تسير ثورة الذكاء الاصطناعي على قدمٍ وساق في أكبر شركات التكنولوجيا الأمريكية، رافعةً مستويات الإنفاق إلى أرقام قياسيةٍ في سباقها لبناء قوة الحوسبة والبنية التحتية اللازمة لعصر الابتكار القادم. وفي المقابل، ما يزال المستثمرون يتوجّسون من أن يتحوّل هذا النموّ الهائل إلى فقاعةٍ قد تودي بالسوق برمّته إذا ما انفجرت.

وينتج عن هذه الاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي درجاتٌ متفاوتةٌ من التقلب في ربحية عمالقة التكنولوجيا كما هو موضّحٌ في أحدث تقارير الأرباح الفصلية الصادرة عن شركات ميتا (Meta) ومايكروسوفت (Microsoft) وألفابيت (Alphabet) وتسلا Tesla (TSLA).

في كافة الأحوال، يبدو أن سوق الذكاء الاصطناعي آمنٌ نسبياً حتى الآن، حيث شهدت مايكروسوفت وألفابيت -شركتا التكنولوجيا العملاقتان المنتجتان للبرمجيات الرائدة في المجال التقنيّ والمشاريع عبر الإنترنت مثل ويندوز (Windows) وجوجل (Google)- ارتفاعاً في أسهمهما بعد الإعلان عن نتائج مذهلةٍ مدعومةٍ -بشكلٍ أساسيّ- بارتفاع الطلب على منتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي الخاصّة بهما.

وبالتوازي مع الأرباح الإيجابية التي تحققها هذه الشركات، فهي تتحدّث عن مستويات إنفاقٍ قياسيةٍ مع استمرارها بضخّ المليارات في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، ورقائق الحوسبة وتكاليف التدريب، ما قد يشكّل عائقاً في المستقبل إذا وصل الطلب على الذكاء الاصطناعي إلى مستوى ثابتٍ. مع ذلك، يبدو هذا المسار أفضل رهانٍ استثماريّ لهذه الشركات في الوقت الحالي.

 

مايكروسوفت تعلن عن زيادة نفقاتها بمقدار 2.5 مليار دولار في استثمارات الذكاء الاصطناعي

تتصدر القائمةَ شركةُ التكنولوجيا التي تتخذ من مدينة ريدموند مقراً لها، والمطوِّرة لـ آزور (Azure)، والذي يُعَد المنصة الرئيسية التي تستخدمها شركات الذكاء الاصطناعي لتشغيل خدماتها بالاعتماد على بنيتها التحتية السحابية.

فقد أعلنت مايكروسوفت (Microsoft) عن نفقاتٍ ربع سنويةٍ بقيمة 14 مليار دولار، ما يعني زيادةً قدرُها 2.5 مليار دولار مقارنةً بالربع نفسه من العام الماضي.

وأوضحت إيمي هود (Amy Hood) -المديرة المالية لشركة مايكروسوفت- في إعلان الأرباح أن “هذه النفقات على مدار العام المقبل تعتمد على مؤشرات الطلب والتبني الذي تحققه خدماتنا”، مشيرةً إلى عزم الشركة زيادة استثماراتها في مجال الذكاء الاصطناعي مستقبلاً.

وأضافت “هود” في تبريرها لهذه الأرقام الهائلة: “هذا هو السبب -جزئياً- وراء ضخامة الاستثمار بالشكل الذي هو عليه الآن … ففي الوقت الحالي، هنالك طلبٌ يتجاوز قليلاً ما هو معروضٌ لدينا”.

وأشارت أيضاً إلى أن خدمات الذكاء الاصطناعي السحابية لمنصة آزور (Azure) من مايكروسوفت -مثل نموذج تشات جي بي تي (ChatGPT) الشهير– تُمثّل 7% من نموّ إيرادات Azure المذهل الذي وصل إلى نسبة 31% خلال الربع الأخير. حالياً، تنفق الشركة مبالغَ طائلةً لتطوير بنيتها التحتية للذكاء الاصطناعي من أجل تلبية الطلب الهائل للشركات والأفراد الذين يبتكرون استخداماتٍ عمليةً جديدة للذكاء الاصطناعي كلّ يوم.

