أعلنت شركة نتفليكس (NYSE: NFLX) عن أرباحها للربع الأول من عام 2024، وكشفت عن زيادة عدد مشتركيها بمقدار 9.33 مليون مشترك في هذا الربع، ما يعادل ضعف ما توقعته الأسواق تقريباً. وجاء هذا النموّ في أعقاب الإجراءات التقييدية التي طبّقتها المنصة على مشاركة كلمات المرور، إلى جانب إطلاقِها لاشتراكٍ مدعوم بالإعلانات، الأمر الذي ساهَمَ بعودة الشركة للنموّ بعد انخفاض عدد مشتركيها في النصف الأول من عام 2022.
مع ذلك، قالت نتفليكس (Netflix) إنها لن تكشف عن أعداد المشتركين ربع السنوية بدءاً من الربع الأول من عام 2025. وأثارَ هذا الإعلان -الشبيه بقرار الحكومة الصينية بالتوقف عن إصدار العديد من الأرقام الاقتصادية الأساسيّة مؤخراً- مخاوفَ المستثمرين الذين رأوا فيه مؤشراً على تباطؤٍ وشيكٍ في نموّ أعداد المشتركين في المنصّة. وسنستعرض فيما يلي تأثير إجراءات تقييد مشاركة كلمات المرور التي قامت بها نتفليكس على قطاع خدمات البث، إضافةً إلى التوقعات المستقبلية بالنسبة للشركة وللقطاع بشكلٍ عام.
Netflix's password sharing crackdown is paying off as earnings beat Wall Street expectations https://t.co/dqHOaiGpQA
— Los Angeles Times (@latimes) April 18, 2024
تقييد مشاركة كلمات المرور: هل يستحق الأمر إزعاج العملاء؟
حتى وقتٍ قريب، استخدم الملايين من الأشخاص حساب نتفليكس الخاص بصديقٍ أو أحد أفراد العائلة، ولم تتخذ الشركة أيّ إجراءاتٍ لوقف مشاركة كلمات المرور حتى عام 2021 تقريباً. وفي خطاب المساهمين للربع الأول من عام 2022، قالت الشركة إنّ هنالك 100 مليون أسرة -وفقاً لتقديراتها- تشاهد محتواها باستخدام كلمات مرورٍ مشتركة.
وتجدر الإشارة إلى أن الربع الأول من عام 2022 كان أوّلَ ربعٍ -بعدما يقرب من عقدٍ من الزمن- تعاني فيه نتفليكس من تراجع أعداد مشتركيها، واعترفت بالصعوبات التي تواجهها في زيادة عدد المشتركين، خاصّةً بعد النموّ القوي الذي شهدته في العامين السابقين نتيجة إجراءات حظر التجول المتخَذة إبّان جائحة كوفيد 19.
وكما كان الحال مع العديد من الشركات الأخرى، فإنّ النمو خلال الفترة 2020-2021 جاء على حساب النمو المستقبليّ. ولمواجهة حالة التراجع في أعداد المشتركين، قرّرت Netflix اتخاذ إجراءاتٍ تقييديةٍ ضد مشاركة كلمات المرور بالتوازي مع إطلاقها اشتراكاً مدعوماً بالإعلانات لجذب مشتركين جدد. وفي حين رأى بعض المحللين أن هذه الخطوة تمثل مجازفةً كبيرةً قد تؤدي إلى نفور المشتركين، أشار آخرون أنها ستجلب ملايين المشتركين بشكلٍ شبهِ مؤكد، وكانوا على حقٍّ في ذلك.
خطة تقييد مشاركة كلمات المرور على نتفليكس تسير على خير ما يرام
حقّق تقييد مشاركة كلمات المرور نتائجَ مذهلةً بالنسبة لنتفليكس، حيث أدّت في العام الماضي إلى إضافة 30 مليون مشترك. ورغم أنه لا سبيل للتحقق من أعداد المستخدمين الذين تحوّلوا للاشتراك بالمنصة بعدما كانوا يعتمدون على تشارك كلمات المرور، لكنْ لا شكَّ أن الكثيرين من المشتركين الجُدد كانوا يشاهدون محتواها مسبقاً من خلال كلمات مرورٍ مشتركة.
