما.

شركة رأس مالٍ مغامر تُموّل شركة ناشئة في مجال واجهات برمجة التطبيقات يتصدّرها مراهقان!

من المؤكد أن بروينيمان -الذي وافقت شركته على تمويل الشركة الناشئة بالنهاية- كان حذراً بشأن النتائج، لأنه كان يتعامل مع زوج من المراهقين يفتقران للخبرة في مجال إدارة الأعمال؛ ففي حديثٍ جمعه بموقع TechCrunch، قال بروينيمان: “لقد ذهبنا إلى الاجتماع معتقدين أننا سنقدم بعض النصائح الأبوية وبعض الكلمات الحكيمة”، ولكن بعد الاجتماع، أًعجب هو وأنكور أهوجا (Ankur Ahuja) -المدير التنفيذيّ للعمليات لدى شركة فارانا (Varana) – كثيراً بالشابّين، وقال بروينيمان: “لقد غادرنا بعد ساعتين من عرض الأفكار الذي قدماه، والذي كان أفضل عرض سمعناه خلال السنوات الخمس الماضية، لقد أذهلتنا الأفكار المُقنِعة التي قدّمها هذان الشابان اللذان لم يتجاوز عمرهما 18 عاماً”.

يُذكر أن شركة فارانا أجرت تحرياتها الواجبة في قطاع واجهات برمجة التطبيقات الآلية وأعجبت بالإمكانات المتاحة. ولكنّ القطاع يزخر بالمنافسة، حيث تعمل شركتا RapidAPI وMuleSoft التابعتان لشركة Salesforce -فضلاً عن شركات حوسبةٍ سحابيةٍ أخرى كبرى- على هذه الفكرة.

وحول ذلك يقول بروينيمان: “هذا قطاع تتجاوز حصته السوقية 7 مليارات دولار، وهما يستهدفان اعتراك بيئةٍ تنافسيةٍ، ولكنهما يشكّلان مساحةً خاصّةً بهما، وفرصة العوائد الربحية من وجهة نظرنا هائلة”.

شركات الذكاء الاصطناعي تحظى بشعبيةٍ كبيرة بين المستثمرين

تحظى الشركات العاملة بمجال الذكاء الاصطناعي بشعبيةٍ كبيرة بين المستثمرين، سواءً منها الخاصّة بالأسواق العامة (الشركات التي أدرجت أسهمَها للتداول العلنيّ في البورصات) أو الخاصّة (غير المدرجة). فعلى سبيل المثال، برزت شركة إنفيديا (Nvidia) التي تجاوزت مؤخراً كلاً من شركتي آبل (Apple) ومايكروسوفت (Microsoft) لتصبح أكبرَ شركةٍ في العالم -ولو لفترةٍ وجيزة- كشاهدٍ على قابلية العامّة للاستثمار في شركات قطاع الذكاء الاصطناعي رغم الارتفاع المتواصل لقيمة أسهمها.

ويمكننا أن نرى ازدهاراً مماثلاً لشركات الأسواق الخاصّة، فشركة الذكاء الاصطناعي الجديدة xAI التي أنشأها إيلون ماسك (Elon Musk) باتت تُقدَّر قيمتُها حالياً بـ 24 مليار دولار بعد نجاحها باجتذاب استثماراتٍ بقيمة 6 مليارات دولار، كما جمعت شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة -تبعاً لموقع Crunchbase– مبالغ تمويليةً بقيمةٍ إجماليةٍ بلغت 50 مليار دولار العام الماضي. وفيما استأثرت شركات OpenAI وInflection AI وAnthropic بمليارات الدولارات منها، حصلت العديد من الشركات الناشئة الصغيرة أيضاً على مبالغ تمويليةٍ لا بأس بها.

مخطط بياني يبيّن عدد شركات الذكاء الاصطناعي حول العالم

يُشار إلى تزايد أعداد شركات الذكاء الاصطناعي حول العالم. فبنهاية عام 2023، تم تسجيل 15,000 شركة منها داخل الولايات المتحدة وحدها، تلتها المملكة المتحدة بمجموع 8,900 شركة ذكاء اصطناعي.

