لطالما مثلت الأسهم الموفّرة لتوزيعات الأرباح فئة أصولٍ تحظى بشعبيةٍ كبيرة بين المستثمرين الباحثين عن كسب دخلٍ منتظم على استثماراتهم، والآن أصبح لدينا اطلاعٌ على تقارير الأرباح الخاصّة بصناديق التحوّط وفق نموذج 13F للربع الأول حول الأسهم التي قام مديرو الصناديق الكبرى ببيعها وشرائها خلاله. أدناه، سنستعرض الاستثمارات الرئيسية التي دفع بها مديرو الصناديق عبر الأسهم الموفرة لتوزيعات أرباحٍ مرتفعةٍ خلال الآونة الأخيرة.
ولا بأس في التوضيح -بدايةً- أن المستثمرين يسعون للكسب من الأسهم بطريقتين رئيسيتين، تتمثل الأولى بزيادة رأس المال (الناتجة عن ارتفاع سعر الأسهم)؛ وهنا سيكون المستثمر بحاجة لبيع أسهمه لتحقيق دخلٍ ماديّ. والطريقة الثانية تتمثل بتلقي توزيعات الأرباح، وهي دفعاتٌ نقديةٌ منتظمةٌ تقدّمها الشركة لمساهميها -عادةً على أساس فصلي (ربع سنويّ)- لتحفيز الاستثمار.
توزيعات الأرباح مقابل مدفوعات القسائم
قد تبدو عوائد الأسهم مشابهةً للفوائد/القسائم التي يتم تحصيلها دورياً عند الاستثمار في السندات، إلا أن هناك اختلافين أساسيين فيما بينهما. أولاً، على العكس من القسائم (الكوبونات) التي تكون إمّا ذات قيمةٍ ثابتةٍ أو مرتبطةً بمعيار محدد، تُعد توزيعات عوائد أرباح الأسهم غير ثابتةٍ، وإنما تعلنها الشركات وفق قراءتها لوضعها المالي. وبالتالي، إذا كانت الشركة تواجه رُبعاً أو عاماً مالياً صعباً، يجدر بها ألا تنفق مليارات الدولارات التي لا تستطيع تحمل إنفاقها عبر توزيعات الأرباح. وفي المقابل، تقوم الشركات -أحياناً- بزيادة توزيعات الأرباح على أسهمها عندما تشهد أعمالها ازدهاراً.
ثانياً، القسائم هي مدفوعاتٌ تعاقديةٌ تكون الشركات مُلزمةً قانوناً بدفعها، بينما تُعد أرباح الأسهم مدفوعاتٍ تقديرية، ويمكن للشركات صرفها أو تعليقها وفق تقييم مجلس الإدارة. وكمثالٍ على ذلك نذكر عام 2020، عندما علّقت العديدُ من الشركات توزيعات أرباحها إثر تراجع مكاسبها بتأثير جائحة كوفيد-19.
Imagine investing equal amounts of money in the Dividend Aristocrats list from 2012 in your retirement account at the very end of 2012
You turn the DRIP on, and let compounding do its work. You do nothing for 10 years. Only exception is to reinvest money in all the aristocrats… pic.twitter.com/sWLcB6tVic
— Dividend Growth Investor (@DividendGrowth) October 11, 2023
لماذا يفضل مستثمرون كسب دخلٍ دون عناء من توزيعات الأرباح؟
رغم بقائها عُرضةً للتقلبات المحتملة والعوامل السلبية الأخرى، يفضّل العديد من المستثمرين الاستثمارَ بالأسهم ذات توزيعات الأرباح المنتظمة نظراً لتوفيرها مصدرَ دخلٍ يتسم بثباتٍ أعلى، بخلاف مجرّد المراهنة على زيادة رأس المال والبقاء عرضةً لتقلبات السوق.
فمن الشائع لجوء الكثير من المتقاعدين إلى خيار الاستثمار بالأسهم الموفرة لتوزيعاتٍ منتظمةٍ كمصدر دخلٍ شهري، وهنا ينبغي الالتفات لربحية السهم، وهو ببساطةٍ مقدار نصيب السهم من التوزيع السنويّ للأرباح مقسوماً على سعره. وبشكلٍ عام، كلما كان معدل الأرباح الموزّعة أعلى كلما كان ذلك أفضل، ولكن تجدر مراعاة عواملَ أخرى كانتظام التوزيعات وأساسيات السهم وتقلباته السعرية.
