قفزت شركة إنفيديا (Nvidia) يوم الأربعاء الماضي لتأخذ مكانها بين أكبر شركات العالم، وذلك بعد أن أصبحت ثالث شركةٍ تتجاوز قيمتها السوقية 3 تريليون دولار، منها تريليون دولار اكتسبتها الشركة خلال الـ 96 يوماً الأخيرة فقط.
وبهذا الإنجاز تنضمّ إنفيديا إلى مجموعة النخبة التي تضمّ شركتين أخريتين في صناعة التكنولوجيا، هما آبل (Apple) ومايكروسوفت Microsoft (MSFT).
فمع نهاية جلسة تداول الأسهم أول أمس، أنهى سهم إنفيديا يومه بارتفاع نسبته 5% ليصل إلى 1224.40$. منذ بداية عام 2024 وحتى الآن، حقق سهم هذه الشركة التي يرأسها جينسن هوانج (Jensen Huang) -والذي أصبح الآن أيضاً أحد أغنى أغنياء العالم- مكاسبَ بنسبة 147.2%، منها 2% في تحركات ما قبل افتتاح السوق صباح أمس.
إنفيديا أحد أبرز المستفيدين من الازدهار في قطاع الذكاء الاصطناعي
جاء صعود القيمة السوقية لشركة إنفيديا (Nvidia) مدفوعاً بشكلٍ أساسيّ بالطلب منقطع النظير على الشرائح التي يُمكنها تحمّل أعباء العمل التي تتطلبها تطبيقات وأنظمة الذكاء الاصطناعي مثل تشات جي بي تي (ChatGPT) المنتَج الرائد لشركة OpenAI، ونظيره كلود (Claude) من شركة Anthropic.
ومع اندفاع شركات التكنولوجيا العملاقة مثل أمازون (AMZN) وألفابيت Alphabet (GOOG) وميكروسوفت (Microsoft) لتجميع هذه الشرائح بهدف دعم البنية التحتية لمراكز البيانات الخاصّة بكلٍّ منها، ظلت إنفيديا ترفع أسعارها بشكلٍ متواصلٍ، ما عزّز موقعها التنافسي في هذا القطاع من السوق. ووفقاً لبعض التقارير، تسيطر Nvidia على 80% من سوق شرائح الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وهو ما يمنحها أفضليةً وقدرةً هائلتين على التحكم بالأسعار، وموقعَ قوةٍ طويل الأمد في السوق. وفي العام الماضي وحده، ارتفعت إيراداتها بنسبةٍ تزيد على 260% مع بداية طفرة الذكاء الاصطناعي التي دشّنها إطلاقُ ChatGPT في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2022.
وارتفعت القيمة السوقية لشركة Nvidia من 2 إلى 3 تريليون دولار خلال وقتٍ أقلَّ بكثير مقارنةً مع نظيرتيها الأخريتين؛ ففي حالة شركة آبل الصانعة لآيفون، استغرق الأمر من الشركة 718 يوماً، بينما احتاجت مايكروسوفت فترةً أقلَّ قليلاً لم تتجاوز 649 يوماً.
وقال هانز موزيسمان (Hans Mosesmann) المحلل في شركة Rosenblatt Securities: “نحن في المراحل الأولى لما يمكن أن نسميه دورة السوق الأكبر على الإطلاق”. وكان موزيسمان قد توقع وصول سعر سهم شركة إنفيديا إلى 1,400$ منذ شباط/فبراير الفائت، عندما كان يتم تداوله دون 800$. كما أكد أن العالم يمرّ بثورةٍ صناعيةٍ جديدة مدعومةٍ بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، معتبراً أن Nvidia هي قلب هذه الثورة لأنها تقدم “البنية التحتية” الضرورية لتوفير المكونات اللازمة لدعم القدرة الحاسوبية اللازمة لتشغيل هذه التطبيقات.
أما بالنسبة للرئيس التنفيذي للشركة، جينسن هوانج (Jensen Huang)، فقد ارتفعت ثروته مؤخراً إلى ما يزيد على 100 مليار دولار، وهو مستوى من الثروة يماثله فيه 15 شخصاً فقط في العالم. فقبل ثماني سنوات فقط، كان صافي ثروته يصل إلى 1.7 مليار دولار، ويتمثل أساساً بحصّته البالغة 3.7% في هذه الشركة الصانعة للشرائح.
