إيلون ماسك مرتدياً قميصاً وسترة سوداء متحدثاً في أحد المؤتمرات
وصلت ثورة صناعة المركبات الكهربائية (EVs) إلى منعطفٍ حرج يجد فيه صانعو السيارات أنفسَهم مضطرين لخفض أسعار منتجاتهم لتجنّب تراجع الطلب، ومع مواصلة معدلات التضخم ارتفاعها مستنزفةً القوة الشرائية للمستهلكين وسط ارتفاع معدلات الفائدة، وما يعنيه ذلك من صعوبة تأمين التمويل اللازم للشراء، فإن وتيرة الانتشار السريع -فيما سبق- للمركبات الكهربائية باتت مهدّدةً بمخاطرَ جمّة. ولحلّ هذه المشاكل، تتجه شركة تسلا (Tesla) لإنتاج سيارة كهربائيةٍ من فئة الكروس أوفر (Crossover) بقيمة 25,000$ بحلول عام 2025، ولكن هل هذا ممكنٌ حقاً؟
وإدراكاً منهم لهذا التحدّي، بدأ لاعبو القطاع الرئيسيون -وعلى رأسهم شركة تسلا- بتركيز جهودهم على إنتاج سياراتٍ كهربائيةٍ بأسعار معقولة.
هل ستغيّر مساعي تسلا لإنتاج سيارة كهربائيةٍ بقيمة 25,000$ قواعد اللعبة في قطاع إنتاج السيارات؟
تتصدّر شركة تسلا (Tesla-TSLA) -رائدة عصر صناعة المركبات الكهربائية الحديثة- الجهودَ لخفض تكاليف إنتاج هذه السيارات، وظلَّ الرئيس التنفيذيّ للشركة إيلون ماسك (Elon Musk) يَعِدُ المستهلكين منذ سنواتٍ بسيارة كهربائيةٍ ذات سعر مناسب (حوالي 25,000$) من خلال النموذج الجديد الذي طال انتظاره، والمسمّى “الطراز 2″؛ وبإحداث ثورةٍ في طلب السيّارات الكهربائية على مستوى الأسواق، وهو ما يمكنه دفع شركة تسلا لبلوغ آفاقٍ أعلى.
ففي تقريره الأخير الموجّه للمستثمرين، أكد ماسك مجدداً التزام الشركة بهذا الهدف، مشيراً إلى أن تسلا تعمل على تسريع إطلاق المزيد من النماذج معقولة التكلفة، وأكد ذلك بقوله: “لقد قمنا بتحديث تشكيلة سياراتنا المستقبلية لتسريع إطلاق نماذج جديدة قبل بدء الإنتاج المقرَّر سابقاً خلال النصف الثاني من عام 2025″، مشيراً إلى أن النماذج الأرخص يمكن أن تتوفر في نهاية عام 2024 أو مطلع عام 2025.
يُذكر أن تقرير ماسك لقي ترحيباً من المستثمرين، لا سيّما وأنهم كانوا ينتظرون بفارغ الصبر عروضاً توفيريةً كهذه من شركة تسلا. ونتيجةً للإعلان، ارتفعت أسهم الشركة بنسبة 11% ما يؤكد على التأثير المحتمل الذي يمكن أن تُحدثه سيارةٌ كهربائيةٌ بقيمة 25,000$ على الأوضاع المالية لشركة تسلا. وفي كلّ الأحوال، تبقى المشكلة الرئيسية في أنّ تصنيع السيارات -وخاصّةً الكهربائية منها- يُعَد عمليةً مكلفةً بحدّ ذاتها.
مقدمة سيارة تسلا فضية اللون
العقبات: التغلب على مشكلتي التكلفة العالية واحتدام المنافسة
تُعَدُّ عملية طرح سيارةٍ كهربائيةٍ بسعر 25,000$ (لا يشمل أيَّ ائتمانٍ ضريبيّ مُحتمل) في الأسواق تحدياً صعباً، حيث تواجه تسلا -حالها كحال منافسيها- تحدياتٍ كبيرةً في تحقيق التوازن بين خفض تكاليف الإنتاج والحفاظ على هوامش ربحٍ مقبولة.
يأتي ذلك بالتزامن مع ارتفاع أسعار مجموعات البطاريات الكهربائية، والتي يُمكن أن تمثّل ما يصل إلى 40% من التكلفة الإجمالية للسيارة الكهربائية، ما يشكل التحدي الأكبر وذلك نظراً لضخامة حجمها. وللتوضيح أكثر، تحوي بطارية سيارة Tesla Model 3 طويلة المدى ما يقارب 18,000 ضعفِ شحن بطارية هاتف الآيفون؛ فالمواد اللازمة لصناعة هذه البطاريات عالية التكلفة، بما فيها المعادن الأرضيّة النادرة باهظة الثمن، كما أن عملية تصنيع البطارية بحدّ ذاتها مكلفةٌ أيضاً.