ولم تسجل أسهم مايكروسوفت أية حركةٍ ملحوظةٍ بعد صدور تقرير أرباحها، باستثناء الانخفاض المؤقت الذي سرعان ما تم تعديله على يد المستثمرين الذين بادروا إلى شراء بعض الأسهم، مستغلين هذا الانخفاض في السعر.

مخطط بياني يقارن حركة أسعار أسهم شركات ألفابيت ومايكروسوفت وميتا منذ بداية العام الحالي

المصدر: وول ستريت جورنال

performance of big tech stocks in 2024

شركة ألفابيت تضخّ أيضاً 12 مليار دولار في مجال الذكاء الاصطناعي

رجّحت المديرة المالية في شركة ألفابيت (Alphabet) روث بورات (Ruth Porat) أن تبقى النفقات المالية للشركة -والبالغة 12 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري- “عند هذا المستوى أو أعلى منه” في الفترات القريبة المقبلة.

وقالت بورات: “يعكس النموّ الكبير في النفقات المالية خلال الأرباع الأخيرة -مقارنةً بالعام الماضي- ثقتَنا في الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي عبر أعمالنا”. واستشهدت بالكيفية التي يعمل بها الذكاء الاصطناعي على إحداث تحوّلٍ سريع في خدمة بحث Google، ويوتيوب، والخدمات السحابية، وغيرها من المنتجات الأساسية.

ويَظهر الحماس الكبير تجاه قطاع الذكاء الصنعي في الأرباح الكبيرة التي حققها روّاده في السوق المالية، حيث حققوا عوائد سخيّةً جعلت المستثمرين يُظهرون التزاماً واضحاً بالحفاظ على الربحيّة مع زيادة القدرات التنافسية.

لقد أدت النتائج الربعيّة المذهلة لشركة Alphabet -مدعومةً بالنموّ المتسارع لإيرادات الإعلانات بفضل التحسينات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لمحركات البحث والاقتراحات على يوتيوب- إلى ارتفاع سهم الشركة بأكثر من 12% خلال جلسة تداول الأسهم المطوّلة، بينما حقق السعر أعلى مستوياته الجديدة على الإطلاق عند 173.69$. للسهم الواحد في 26 نيسان/أبريل، وهو اليوم التالي لإصدار تقرير الأرباح.

 

رسائل شركة ميتا المتضاربة حول مستقبل أعمالها تؤثر بشكلٍ كبير على سعر سهمها

في تناقض صارخ مع المشهد السابق، شهدت أسهم شركة ميتا Meta Platforms (META) -الشركة الأم لفيسبوك- انخفاضاً بنسبة 11% في اليوم التالي لإعلانها زيادة خطة الإنفاق المالي لعام 2024 بما يصل إلى 10 مليارات دولار، بهدف تمويل خريطة الطريق المتكاملة الخاصّة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لعدة سنوات.

ولفت فريقُ الإدارة انتباهَ المستثمرين إلى أن الأمر قد يستغرق “سنواتٍ من الاستثمار” قبل أن تبدأ مشاريع الذكاء الاصطناعي هذه بتحقيق العوائد الكبيرة المرجوّة.

كما حذّر مارك زوكربيرج -الرئيس التنفيذي للشركة- المستثمرين خلال إعلان الأرباح بالقول: “أتوقع أيضاً أن نشهد دورةً استثماريةً تتكوّن من عدّة سنواتٍ قبل أن تبدأ نماذج الذكاء الاصطناعي لشركة ميتا، والذكاء الاصطناعي للمشاريع وغيرها بالتحوّل إلى خدماتٍ مُدرّة للأرباح”، مؤكداً أن شركته معتادةٌ على رؤية “الكثير من التقلبات” في سعر سهمها خلال المراحل الأولى من دورات تطوير منتجاتها.

مع ذلك، فقد حاول زوكربيرج تهدئة مخاوف المستثمرين بالقول: “على مرّ السنوات، كان الاستثمار لبناء هذه التجارب الجديدة وتطويرها من خلال تطبيقاتنا جيداً جداً على المدى الطويل بالنسبة لنا وللمستثمرين الذين التزموا معنا”.

