مصوران صحفيان يأخذان صوراً لمجموعة رجال يتوسطهم إيلون ماسك ببذلة رسمية وابتسامة

مع استعداد مساهمي شركة تسلا (Tesla) للتصويت على حزمة تعويضات الرئيس التنفيذي إيلون ماسك لعام 2018 والتي أبطلتها قاضية ولاية ديلاوير في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، تشير التقارير إلى حالةٍ من تضارب المصالح، مع توارد أنباءٍ تفيد بقيام الملياردير المذكور بنقل بعض شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدّمة التي تُنتجها شركة إنفيديا من شركة تسلا إلى شركاتِه الأخرى.

ومن المعروف أن ماسك يدير حالياً كلاً من شركات تسلا، وسبيس إكس (SpaceX)، ونيورالينك (Neuralink)، وThe Boring Company، وX.ai (وهي أحدث شركةٍ ناشئةٍ في مجال الذكاء الاصطناعي)، إضافةً إلى منصة X (تويتر سابقاً) في الوقتِ نفسه. وتُعَد أربعٌ من هذه الشركات على الأقلّ -وهيَ تسلا، وX، وسبيس إكس، وX.ai- شركاتٍ من ذات قيمة عدّة ملياراتٍ من الدولارات، وتتطلب التزاماً زمنياً كبيراً من ماسك. وتجدر الإشارة إلى أن شركة X.ai جمعت 6 مليارات دولار أواخر الشهر الماضي، ما منح هذه الشركة المنافِسَة لشركة أوبن إيه آي (OpenAI) تقييماً ضخماً وصَل إلى 24 مليار دولار.

قاضية ولاية ديلاوير تبطل تعويض إيلون ماسك لعام 2018

في كانون الثاني/يناير الماضي، ألغت قاضية المحكمة الاستشارية كاثلين ماكورميك (Kathaleen McCormick) خطة تعويض ماسك البالغة 56 مليار دولار. وطعن ريتشارد تورنيتا (Richard Tornetta) -المساهم في شركة تسلا- بالتعويضات السخية التي جعلت من ماسك الرئيس التنفيذيّ الأعلى أجراً في التاريخ.

وجاء هذا الطعن تحت مزاعم تورنيتا -ومساهمين آخرين- بأنه على الرغم من هيكل الأجور الذي يقدم له 1% -وهي نسبةٌ سخيةٌ للغاية- من أسهم تسلا كلما حققت الشركة إحدى أهدافها الـ 12، فإن مجلس الإدارة لم يطلب التزاماً أكبر بالوقت من ماسك.

من الجدير بالذكر أنه منذ عام 2018، ازداد التزام ماسك بمشاريعه التجارية الأخرى، لا سيّما بعد شرائه تويتر عام 2022، وإطلاقه لاحقاً لشركة X.ai في عام 2023، بعد انتقاداتٍ وجّهها لشركة OpenAI التي شارك في تأسيسها ثم تخلى عنها.

وبرزت مسألة تراجع التزام ماسك بشركة تسلا نتيجة انشغاله بشركاته الأخرى خلال إعلان أرباح تسلا عن الربع الأول من هذا العام في نيسان/أبريل. وكما كان متوقعاً، فإن ماسك لم يقدم إجابةً مباشرة عن السؤال، موضحاً أنه بالكاد يجد وقتاً للراحة، وقال: “سأتأكد من أن تسلا مزدهرةٌ تماماً، وهي كذلك فعلاً، وستكون كذلك أيضاً في المستقبل”.

هل هناك تضاربٌ في المصالح بالنسبة لماسك؟

يبدو أن توزيع ماسك لوقته بين شركاته المتعدّدة هو أحد جوانب المشكلة فقط، فقد ظهرت دلائلُ تشير إلى تضاربٍ في المصالح أيضاً؛ حيث بيّنت رسائل بريد إلكتروني حصلت عليها شبكة CNBC أن ماسك طلب من شركة Nvidia إعطاء الأولوية لشركتي X وX.ai فيما يخصّ شرائح الذكاء الاصطناعي، بدلاً من تسلا.

وتلقى شرائح الذكاء الاصطناعي عالية الطاقة من Nvidia طلباً هائلاً من جميع الشركات، سواءً الضخمة منها -مثل مايكروسوفت- أو الناشئة الصغيرة في مجال الذكاء الاصطناعي.