وعند سؤال أحد المحللين عن عدد المشتركين من ضمن الـ 100 مليون مشترك -المقدّر أنهم شاهدوا نتفليكس باستخدام كلمات المرور المشتركة- الذين انتقلوا إلى الاشتراك المدفوع، رفض المدير التنفيذي المشارك لنتفليكس -جريج بيترز (Greg Peters)- تقديم رقمٍ واضح.
وقال بدلاً من ذلك: “ننظر للأمر على أنه تطويرٌ لمزيدٍ من الآليات والطرق الأكثرَ فعاليةً لتحويل الأشخاص الذين يتفاعلون معنا إلى الاشتراك المدفوع، سواءً كانوا ممّن استخدموا كلمات مرور مشتركةٍ أو كانوا مُشتركين سابقين يعودون الآن -ونسميهم المنضمّين مجدّداً- أو الأشخاص الذين لم يكونوا مشتركين في نتفليكس من قبل”.
$NFLX Netflix was trading at a 51 P/E going into this print.
They were up 30% YTD.
They could not afford to mess up.
They crushed earnings. 5M net new subs.
But then…decided they weren’t going to announce new memberships starting next year.
I listened to the entire call.… pic.twitter.com/DcyIufCzcW
— amit (@amitisinvesting) April 18, 2024
هل انتبه عمالقة البث الآخرون إلى ذلك؟
تفرّدت منصة Netflix برسم ملامح خدمة البث المباشر عبر الإنترنت إلى حدٍّ كبير منذ نشأة هذا القطاع على يديها عام 2016. فعلى سبيل المثال، سحبت شركة ديزني بياناتها طويلة المدى حول عدد مشتركي البث المباشر أسوةً نتفليكس عقِبَ إعلان الأخيرة أنها لن تقدم بياناتٍ بأعداد مشتركيها. كذلك الأمر، عندما أطلقت NFLX منصتها الجديدة المدعومة بالإعلانات -بعد أن قلّلت من شأن هذا النموذج سابقاً- سارعت شركتا ديزني (Disney) وأمازون (Amazon) إلى اتّباع خطاها.
ولكن حتى الآن، لم تلجأ شركات البث الكبرى الأخرى إلى تقييد مشاركة كلمات المرور، على الأقلّ ليس بنفس القدر الذي فرضته نتفليكس. مع ذلك، تراجع نموّ أعداد المشتركين في خدمة البث المباشر، حيث فقدت Disney+ ملايين المشتركين بعد تسجيلها رقماً قياسياً، وينطبق ذات الأمر على أمازون برايم (Amazon Prime)، بحيث قد تضطر هذه الشركات إلى تقييد مشاركة كلمات المرور لزيادة قاعدة المشتركين لديها.
انخفاض سعر سهم NFLX رغم أرباح الربع الأول الممتازة
على الرغم من تجاوز سهم NFLX كلاً من التقديرات الأولية والنهائية وتحطيم رقمها القياسي لأعداد المشتركين، إلا أن سهم NFLX يتم تداوله على انخفاضٍ اليوم.
ووصف ريتش جرينفيلد (Rich Greenfield) من شركة Lightshed Ventures حركةَ سعر السهم بأنها “ردّ فعل متوقع”. وقارن ذلك بحال نتفليكس عندما توقفت عن تقديم البيانات حول عدد المشتركين بدءاً من أرباح الربع الأخير من عام 2022.
وبيّن جرينفيلد أن نتفليكس (Netflix) حققت اثنين من أقوى الأرباع السنوية من حيث زيادة عدد المشتركين منذ أن توقفت عن تقديم البيانات بشأن أعداد المشتركين. وشدّد أيضاً على توقع تحقيق نتفليكس تدفقاتٍ نقديةً حرّةً تصل إلى 6 مليارات دولار حتى مع استمرار منافسيها في مجال خدمة البث عبر الإنترنت مثل شركتي باراماونت (Paramount) وديزني (Disney) بإنفاق المزيد من الأموال لأهدافٍ تنافسية.
