ركّزت شركة صناعة السيارات الكهربائية تسلا (Tesla-TSLA) على عمليةٍ جديدةٍ طموحةٍ لتجميع المركبات، فقد أكّدت الشركة بأن هذه العملية ستُساعدها على تقليل تكاليف الإنتاج لجميع النماذج المستقبلية بنسبةٍ تصل إلى 50%.
ويهدف هذا التغيير الموعود في عملية التصنيع، والذي يُطلق عليه اسم unboxing، إلى تقليل التعقيد والجهود الضائعة بشكلٍ كبيرٍ، مقارنةً بخطوط التجميع التقليدية للمركبات التي ابتكرها هنري فورد (Henry Ford) منذ أكثر من قرن.
ويُشار هنا إلى أن نسبة مخاطرة شركة تسلا (TSLA) مرتفعةٌ بهذا الصدد، إذ تُواجه منافسةً شديدةً من قِبَل شركات تصنيع المركبات التقليدية، دون أن ننسى الهجوم الذي تشنّه الشركات الصينية الناشئة التي تُصنّع المركبات الكهربائية (EVs) بأسعارٍ معقولةٍ، وعلى رأسها شركة BYD.
يُذكر أن شركة تسلا قامت بالفعل بخفض أسعار معروضاتها عدة مرّاتٍ هذا العام، ما زاد التكهنات بشأن تباطؤ الطلب إثرَ الضغوط الاقتصادية.
والآن، تتسابق الشركة لتطوير مركباتٍ كهربائيةٍ رائدة في السوق بسعر 25,000$، ويَعِد الرئيس التنفيذيّ للشركة إيلون ماسك (Elon Musk) بأن ذلك سيساعد تسلا في الحفاظ على تفوّقها وزيادة سرعة التحوّل العالميّ نحو تبني وسائل نقلٍ مستدامة.
ومن أجل الوصول إلى الهدف السعريّ المنتظر بشدّة، من الضروريّ تنفيذ نظام تجميع تسلا الجديد والمميز “unboxing” بنجاح.
إعادة تصوّر خط التجميع
أخبر لارس مورافي (Lars Moravy) -نائب رئيس هندسة المركبات- المستثمرين في يوم المستثمرين بالشركة خلال شهر آذار/مارس ما تحمله الأحداث المقبلة، قائلاً: “إذا كنا عازمين على القيام بالتوسّع الذي نريده، فيجب أن نعيد التفكير بعملية التصنيع ككلٍّ مجدّداً”.
إذ لا تزال معظم شركات تصنيع المركبات تستخدم عملية التجميع التي ابتكرها هنري فورد في عام 1913 لطراز موديل T الأيقونيّ، ويتم بناء الهياكل الكبيرة للمركبات قطعةً قطعةً، ويتمّ تركيب الأبواب وإزالتها مرّة أخرى للسماح بالتجهيز الداخلي. ويُطلب من ورش الطلاء الضخمة معاملة الهيكل بالكامل كقطعةٍ واحدة.
في المقابل، تتصوّر طريقة تجميع unboxed بناء السيارات بشكلٍ يشبه تركيب قطع الليجو معاً. فبدلاً من خط التجميع الخطيّ، سيتم توزيع عملية الإنتاج عبر مناطق عملٍ متوازيةٍ تجمَعُ أجزاء أخرى في نفس الوقت.
وبمجرّد اكتمال العناصر الأساسية، سيتم تجميع كلّ شيءٍ معاً في خطوة “unboxing” في النهاية.
وسيتم تجميعُ كلّ الأجزاء معاً مرّةً واحدةً وطلاؤها حسب الحاجة.
ومن خلال التخلص من الخطوات المُكرّرة مثل تركيب وإزالة الأبواب وطلاء هياكل المركبات بأكملها، يُقدّر مهندسو تسلا بأن هذا النهج الجديد يمكنه خفض التكلفة الإجمالية المطلوبة لتجميع مركبةٍ ما بنسبةٍ تزيد على 40%.
وسيسمح هذا للشركة ببناء مصانعَ أصغرَ حجماً وأقلَّ تكلفة. في هذا السياق، علق جيريمي جونسون (Jeremy Johnson) أحدُ مناصري تسلا وكاتبٌ لموقع Torque News، قائلاً: “قد يؤدي ذلك إلى زيادة اعتماد المركبات الكهربائية وانتشارِها أكثرَ ممّا هيَ عليه الآن”.
التطوّرات الحديثة الخاصة بتقنية جيجا كاستينج (Gigacasting): يجب تنفيذها في جميع المجالات
أحد العوامل الرئيسية التي تُمكّن شركة تسلا من استخدام النهج الجديد “unboxing” هو عمل تسلا الرائد في مجال آلات الصبّ الضخمة التي يُمكنها إنتاج الهيكل السفلي مُتعدّد القطع باستخدام قالب واحد ضخمٍ من الألومنيوم.
