أحدث الذكاء الاصطناعي التوليدي ثورةً على مستوى العالم، وساعد التفاؤل الذي أحدَثه بدفع شركة Nvidia كي تصبح شركةً بحجم 2 تريليون دولار. ويبدو الآن جلياً أن الذكاء الاصطناعي التوليدي على مستوى المؤسسات سيكون ساحة المنافسة التالية، حيث أطلقت مؤسسة لينوكس (Linux Foundation) إلى جانب عددٍ من عمالقة التكنولوجيا الآخرين -مثل إنتل (Intel) وQdrant وRed Hat وDomino Data Lab وCloudera- مبادرةً جديدةً لتحفيز الابتكارات مفتوحة المصدر في مجال البيانات والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
ورغم أن نماذج الذكاء الاصطناعيّ التوليدية للمؤسسات -مثل معظم المنتجات الأخرى التي يقتصر دورها على دورة الإنتاج الداخلية المشروع- لا تكون جذّابةً بحدّ ذاتها كونَها غير موجهة للمستخدمين، إلا أنها تَعِدُ بأرباحٍ طائلةٍ في حال نجاحها. ومن هنا تسعى مؤسسة LF AI & Data Foundation التابعة لشركة Linux إلى تحقيق النجاح في هذا المجال من خلال إعلانها عن إطلاق المنصة المفتوحة للذكاء الاصطناعي الخاص بالمؤسسات (OPEA) كأحدث مشروع بيئةٍ بناء تجريبيةٍ (Sandbox) خاصٍّ بها.
وقال إبراهيم حداد، المدير التنفيذي لمؤسسة LF AI & Data: “ستفتح OPEA المجال لاكتشاف إمكاناتٍ جديدةٍ في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من خلال إنشاء إطار عملٍ مفصّلٍ يَسمح بالبناء ضمنه ويحقق الريادة في هذه التكنولوجيا. ويبدو أن هذه المبادرة تشهد على مهمتنا المتمثلة بدفع الابتكار والتعاون مفتوح المصدر داخل مجتمعات الذكاء الاصطناعي والبيانات في ظلّ نموذج حوكمةٍ مفتوحٍ ومحايد”.
وتتطلع OPEA إلى تمكين المؤسسات من خلال أنظمة ذكاءٍ اصطناعي مفتوحة المصدر ومن مزوّدين عدّة يمكنهم زيادة الابتكار وتعزيز قيمة الذكاء الاصطناعي التوليدي. وقال حدّاد إن OPEA ستوفر مساراتٍ مفتوحة المصدر وموحَّدةً ومتباينة المصادر للتوليد المدعوم باسترداد البيانات (RAG) والتي من شأنها أن توفر دعماً “أمثل” لسلاسل أدوات الذكاء الاصطناعيّ وبرامج تطويره.
وذكر البيان أن التطوّر السريع في الذكاء الاصطناعي التوليدي أدى إلى “تعدُّد” الأدوات والحلول، وأكد أيضاً أن منصة “OPEA تعتزم معالجة هذه المشكلة من خلال التعاون مع الفاعلين في مجال الذكاء الاصطناعي لتوحيد المكوّنات، بما في ذلك أطُرُ العمل والنماذج الأولية والحلول المرجعية التي تعرض الأداء وقابلية التشغيل البينيّ وتضمن تحقيق الثقة والجاهزية على مستوى المؤسسات”.
Intel welcomes the Open Platform for Enterprise AI, an initiative that unifies the developer community for the advancement of #GenAI systems.
Learn more: https://t.co/aNoqgfXvwm pic.twitter.com/ZYtYp9YThQ
— Intel News (@intelnews) April 16, 2024
وفي إعلان منفصل، قالت شركة إنتل إن النظام التقني للتوليد المدعوم باسترداد البيانات (RAG) يتطوّر تدريجياً من خلال إنشاء مشاريعَ جديدةٍ، وأضاف الإعلان: “تواجه المؤسسات تحدّياً يتمثل في الاضطرار لاتباع نهج ‘افعلها بنفسك’ نظراً لعدم وجود معايير فعليةٍ تنطبق على جميع المكونات ما يسمح للمؤسسات باختيار وتطبيق حلول RAG مفتوحة المصدر وقابلةٍ للتشغيل البينيّ، والتي تساعدها في الوصول إلى السوق بسرعة”. وهكذا، فإن هذا النقص في الخيارات المتاحة يفتح الطريق أمام شركاتٍ من نمطي البرمجيّات كخدمات (SaaS)، وكلّ شيء كخدمات (XaaS) للسيطرة على السوق من خلال الحلول المخصّصة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي لأية صناعة.