وعلى الرغم من هذه التأكيدات، فإن ردّ الفعل السلبي للسوق يُظهر أن المستثمرين يشككون بقدرة شركة ميتا على النجاح بتحقيق الأرباح من استثماراتها الحالية في الذكاء الاصطناعي، فالمغامرة الجديدة لـ Meta في عالم الذكاء الاصطناعي تعيد ذكرياتٍ من مغامرة تطوير العالم الافتراضي (الميتافيرس) الفاشلة والمكلفة التي دخلتها الشركة سابقاً، والتي أثرت بشكلٍ كبير على عوائد الأرباح خلال العام الماضي، دون أن تحقق بعدُ أية نتائجَ ملموسةً تبرّر مليارات الدولارات المُنفقة عليها.

وفي إطار تعليقه على ذلك، قال المحلل ريشي جالوريا من RBC Capital: “هناك مزيدٌ من التدقيق على ماهية إستراتيجية الذكاء الاصطناعي للشركة، فهنالك ما يدعو للقلق إذا كنت تنفق الكثير دون إستراتيجيةٍ واضحة”.

وعلى عكس مساعي مايكروسوفت (Microsoft) الشفافة لريادة سوق خدمات الذكاء الاصطناعي السحابية المتنامية من منصة Azure أو ألفابيت (Alphabet)، ومن خلال التحوّل المستمرّ المدعوم بالذكاء الاصطناعي لخدمات الإنترنت الخاصة بها، تكمن المشكلة عند شركة ميتا (Meta) في أن خططها لتحويل إعلاناتها وتطبيقاتها الاستهلاكية مثل فيسبوك وإنستجرام عن طريق هذه التكنولوجيا ما تزال غير واضحةٍ نسبياً للمستثمرين؛ فالشركة تقدم مغامراتٍ طموحةً، لكنّها لم تضع بعدُ إستراتيجيةً قادرةً على إقناع المستثمرين بأن مثل هذه النفقات ستنجح بتوليد إيراداتٍ جديدة مُجزية.

 

إيلون ماسك يضع رهاناتٍ كبرى على نظم الذكاء الاصطناعي في تسلا لبدء عصر النقل المدعوم بالذكاء الاصطناعي

كانت تسلا أولى شركات التكنولوجيا الكبرى التي تنشر تقرير أرباحها للربع الماليّ الأخير، لتثير أرقامه موجة ارتفاع في سعر سهمها بنسبةٍ تقارب 10% بعد التعليقات المفاجئة لرئيسها التنفيذيّ المثير للجدل إيلون ماسك، حيث صرّح بأنهم يمنحون الأولوية الكاملة حالياً لخطةٍ بقيمة 10 مليارات دولار تشمل برنامجاً استثمارياً سنوياً في الذكاء الاصطناعي لرفع طاقة الشركة الإنتاجية.

وأعلن ماسك بجرأة في منشور له على منصته X للتواصل الاجتماعي أن: “أيّ شركةٍ لا تضخ استثماراتٍ بقدر مشابهٍ وبكفاءة عاليةٍ لن تتمكن من المنافسة”.

يُذكر أن التحوّل الإستراتيجي الجديد لشركة صناعة المركبات الكهربائية يمثل أكبر رهانٍ على الذكاء الاصطناعي قام به ماسك حتى الآن، حيث ضحّى بنمو الشركة ومواردها النقدية على المدى القصير ليكون أول من يطلق خدمةً قد تكون مربحةً للغاية لبرنامج سيارات الأجرة ذاتية القيادة من تسلا تقوم على الذكاء الاصطناعي.

ففي الربع المالي الأول وحده، أنفقت تسلا مليار دولار لمضاعفة قدرات الحوسبة المتوفرة لديها في مجال الذكاء الاصطناعي بما يعادل سعر 35 ألف شريحةٍ من أفضل شرائح الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة إنفيديا .(Nvidia)وفي نهاية العام -يقول ماسك- سيرتفع العدد إلى 85,000 شريحةٍ مع تنفيذ تسلا لخططها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي؛ وكان مستثمرو شركة تسلا قد أشادوا -حتى الآن- بالتحوّل الإستراتيجي نحو الذكاء الاصطناعي، وارتفعت أسهمُها بنسبةٍ تجاوزت 9% بعد أن أعلنت عن صفقةٍ تاريخيةٍ سمحت لبرنامج القيادة الذاتية الكاملة (FSD) -المُحسّن مؤخراً- بالحصول على موافقة الجهات التنظيمية في السوق الصينية.

