تُعتبر شركة سبيس إكس (SpaceX) -التي تأسّست عام 2002- من أكبر الشركات الخاصّة في العالم، حيث وصلت قيمتها إلى ما يزيد على 100 مليار دولار. ولأنها شركةٌ خاصةٌ، فإن معظم الناس لا يفكّرون في الاستثمار فيها، لكن اتضح أنّ الأمر قد يكون أسهل ممّا يبدو.
فيما يلي، سنتعرّف على طريقة شراء أسهم الشركة غير المُدرجة في البورصة، ونحاول الإجابة عمّا إذا كانت فكرة الاستثمار في هذه الشركة خياراً جيداً حقاً.
كيفية الاستثمار في سبيس اكس
في الواقع، لا يمكنكم الذهاب إلى أيّ منصة تداولٍ أو وسيطٍ لشراء أسهم شركة SpaceX، لكن هناك عدّة طرقٍ للاستثمار في الشركات الخاصة. قبل أيّ شيء، ولكي يتمكّن المستثمرون من الاستثمار في الشركات غير المُدرجة في البورصة والمملوكة للقطاع الخاص -مثل SpaceX- يجب أن يتم تصنيفهم كـ “مُستثمرين مؤهلين”.
ويمكن تصنيف الشخص كمستثمرٍ مؤهلٍ بناءً على معايير الدخل (والثروة) بالإضافة إلى مقاييس التطوّر المالي. ووفقاً لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC)، يجب أن يكون لدى الشخص (بشكلٍ فرديّ أو مع الزوج/الشريك) ثروةٌ صافيةٌ قدرُها مليون دولار باستثناء قيمة مكان إقامته الأساسيّ، أو -في حالةٍ أخرى- يجب أن يكون لدى الشخص دخلٌ سنويٌّ قدره 200,000$ بشكلٍ فرديّ أو 300,000$ مع الزوج/الزوجة.
ويمكنكم أن تصبحوا مستثمرين مؤهلين من خلال استيفاء المعايير المهنية التي تشير إليها هيئة الأوراق المالية والبورصات، ومن بينها: “المستثمرون الاحترافيون الذين يتمتعون بوضعٍ جيد ويحملون ترخيص ممثّل أوراق ماليةٍ عام (السلسلة 7)، أو ترخيص ممثّل مستشار استثمار (السلسلة 65)، أو ترخيص ممثل عروض أوراق ماليةٍ خاصةٍ (السلسلة 82)”، فهؤلاء يُعتبَرون مستثمرين مؤهلين.
كيفية الاستثمار في سبيس إكس؟
تبدو مسألة أن تكون مُستثمراً مؤهلاً معركةً صعبةً، أو على الأقل البدء بذلك. لكن عندما يتعلق الأمر بشركة سبيس إكس (SpaceX)، حيث الطلب على الأسهم يفوق العرض بكثير، فإن زيادة المعروض تأتي بشكلٍ متقطعٍ، وفي الغالب من قِبَلِ الموظفين الحاليين والسابقين في SpaceX الذين يرغبون ببيع أسهمهم.
مع ذلك، فإن هذه المعلومات لا تكون متاحةً لعامة الناس، وعادةً ما يتم توصيلها بشكلٍ غير رسميّ من خلال المكالمات الهاتفية أو إدراجاتٍ عبرَ الإنترنت، لذلك فالأمر يقتضي منكم إنشاء شبكة العلاقات اللازمة. فإذا كنتم على استعداد لبذل الوقت والجهد، فقد تتمكنون من العثور على موظفٍ في SpaceX -من خلال موقع لينكد إن (LinkedIn) أو منصة X أو غيرها- يرغب ببيع أسهمه لكم.
نجد أيضاً شركاتٍ استثماريةً تُسهّل الاستثمار في SpaceX. ومن بين هذه الشركات Litquidity Syndicate التي ترسل للمستثمرين رسالةً بريدية حول توفر فرصةٍ للاستثمار في SpaceX من خلال أداة استثماريةٍ خاصة. ووفقاً للبريد الذي اطلعت عليه صحيفة وول ستريت جورنال، فقد وصلت تلك الأداة الاستثمارية إلى شركة SpaceX من خلال أداة استثماريةٍ أخرى. فمنصة Rainmaker هي منصةٌ أخرى تقدم حالياً ما قيمته 50 مليون دولار من أسهم SpaceX للاستثمار.
تكاليف الاستثمار في الشركات غير المدرجة
تبدو تكاليف المعاملات للاستثمار في الشركات غير المُدرجة أعلى بكثير من نظيراتها المدرجة، خاصّةً بالنسبة للشركات التي تشهد ارتفاعاً في الطلب. فعلى سبيل المثال، تفرض شركة Litquidity على المستثمرين رسوم إدارةٍ بنسبة 4% في السنة الأولى، كما أنها تحصل على 5% من أية أرباحٍ مستقبليةٍ، بينما قد تطلب مؤسساتٌ شريكةٌ أخرى ما يصل إلى 20% من الأرباح.