قيمة فلكية ولكنها مبرّرة؟ قصة النموّ تدعم الأرقام
في الواقع، يمكننا فهم التقييم الفلكي الذي حققته الشركة عند الوقوف على أساسياتها. ففي أحدث نتائجها الفصلية الصادرة في أيار/مايو الفائت، أعلنت شركة إنفيديا (Nvidia) عن إيراداتٍ بلغت 26 مليار دولار، ما مثّل ارتفاعاً يتجاوز 260% مقارنةً بالعام الماضي، وثلاثةَ أضعاف تقديرات المحللين، كما ارتفعت الأرباح بمقدار سبعة أضعافٍ مقارنةً بالعام الماضي.
فهل يمكن تبرير وصول قيمة شركة Nvidia إلى عدة تريليونات من الدولارات؟ خلال السنة المالية 2024، حققت إنفيديا إيراداتٍ بلغت 60.9 مليار دولار، ما مثّل قفزةً بنسبة 126% مقارنةً بالدورة السابقة؛ كما شهدت إيرادات مراكز البيانات نقلةً نوعيةً أيضاً، حيث ارتفعت خلال الربع الأخير بنسبة 409% مقارنةً بالعام الماضي.
من ناحيةٍ أخرى، بلغ صافي دخل الشركة 29.8 مليار دولار، ما مثّل زيادةً مذهلةً بلغت 581% مقارنةً بالسنة المالية 2023. وجاءت هذه القفزة الكبيرة أساساً بفضل زيادة هوامش الربح الإجمالية للشركة، والتي ارتفعت من 59.2% إلى 73.8%.
في كلّ الأحوال، يبدو أن مصدر الدعم الأساسي للسوق ليس الأرقام الحالية لشركة إنفيديا، وإنما قدرتها على مواصلة النمو في كلٍّ من نتائجها الحالية والنهائية. وفي الوقت الحالي، تبلغ نسبة السعر إلى الأرباح إلى النمو التي تحققها الشركة -وهو مقياس تقييم تقليديٌّ- أقلَّ من 1، ما يشير إلى إمكانية اعتبار الشركة مقوّمةً بأقلَّ من قيمتها الحقيقية إذا بقي مسارُ نموّها مستمرّاً.
ويؤكد محللو السوق في Bank of America أن مراكز البيانات سوف تضطر إلى استثمار ما يصل إلى 500 مليار دولار لتحديث بنيتها التحتية من أجل مجاراة المهام المتزايدة للذكاء الاصطناعي، في حين أشاروا إلى أن 20% إلى 30% فقط من هذه الاستثمارات تم القيام بها حتى الآن، وقد يستغرق الأمر من 3 إلى 5 سنواتٍ لتنفيذ هذه التحديثات بالكامل.
بالمقارنة مع ذلك، حققت شركة آبل إيراداتٍ إجماليةً ودخلاً صافياً بلغ 383 مليار دولار و97 مليار دولار على التوالي خلال سنتها المالية الماضية، بينما حققت شركة مايكروسوفت 212 مليار دولار و72.4 مليار دولار على التوالي.
وبالتالي، يتعيّن على شركة إنفيديا زيادة صافي دخلها بأكثرَ من الضعف، وإيراداتها بأكثرَ من ثلاثة أضعافٍ لتقترب من أرقام مايكروسوفت.
وفي كل الأحوال، يبقى نموّ الشركة هو المحفّز الأكثر أهميةً لدفع -أو حتى الحفاظ على- قيمتها السوقية الحالية البالغة 3 تريليون دولار. وطالما أن الشركة قادرةٌ على تلبية التوقعات الكبيرة للسوق، فقد تتمكن من الحفاظ على قيمتها البالغة عدة تريليوناتٍ من الدولارات.
Nvidia تستعد لتجزئة أسهمها بنسبة 10 إلى 1
في 22 أيار/مايو، أعلنت شركة إنفيديا (Nvidia) عن نيتها تجزئة سهمها إلى 10 أسهم لاستيعاب الارتفاع الهائل الذي شهدته أسهمُها العادية في السنوات القليلة الماضية. ووفقاً لبيان الشركة، سيتم استكمال عملية التجزئة مع نهاية جلسة التداول في 7 حزيران/يونيو الجاري بينما ستدخل أحجام الأسهم المُعدَّلة بالتجزئة حيّز التنفيذ يوم الإثنين 10 حزيران/يونيو.