وعادةً ما تقدم البنوك والشركات المُشغّلة للمرافق الخدمية والمنتجة للسلع الاستهلاكية وصناديق الاستثمار العقاري عوائدَ ربحيةً جيدةً على أسهمها، ويُعرف عن صناديق الاستثمار العقاريّ بشكلٍ خاص ميلُها لتوزيع الجزء الأكبر من دخلها على حاملى أسهمها، وتعتقد شركة فرانكلين تمبلتون (Franklin Templeton) لإدارة الاستثمارات أن قيمة أسهم صناديق الاستثمار العقارية يمكن أن تشهد ارتفاعاً مفاجئاً خلال عام 2024، نتيجة اتجاه الاحتياطي الفيدرالي لخفض معدلات الفائدة، والذي يعتمد بالنهاية على كبح جماح ارتفاع معدل التضخم الذي ما يزال أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي عند 2%.
أسهم البنوك تحظى بشعبيةٍ كبيرة بين مستثمري الأسهم المحترفين
أضاف كين جريفين (Ken Griffin)-الرئيس التنفيذيّ لصندوق التحوّط الضخم Citadel- ما يصل إلى 22.4 مليون سهم من أسهم بنك أوف أمريكا (Bank of America) خلال الربع الأول لهذا العام، ويتمتع السهم بتوزيعات أرباح يبلغ معدّلها 2.4%، ويُعَد هذا نسبةً إيجابيةً مقارنةً بعائد مؤشر ستاندرد آند بورز (S&P 500) البالغ حوالي 1.3%. وتُعد شركة بيركشاير هاثاواي (Berkshire Hathaway) التابعة للمستثمر الشهير وارن بافيت (Warren Buffett) أكبر حائزي أسهم Bank of America نظراً لإعجابه الشديد بالسهم، لدرجةِ أنه رفع نسبة حيازته الإجمالية منه إلى 10%، وهي أكبر حصّةٍ يمتلكها في أيّ بنك.
وفيما يبدو عائد سهم بنك أوف أمريكا مغرياً، توفر بعض البنوك عائداً أعلى على أسهمها. فمثلاً، يصل معدل عائد سهم مصرف سيتي غروب (Citigroup) إلى 3.3%، وتمتلك شركة بيركشاير أيضاَ نسبةً مؤثرةً من أسهمه.
كذلك أضافت صناديق تحوّطٍ أخرى بنوكاً ذات توزيعاتٍ مرتفعةٍ على الأسهم خلال أول أرباع العام الحالي؛ فمثلاً، أضافت مؤسسة Soros Fund Management -وهي جهة إدارة الثروات العائلية التابعة للملياردير جورج سوروس– أسهماً في بنكي جيه بي مورغان (JPMorgan Chase) وغولدمان ساكس (Goldman Sachs)، وتبلغ توزيعات سهم كلٍّ منهما 2.3% و2.4% على التوالي.
شركات السلع الاستهلاكية الأساسية توفر عادة عوائد مرتفعة
من المعروف أيضاً أن شركات السلع الاستهلاكية الأساسية توزع الجزء الأكبر من أرباحها كعوائدَ ربحيةٍ على أسهمها. على سبيل المثال، واصلت شركة كوكا كولا -التي تُعد إحدى أعرق الشركات الموزّعة للعوائد الربحية- توزيع عوائد على أسهمها لمدة 62 عاماً متتالياً، ، كما أنها تُعد من بين أفضل استثمارات شركة بيركشاير هاثاواي (Berkshire Hathaway)، ويحتفظ صاحبها -وارين بافيت- بأسهمه فيها منذ عقود.
مع ذلك، قام زميله الملياردير راي داليو (Ray Dalio) -مدير شركة Bridgewater Associates- بتخفيض حصته في شركة كوكا كولا خلال الربع الأول، ويمتلك داليو حصصاً كبيرةً في شركتي وولمارت (Walmart) وبروكتر آند غامبل (Proctor and Gamble) اللتين توفران توزيعاتٍ ربحيةً بمعدل 1.3% و2.4% على التوالي.