أعضاء الـ OPEA يطوّرون أدوات ذكاء اصطناعي مؤسساتية
على الرغم من أن العديد من شركات التكنولوجيا قد اتفقت على إنشاء قاعدة بياناتٍ للذكاء الاصطناعي التوليدي مفتوح المصدر للمؤسسات، إلا أنها في الوقت نفسه تعمل أيضاً بشكلٍ فرديّ لتطوير أدواتها الخاصة. وكأمثلةٍ على ذلك:
- في العام الماضي، أعلنت شركة Red Hat المملوكة لشركة IBM عن خدمة الذكاء الاصطناعي التوليدي Red Hat Ansible Lightspeed التي تساعد فرق الأتمتة على إنشاء محتوى Ansible وتطويره بطريقةٍ أكثر كفاءةً وتنظيماً.
- وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلنت شركة Domino Data Lab عن إمكاناتٍ جديدةٍ لإنشاء الذكاء الاصطناعي التوليدي “بسرعةٍ وأمان وعلى نطاق واسع”.
- وفي كانون الأول/ديسمبر، أعلنت شركة Cloudera عن عزمها إطلاق شراكاتٍ وتوسيعها لإنشاء نظامٍ تقنيّ جديد للذكاء الاصطناعي الموجَّه للمؤسسات.
ويبقى أن نرى كيف ستعمل هذه الشركات بشكل تعاونيّ على تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي للمؤسسات في ضوء المنافسة القائمة بينها أصلاً على كسب العملاء.
ووفقاً لموقع Grand View Research، فقد بلغ حجم سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي للمؤسسات 1.74 مليار دولار فقط في عام 2022. ومع ذلك، فإنه من المتوقع أن تتوسع هذه السوق بمعدل نموّ سنويّ مركب قدره 36.4% حتى عام 2030، لتصل إلى إيراداتٍ سنوية تبلغ 19.8 مليار دولار.
لهذا السبب، ليس من المستغرب أن تحرص الشركات على تطوير نماذج مبتَكَرة للذكاء الاصطناعي الموجّه للمؤسسات، والاستفادة من الطلب الناشئ والمتزايد بسرعة.
ما هي الشركات المُطوِّرة لأدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالمؤسسات؟
هناك العديد من الشركات -سواء الناشئة أو العريقة- التي تعمل على أدوات الذكاء الاصطناعي للمؤسسات. وفيما يلي نورد بعض أهم الشركات الخاصة العاملة في هذا المجال:
- شركة SambaNova Systems والتي تَعِدُ بتوفير حلّ الذكاء الاصطناعي الوحيد المتكامل على مستوى المؤسسات.
- شركة Fractal Analysis وهي تأخذ على عاتقها الشركات التي تعمل على تعزيز القرارات البشرية في المؤسسة من خلال تضمين التحليلات والذكاء الاصطناعي في عمليات اتخاذ القرار.
- شركة io وهي شركةٌ ناشئةٌ مقرُّها إسرائيل وتعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، وتساعد في دعم حركة الإيرادات للشركات.
- شركة 6Sense والتي تركز على اكتشاف المشترين المحتملين من خلال تحليل سلوكهم، وبالتالي تساعد الشركات في تسويق منتجاتها وخدماتها من خلال ربطها بهؤلاء العملاء المحتملين.
وبما أن الذكاء الاصطناعي التوليدي ما يزال تقنيةً ناشئة، فإن معظم الشركات العاملة في هذه الصناعة تُصنَّف في رتبة الشركات الناشئة، إلا أن هناك عمليات تشغيلٍ بالوكالة، ومثالها شركة مايكروسوفت (Microsoft) التي استثمرت مليارات الدولارات في OpenAI، وهي الشركة الأم لـ تشات جي بي تي (ChatGPT).