كذلك أعلنت الشركة عن زيادة توزيعات أرباحها النقدية ربع السنويّة بنسبة 150% لتصبح 0.10$ للسهم، ما سيرفع عائد أرباحها الحاليّ إلى 0.04%.
وتلجأ الشركات عادةً إلى تجزئة الأسهم من أجل تعديل سعر سهمها إلى مستوى يكون أكثر جاذبيةً لصغار المستثمرين. ورغم أن التكنولوجيا المالية قطعت أشواطاً بعيدةً مؤخراً لتقديم منتجاتٍ مثل الأسهم المجزَّئة التي تجعل الأسهم المرتفعة الثمن في متناول المستثمرين ذوي الميزانيات الصغيرة، فقد يتم أيضاً اللجوء إلى هذا الإجراء للسماح لصناديق الاستثمار ذات السياسات الصارمة بشراء أسهم الشركة.
تجدر الإشارة إلى أن عملية تجزئة الأسهم لا تؤثر على ربحية الشركة أو تقييمها أو صحتها المالية على الإطلاق، فهي إجراءٌ يهدف فقط إلى تعديل عدد الأسهم المتوفّرة، ويتم اتخاذه أساساً لتحسين السيولة، رغم أن ذلك قد لا يكون بالضرورة الهدف الأساسيّ أو المباشر.
شركات التكنولوجيا الكبرى تكتسب نفوذاً متزايداً على مسار السوق
تحولت إنفيديا (Nvidia) سريعاً إلى واحدةٍ من أكثر شركات الأسهم تأثيراً في السوق مع زيادة ثقلها على المؤشرات الكبرى مثل S&P 500 كمعيارٍ للأسهم المُرجَّحة وفق قيمتها السوقية.
وحتى تاريخ 31 أيار/مايو 2024 -والذي كان موعد آخر تعديل ربع سنويّ للمؤشر- شكّل قطاع تكنولوجيا المعلومات ما يقرب من 31% من كامل الشركات ضمن هذا المؤشر، كما شكلت أكبر 10 كياناتٍ -ومن بينها Nvidia- نسبة 34.1% من قيمة هذا المؤشر.
ويخشى بعض المحللين أن يؤدي الاعتماد المُفرط للمؤشر على قطاع التكنولوجيا إلى تشويه تقديرات الأداء العام للسوق، بالنظر إلى أن أداء هذا القطاع لا يمثل بالضرورة الاقتصاد بأكمله.
ولتوضيح الأمر أكثر، يُمكن أن تؤدي الحركة الإيجابية بنسبة 10% في أسهم Nvidia لوحدها -وبناءً على قيمتها الحالية- إلى زيادةٍ بنسبة 0.7% في قيمة مؤشر S&P 500 في الوقت الحاليّ، في حين أن الارتفاع بنسبة 10% في قيمة أسهم قطاع التكنولوجيا مجتمعةً من شأنه أن يؤدي إلى مكاسبَ تتجاوز 3% لهذا المؤشر.
وحول ذلك علّق أنجيلو كوركافاس (Angelo Kourkafas) من مؤسسة إدوارد جونز للاستشارات المالية قائلاً: “إذا تعثّر أداءُ هذه الشركات … ولم يقدم السوق الدعمَ اللازمَ لها، فقد تظهر لدينا نقطة ضعفٍ مُحتملة”.
وفي ذات السياق، أكد مايكل أورورك (Michael O’Rourke) من شركة JonesTrading أن إنفيديا نفسَها باتت تشكل دعماً كبيراً لمؤشر S&P 500 مؤخراً، مُحذّراً من أن ذلك قد يشكل حالةً خطرةً، إذ قد تنجم عن أيّ تصحيحٍ مُحتملٍ في سعر سهمها ارتداداتٌ هائلةٌ في سوق الأسهم عامةً.
وخلاصة القول، فمن المؤكد أن وول ستريت مدينةٌ لشركة إنفيديا الآن بعد أن برزت هذه الشركة باعتبارها الرابح الأكبر من بين الشركات ذات الأسهم المتداولة في السوق العامة خلال فترة ازدهار الذكاء الاصطناعي، فهل يستمر هذا الاتجاه؟ طالما بقيت قصة النموّ على هذه الوتيرة، فلربّما يمكننا الإيماء بنعم.