جانب من مبنى وأمامه أشجار ولافتة مكتوب عليها: الولايات المتحدة، لجنة التجارة الفيدرالية

تتوالى فصول المشكلات التنظيمية التي تواجهها شركة تيك توك (TikTok) في الولايات المتحدة، مع اتخاذ لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) إجراءاتٍ تنفيذيةً جديدةً متعلقةً بانتهاكات قوانين خصوصية الأطفال، والتي قد تؤثر مباشرةً على منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة.

فقد أصدرت اللجنة يوم الثلاثاء الماضي بياناً كشفت فيه عن شكوى رسميةٍ ضد شركة بايت دانس (ByteDance) -الشركة الأم لتيك توك- بشأن تسوية عام 2019، والتي تم التوصُّل إليها مع شركة Musical.ly -الشركة المالكة للمنصّة سابقاً- لفشلها بالامتثال لقانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت (COPPA).

لجنة التجارة الفيدرالية تتذرّع بـ “الانتهاكات المستقبلية” لقانون COPPA كسبب غريب لشكواها

زعمت لجنة التجارة الفيدرالية في بيانٍ موجزٍ لها أن لديها أدلةً كافيةً للاعتقاد بأن TikTok “تنتهك القانون أو على وشك انتهاكه” في بيانٍ اتّسم بالغرابة كونه يشير إلى المستقبل وإلى أفعالٍ لم تحدث بعد؛ فيما يشبه مشهداً من فيلم توم كروز Minority Report الذي يرسم صورةً لمستقبلٍ بائس.

وأكّد البيان الصحفي أن “اللجنة حققت أيضاً في انتهاكاتٍ أخرى محتملةٍ لقانون COPPA ولجنة التجارة الفيدرالية “، وقال البيان: “كشف التحقيق عن سببٍ يدعو للاعتقاد بأن الجهات المذكورة المُدّعى عليها تنتهك القانون أو على وشك انتهاكه، وأن الإجراء يأتي في إطار المصلحة العامة، ولذلك صوَّتت اللجنة على إحالة الشكوى إلى وزارة العدل الأمريكية وفق الإجراءات الموضَّحة في قانون لجنة التجارة الفيدرالية (FTC)”.

ويشير بيانُ لجنة التجارة الفيدرالية إلى الإجراء التنظيميّ الذي خضعت له شركة Musical.ly المالكة السابقة لتيك توك -والتي استحوذت عليها ByteDance عام 2017- حيث دفعت Musical.ly مبلغ 5.7 مليون دولار في ذلك العام لتسوية اتهاماتٍ موجهةٍ إليها بجمعها -بشكلٍ غير قانونيّ- معلوماتٍ شخصيةً من الأطفال دون موافقة الوالدين؛ وهو انتهاكٌ مباشرٌ لقانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت (COPPA).

إفصاحٌ غير مسبوق

كشفت لجنة التجارة الفيدرالية عن إحالة شكواها بحق تيك توك إلى وزارة العدل الأمريكية، في خطوةٍ تُعدُّ خروجاً عن إجراءاتها المعتادة.

وحول ذلك علّقت اللجنة بالقول: “على الرغم من أن اللجنة لا تعلن عادةً عن إحالة الشكاوى، إلا أننا رأينا أن القيام بذلك يصبّ في المصلحة العامة هذه المرة”، إلا أنها لم تقدم أية تفاصيل حول موجبات المصلحة العامة التي دفعتها لهذا الإعلان، كما رفضت أيضاً الكشف عن أسباب هذا القرار أو نطاق القضية.

وفي حين ما تزال تفاصيل شكوى لجنة التجارة الفيدرالية غير واضحةٍ حتى الآن، إلا أنه من المتوقع أن تلحق الإعلان آثارٌ كبيرة، فهو يشير أولاً إلى خطورة ما توصّلت إليه لجنة التجارة الفيدرالية، ومخاوفها بشأن ممارسات تيك توك. وهكذا، فإن اللجنة تهدف من خلال الكشف العلنيّ عن الأمر إلى ممارسة ضغوطٍ هائلةٍ على وزارة العدل لاتخاذ إجراءٍ ما ضد إحدى أشهر منصات التواصل الاجتماعي في العالم في ضوء ما وجدته.

وأضاف بيان لجنة التجارة الفيدرالية: “نتطلع إلى استمرار شراكتنا مع وزارة العدل في هذا الأمر وغيره من القضايا، بما يطوّر مصلحتنا المشتركة في حماية الشعب الأمريكي وإنفاذ القانون دون خوفٍ أو تحيز”.

تيك توك تدحض مزاعم “غير دقيقةٍ فعلياً”

من جانبها، قالت تيك توك (TikTok) إنها تتعاون مع تحقيق لجنة التجارة الفيدرالية منذ أكثر من عامٍ، وأنها ترفض بشدةٍ هذه المزاعم التي وصفها المتحدث باسمها بأنها “غير دقيقةٍ من الناحية الواقعية” لأنها تتعلق “بأحداثٍ وممارساتٍ سابقةٍ تمت معالجتها”، وفق تعبيره.