وتتضمّن الاتفاقية قيام شركة تسلا بدمج بيانات الخرائط وأنظمة الملاحة التي توفرها شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة بايدو (Baidu) في نظام القيادة الذاتية الكاملة الخاص بها لقاء الحصول على الترخيص، ويرى المحللون أن فوز ماسك بموافقةٍ على نظام الـ FSD في هذه الدولة الآسيوية يُعَد “لحظةً فاصلةً” يُمكنها رفع آفاق طموحات تسلا في مجال المركبات ذاتية القيادة.

يُشار إلى أن ماسك قد يقود تحوّلاً شاملاً في شركته لتصنيع المركبات الكهربائية كي تصبح شركةً أخرى معنيةً بتوفير خدمات التنقل بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي أولاً، ولتبتعد تدريجياً عن كونها شركة تصنيع سيارات تقليدية، ويمكن لهذا النهج أن يكون بمثابة استجابةٍ مؤقتةٍ لكفاح الشركة من أجل تحقيق هدفها بإنتاج مركبةٍ كهربائيةٍ أقلَّ سعراً للمستهلكين.

وحول ما أعلنته الشركة مؤخراً، كتب كريستيان هيتزنر (Christiaan Hetzner) من موقع فورتشن (Fortune) عن ماسك: “يبدو أنه ينظر إلى سياراته باعتبارها أجهزة آيفون (iPhone) تسير على عجلات، فالهاتف يُعَد جهازاً متميزاً ويوفر برمجياتٍ عالية الربحية، ويمكن بيعه بأرباح أقلّ نظراً لإمكانية استرداد فارق الربح بتوفير خدماتٍ متعلقةٍ باستخدامه”.

 

التهافت على نظم الذكاء الاصطناعي بشكلٍ يشابه حمّى الذهب يثير موجة إنفاقٍ تاريخية لعمالقة التكنولوجيا

يشير تباين أداء أسهم الشركات الأربع المذكورة أعلاه -بربحيةٍ لاثنتين، وخسارة لواحدة، وبقاء الأخيرة على حالها- إلى بروز قطاع الذكاء الاصطناعي سريعاً باعتباره ساحة المنافسة الرئيسية التي يمكنها الفصل بين روّاد المستقبل وقصص النجاحات البائدة.

فمع مضاعفة الشركات استثماراتها لإنشاء البنى التحتية المطلوبة والقدرات الحاسوبية اللازمة لتصدّر سباق تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، ينهال الإنفاق الرأسمالي ويتم توفير الميزانيات الكبيرة؛ ولا تُبدي موجة الإنفاق هذه علاماتٍ على الهدوء، حيث تتدافع نخبة شركات وادي السيليكون في سباق التسلح بنظم الذكاء الاصطناعي لتصبحَ أول من ينجح بتسويق نظم الذكاء الاصطناعي التوليدي تجارياً، وتوفير إمكانية استفادة الشركات والمستهلكين منه مادياً بشكلٍ كبير.

وفيما أثار الدفع باستثماراتٍ قياسيةٍ كهذه والمبالغة بتقييم الأسهم المتعلقة بالذكاء الاصطناعي مخاوفَ من أن تكون فقاعة الذكاء الاصطناعي في مرحلة التشكل -أو أنها ربما تكوّنت بالفعل- أثبتت شركات التكنولوجيا الأربع العملاقة هذه قدرتها على تحقيق عوائد ملموسة، وتنمية إيراداتها، وتطويرها لمساراتٍ قابلةٍ للتطبيق يمكنها من خلالها تحقيق أرباح مدفوعةٍ بالذكاء الاصطناعي، وتتمتع بإشادة مستثمرين كُثر حالياً. وفي المقابل، سيواصل من يعاني في بناء إستراتيجيات ذكاء اصطناعيّ واضحةٍ أساساً -كشركة ميتا (Meta)- من مواجهة تراجعاتٍ محتملةٍ لقيمة سهمه، حيث يريد المستثمرون خريطة طريقٍ موجزةً يمكنها إبراز أوجه استفادةٍ محدّدةٍ وليست مجرّد شعاراتٍ رنّانة وحسب.

