شارع تظهر فيه واجهات لمجموعة متاجر وسيارة برتقالية وأخرى رمادية

نجحَت شركة GameStop (GME) لبيع ألعاب الفيديو بالتجزئة الغارقة في المشاكل بإنقاذ نفسِها مرّةً أخرى بفضل صغار المستثمرين، حيث استغلت الشركة موجة جنون أسهم الميم (الأسهم التي أصبحت مشهورةً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي) المتجدّدة لإكمال طرحٍ ضخم للأسهم في السوق، حصَدت فيه ما يقارب مليار دولار من العائدات.

وتمكنت الشركة من بيع أغلب الأسهم المخصّصة للاكتتاب -والبالغة 45 مليون سهم- مقابل 933.4 مليون دولار، ما ساهم بدعم مواردها المالية لتتمكن من الصمود لمدةٍ أطول.

وكان سعر سهم GameStop قد شهد حالةً من التقلبات في الأسابيع الأخيرة، مع ارتفاع كبيرٍ حقّق له نسبة مكاسبَ تقارب 180% في مرحلةٍ ما، حيث قفز سعر السهم من 17.5$ في 10 أيار/مايو الجاري إلى أعلى مستوى خلال يوم واحد ليصل إلى 65$ في 14 أيار/مايو.

مخطط بياني لسعر سهم شركة GameStop

وأتى هذا الارتفاع السريع مدفوعاً في المقام الأول بعودة ظهور Keith Gill، المتداول السابق المعروف باسم “Roaring Kitty” في منصّة التواصل الاجتماعي ريديت (Reddit)، إضافةً إلى صاحب الحساب “DeepFu*kingValue”، واللذين كانا قد لعبا دوراً محورياً في موجة الحماس غير المسبوقة التي سبقت ظاهرة أسهم الميم في عام 2021 ودفعت سهم GME إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.

وفي الثالث عشر من أيار/مايو الجاري، نشر Gill -الذي ظلّ صامتاً على وسائل التواصل الاجتماعي لمدة ثلاث سنوات- صورةً مشفّرةً على منصة X (تويتر سابقاً) تصوّر رجلاً يميل إلى الأمام على كرسي، في إشارةٍ ضمنيةٍ إلى أن التطوّرات الأخيرة قد شدّت اهتمامه مجدداً.

ورغم أن المنشور لم يُشِر صراحةً إلى أيّ سهمٍ محدّد، إلا أن صغار المستثمرين فسّروه على أنه إشارةٌ إلى عودة تركيز Gill على GameStop. ونتيجةً لذلك، ارتفع سعر السهم إلى أعلى مستوى له منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

صغار المستثمرين قد يُجبرون البائعين على المكشوف على تصفية صفقاتهم مرّةً أخرى

أدى ارتفاع سعر سهم GameStop إلى فرض ضغوطٍ هائلةٍ على البائعين على المكشوف (المضاربين على انخفاض السعر)، والذين راهنوا ضد نجاح الشركة. فوفقاً لبياناتٍ من شركة التحليلات المالية Ortex Technologies، نجد هنالك ما نسبته 20.5% تقريباً من أسهم GameStop المتاحة للجمهور في صفقات البيع على المكشوف حتى يوم أمس الثلاثاء.

كذلك ارتفعت تكلفة اقتراض أسهم GameStop بشكلٍ كبير، حيث تشير بيانات Ortex إلى معدّل اقتراضٍ يوميّ يبلغ حوالي 35%. ووفقاً لذلك، فإن تكلفة الاقتراض الباهظة هذه تزيد من صعوبة الحفاظ على الصفقات بالنسبة للبائعين على المكشوف، ما قد يجبرهم على تغطية صفقاتهم هذه عن طريق إعادة شراء الأسهم وبالتالي زيادة الزخم التصاعديّ للسهم. وقد أدّى ذلك إلى ارتفاع حادٍّ في السعر قصير الأجل، وهو ما يُطلق عليه غالباً اسم “مأزق البيع على المكشوف” (Short Squeeze).

وأدى تحرّك الإدارة للاستفادة من الارتفاع الأخير والتأثير الإيجابيّ لما تم جمعه من تمويلٍ على الاحتياطيات النقدية للشركة إلى ارتفاع أسهم GameStop (GME) في تداول ما قبل السوق (نشاط تداولٍ يحدث قبل جلسات التداول العادية)، حيث ارتفعت بنسبة 27% تقريباً بعد هذه الأخبار.