وقال المتحدث باسم تيك توك: “نشعر بخيبة أملٍ من سعي اللجنة إلى التقاضي بدلاً من الاستمرار في العمل معنا للوصول إلى حلٍّ معقول”، مضيفاً: “نحن فخورون بالعمل الذي قمنا به لحماية الأطفال وسنبقى ملتزمين به تماماً، مع استمرارنا في تحديث منتجنا وتحسينه”.

وشدّدت الشركة على التزامها بتطبيق الإجراءات المناسبة للعمر مثل حدود وقت الشاشة وميزات الرقابة الوالدية وإعدادات الخصوصية الافتراضية للمراهقين. وأكد المتحدث على ذلك بالقول: “نحن نقدم تجربةً مناسبةً لكل مرحلةٍ عمرية، وذات معايير أمانٍ صارمة، ونقوم بإزالة المُستخدمين المشتبه بهم من القُصَّر بشكلٍ استباقي، وفق ميزات الأمان هذه التي أطلقناها طواعيةً”.

تعاون وزارة العدل يفتح الباب أمام دعوى قضائية فيدرالية

أقرَّت وزارة العدل الأمريكية بأنها تتشاور مع لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) بشأن قرارها بإحالة قضية تيك توك إليها، لكنها لم تعلّق على جوهر الادعاءات بما يتفق مع سياساتها المتَّبعة.

وبقبولها شكوى لجنة التجارة الفيدرالية، أصبَح الباب مفتوحاً الآن أمام وزارة العدل لرفع دعوى قضائيةٍ فيدراليةٍ ضد تيك توك وبايت دانس (ByteDance) بشأن هذه الانتهاكات المزعومة.

وفي حال قرّرت وزارة العدل رفع الدعوى، فقد تواجه تيك توك غراماتٍ ضخمةً، أو تُجبَر على تنفيذ إجراءات حمايةٍ أكثرَ صرامةً لبيانات القاصرين وأنظمة التحقق من العمر، أو حتى إيقاف التطبيق، اعتماداً على شدة الانتهاكات.

وأياً يكن الإجراء، فإنه سيمثل تشديداً في رقابة الحكومة الأمريكية على تطبيق التواصل الاجتماعي الشهير، بعد الموافقة على قانونٍ يمهد الطريق للبحث عن مستثمرين للاستحواذ القسري على منصة تيك توك من شركة ByteDance لمنع حظرها الشامل على مستوى البلاد.

المخاوف المتعلقة بالأمن القومي بشأن TikTok تُجبر الحكومة على التحرك

تضيف شكوى لجنة التجارة الفيدرالية مشكلةً أخرى أمام TikTok التي تواصل جهودها لتهدئة مخاوف المسؤولين الأمريكيين على الأمن القومي من مُلكيتها الصينية. ففي كانون الأول/ديسمبر 2022، حظرت الولايات المتحدة التطبيق من جميع الأجهزة والشبكات الفيدرالية بسبب مخاوفَ من أن شركة بايت دانس (ByteDance) قد تشارك البيانات الأمريكية مع السلطات الصينية الخاضعة للحزب الحاكم في البلاد.

إضافةً إلى ذلك وقبلَ شهرين فقط، وقّع الرئيس جو بايدن على مشروع قانونٍ أقرّه الكونجرس يمنح ByteDance فرصةً حتى كانون الثاني/يناير 2025 لإنهاء ارتباطها مع عمليات تيك توك في الولايات المتحدة، وإلا فإنها ستواجه حظراً للتطبيق على مستوى البلاد؛ وجاء ذلك إثرَ مخاوفَ من التجسس والتأثير الأجنبي. من ناحيتها، رفعت TikTok دعوى قضائية لنقض القانون، متذرّعةً بأنه انتهاكٌ لحرية التعبير التي ينصّ عليها الدستور.

ومن المتوقع أن تؤدي هذه الادعاءات الجديدة التي أثارتها لجنة التجارة الفيدرالية إلى تكثيف رقابة الجهات التنظيمية والمشرّعين على ممارسات تيك توك في مشاركة البيانات وحمايتها، كما أنها تلقي بظلالٍ من الشك على الخطاب المُعلَن لشركة تيك توك فيما يتعلق بعوامل الأمان القوية المزعومة التي تنتهجها لحماية القُصَّر والمعلومات الشخصية للمستخدمين الأمريكيين.

وحول ذلك كتب النائب جون مولينار (John Moolenaar)، الذي يرأس اللجنة المختارة في مجلس النواب بشأن المنافسة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين: “لقد انتهكت تيك توك في السابق قوانين خصوصيّة بيانات الأطفال”، وأضاف: “نحن قلقون للغاية من أن التطبيق الذي يسيطر عليه الحزب الشيوعي الصيني قد يتمتع بقدرة هائلةٍ على التلاعب بالجمهور الأمريكي، بما في ذلك أطفال أمريكا”، ومضى في حثّ لجنة التجارة الفيدرالية على المبادرة إلى التحقيق في هذه القضايا.