وحسبما ورد في مذكرة لشركة إنفيديا تعود لكانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، فإن “ماسك يعطي الأولوية لتوفير مجموعة وحدات معالجة الرسوميات “H100″ لمنصة X بدلاً من تسلا من خلال إعادة توجيه 12 ألف وحدة معالجةٍ رسوميةٍ من نوع H100 -تم شحنها بالأصل باسم شركة Tesla- إلى شركة X بدلاً من ذلك”. وأضافت المذكرة: “في المقابل، سيتم إعادة توجيه طلباتٍ مخصصةٍ أصلاً لشركة X -مكوّنةٍ من 12 ألف وحدة معالجةٍ رسوميةٍ من نوع H100 ومقرّرة بين شهري كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو- إلى تسلا (Tesla)”.

من جانبه، تفاخر ماسك بالإنفاق المرتفع في مجال الذكاء الاصطناعي خلال إعلان أرباح الربع الأول لشركة Tesla، وقال لاحقاً على منصة X إن الشركة العملاقة في مجال إنتاج المركبات الكهربائية ستنفق 10 مليارات دولار “في التدريب المشترك وتطوير خصائص الاستنتاج للذكاء الاصطناعي” خلال عام 2024.

وقالت رسائل البريد الإلكتروني لشركة Nvidia العائدة لأواخر نيسان/أبريل إن تعليقات ماسك خلال إعلان أرباح الربع الأول، بالإضافة إلى تغريدته حول إنفاق Tesla على الذكاء الاصطناعي هذا العام، “يختلفان” عن طلبات شراء الشركة.

في كلّ الأحوال، من المؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي يُتَّهم فيها ماسك بتضارب المصالح؛ فسواء كان الأمر يتعلق بشراء شركة تسلا لشركة الطاقة الشمسية المتعثّرة SolarCity التي كان يمتلك حصّةً فيها، أو عندما أحضر بعض موظفي تسلا لمساعدته “طواعيةً” في تويتر مؤخراً، فلا شكَّ أنّ الملياردير يقع تحت هجوم مستمر بسبب تضارب المصالح الواضح.

أهمية منتجات الذكاء الاصطناعي في تقييم شركة تسلا

تعكف تسلا على بناء منتجات الذكاء الاصطناعي الخاصّة بها، مثل ميزة القيادة الذاتية والروبوت البشري أوبتيموس (Optimus) والحاسوب الخارق دوجو (Dojo Supercomputer)، وكلها ما تزال في مراحل مختلفةٍ من التطوير، ما يجعلها غايةً في الأهمية مع اعتبار القيمة الضخمة لشركة تسلا. وقد اعترف الرئيس التنفيذي المعروف بتقلباته بأن تسلا هي شركة ذكاء اصطناعي وتكنولوجيا أكثر من كونها مجرّد شركةٍ لصناعة السيارات، ولهذا فهو يعتقد أن تقييم الشركة مرتبطٌ بتقدّمها نحو القيادة الذاتية بالكامل.

في الوقت نفسه، أكد الملياردير بأنه لن يشعر بالراحة في بناء منتجات الذكاء الاصطناعي في تسلا ما لم يتمتع شخصياً بحقوق تصويتٍ بنسبة 25% في الشركة. وفي ردّهم على ذلك، قال بعض المراقبين إن التعليقات كانت بمثابة ابتزاز، وبالنظر إلى التركيز الذي يوليه لشركة X.ai الناشئة، وهكذا فنحن -على ما يبدو- إزاء حالةٍ من تضاربٍ هائلٍ في المصالح مرّةً أخرى.

شرائح إنفيديا (Nvidia) هي لبنات بناء نماذج الذكاء الاصطناعي

تشكّل شرائح Nvidia وحدة البناء الأساسية لنماذج الذكاء الاصطناعي وغيره من المعدّات المتطوّرة، حيث تحتاجها تسلا لسيارات القيادة الذاتية والتاكسي الآلية المخطط الإعلان عنها في آب/أغسطس بعد سنواتٍ من الانتظار؛ وقام إيلون ماسك بامتداح شرائح H100 -الخاصّة بإنفيديا- خلال إعلان تسلا عن إيرادات الربع الأول ووصف تسميتها بـ “وحدات معالجة الرسوميات” بالمغلوطة، كما تحدَّث عن زيادة تسلا لمخزونها من هذه الشرائح من 35,000 إلى 85,000 بحلول نهاية العام.

