يد شخص يرتدي ثوب التخرّج تحمل شهادة ملفوفة بشريطة حمراء

لا تزال الأحاديث تدور عمّا إذا كانت الشهادة الجامعية في الولايات المتحدة تستحقّ العناء، وقد اشتعل الجدل مجدّداً بعد بحثٍ جديد قامت به مؤسسة أبحاث تكافؤ الفرص (FREOPP)، والذي يوضّح أن العديد من الطلاب يحققون عائداً سلبياً على الاستثمار في رسومهم الدراسية. وأفاد التقرير أنه “بينما يتساءل الطلاب المحتملون غالباً عمّا إذا كانت الجامعة تستحق العناء، فإن هذا التقرير يخبرنا أن السؤال الأهمّ هو متى تستحق الجامعة العناء؟”.

وفيما يلي النقاط الرئيسية في التقرير ومنهجية البحث.

 

ما هي نتائج الدراسة الجديدة بخصوص عائد الاستثمار في الشهادة الجامعية؟

قام تقرير FREOPP بتقدير عوائد الاستثمار لـ 53,000 شهادة وبرنامج من مختلف الجامعات والمجالات. ويُعرّف التقرير عائد الاستثمار بأنه “الزيادة في الأرباح مدى الحياة التي يمكن للطالب توقعها عند التسجيل في برنامج شهادة معينة، مطروحاً منه تكاليف التعليم والرسوم والكتب واللوازم والمكاسب التي كان يمكن تحقيقها خلال فترة الدراسة”، مع الأخذ بعين الاعتبار مخاطرَ عدم إكمال بعض الطلاب تعليمهم والانسحاب في منتصف الطريق.

عوائد الاستثمار لمختلف الشهادات الجامعية

المصدر: مؤسسة أبحاث تكافؤ الفرص (FREOPP)

هل شهادتكم الجامعية تستحق العناء؟ الجواب يعتمد على مجال دراستكم

يُظهر البحث أن نسبة الشهادات الجامعية التي تولد عائد استثمارٍ إيجابيّ هيَ أعلى من تلك التي تولد عائد استثمار سلبيّ، حيث يُحقق 69% من الطلاب عوائد إيجابية. لكن بشكلٍ عام، فإن شهادات البكالوريوس والدكتوراه والدرجات المهنية هي أفضلُ أداءً من سواها، فأكثر من ثلاثة أرباعها تحقق عائداً إيجابياً على الاستثمار. في المقابل، تحقق 57% فقط من شهادات الماجستير وشهادات الزمالة (يمكن دراستها بعد المرحلة الثانوية لتزويد الطلاب بالمهارات والمعرفة اللازمة لبدء العمل في تخصّص معين) عائداً إيجابياً على الاستثمار.

تعتمد هذه العوائد أيضاً على مجال الدراسة، فمثلاً قد تقدم شهادات البكالوريوس في التمريض وعلوم الكمبيوتر والهندسة والاقتصاد عائدَ استثمار إيجابياً يتجاوز 500,000$، أي أكثرَ من ثلاثة أضعاف متوسط عوائد شهادات البكالوريوس الأخرى البالغ 160,000$.

من ناحيةٍ أخرى، فإن مجالات الفنون الجميلة وعلم النفس والتعليم واللغة الإنجليزية لا تحقق عوائد إيجابية عادةً، وحتى عندما تحققها فإن عوائدها تكون أقلَّ من المتوسط. يضافُ إلى ذلك علم الأحياء الذي يُعَد أيضاً مجالاً ذا عائد استثمار منخفض لكن ليس دائماً، إذ إن من يتابعون دراستهم في كلية الطب بعد تخصّصٍ في علم الأحياء يحققون عائد استثمار جذاباً فعلاً.

عائدات الاستثمار تعتمد أيضاً على الجامعة التي تم اختيارها

تؤثر الجامعة التي تم اختيارها لإكمال الدراسة أيضاً على عائد الاستثمار الذي يُحققه الطلاب في نهاية المطاف. فعلى سبيل المثال، حققت شهادة البكالوريوس في المحاسبة والخدمات ذات الصلة من جامعة ستراير (Strayer) في مقاطعة كولومبيا عائد استثمار سلبيّ قدرُهُ 123,298$، في حين حققت نفس الشهادة من جامعة جورج تاون (Georgetown) عائد استثمار إيجابيّ تجاوز 4 مليون دولار؛ ويأتي ذلك غالباً بفضل العلاقات التي توفرها الجامعة ناهيك عن اسمها العريق. وقد تكرَّرَ هذا النمط في مختلف المجالات والشهادات، إذ شهدنا تبايناً كبيراً في المكاسب وفقاً للجامعة.

وتتسم العلاقة بين الرسوم الدراسية الجامعية والمكاسب المُحققة بالتعقيد، ويُظهر البحث أن الجامعات التي تفرض أعلى صافي رسوم -أكثر من 16,000$ سنوياً- هي التي تحقق للطلاب أعلى متوسط عائدٍ على الاستثمار.