ونظراً لأن شركة تسلا كانت دائماً في طليعة التطوير التكنولوجي للبطاريات عالية الكثافة، لذا فهي ما تزال تُعتَبَر المنافس الأقوى في الولايات المتحدة لإنتاج سيارةٍ كهربائيةٍ بقيمة 25,000$ في الوقت الحالي، وكلّ ما تحتاجه الآن هو النجاح بتحقيق زيادة كثافة البطاريات وخفض تكاليف إنتاجها.
مع ذلك، فإن تسلا ليست شركة صناعة السيارات الوحيدة التي تُنافس للهيمنة على قطاع السيارات الكهربائية ذات الأسعار المعقولة، فقد قطعت الشركات الصينية المصنِّعة للسيارات مثل بي واي دي (BYD) وجيلي (Geely) بالفعل أشواطاً بعيدةً في إنتاج سياراتٍ كهربائيةٍ اقتصاديةٍ لأسواقها المحلية بشكلٍ خاص. وتتمتع هذه الشركات بمزايا متعدّدة، منها أن الصين تُنتج نسبةً كبيرةً من المعادن الأرضية النادرة على مستوى العالم، كما أن العمالة فيها أرخص بوضوحٍ ممّا هي عليه في الولايات المتحدة وأوروبا (مع أن هذا بدأ بالتغيّر مؤخراً).
وكانت شركة BYD قد برزت -على وجه الخصوص- كمنافسٍ كبير لتسلا (Tesla)، حيث تجاوزتها مؤقتاً في مبيعات السيارات الكهربائية خلال النصف الأخير من عام 2023.
اقرؤوا أيضاً: سعر سهم Tesla يستمرّ في الانخفاض مع تراجع تسليم الطلبيات – عرضٌ لجميع المشكلات التي تواجه شركة Tesla
واعترف ماسك خلال تقريره الموجه للمستثمرين بأن “شركات صناعة السيارات الصينية هي الشركات الأكثر تنافسيةً في العالم”، وأضاف: “إذا لم يتم إقرارُ نوعٍ من الحماية التجارية، فإنها ستتغلب إلى حدٍّ كبيرٍ على جميع شركات السيارات الأخرى في العالم؛ إنهم جيدون للغاية”.
ورغم أن شركات صناعة السيارات الصينية ممنوعةٌ حالياً من بيع سياراتها مباشرةً في الولايات المتحدة بسبب المعوقات التجارية، فإن وجودها في الأسواق المجاورة -مثل المكسيك- يُشكل تهديداً محتملاً لطموح تسلا في إنتاج سيارةٍ كهربائيةٍ بأسعارٍ معقولة.
شركات صناعة السيارات العريقة تنضمّ إلى سباق إنتاج السيارات منخفضة التكلفة
لا شكَّ بأنّ شركة تسلا ليست وحدها في سعيها لإنتاج سيارةٍ كهربائيةٍ بثمنٍ أرخص، فشركات صناعة السيارات التقليدية بدأت أيضاً بتركيز جهودها في هذا المجال بعد أن أدركت الطلبَ المتزايد على السيارات الكهربائية الاقتصادية.
فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة جنرال موتورز (GM) عن عزمها إنتاج سيارةٍ رياضيةٍ (ذات دفع رباعيّ) كهربائيةٍ صغيرة الحجم بسعرٍ يُقارب 30,000$ بحلول عام 2025؛ كما شدّدت ماري بارا (Mary Barra) -الرئيسة التنفيذية للشركة- على أهمية إنتاج سياراتٍ كهربائيةٍ بأسعارٍ معقولة، مشيرةً إلى أن الشركة تريد “التأكد من قدرتها على توفير سياراتٍ كهربائيةٍ للجميع” وفق قولها.
كما وضعت شركة فورد (Ford-F) أنظارها على سوق السيارات الكهربائية الخاصّة بذوي الميزانيات المحدودة، حيث ألمح الرئيس التنفيذيّ للشركة جيم فارلي (Jim Farley) مؤخراً إلى إمكانية إنتاج شاحنةِ نقلٍ صغيرة (بيك أب) كهربائيةٍ وبسعر معقول، تلبيةً لطلب المستهلكين المهتمين بالتكلفة.
وبالتزامن مع ذلك، تعمل شركة فولكسفاجن (Volkswagen) على تطوير منصةٍ للسيارات الكهربائية مصمَّمةٍ خصيصاً لتقليل تكاليف الإنتاج، وتأمل شركة صناعة السيارات الألمانية في الاستفادة من هذه المنصة لطرح مجموعةٍ من السيارات الكهربائية بأسعارٍ معقولةٍ، على أن يبدأ تسعيرَها من حوالي 25,000$.