لماذا تُعدُّ اتهامات انتهاك خصوصية الأطفال أمراً خطيراً بالنسبة لشركات وسائل التواصل الاجتماعي؟

تشكّل اختراقات الخصوصية التي تطال بيانات الأطفال تهديداً كبيراً لأي شركةٍ تقنيةٍ وتؤثر على ازدهارها المالي، إذ يُصنَّف الاستغلال المُحتمل للأطفال وسوء المعاملة عن طريق الإنترنت من قبل شركات التقنية الكبرى ضمن أكثر المشاكل التي تثير السخط والاستنكار لدى الرأي العام، ويأتي ارتفاع أعداد مستخدمي تيك توك من الأطفال ليزيد الطين بلّةً في هذه القضية.

التوزيع العمري لمستخدمي تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة

وكانت إجراءات لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) تجاه منصات يوتيوب وفيسبوك وإنستجرام و Musical.ly (التابعة لشركة ByteDance) قد شملت تسوياتٍ بقيمة ملايين الدولارات لفشل هذه المنصات في الالتزام بقانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت (COPPA) عبر الحصول على موافقة الأهل قبل تتبُّع أنشطة الأطفال على الإنترنت بهدف تخصيص الإعلانات.

وتتعرّض منصة تيك توك لانتقاداتٍ من شتى الجهات التشريعية والمجموعات الحقوقية وذوي الأطفال بسبب خلقها لجيلٍ جديد من مدمني وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتاد الجيل الجديد على التصفح المستمر دون وعي، والتعرّض لمحتوًى غير ملائم. ومن المتوقع أن نشهد نتائج كارثية على سمعة تيك توك ونموّها المستقبلي في الأسواق الغربية في حال اكتشاف دليلٍ مباشرٍ على فشلها بتطبيق إجراءات الأمان المطلوبة لحماية خصوصية الأطفال وبياناتهم الشخصية على الإنترنت.

لجنة التجارة الفيدرالية ترصد ممارساتٍ تجارية “مخادعة وغير عادلة”

إلى جانب مخالفات قانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت (COPPA)، تحدّثت لجنة التداول الفيدرالية عن أدلّةٍ -ظهرت ضمن التحقيق- حول تورّط تيك توك و ByteDance في ممارساتٍ تجاريةٍ “مخادعةٍ وغير عادلة” يمكن أن تشكّل مخالفةً لقانون اللجنة من ناحية استخدام البيانات، إذ أشارت تقارير سابقةٌ هذا العام إلى تحقيقاتٍ أجرَتها اللجنة، واستهدفت مزاعم بتضليلٍ متعمَّد مارسته منصة تيك توك للمستخدمين والسلطات الأمريكية بما يخصّ تدفق البيانات وممارسات تخزينها، وبالأخص إتاحة ByteDance الوصول لبيانات المستخدمين الأمريكيين أمام موظفين من الصين.

وفي المقابل، أكّدت منصة تيك توك على التخزين الآمن لجميع البيانات الأمريكية في مخدّماتٍ ضمن حدود الولايات المتحدة، ويتحكّم بها مزوّدون أمريكيون للخدمات السحابية مع إعدادات وصولٍ مُحكمةٍ، ولكنّ التسجيلات الصوتية المُسرَّبة من الاجتماعات الداخلية جاءت كي تناقض هذه الضمانات؛ حيث أفادت التقارير أن مهندسي ByteDance في بكين يستطيعون الولوج إلى بيانات المستخدمين الأمريكيين بسهولةٍ تامة.

ومع وجود ما يقارب 200 مليون مستخدم نشطٍ شهرياً على تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة، حيث يُشكّل المراهقون والأطفال نسبةً كبيرةً منهم، يجعلُ كلّ ذلك من تيك توك ظاهرةً اجتماعيةً رائجةً دون أيّ وعيٍ أو مخاوفَ من قِبَلِ هؤلاء حول كيفية استخدام بياناتهم. من هنا تبرز ضرورة مبادرة شركة ByteDance لاتخاذ ما هو مطلوبٌ منها قبل انتهاء التحقيق الجديد، من أجل حماية فرعها الأمريكي من الانفصال وإمكانية عرضِهِ للبيع.

كذلك يمكن أن تمثل الانتخابات الأمريكية القريبة عاملاً حاسماً بالنسبة للشركة، حيث إن إعادة انتخاب الرئيس بايدن ستغلق الباب في وجه المفاوضات، في ضوء قناعة الديموقراطيين بأن تيك توك لا يمكنها المضيّ في العمل كفرعٍ لشركة ByteDance في البلاد. ولكن في حال فوز الجمهوريين وعودة دونالد ترامب، فيمكن أن نشهد رأياً مختلفاً للإدارة الجديدة قد يفيد -أو لا يفيد- الشركة وطموحاتها، وهو ما يتوقف على رأي ترامب وإدارته حول قضية انتهاكات قانون COPPA المزعومة، والمخاوف المذكورة بخصوص الأمن القومي للولايات المتحدة.