إدارة الشركة تدرس تقلبات الأسهم وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي

رغم التزام فريق إدارة GameStop الصمتَ بشأن التطوّرات الأخيرة المتعلقة بأسهم الشركة، إلا أنه أقرّ بالمخاطر المحتملة المرتبطة بطرح الأسهم في تقريره المقدم لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC).

ويشير هذا التقرير إلى المخاوف حيال ما وصفه بـ “التقلبات في أسعار أسهمنا العادية، بما في ذلك التقلبات الناجمة عن الضغوط المحتملة لتصفية صفقات البيع على المكشوف”، وتحدث التقرير كذلك عن “المحتوى الرائج عبر وسائل الإعلام العامة والصادر عن أطرافٍ خارجية، بما في ذلك المدوّنات والمنشورات والمقالات والرسائل ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائط التي قد تتضمّن تصريحاتٍ غير صادرة عن الشركة، وقد لا تكون موثوقةً أو دقيقة أبداً”.

ويبدو أن هذه التوضيحات الصادرة عن الشركة تشير إلى الدور الذي لعبته المجتمعات الافتراضية عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي في إعطاء الزخم لظاهرة أسهم الميم، والتي ساهمت بلا شكٍ في ارتفاع أسهم GameStop مؤخراً. وبالفعل، هناك سببٌ وجيهٌ للقلق بشأن التأثير الهائل الذي تمارسه الجهات الفاعلة الخارجية على الشركة، مع أن التأثيرات كانت غالباً إيجابيةً حتى الآن.

النتائج الأولية للربع الأول من عام 2024 فيها الغثّ والسمين

في 17 أيار/مايو الجاري، أصدرت GameStop نتائجها المالية الأولية غير المدقَّقة عن الربع الأول من السنة المالية 2024، والتي قدَّمَت صورةً مختلطة لأداء الشركة.

فعلى الجانب الإيجابيّ، تتحدث شركة بيع ألعاب الفيديو بالتجزئة عن نفقات بيع ونفقاتٍ عموميةٍ وإداريةٍ متوقعةٍ تتراوح بين 290 مليون دولار إلى 300 مليون دولار، بانخفاضٍ عن 345.7 مليون دولار مقارنةً بالربع نفسه من العام الماضي.

بالإضافة إلى ذلك، فمن المتوقع أن يتقلص صافي خسائر GameStop ليتراوح بين 27 إلى 37 مليون دولار، مقارنةً بمثيله البالغ 50.5 مليون دولار في الربع الأول من عام 2023. ومع ذلك، تبقى خسارة عشرات الملايين من الدولارات كلّ ربع سنةٍ أمراً سيئاً للغاية، خاصّةً بالنسبة لشركةٍ تعاني على مستوى النموّ (بعكس شركات التكنولوجيا التي لا تتوقع تحقيق أرباحٍ لسنواتٍ تالية).

من جانب آخر، فمن المتوقع أن يشهد صافي مبيعات الشركة تراجعاً كبيراً، مع تقديراتٍ بأن تتراوح بين 872 إلى 892 مليون دولار، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 27% عن إجمالي 1.24 مليار دولار مُعلنٍ عنها في الربع الماليّ نفسه من العام السابق.

وهكذا، يسلط هذا الانخفاض في المبيعات الضوءَ على التحديات المستمرة التي تواجهها GameStop في عملياتها الفعلية، مع زيادة توجّه العملاء نحو التجارة الإلكترونية والمنصّات السحابية لألعاب الفيديو وشراء المقتنيات عبر الإنترنت.

هل تجمع شركة GameStop الأموال لتغيير أعمالها المتعثرة؟

على الرغم من انخفاض المبيعات، فقد كان الوضع النقديّ لشركة GameStop قوياً حتى بدون طرح الأسهم؛ إذ كان من المتوقع أن يتراوح النقد وما يعادله وكذلك الأوراق المالية القابلة للتسويق في نطاقٍ يمتدّ بين 1.07 إلى 1.09 مليار دولار في نهاية الربع الأول.

ومن شأن هذا الوضع النقدي القويّ -إلى جانب العوائد الحالية- دعمُ GameStop بمواردَ ماليةٍ وافرة لمتابعة أهدافها الإستراتيجية والصمود أمام حالة التراجع التي تشهدها أعمالها الأساسيّة لسنواتٍ عديدة أخرى.