إستراتيجيات خفض التكاليف: الابتكارات وتقليص الميزات
تعكف شركات صناعة السيارات على إيجاد إستراتيجياتٍ مختلفةٍ لتقليل تكاليف الإنتاج في مسعى منها لتحقيق أهدافها المتعلقة بالوصول إلى منتَجٍ بتكلفةٍ معقولةٍ؛ ويتمثّل أحد الأساليب التي بدأت تحوز على المزيد من الاهتمام باستخدام تقنيات التصنيع المبتكرة مثل “خطوط التجميع المتوازية”، المعتمَدة لدى شركة تسلا، والتي تهدف إلى تبسيط تجميع السيارات والحدّ من هدر الموارد.
ويتمثّل الحلّ المحتمل الآخر في تقليص ميزاتٍ معينةٍ أو اختيار مواد أكثرَ فعاليةً من حيث التكلفة؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن تتميز سيارة تسلا الكهربائية -التي يُشاع أن تكلفتها ستكون بحدود 25,000$- بتصميمٍ داخليّ مبسّط وعدد أقلَّ من أنظمة مساعدة السائق المتقدّمة، وذلك بهدف الوصول إلى الكلفة المخفَّضة.
مع ذلك، فقد يكون لتقليص الميزات هذا مَخاطِرُه الخاصة، لذا يجدر بشركات تصنيع السيارات تحقيق توازنٍ دقيقٍ بين تدابير خفض التكاليف وتقديم منتَج مُقنع يلبّي توقعات المستهلكين ويبقيه في طليعة التقدم التكنولوجي، وهو ما يتوقعه معظم المشترين من السيارات الكهربائية.
آفاق المستقبل: هل ستحظى السيارات الكهربائية الرخيصة بإعجاب المستهلكين؟
أوراق نقدية من فئة 100$ عليها مفاتيح بجانب سيارة حمراء
على الرغم من التحديات، فإن الثمار المتوقعة للنجاح بطرح سيارةٍ كهربائية بسعرٍ معقول ستكون كبيرةً للغاية؛ فمن خلال جعل المركبات الكهربائية بمتناول نطاقٍ أوسع من المستهلكين، يمكن لشركات تصنيع السيارات تسريع التحوّل من محركات الاحتراق الداخلي وتعزيز مواقعها في ساحة صناعة السيارات سريع التطوّر.
ويبقى السؤال المطروح: هل سيتقبّل المستهلكون هذه السيارات الكهربائية الملائِمة لقدراتهم الشرائية أم أنهم سينظرون إليها كمنتجاتٍ منخفضة الجودة وتفتقر إلى الميزات والأداء الذي يحلمون به؟
في هذا السياق، قال مارك رينفورد (Mark Rainford) -مُضيف قناة “Inside China Auto” على يوتيوب ومقرُّها شنغهاي- لشبكة CNN: “صناعة السيارات الكهربائية في الصين تتجه عموماً من جيد إلى أجود، رغم أنه من الصعب مواصلة الجميع السباق حتى آخره”.
وبالرغم من ذلك، ففي أسواقٍ أكثرَ ثراءً كسوق الولايات المتحدة، قد يتوقف نجاح المركبات الكهربائية ذات التسعير المعقول على توفُّر القناعة لدى المستهلكين بالتخلي عن بعض الكماليات (في سيارات الاحتراق الداخلي الفارهة) لصالح خفض التكاليف.
الخلاصة: لحظة فارقة لصناعة السيارات الكهربائية
مع اقتراب صناعة المركبات الكهربائية من لحظة تحوّلٍ هامة، يحتدم السباق لإنتاج سياراتٍ كهربائيةٍ بأسعار معقولةٍ تناسب الشريحة الأوسع من المستهلكين. ورغم التحديات الكبيرة الماثلة، بدءاً من خفض تكاليف البطاريات إلى الحماية من المنافسة القادمة من شركات صناعة السيارات الصينية الأقدر على خفض تكاليف الإنتاج، إلا أن المردود المتوقع لا يقلّ أهميةً ويُمكن من خلاله تحقيق أرباح طائلة.
ويمكن لسيارةٍ كهربائيةٍ ناجحةٍ ذات تسعير معقولٍ أن تكون إيذاناً بدخول القطاع بأكمله عصراً جديداً من تبني المركبات الكهربائية على نطاقٍ واسعٍ وتسريع التحوّل عن سيارات الوقود الأحفوري، وتعزيز الميزة التنافسية لشركات صناعة السيارات التي تَعِدُ بمستقبلٍ جديد.
ومع مضاعفة إيلون ماسك ومنافسيه جهودَهم لخفض أسعار السيارات الكهربائية، ستمثل السنوات المقبلة فترةً محوريةً لهذا القطاع، إذ يمكنها إعادة تشكيل مستقبل مركبات التنقل الشخصيّ لعقودٍ قادمة.