أما بالنسبة لـ Rainmaker، فهي تعرض أسهم SpaceX بسعر 114$ للسهم، وهو سعرٌ مرتفعٌ مقارنةً بأحدث أسعار البيع لأسهم الموظفين التي وصلت إلى 97$. فمنصة Rainmaker تفرض عمولة وساطةٍ بنسبة 4.5% وتضمها إلى نفقات التشغيل. بالإضافة إلى ذلك، سيتشارك الصندوق مع المستثمر بنسبة 15% من الأرباح المستقبلية للاستثمار.
من جهةٍ أخرى، هناك أيضاً تكاليف سيولةٍ مرتبطةٌ بالاستثمار في SpaceX، لأن هذه الصناديق لا توفر عادةً خيار خروج مبكر كونها تمتد لفتراتٍ طويلة. وعلى سبيل المثال، تتراوح المدة المستهدفة لصندوق Rainmaker ما بين ثلاث إلى خمس سنوات.
ونظراً لخطة تقاسم الأرباح المُضمّنة في هذه الصناديق، سينتهي الأمر بالمستثمر إلى دفع رسومٍ باهظةٍ عند إغلاق الصندوق، على افتراض أن أسهم SpaceX يتم تداولها بسعرٍ أعلى عند الخروج من الاستثمار.
لماذا تحظى أسهم SpaceX بشعبيةٍ كبيرة بين المستثمرين؟
دعونا الآن نلقي بعض الضوء على شركة سبيس إكس (SpaceX) لنفهم ما الذي يجعلها تحظى بشعبيةٍ كبيرة بين المستثمرين. في البداية، يبدو أن لدى الشركة ثلاثة خطوط عملٍ وهي: قسم أقمار الاتصالات، وقسم إطلاق الأقمار الصناعية، وقسم الرحلات الصاروخية واستكشاف الفضاء. ويُنظَر إلى الاتصالات عبر الأقمار الصناعية الخاصّة بالشركة أيضاً كقوةٍ جيوسياسيةٍ ذات أهميةٍ خاصةٍ، كما ظهر في الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي أحدث تقييمٍ لها، بلغت قيمة الشركة 180 مليار دولار حسب خطة مبيعات الموظفين الرسمية، لكنّ المنصات التي توفر الأسهم الآن تعرضها بسعرٍ أعلى بكثير، كما أن سعر العرض البالغ 114$ على منصة Rainmaker يعني ضمناً وصول قيمة شركة سبيس إكس إلى 211 مليار دولار.
وقد سجّلت الشركة إيراداتٍ قدرها 4.6 مليار دولار في عام 2022 وهو ضِعف نظيراتها في عام 2021، كما سجلت صافي خسائر قدرها 559 مليون دولار في عام 2022 وهي أقلّ من الخسائر البالغة 968 مليون دولار في عام 2021. وتبعاً لصحيفة وول ستريت جورنال، حققت SpaceX أرباحاً وصلت إلى 55 مليون دولار في الربع الأول من عام 2023، بإيراداتٍ قدرها 1.5 مليار دولار.
إيلون ماسك والتزاماته المتعدّدة
رغم أن SpaceX تبدو خياراً استثمارياً واعداً جداً من نواحٍ عديدة، إلا أن بعض المستثمرين يشعرون بالقلق من أن “ماسك” ببساطة ليس لديه ما يكفي من وقتٍ يخصّصه لتحقيق ذلك النجاح للشركة.
فحالياً -وفي الوقت نفسه- يدير ماسك شركات تسلا (Tesla)، وسبيس إكس (SpaceX)، ونيورالينك (Neuralink)، وThe Boring Company، وX.ai (وهي آخر شركاته الناشئة للذكاء الاصطناعي)، وأيضاً منصة X (تويتر سابقاً)، ويديرها جميعَها في وقتٍ واحد. مع العلم أن ثلاثاً منها، وهي تسلا، ومنصة X، وسبيس إكس هي شركاتٌ تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وتتطلب التزاماً كبيراً في الوقت من جانب ماسك.
وحول ذلك، فقد حدث أن ألغى أحد قضاة ولاية ديلاوير خطة تعويضات ماسك والبالغة 56 مليار دولار لعام 2018 من شركة تسلا، وذلك لعدة أسبابٍ من بينها أنها لم تتطلب من ماسك تخصيص وقتٍ كافٍ. وفي الوقت نفسه، أصبح ماسك بحد ذاته شخصيةً مثيرةً للجدل، ففي عرض استثماريّ حديث، أشارت شركة SpaceX إلى أن “السيد ماسك أصبح شخصيةً عامة، وهو يُدلي بتصريحاتٍ عامةٍ على نحوٍ منتظم، إلا أن العديد من تلك التصريحات تثير الجدل”.