وعلى الرغم من أن الشركة تستخدم بالفعل تقنية جيجا كاستينج هذه لبناء الأجزاء الأمامية والخلفية من الهيكل السفليّ لسياراتٍ مثل الطراز الشهير Y، إلا أنها تسعى لدمج هذه العملية بشكلٍ أكبرَ من أجل تقليل التكاليف.
ويهدف ذلك في النهاية إلى صبّ منصّات الهيكل السفليّ بالكامل كقطعةٍ واحدة، باستخدام تقنيات الصبّ البطيء أو قوالب طباعة الرمال ثلاثية الأبعاد المتقدّمة.
وعلقت دانا هال (Dana Hull) من Bloomberg على ذلك بالقول: “إذا استطاعت تسلا معرفة الخطوات الأخيرة، فقد يكون ذلك مفتاح تسريع عملية خط التجميع الخاص بها”.
فمن خلال تقليل عدد الأجزاء المنفصلة وعمليات اللحام في كلّ سيارة بمئات أو حتى آلاف الأجزاء، تُعتبر جيجا كاستينج طريقةً جيدةً لتقليل التكاليف بشكلٍ كبيرٍ مع تحسين الأداء الهيكليّ.
من جانبه أشار جونسون: “تحتاج تسلا إلى إحداث تغيير جذريٍّ آخر في التكلفة، وذلك بحذف مئات الأجزاء من الطراز Y باستخدام جيجا كاستينج وحزم البطاريات الهيكلية. فعلى ما يبدو أصبحت القيود هنا القيود جزءاً من الحل”.
الشك بالمزاعم الطموحة المتعلقة بالتوفير
ما تزال هناك شكوكٌ حول إمكانية تحقيق تسلا لوعودها بتقليل التكاليف في المدى القريب. وتُقدر وكالة Bloomberg Intelligence أن عملية التصنيع الجديدة ستقلل النفقات بحوالي الثلث فقط، مقارنةً بهدف تسلا الطموح البالغ 50%.
وأكدت هال في مقالها حول طريقة unboxed الجديدة، قائلةً: “تكمن المشكلة في عدم سماع المستثمرين لكثير من التفاصيل حول تقدّم تسلا”.
كما يُعبّر خبراء آخرون مثل ماثيو واشابارامبيل (Mathew Vachaparampil) الرئيس التنفيذيّ لشركة قياس الأداء في قطاع المركبات Caresoft، عن تفاؤلٍ أكبرَ مبنيٍّ على المحاكاة الرقمية ونمذجة خطط تسلا.
وقال واشابارامبيل لهال: “قضى مهندسونا 200,000 ساعةٍ في بناء نسخةٍ رقميةٍ لمنصّة تسلا unboxed، ووجدوا أن طموحات ماسك ممكنةٌ من الناحية التقنية. وإذا تحقّقت سيكون لها أثرٌ ماليٌّ هائل”. فحتى إذا كانت تسلا تبالغ في تقدير احتمالية خفض التكاليف، قد تكون هذه التقنيات تغيّراً مهماً في قواعد قطاع المركبات الكهربائية.
هدفُ تسلا الطموحُ التالي: إطلاق سيارة كهربائيةٍ بسعر 25,000$
يُعتبر تحقيق كفاءة تصنيع عاليةٍ أمراً ضرورياً حتى تصل تسلا إلى هدفها المتوقع على نطاق واسع، وذلك بتقديم مركبةٍ كهربائيةٍ صغيرة من الجيل القادم بسعر 25,000$. وعلى الرغم من أن المواصفات غير الرسمية ما تزال سريّةً، يتوقع معظم المحللين أن يتمتع النموذج المنتظر بحجم Model 3 الحاليّ، ولكنه سيكون أقلَّ منه تكلفةً بنسبةٍ تتراوح من 30% إلى 40% (ومن المرجّح أن تكون قيمة السيارة حوالي 25,000$، بدون الإعفاءات الضريبيّة).
وتشير بعض التقارير إلى أن شركة تسلا تهدف للبدء بتصنيع هذا النموذج الذي يُسمّى بـ “مشروع ريدوود” (Project Redwood) بحلول منتصف 2025. وتُعتبر السيارة أمراً أساسياً حتى تتمكن شركة تسلا من مواجهة تحديات المنافسة المتزايدة من قبلِ اللاعبين الصينين أمثال شركة BYD، مع تباطؤ مبيعات منتجاتها الأعلى الجودة.
ووفقاً لما ذُكر في مجلة السيارات البريطانية Autocar: “تُعتبر عملية الإنتاج الجديدة جذرياً أمراً حاسماً لاستدامة تسلا، ويمكن أن توفر حتى 50% من تكاليف البناء وتعمل على تسريع أوقات الإنتاج”.