وبحسب CNBC، فقد طُلب من إنفيديا منح الأولوية في الشرائح لكلٍّ من X وX.ai، وغرَّد ماسك قائلاً إن تسلا لا تستطيع استقبال هذا الكم من الشرائح لعدم جهوزية مصنعها في أوستن، وأضاف أن الشركة ستقوم بشراء شرائح من Nvidia بقيمة 3-4 مليار دولار في عام 2024.

من جهةٍ أخرى، لا نعلم بالضبط سبب شراء X لهذه الشرائح، كما أن منصّات ميتا (Meta) المشابهة -التي تعتمد على الإعلانات الرقمية- تُنفق مليارات الدولارات على تأسيس البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وتقوم بشراء شرائح Nvidia كجزءٍ من هذا العمل؛ ويساهم الذكاء الاصطناعي بالفعل في تحسين الإعلانات الرقمية وجعلها أكثر تركيزاً وفاعلية، وقد لا تكون هذه الإعلانات المخصّصة من بين رغبات المستخدمين إلا أنها تساعد الشركات المشابهة لمنصّات ميتا.

قد ترغب X باستخدام الشرائح لهذا الغرض أو ربّما لتحسين روبوت المحادثة المدعوم بالذكاء الاصطناعي Grok، أو ربّما لصنع شيءٍ جديدٍ كلياً. أمّا بالنسبة لـ X.ai، فتحتاج الشركة إلى كمياتٍ كبيرة من شرائح إنفيديا لأنها تحاول منافسة شركة OpenAI -صانعة ChatGPT- التي انتقدها إيلون ماسك لتَحوّلها من شركةٍ غير ربحيةٍ إلى شركةٍ تسعى لتحقيق أكبر قدرٍ من الأرباح.

تسلا (Tesla) تطالب المساهمين فيها بالموافقة على تعويض إيلون ماسك

تحدّثت تسلا مجدّداً مع المساهمين فيها حول الموافقة على تعويض إيلون ماسك لعام 2018 بحجة “القيمة الهائلة” التي قدمتها الحزمة للمساهمين إلى جانب ارتفاع سعر سهم الشركة، وطالبت بعدم التراجع عن حزمة التعويضات التي تم إيقافها منذ سنوات: “الاتفاق يبقى اتفاقاً؛ لقد قام هو بواجبه وحان دورنا للقيام بالمثل”. وأضافت الشركة: “يجب أن يهتم المساهمون بالقيمة المُضافة بشكلٍ أساسيّ … وليس بمدى التركيز الظاهريّ لإيلون ماسك”.

ويتم التخطيط لاجتماع تسلا السنوي في 13 حزيران/يونيو الحالي، وسيُصوّت المساهمون فيه حول تعويض إيلون ماسك الخاص بعام 2018، حيث يطالب كلٌّ من ماسك وتسلا بموافقة المساهمين على هذه المكافأة، فيما تدفع الشركات الوسيطة مثل Glass Lewis ومصلحة المساهمين المؤسساتيين (ISS) باتجاه رفض هذا التعويض، وأكدت تسلا في خطابها المُعنوَن “مغالطة Glass Lewis حول تسلا” بأنّ الشركة الوسيطة “تحذف عدة اعتباراتٍ مهمةً وتستخدم منطقاً معيباً وتعتمد على التخمين والافتراضات”.

المخطط السعري لسهم تسلا

وأضافت الشركة في خطابها: “لقد خلقت تسلا قيمةً سوقيةً تزيد على 735 مليار دولار لمُساهميها منذ عام 2018 وحتى عام 2023 بفضل مساعدة إيلون ماسك في بلوغ الأداء المُستهدف للشركة الذي اعتبره الكثيرون شديد الصعوبة أو مستحيلاً”، وتُعتبر قصة تسلا ونجاحها معجزةً دفعت صانعي السيارات للتوجّه إلى السيارات الكهربائية.

في هذه الأثناء، يستعد مساهمو تسلا للتصويت هذا الشهر على تعويض إيلون ماسك، وقد يسألون عن تخصيصه الوقت الكافي لتسلا وعن إمكانية وجود تضاربٍ في المصالح خاصّةً في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد يتجّه نقاش المساهمين نحو ما قالته القاضي كاثالين مكورميك (Kathaleen McCormick) في حكمها المؤلف من 200 صفحة: “لم يسأل المجلس الإداري عن الـ 55.8 مليار دولار، هل كانت هذه الخطة التعويضيّة ضروريةً لتسلا للحفاظ على ماسك وتحقيق أهدافها؟”.