يمكنكم أن تقرؤوا أيضاً: هل كان ارتفاع سهم GME طبيعياً؟ صفقات الخيارات المشبوهة تشير إلى تورّطٍ بمبالغ كبيرة

وذكرت GameStop في إعلانها أنها تعتزم استخدام صافي عائدات طرح الأسهم “لأغراض الشركة العامة، والتي قد تشمل عمليات الاستحواذ والاستثمارات”. ومع أن الشركة لم تقدم تفاصيلَ محدّدةً، فقد أثارَ هذا البيان الغامض تكهناتٍ بأنَّ GameStop ربّما تستعد لإجراء تغييراتٍ جذريةٍ على نموذج أعمالها.

التأرجح في لعبة أسهم الميم

مرّةً أخرى، حققت شركة GameStop أقصى استفادةٍ من التقلبات الصاعدة غير المتوقعة وغير المبرّرة لأسهمها. ومع ذلك، فإن هذا التدفق النقديّ بحدّ ذاته لا يمكن أن ينقذ أعمالها، رغم أنه سيساعدها بالتأكيد.

ويوفر اجتذابُ ما يقرب من مليار دولار من رأس المال الجديد دعماً مالياً للشركة هيَ في أمسّ الحاجة إليه، سواءً كانت تريد التحوّل إلى عملٍ جديد أو تغيير الطريقة التي تُقدم بها منتجاتها للعملاء. وسيعتمد نجاح الشركة في المدى الطويل على قدرتها في التكيّف مع التفضيلات المتغيرة للمستهلكين وديناميكيات السوق؛ وفي حال فشلت بإجراء هذا التغيير المطلوب، فمن المرجّح أن تستمرَّ بخسارة ملايين الدولارات لينتهي بها المطاف عاجزةً عن الاستمرار بالعمل.

وفي كلّ الأحوال، من المؤكد أن مجتمع المستثمرين يراقب كل خطوةٍ تقوم بها الشركة، وهناك بلا شك من يتحيّن الفرص، بغضّ النظر عن حجم الأموال التي تمتلكها الشركة في خزائنها.

أسهم الميم سلاحٌ ذو حدين، فتعاملوا معها بحذر

سلط الارتفاع الأخير لسعر سهم GME الضوءَ على العواقب المُحدِقة بسوق الأسهم نتيجةً لتفشّي ظاهرة المضاربات المتأثرة بضجّة وسائل التواصل الاجتماعي ومجتمعات التداول عبر الإنترنت وأثرها على أسعار الأسهم مؤخراً.

فتبعاً لما أقرّت به الإدارة العليا للشركة، يمثل تأثير “وسائل الإعلام العامة” التي تشمل المقالات الإخبارية والمدوّنات والمنشورات عبر منصتي X وإنستجرام ومناقشات المنتديات وقنوات تيليجرام وتطبيقات المراسلة جميعها مصادرَ خطر كبير يُحدق بالشركات حالياً، إذ يمكن لمصادرَ كهذه نشر معلومات “تفتقر إلى الموثوقية أو الدقة” قد ينتج عنها تضخيم تحركات سعر الأسهم بشكلٍ كارثيّ.

وبينما كان سهم شركة GameStop أول المستفيدين من الارتفاع، يبقى المستثمرون ممّن اشتروا “أسهم الميم” بأسعارٍ متضخمةٍ -كالتي شهدها يوم 14 أيار/مايو- مهدّدين بخسارة معظم استثماراتهم لاحقاً، ويؤكد السيف ذو الحدين للاستثمار في هذه الأسهم على المخاطر التي يواجهها المستثمرون مؤخراً إذا عرّضوا أنفسهم للتأثر بالضجة المُثارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ فبينما يمكنكم -بالتأكيد- تحقيق أرباح طائلةٍ إذا حالفكم الحظ، غيرَ أن احتمالية أن تخسروا بعض أو معظم استثماراتكم مع هذه النوعية من الأسهم تبقى واردةً -أو مرجّحةً- أيضاً.

ومع هدوء أجواء الصخب التي أحاطت بآخر فصول شركة GameStop -والتي اعتقد الكثيرون أنها أصبحت طيّ النسيان حتى وقتٍ سابق من هذا الشهر- قد يلجأ المنظمون لوضع أطرٍ تنظيميةٍ جديدة تضمن تجنّب هذه الحوادث -أو احتواءها مبكراً- لحماية المستثمرين الأفراد المندفعين والمؤسسات المالية من تبعات الخسائر الناتجة عنها مستقبلاً.