في الحقيقة، فإن “ماسك” كان دائماً شخصيةً مثيرةً للجدل، ويرجع ذلك -جزئياً- إلى أنه يميل إلى التعبير عن رأيه في قضايا مختلفةٍ في كثيرٍ من الأحيان دون النظر في عواقب تصريحاته، مع أن ارتباط اسمه بالعديد من شركاته -بما في ذلك SpaceX- كان إيجابياً تماماً، على الأقل حتى وقتٍ قريب.
مع ذلك، ظهرت في الآونة الأخيرة مخاوف من أن تصرفات ماسك الغريبة تضر بشركة تسلا -ومنصة X- وتؤدي إلى نفور بعض مشتري السيارات المحتملين، لا سيّما أولئك المنتمين إلى اليسار السياسي.
هل تقدم SpaceX استثماراً جيداً؟
تم طرح أسهم شركة تسلا (Tesla) للاكتتاب العام بسعر سهم معدّلٍ للتجزئة قدره 1.13$ في عام 2010، ويتم تداوله الآن بأكثر من 175$، وهو ما يجعل هذا الطرح أحد أنجح الاكتتابات العامة الأولية على الإطلاق. وبالنظر إلى العوائد الممتازة التي حققتها شركة تسلا منذ طرحها للاكتتاب العام، فإن بعض المستثمرين يعتقدون أن شركات ماسك الأخرى ستتبع سيناريوهاتٍ مماثلة.
مع ذلك، فقد ارتفع تقييم شركة SpaceX بشكلٍ كبيرٍ على الرغم من عدم طرحها للاكتتاب العام بعد. والأهمّ من ذلك، فقد استمرَّ تقييم الشركة في الارتفاع حتى خلال شتاء التمويل 2022-2023 عندما عانت العديد من الشركات الناشئة من فترات تعثّر شديد في التمويل.
ولعلَّ الميزة الأكبر لشركة SpaceX هي ريادتها لصناعتين يُنتظر منهما النموّ الهائل خلال السنوات والعقود القادمة، وهما: إطلاق الصواريخ، والإنترنت عبر الأقمار الصناعية. وكما قال آدم جوناس (Adam Jonas) -المحلل في بنك مورجان ستانلي وأحد أشهر المتحمّسين لشركة تسلا- في عام 2021، فإن شركة SpaceX “تتحدّى أي فكرة مسبقةٍ عمّا كان ممكناً والأطر الزمنية الممكنة فيما يتعلق بالصواريخ ومركبات الإطلاق والبنية التحتية الداعمة”. ويضيف: “لقد أخبرَنا أكثر من عميلٍ أنه إذا كان إيلون ماسك سيصبح أول تريليونير… فلن يكون ذلك بسبب تسلا. وقال آخرون إن شركة SpaceX قد تصبح في نهاية المطاف الشركة الأعلى قيمةَ على الإطلاق في العالم”.
بشكلٍ عام، كان الرهان ضد ماسك أمراً محفوفاً بالمخاطر، كما يتضّح من مليارات الدولارات التي خسرها المضاربون على انخفاض السعر في أسهم تسلا (Tesla). وعندما يتعلق الأمر بشركة SpaceX، فإن مستوى الخطورة يزداد، كونها شركةً خاصةً لا تتوفر أحدث بياناتها المالية وتقييماتها للعامة.
تقييمات شركة تسلا تنخفض أيضاً
بتقييم قدره 200 مليار دولار، لا تبدو شركة سبيس إكس (SpaceX) رخيصةً مطلقاً. ويتضمّن هذا التقييم مضاعَف السعر إلى المبيعات لعام 2023 بنحو 23 ضعفاً، وذلك بناءً على مبيعات عام 2023 المقدَّرة بمبلغ 8.72 مليار دولار. ومع أن هذه المعدلات ليست أمراً استثنائياً بالنسبة للشركات الناشئة في الصناعات ذات معدلات النموّ المرتفعة، إلا أنها تبقى نجاحاً مُلفتاً ينبغي تقديره.
وتجدر الإشارة -أخيراً- إلى أنه حتى القيمة السوقية لشركة Tesla انخفضت بمقدار النصف بعد أن بلغت ذروتها في أواخر عام 2021، مع شعور الأسواق بالقلق من منح الشركة العملاقة في مجال صناعة السيارات الكهربائية التقييمات الممتازة التي تمتعت بها تاريخياً. ومع أن SpaceX لا تواجه حرب الأسعار التي تواجهها Tesla منذ سنوات، فإن الاستثمار في شركة سبيس إكس يحمل مخاطره الخاصّة به، حتى عندما يبدو الخط البياني لنموّ الشركة في تصاعد ثابتٍ بفضل إيراداتها التي تتضاعف كلّ عام تقريباً.