يأتي هذا بالتزامن مع توقع محللين لدى بنوكٍ استثماريةٍ أن تُقاربَ النفقات الإجمالية الخاصّة بالذكاء الاصطناعي لشركة مايكروسوفت والبنى التحتية السحابية وحدَها ما قيمته 47 مليار دولار للعام الماليّ بأكمله، ويمثل هذا المبلغ نفقات الشركة لمدّة عام كاملٍ عبرَ كافة بنود الميزانية قبل 5 سنواتٍ فقط.

وحول ما يتعلق بشركة Alphabet، يمكن لمُواصلتها مسارَ إنفاقها الحاليّ أن يكبّدها نفقاتٍ سنويةً إجماليةً تقارب 50 مليار دولار خلال عام 2024 أو يزيد، مقارنةً بمبلغ 32 ملياراً فقط لكلٍّ من العامين الأخيرين، ما يمثل زيادةً تفوق نسبتها 50%. وكانت شركة Alphabet قد عوّضت زيادة التكاليف عن طريق إجراءاتٍ عنيفةٍ سعت من خلالها لخفض التكاليف المتعلقة بأنشطةٍ تجاريةٍ أخرى، وشملت خفضاً هائلاً لأعداد موظفيها.

وكانت بورات (Porat) قد صرّحت خلال تقرير الأرباح الأخير لشركة Alphabet بقولها: “إننا ندرك تماماً تزايد الظروف غير المواتية والتحديات التي تواجهنا اليوم نتيجةً لتراجع قيمة العملة وزيادة أعباء النفقات”.

 

مفترق طرقٍ أمام الاستثمارات المستقبلية في الذكاء الاصطناعي

تتضافر جهود ألمع العقول التقنية وأكبر الشركات الاستثمارية في سباق تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، لكنّ هذه الشركات تقترب بسرعةٍ من مفترق طرقٍ حتميّ: إمّا ضخ مزيد من الاستثمارات في أدوات الذكاء الاصطناعي -التي لم تؤتِ ثمارَها بعد- رغم جداول تنفيذها الزمنية المطاطة نسبياً، أو الشروع بتقليل الاستثمار تحسباً لفشل مخططات تحقيق الدخل بالسير وفقاً لأهدافها.

ويبدو أن استثمار شركة تسلا في التدريب على تقنيات الذكاء الاصطناعي سيُؤتي ثماره مبكّراً بالنسبة لإيلون ماسك، حيث ارتفع سعر سهم الشركة كثيراً بعد إعلانها عن شراكتها مع Baidu الصينية خلال سعيها للموافقة على برنامج القيادة الذاتية الكاملة.

ففي حال تمكنت خطوة تسلا الطموحة في مجال سيارات الأجرة ذاتية القيادة جذبَ اهتمام متزايد، فقد تتشجّع شركات تصنيع السيارات وشركات النقل الأخرى على ضخّ استثماراتٍ كي تتمكّن من البقاء في المنافسة، ويقدر المحللون بالفعل أن شركتي جنرال موتورز (GM) وفورد (F) وأخرياتٍ قد قامت بتسريع برامج البحث والتطوير للقيادة الذاتية ومراكز البيانات.

مع ذلك، فإن هوس شركات التكنولوجيا الكبرى بكافة ما يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي فعله يثير بعض المخاوف، فهذه شركاتٌ لا يهمها سوى ربحيتها بالنهاية، وسيتوجّب عليها مواجهة تبعات تذمّر المستثمرين إذا ما فشلت بتحقيق رؤاها في مجال الذكاء الاصطناعي أو لم تتمكن من توليد إيراداتٍ وفقاً لجداولها الزمنية المقدمة.

وإلى الآن، لا يبدو أن وتيرة ثورة الذكاء الاصطناعي ستخفّف من تسارعها، فقد اشتدت المنافسة في سباق تطوير الجيل القادم من تقنيات الذكاء الاصطناعي الثورية والاستفادة المالية منه، لتتخذ مساراً عنيفاً يشبه ما حدث خلال فقاعة الإنترنت.

يُمكننا أن نكون شبه متأكدين أن أول نموذج ذكاء اصطناعي عام (AGI) سيتم تطويره من قبل واحدة من هذه الشركات، ما يجعل مشاهدة هذه الشركات خلال تنافسها مع بعضها البعض أمراً أكثرَ إمتاعاً.