ولا يبدو جرينفيلد قلقاً جداً من قيام نتفليكس برفع تسهيلاتها الائتمانية من مليار إلى ثلاث مليارات دولار، وقال إن هذا قد يكون لتوفير “المرونة”، كما استبعد أن تسعى نتفليكس إلى القيام بعملية استحواذٍ كبيرة، إذ إن “إستراتيجيّاتها المعتادة” لا تضمّ عمليات الاستحواذ، كما أن الشركة قامت بتطوير أعمالها من “الصفر”. لكنّه أضافَ أنها قد تسعى إلى إتمام عمليات استحواذٍ صغيرة في مجال الألعاب.
يبقى من المهمّ أن نتذكر أيضاً أن الشرق الأوسط على شفا حربٍ إقليمية بين إسرائيل وإيران، الأمر الذي أبقى سوق الأسهم منخفضاً في بداية اليوم، وقد يكون هذا السبب بدفع سهم NFLX إلى مزيدٍ من الانخفاض.
هل انتهت موجة الارتفاع الناتجة عن تقييد مشاركة كلمات المرور في نتفليكس؟
يعتقد بعض المحللين أن نتفليكس قد نجحَت بجذب معظم المشتركين من خلال إجراءات تقييد كلمات المرور. ويشعر المحلل ماثيو هاريجان -الذي يرى وجوب بيع أسهم نتفليكس حالياً- بالقلق حيال تقييم شركة نتفليكس (Netflix) في السوق، ويقول إنها “شركةٌ إعلاميةٌ” أكثرَ من كونها “شركة تكنولوجيا”. فالأسواق تُقدم نماذج تقييم مختلفةً عندما يتعلق الأمر بشركات التكنولوجيا التي يتمّ تداول أسهمها بأسعار أعلى بكثير. وعلى سبيل المثال، يتم تداول سهم نتفليكس بمضاعف سعر السهم لمدة 12 شهراً المقبلة (NTM) بقيمة 32 ضعفاً، وهو أعلى بكثير من الشركة الإعلامية العملاقة ومنافستها في مجال البث المباشر ديزني (Disney)، والتي يتم تداول سهمها بمضاعفٍ يبلغ 23 ضعفاً فقط.
في الوقت نفسه، أثبتت نتفليكس قوّتها على مدار العام الماضي مع انضمام ملايين المشتركين الجدد إلى المنصة -بما في ذلك الكثير ممّن شاهدوها باستخدام كلمات مرورٍ مشتركةٍ- في شهادةٍ على القيمة التي تقدّمها هذه الشركة. ولخّصت جيتا رانجاناثان (Geetha Ranganathan) -كبيرة محللي وسائل الإعلام في وكالة بلومبيرج– هذا الواقع بقولها: “يمكننا القول بأن حروب منصّات البث المباشر قد انتهت تقريباً، وأعتقد أن نتفليكس هي المنتصرة بشكلٍ أو بآخر”.
الخطوة التالية لنتفليكس: الإعلان والألعاب والبث المباشر
في حين أن مكاسب شركة نتفليكس من زيادة المشتركين إثرَ عملية تقييد تبادل كلمات المرور قد تتضاءل قريباً، فقد تُشكّل الإعلانات والألعاب والبث المباشر محرّكات النمو التالية للشركة التي تؤكد أن مخزونها من الإعلانات قويٌّ جداً، وأن المعروض منها يفوق الطلب. وكانت نتفليكس قد أشارَت سابقاً بأن الإعلانات ستُشكّل المصدر الرئيسيّ لإيراداتها في عام 2025 وما بعده، وأن لديها صفقةً بقيمة 5 مليارات دولار مع بطولة المصارعة العالمية (WWE)، كما أنها تُخطط لمضاعفة جهودها في مجال الألعاب لتقديم قيمةٍ لا يمكن للمستهلكين مقاومتها.
وفي المُجمل، ليس من المستغرب أن تتفوّق نتفليكس (Netflix) على شركات البث الأخرى نظراً لغنى محتواها وتوقعات النموّ القوية، إلى جانب التدفّق النقديّ الحرّ والأرباح التي تتمتّع بها، والتي أدخلتها في منافسةٍ تمكنت فيها من استنزاف الموارد المالية للمنافسين.