وتبرز شركة بيبسي (PepsiCo) كعلامةٍ تجاريةٍ أخرى في قطاع المنتجات الاستهلاكية، ويبلغ معدل عائد سهمها السنويّ 3.1%، كما توفر أسهم شركة كرافت هاينز (Kraft Heinz) عائداً سنوياً أعلى بنسبةٍ تقارب 4.5%. ومن جديد، تُعد شركة بيركشاير هاثاواي أكبر مساهميها، لكنّ أداء سهمها كان دون المستوى منذ إطلاقه، حيث تبيّن تراجع علاماتها التجارية وضعفُ قدرتها على مجاراة العلامات التجارية الأحدث، خاصّةً ذات المنتجات الأرخص.
شركات الطاقة والمرافق الأساسيّة تتمتّع بعوائد مغرية
لطالما عُرفت أسهم شركات المرافق الأساسية بتوزيعاتها العالية. وفي الآونة الأخيرة، بدأت شركات الطاقة أيضاً مكافأة مساهميها بعوائد مرتفعةٍ؛ فمثلاً، يبلغ العائد السنويّ لسهم شركتي الطاقة شيفرون (Chevron) وبريتش بتروليوم (BP) 4.1% و4.75% على التوالي؛ وتُعد الأولى من بين الاستثمارات الرئيسية للملياردير وارن بافيت.
وبالانتقال إلى شركات قطاع الأدوية، يتمتع سهم شركة فايزر (Pfizer) بعائد سنويّ يبلغ حوالي 6%، ويرجع ذلك بدرجةٍ كبيرة إلى انخفاض سعر سهمها بعد المبيعات الضعيفة إبان جائحة كوفيد-19. ومع ذلك، أصبح هذا السهم المتضرّر الآن جذاباً لمديري الصناديق؛ فخلال الربع الأول، اشترى كلٌّ من رجل الأعمال ستيف كوهين (Steve Cohen) وصندوق التحوّط Point72 Asset Management أكثر من مليون سهمٍ فيها.
أسهم مغمورة بتوزيعات أرباح لافتة
فيما تحظى أسهم الشركات ذات رأس المال الضخم بشعبيةٍ كبيرة بين المستثمرين، هناك العديد من الأسماء غير المعروفة الموفرة لعوائدَ سخيّة. على سبيل المثال، يبلغ معدل العائد السنويّ لسهم شركة Ares Capital حوالي 9%. ولدى كينيث لي (Kenneth Lee) -محلل RBC Capital– نظرةٌ متفائلةٌ بشأن مستقبلها، ويقول حول ذلك: “نحن نحافظ على تصنيفنا المتفوّق، حيث نفضّل سجلَّ سهم ARCC نظراً لقدرة شركته العالية على إدارة المخاطر منذ إطلاقه، بالإضافة إلى عوائده المنتظمة ومزايا التوسّع المتاحة أمام الشركة”.
وكان بنك بنك أوف أمريكا قد أصدر مؤخراً هذا الشهر قائمةً بعددٍ من الأسهم المغمورة الموفرة لتوزيعات أرباح مُجزية، وتشمل سهم شركة Essential Properties Realty Trust بعائدها السنويّ البالغ 4.1%، وPNM Resources بعائد 4%، وشركة باترسون (Patterson) بعائد 4.2%.
ويُعتبَر سهم شركة فورد (Ford) من بين الأسهم غير المعروفة، ويوفر توزيع أرباح سنويّ بنسبةٍ تقارب 5%. وكان سعر سهم شركة تصنيع السيارات العريقة قد تراجَع وسط تباطؤ مبيعاتها من السيارات الكهربائية (EVs). ومع ذلك، جاءت أرقام مبيعات سياراتها ذات محرّك الاحتراق الداخلي والمركبات الهجينة مرتفعةً جداً، ما مكن الشركة ليس فقط من تعويض خسائرها الناتجة عن خط إنتاج المركبات الكهربائية، وإنما أيضاً تحقيق أرباحٍ مذهلةٍ، وهو ما ساعدها على توزيع أرباح على أسهمها لعامي 2023 و2024 بنسبٍ مميزة، والتي جاءت تتويجاً لعائدها المرتفع بالأساس بنسبٍ مميزة.