كيف يمكنكم إطلاق شركتكم الخاصّة من الصفر

أصبحت الشركات الناشئة جزءاً لا يتجزّأ من الاقتصاد، فهي قوةٌ يجب وضعها في الاعتبار، إذ باتت تساهم بتقديم منتجاتٍ وخدماتٍ مبتكرة وتوفر الكثير من فرص العمل، وفيما يلي بعض المتطلبات الأساسية الواجب مراعاتها لبناء شركةٍ ناشئةٍ ناجحةٍ من الصفر.

  • فهم احتياجات السوق واستهداف شرائح السوق المتنامية: كما رأينا مع حالة لاندشوت وفيتزجيرالد، فإن فَهمْ احتياجات السوق وبناء شركةٍ ضمن قطاع يتسم بالتنامي والشعبية يجعل المهمة أكثر سهولة، فمع وجود هذا العدد الهائل من الشركات المُدرجَة ضمن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 (S&P 500) والتي تتضمن تقاريرها أرباحاً تعود لأنظمة ذكاء اصطناعي، فإن بدء شركةٍ باعتراك قطاع مزدهر كهذا يُعدُّ -بلا شك- قراراً ذكياً.
  • التحقق من قابلية فكرة المشروع للتطبيق: مثلما فعل لاندشوت وفيتزجيرالد، يجب على المؤسسين التواصل مع مجموعةٍ من الزملاء للتحقق من جدوى فكرة مشروعهم والسعي لاستكشاف أوجه انتقادهم وملاحظاتهم.
  • بناء خطةٍ للمشروع: إلى جانب وجود فكرة خاصّة بالمشروع، ستحتاجون أيضاً إلى خطة تطوير متقنةٍ للمشروع يمكنكم عرضُها على المستثمرين؛ ولا تنسَوا أيضاً بذل الجهود اللازمة للحصول على الأرقام الصحيحة، فالمُستثمر المُقدِم على الاستثمار سيقوم بدراسة جدوى شاملةٍ قبل وضع أمواله في شركتكم.
  • السعي الحثيث للتواصل مع شركات الاستثمار في المشاريع الناشئة والمستثمرين المُحتملين: لم يتردد المؤسسون المشاركون لدى شركة APIGen بإرسال رسائل بريد إلكترونيّ دون دعوة مسبقةٍ إلى المستثمرين المحتملين، ورغم أن السعي للتواصل دون معرفةٍ مسبقةٍ قد يكون نهجاً قديماً، إلا أنه ما يزال يُبدي نجاحاً (على الرغم من أنه ليس مجالاً خاصاً بضعاف القلوب)، كما ينبغي أن تكونوا على أتمّ استعداد لعقد اجتماعاتٍ مع المستثمرين، من أجل أن يُنظر إليكم على أنكم من المحترفين ولستم من الهواة المبتدئين.
  • عدم إهدار الأموال: يُعَد الحصول على التمويل الأوّلي أولى خطوات تطوير شركتكم، وقد يكون من المُغري شراء/استئجار مساحةٍ مكتبيةٍ فاخرة لشركتكم، لكن من الأفضل إبقاء النفقات ضمن الحدّ الأدنى، فمن الوارد ألا تجني شركتكم الوليدة إيراداتٍ تُذكر في أيامها الأولى.

إدارة شركةٍ ناشئةٍ قد لا يكون بهذه السهولة

رغم كلّ ما قيل عن سهولة إطلاق مشروعٍ ما حالياً، فإن إدارته ما تزال تمثل مهمةً صعبةً كما كان الحال دائماً، وقد أظهرت ذلك فترة شحّ التمويل في عام 2022. ويجب أن تحافظ الشركات الناشئة على سيولةٍ قويةٍ، فقد لا تكون عوامل الاقتصاد الكليّ مواتيةً دائماً. وقبل كل ذلك، يجب أن يكون المؤسسون منفتحين وواقعيين تماماً عند البحث عن تمويلٍ أثناء فترات الركود، وعدم محاولة إجراء مقارنةٍ بتقييماتٍ سابقة.