شركات التكنولوجيا الكبيرة ليست مجرّد شركات ذكاء اصطناعي
تلعب شركاتٌ كبرى -مثل أمازون- دوراً رائداً في سوق مشاريع الذكاء الاصطناعي؛ ومع أن قسم الذكاء الاصطناعي لا يمثل حالياً جزءاً معتبراً من إيرادات أمازون، إلا أن عملاقة التجارة الإلكترونية تعتقد أنه سيولد لها إيراداتٍ بمليارات الدولارات في السنوات المقبلة.
ولا نجد حالياً العديدَ من المؤسسات المخصّصة بالكامل -أو حتى في الغالب- لمشاريع الذكاء الاصطناعي، ولكن لا يخلو الأمر من بعضها. فمثلاً، تُعَد شركة C3.ai من أكبر المنافسين الساعين للهيمنة على سوق مشاريع الذكاء الاصطناعي؛ ولطالما توقعت شركة C3.ai أن هذا السوق سيشهد نمواً كبيراً، وهو ما لم يتفق معها فيه بعض المحللين.
وقد عبرت شركة C3.ai خلال مؤتمر أرباح الربع الثالث من عام 2024 المالي في شباط/فبراير عن تفاؤلها الكبير حول ما يتعلق بفرص مشاريع الذكاء الاصطناعي وقدرتها على تلبية احتياجات هذا السوق، حيث تمكنت خلال هذا الربع من إتمام حجوزاتٍ مع الشبكة المتعاقدة معها بنسبةٍ أكبر بـ 62% مقارنةً مع الربع السابق، ووصفت الطلب على منتجات مشاريع الذكاء الاصطناعي بأنه “فاق التوقعات”؛ ومع ذلك فقد فشل سعر سهمها بالحفاظ على هذا الحماس، إذ فقدت مكاسبَها المحقَّقة خلال الربع الثالث، والتي أعلنت عنها في شباط/فبراير.
مخطط بيانيّ لسعر سهم شركة C3.ai
وتنسب الشركة لنفسها الفضلَ بإنشاء قطاع مؤسسات الذكاء الاصطناعي مشيرةً إلى تصدُّرها هذا القطاع لمدة 15 عاماً.
شركة C3.ai قد تكون أهمّ المنافسين في سوق مؤسسات الذكاء الاصطناعي
تم طرح أسهم شركة C3.ai للاكتتاب العام (IPO) في كانون الأول/ديسمبر 2020 بسعر 42$، وارتفع سعر السهم بنسبة 140% عند الإدراج، إلا أنه انخفض بشدة على مدى العامين التاليين وسط تراجع نموّ الأسهم. مع ذلك، غدَت أسهم شركات الذكاء الاصطناعي هي المفضلة في عام 2023 إثر تزايد الحماس تجاه قطاع الذكاء الاصطناعي، ما رفع سعر سهم C3.ai بنسبةٍ هائلةٍ بلغت 177%.
بعد ذلك، عاود سعر السهم تراجعه ليتم تداوله بانخفاض يتجاوز 50% من أعلى مستوياته المسجلة خلال 52 أسبوعاً، لكنّ بعض المحللين لا يزالون متفائلين للغاية بآفاق مشروع الذكاء الاصطناعي هذا، حيث حدّد موقع Tipranks.com هدفاً سعرياً بمتوسط يبلغ 30.55$، ما يعني ارتفاعاً بنسبة 50% تقريباً خلال الـ 12 شهراً القادمة.
وبالنظر إلى الاحترام الكبير الذي تحظى به مشاريع الذكاء الاصطناعي والذي يوازي مكانة الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي تشهد عليه نجاحات شركة Nvidia خلال العام الماضي، فقد نشهد مستقبلاً أداءً أفضل لشركة C3.ai وسواها من الشركات المنافسة في مجال مشاريع الذكاء الاصطناعي.
شاركوا هذه الصفحة على