وأشارت المجلة المتخصّصة في هذا القطاع إلى ذلك بالقول: “تعتمد عملية unboxed بشكلٍ أساسيّ على تقليل كمية العمل المُنجز في كلِّ مرحلةٍ من مراحل خط الإنتاج، وتجنّب أيّ حركةٍ أو تفكيكٍ غير ضروريّ للسيارة أو مكوّناتها خلال رحلتها على خط الإنتاج”.
وبالإضافة إلى تنفيذ طرق تجميع جديدة، تعمل تسلا بجدٍّ لتطوير بطارياتٍ ومحركات مركباتٍ كهربائيةٍ من الجيل القادم بدون استخدام مواد أرضيّة نادرة وثمينة. أيضاً، من المتوقع أن يتم دمج حزم البطارية الهيكلية بشكلٍ أعمق في المركبة الصغيرة لتقليل التعقيد.
وأكد صحفيو مجلة Auto: ” لم يتم الكشف على تفاصيل نظام الدفع الخاص بـ Model 2 بعد، لكنّ من المرجّح أن يتبع نمط الطرازات الأخرى لتسلا، وأن يتوفر في إصداراتٍ ذات محركٍ واحد ومحرّكين، مع إمكانية تقديم إصداراتٍ عالية الأداء لاحقاً”.
شركة تسلا (Tesla) تواجه فترةً انتقاليةً حرجة
لم يفصح إيلون ماسك عن مواعيد إطلاق برنامج السيارات الكهربائية بسعر 25,000$ وعملية التجميع unboxed الجديدة، ولكنّه أخبر المستثمرين في كانون الثاني/يناير أن الشركة “أنجزت قسماً كبيراً” من العمل على المركبة الجديدة ونظام التصنيع، وقد أشاد ماسك بشركته مؤخراً لبنائها “نظام تصنيعٍ ثورياً أكثرَ تطوّراً من أيّ نظام تصنيع مركبات قيادة في العالم بفارقٍ كبير”.
ويمكننا تفهّم حماس ماسك بسبب إلحاح الموضوع والمخاطر المرتبطة به، وتتوقع شركات الأبحاث الكبرى مثل Gartner now predict أن الوافدين الجدد إلى سوق المركبات الكهربائية سيحققون مساواةً في التكاليف مع السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق التقليدية بحلول عام 2027 بفضل الابتكارات الجديدة على شاكلة جيجا كاست (Gigacast).
وعلّق بيدرو باتشيكو (Pedro Pacheco) بالنيابة عن نائب رئيس قسم الأبحاث في شركة Gartner: “ترغب الشركات الجديدة المصنّعة للمعدّات الأصلية (OEM) بتغيير واقع صناعة المركبات… وقد خرجت بابتكاراتٍ جديدة تخفّض تكاليف العمل مثل تصميم المركبات المركزيّ وتقنية جيجا كاست التي تساعد على خفض كلفة التصنيع وزمن التجميع، ولا يوجد أمام مصنّعي المركبات التقليديين خيارٌ سوى بتبني هذه التقنيات كي يستطيعوا النجاة في السوق”.
ويحذّر المحللون في الوقت ذاته من الغربلة المُرجّحة لعشرات شركات المركبات الكهربائية الحديثة التي ظهرت خلال العقد الماضي لتحدّي سيطرة تسلا، حيث تخسر شركة لوسيد (Lucid) 227,000$ تقريباً مقابل كلّ سيارة، ويمكن أن تسقط برفقة العديد من الشركات الأخرى في حال لم يزدد الطلب على السيارات الكهربائية وإذا لم تنخفض تكاليف الإنتاج.
ويتوقع باتشيكو إفلاس أو شراء 15% من شركات المركبات الكهربائية -التي تم تأسيسها في العقد الأخير- بحلول عام 2027 في ظلّ النموّ المستمرّ للمنافسة في السوق، ويمكن لتسلا أن تستمرَّ في سيطرتها على سوق المركبات الكهربائية سريع التطوّر في حال نجاحها بتطبيق المبادرات التقدّمية مثل منصّة التجميع “unboxing” و”السيارة الاقتصادية بسعر 25,000$”، إلّا أن فشلها في هذه الإجراءات المخفِّضة للتكاليف يمكن أن يُضعفها أمام المنافسين على جميع الجبهات.
في النهاية، تواجه تسلا مخاطرَ وجوديةً بسبب المنافسين الصينيين، وفي نفس الوقت يعدّ ذلك فرصةً ذهبيةً لترسيخ مكانتها المُستحَقّة كأبرز مصنّعٍ للمركبات الكهربائية في العالم.