يد في قيد معدني موضوعة فوق عملات ورقية من فئة 100$

حكمت محكمةٌ سنغافورية على المواطنة الصينية لين باوينغ (Lin Baoying) بالسجن لمدة 15 شهراً في قضيةٍ مشينةٍ أدينت فيها بغسيل أموالٍ بقيمة عدة ملياراتٍ من الدولارات، في أكبر عمليةٍ من نوعها في تاريخ هذه الدولة الآسيوية الصغيرة.

وكانت “لين” -المواطنة الصينية التي تحمل جوازات سفرٍ من كمبوديا وتركيا وجمهورية الدومينيكان- المرأةَ الوحيدة من بين الأجانب العشرة الذين تمّ احتجازهم في آب/أغسطس من عام 2023 خلال مداهماتٍ نفّذتها إدارة الشؤون التجارية في سنغافورة.

وأمضت سنغافورة عدة أشهر بالتحقيق في القضية، وكانت لين هي الشخص الثامن الذي صدَرَ حكمٌ بشأنه، حيث وُجّهت إليها 10 تُهم اعترفت باقترافها ثلاثٍ منها. ومع ذلك، أخذ القاضي في الاعتبار التهمَ الأخرى عند الحكم عليها بعقوبة السجن لمدة 15 شهراً، علماً بأنه سيتم احتساب الوقت الذي أمضته في السجن منذ احتجازها في آب/أغسطس 2023 من مدّة الحكم.

وجاء اعتقال لين على خلفية الاشتباه بتورّطها في أنشطة مُقامَرةٍ غير قانونيةٍ خارجَ سنغافورة بين عامي 2015 و2019، وقيامها بنقل العائدات إلى سنغافورة وتقديم وثائقَ مزوّرة لتعريف البنوك بمصدر هذه الأموال.

وبناءً على الحكم، صادَرَت السلطات أصولاً تعود إلى لين بقيمة 170.5 مليون دولارٍ سنغافوريّ (1 دولار سنغافوريّ يساوي حوالي 0.74 دولار أمريكيّ) تمثل 90% من ممتلكاتها. وأتت أصولها متنوّعةً للغاية، وشملت عملاتٍ رقميةً كعملتي بيتكوين (BTC) وإيثيريوم (ETH)، وعقاراتٍ وسياراتٍ فاخرةً، ومبالغَ نقديةً، إضافةً إلى كمياتٍ من العملات المحلية والأجنبية في حساباتها المصرفية.

أكبر قضية غسيل أموالٍ في سنغافورة

في آب/أغسطس من العام الماضي، ألقت شرطة سنغافورة القبض على عشرة أشخاص -لم يكن أيّ منهم من المواطنين أو حاملي الإقامة الدائمة في البلاد- بقضية غسيلٍ أموالٍ تتعلق بمليارات الدولارات، وجاءت مداهمة الشرطة إثرَ تلقيها معلوماتٍ تزعم ضلوع هؤلاء الأفراد بأنشطةٍ غير قانونيةٍ، والذين -كما يبدو- استخدموا وثائقَ يُشتبه بأنّها مُزوّرةٌ لتحديد مصادر الأموال المتوفرة بحساباتهم المصرفية في سنغافورة.

وقالت إدارة شرطة سنغافورة في بيانٍ لها: “من خلال التحقيقات المكثفة وتقارير المتابعة الاستخباراتية -بما فيها تحليل تقارير المعاملات المشبوهة- حدّدت الشرطة مجموعةً من الأجانب المُشتبه بتورّطهم في غسيل أموالٍ تتعلق بعائدات أنشطتهم الإجرامية المنظَّمة بالخارج، بما فيها عمليات أنشطة الاحتيال والمُقامرة عبرَ الإنترنت”.

اعتقالاتٌ أخرى في قضية غسيل الأموال

إلى جانب إدانة لين، صدَرَت أحكامٌ قضائيةٌ بحقّ سبعة أفراد آخرين، حيث:

  • أُدين المواطن الكمبودي سو وينكيانغ (Su Wenqiang)، وحُكم عليه بالسجن لمدة 13 شهراً بتهمتي غسيلِ أموال، وصادرت الدولة منه أصولاً له بقيمة 6 ملايين دولار سنغافوريّ.
  • حُكم على سو هايجين (Su Haijin)، وهو مواطنٌ قبرصيٌّ يبلغ من العمر 41 عاماً، بالسجن لمدة 14 شهراً بتهمة غسيل الأموال ومقاومة الاعتقال القانونيّ، وصادرت الدولة منه أصولاً بقيمةٍ تقارب 165 مليون دولار سنغافوريّ.
  • كما حُكم على المواطن الصينيّ وانغ باوسن (Wang Baosen) بالسجن لمدة 13 شهراً بتهمة غسيل الأموال، وصودرت كافة ممتلكاته البالغة قيمتها 8 ملايين دولار سنغافوري.
  • تم الحكم على المواطن الكمبودي البالغ من العمر 42 عاماً سو باولين (Su Baolin) بالسجن لمدة 14 شهراً بتهمة غسيل الأموال وتحريض شخصٍ آخر على الإدلاء بتصريحاتٍ كاذبة، وصادرت الدولة أصوله البالغة 65 مليون دولار سنغافوري بما يوازي 90% من أصوله المُتحفظ عليها.
  • أُدين المواطن الصيني تشانغ رويجين (Zhang Ruijin) بتهمة غسيل الأموال وتزوير وثائق، وحُكم عليه بالسجن لمدة 15 شهراً، وتمت مصادرة أصولٍ له بقيمة 118 مليون دولار سنغافوري.
  • حُكم على المواطن التركي فانغ شويمينغ (Vang Shuiming) بالسجن لمدة 13 شهراً وستة أسابيع بتهمة غسيل الأموال وتزوير وثائق، وصادرت سنغافورة أصوله البالغة قيمتها 179 مليون دولار سنغافوري، والتي تمثل 90% من أصوله المُتحفظ عليها.
  • حُكم على تشين تشينغ يوان (Chen Qingyuan) -وهو مواطنٌ كمبودي يبلغ من العمر 34 عاماً- بالسجن لمدة 15 شهراً، مع مصادرة أصولٍ له بقيمة 21.3 مليون دولار سنغافوريّ في القضية.

ويتبقى متهمان آخران في القضية -هما سو جيانفينغ (Su Jianfeng) ووانغ ديهاي (Wang Dehai)- ما تزال التهم الموجهة إليهما قيد المراجعة القضائية. وبالمُجمل، شمل المخطط أصولاً بقيمة مليارات الدولارات، ما يجعله أكبر مخططٍ احتياليّ يتضمن غسيل أموال في تاريخ سنغافورة.

هل أصبحت سنغافورة ملاذاً للمجرمين ممّن يدّعون أنهم رجال أعمال؟

أصبحت سنغافورة مؤخراً إحدى أغنى الدول عالمياً، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي -وفق الأسعار الحالية- قرابة 88,450$، وهو ما يزيد قليلاً عن مثيله لمواطني الولايات المتحدة، وبذلك باتت هذه الدولة الصغيرة أغنى دول آسيا بعدما برزت كمركز ماليّ عالمي.

مخطط بيانيّ يظهر تنامي نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سنغافورة

وهكذا، باتت سنغافورة تُعرف حالياً باسم “سويسرا آسيا”، حيث نجحت القوانينُ المالية والاستثمارية المواتية في اجتذاب العديد من الشركات الأجنبية وصناديق إدارة الثروات إليها؛ وكان أحد تقارير مجموعة KPMG قد ذكر أن أكثر من نصف شركات إدارة الثروات العائلية في قارة آسيا لديها مكاتبُ بسنغافورة، كما اجتذبت صناديق إدارة الأصول بسنغافورة استثماراتٍ بقيمة 435 مليار دولار سنغافوريّ من المستثمرين في عام 2022، مع توقعاتٍ بتضاعف قيمتها في غضون 5 سنواتٍ فقط.

لكن، وكما أظهرت العديد من الوثائق المسربة -كـ “أوراق بنما”- فإن هناك مبالغَ هائلةً من الأموال غير المشروعة لدى البنوك السويسرية، ويبدو أن “سويسرا الآسيوية” تحوّلت لتصبح إحدى الوجهات المفضّلة لغاسلي الأموال.

وقال أستاذ المحاسبة كيلفن لو (Kelvin Law) بجامعة نانيانغ (Nanyang) التكنولوجية في سنغافورة لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC): “تمر تدفقاتٌ هائلةٌ من الأموال عبر النظام المصرفيّ السنغافوريّ يومياً، ويمكن للمجرمين استغلالُ هذه الميزة وإخفاء أنشطتهم المتعلقة بغسيل أموالٍ داخل أنشطةٍ مشروعة”.

ولسوء الحظ، يبدو أن هذه الأنواع من ممارسات الاحتيال الضخمة أصبحت أكثر شيوعاً ممّا نعتقد؛ ففي وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، ألقت جهات إنفاذ القانون الدولية -بموجب أمرٍ من المحكمة وبإشراف من وزارة العدل الأمريكية- القبضَ على مواطن صينيّ يبلغ من العمر 35 عاماً ويدعى يون هي وانج من سنغافورة على خلفية هجوم نفّذه عن طريق شبكةٍ من الحسابات الزائفة، ما يمكن أن يشكّل أكبر عملية احتيالٍ من نوعها طالت 19 مليون حاسوب في كافة أنحاء العالم.

أخيراً، هناك مزاعمُ تفيد باحتمالية تورط بعض البنوك العاملة في سنغافورة بمعاملاتٍ تتعلق بعملية الاحتيال المعروفة باسم 1MDB، والمتعلقة باختلاس ملايين الدولارات من صندوق ماليزيا الاستثماريّ الحكومي.