هل تستحق الدورات المهنية العناء؟

يقارن التقرير أيضاً بين الشهادات الجامعية -التي يكلف بعضها ثروةً- والدورات المهنية، وقد تبيّن أن متوسط عائد الاستثمار لشهادات المهن التقنية هو ضعفُ ما تقدمه شهادة البكالوريوس، وأفاد التقرير بأنّ:

“شهادات المهن التقنية -والتي تشمل صيانة المركبات وإصلاحها، والتشكيل الدقيق للمعادن، وتقنيات التدفئة والتهوية وتكييف الهواء، وتركيب أدوات نقل الكهرباء والطاقة- هيَ أكثرُ ربحية من درجة البكالوريوس”.

من ناحيةٍ أخرى، حققت فقط دورتان مهنيتان عوائد سلبيةً على الاستثمار، وهما شهادة الزمالة في التعليم والخدمات العامة، وشهادة التجميل.

مقارنة بين ارتفاع معدل الرسوم الجامعية ومعدلات التضخم خلال 10 سنوات

ارتفاع تكاليف التعليم الجامعي في الولايات المتحدة

لا يزال التضخم في الولايات المتحدة مرتفعاً بشكلٍ كبير بعد وصوله لأعلى مستوياته منذ عدة عقود عند 9.1% سنوياً في حزيران/يونيو 2022، كما تضخمت تكلفة بعض المنتجات والخدمات بنسبةٍ أكبرَ من ذلك، حيث إن تضخم الرسوم الجامعية يُعَد الأسوأ بمعدل نموّ سنويّ مركّب قدره 12% بين عامي 2010 و2022 وفقاً لمبادرة بيانات التعليم (EDI).

وقدمت هذه المبادرة عدة فرضياتٍ للارتفاع الحاد في تكلفة التعليم، بما في ذلك “مغالطة التذكرة الذهبية” التي تصفها بأنها “الاعتقاد بأنّ أيّ درجةٍ جامعيةٍ ستؤدي إلى تعظيم الأرباح المستقبلية، ما يدفع الطلاب الجامعيين إلى عدم إجراء أبحاثٍ كافيةٍ حول تكلفة الجامعة بما في ذلك الرسوم الدراسية”.

لكنَّ بحث FREOPP أكد أن الشهادات الجامعية ليست جميعها بمثابة “تذكرة ذهبية”، حتى أن بعضها يبدو دون جدوى وغيرَ مُجزٍ مالياً. كذلك فإن عدم تحقيق التعليم الجامعي مكاسبَ إيجابيةً للعديد من الطلاب يمكن أن يؤثر سلباً على الاقتصاد الأمريكي، إذ كان من الممكن أن يكسبَ هؤلاء الطلاب المزيد من المال، وبالتالي فإن إنفاقهم كان سيزداد ليُساهموا بشكلٍ أكبرَ في النشاط الاقتصادي.

 

القروض الطلابية تمثل أزمة كبيرة

فاقم ارتفاع الرسوم الجامعية وانخفاض المكاسب مشكلة ارتفاع الديون الطلابية التي تجاوزت 1.6 تريليون دولار في عام 2023 وفقاً لمكتب المعونة الطلابية الفيدرالية (Federal Student Aid) التابع لوزارة التعليم.

كما أن هناك تداعياتٍ ماليةً وسياسيةً لارتفاع ديون الطلاب، وقد حاول الرئيس جو بايدن إعفاء الطلاب من القروض الطلابية، الأمر الذي ربّما كان سيساعد 43 مليون أمريكي، إلا أن المحكمة العليا رفضت هذه الخطوة. ويزعم بايدن أنه لم يفقد الأمل ولا يزال يحاول إلغاء ديون الطلاب عبر طرقٍ أخرى، رغم عدم إحرازه أي تقدم ملحوظٍ حتى الآن، إذ إن إعفاء الطلاب من قروضهم قد يتسبّب بارتفاع خطير في الدَين العام الأمريكي الذي يفوق أساساً الناتج المحلي الإجمالي (GDP).

في نهاية المطاف، إذا كنتم ترغبون بالحصول على شهادة جامعية، فمن الضروريّ دراسة المكاسب التي يمكن تحقيقها، واختيار الشهادات التي يمكنها تقديم عائد جيد على الاستثمار. ونظراً لارتفاع تكلفة التعليم، فإن الحصول على شهادة جامعيةٍ هو أحد القرارات المالية التي قد تؤثر على حياتكم حتى بعد سنواتٍ من الحصول عليها، ويبدو هذا الأثر جلياً في مشكلة القروض الطلابية المتزايدة، حيث يكافح ملايين الأشخاص لسداد قروضهم حتى بعد سنواتٍ من التخرج.