استغلت شركة جوجل (Google) فرصة انعقاد مؤتمر مطوّري I/O هذا الأسبوع، والذي يحظى بمتابعةٍ واسعة النطاق، لعرض التقدم الذي حققته في منتجاتها، خاصّةً فيما يتعلق بميزات الذكاء الاصطناعي.
ومن الواضح أن تطوير وتحسين قدرات الذكاء الاصطناعي كان الشغل الشاغل للشركة العملاقة في مجال محركات البحث خلال الأشهر الماضية، حيث تتسابق الشركات المنافسة مثل أوبن إيه آي (OpenAI) ومايكروسوفت Microsoft (MSFT) وحتى ميتا (Meta Platforms) للوصول إلى الهيمنة على هذه السوق الناشئة.
وتم الإعلان خلال المؤتمر عن تحديثاتٍ رئيسيةٍ في الذكاء الاصطناعي الخاص بالمنتجات الأساسيّة للشركة مثل خدمة البحث ونظام تشغيل أندرويد (Android) وتطبيقات Workspace مثل Gmail. وبدون أدنى شكّ فإن الذكاء الاصطناعي يبرز كأحد الأولويات الإستراتيجية لشركة جوجل حالياً.
علاوةً على ذلك، فقد كشفت الشركة خلال المؤتمر عن كلٍّ من الإصدارات قصيرة المدى والمنتجات والميزات والخدمات المفاهيمية ذات الرؤية المستقبلية. ومن الملاحظ أن موضوعاً واحداً يربط بين كلّ هذه الإعلانات بشكلٍ واضح، وهو أن جوجل تريد دعم نظامها التقنيّ بالكامل -بما في ذلك الأجهزة والبرامج والهواتف المحمولة والبحث على الإنترنت- بأحدث وأقوى نماذج اللغات الكبيرة (AI) التي طوّرها قسم الذكاء الاصطناعي الخاص بالشركة Google DeepMind.
وفيما يتعلق بالناحية العملية التي تهمّ المستخدمين، فقريباً ستسمح تحديثات خدمة نموذج الذكاء الاصطناعي جيميني (Gemini AI) الرائد من Google بالانخراط في محادثاتٍ متقدمةٍ مع المساعد الافتراضيّ للشركة على الهواتف والأجهزة اللوحية التي تعمل بنظام أندرويد؛ كما أن جوجل كشفت النقاب أيضاً عن المزيد من الابتكارات التي تعمل عليها مثل منصة الواقع المعزّز المسماة “مشروع أسترا” أو (Project Astra) والتي يمكنها دعم قدرات الرؤية والكلام الموجّهة بالذكاء الاصطناعي.
وتشمل التحسينات الأكثر عمليةً التي سيستمتع بها المستخدمون قريباً التحديثات الأخيرة التي تم إدخالها على جيميني (Gemini)، وهو حلّ الذكاء الاصطناعي المتطوّر للشركة، والذي سيتضمّن الآن مساعداً افتراضياً للأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد.
إضافةً لذلك، فقد كشفت شركة جوجل (GOOG) النقاب عن أحدث ابتكاراتها في مجال الواقع المعزز (AR)، وهي منصةٌ جديدةٌ تسمى “Project Astra”، والتي تقدم للمستخدمين نموذجاً يدعم الرؤية والكلام الموجّهين بالذكاء الاصطناعي.
محرك البحث يتلقى تجديداً طال انتظاره بدعم من الذكاء الاصطناعي
يجري تجديد محرك بحث Google -جوهرة تاج الشركة- بقدرات الذكاء الاصطناعي التوليدية الجديدة، إذ قامت الشركة بمعاينة نسخةٍ “منظمةٍ بالذكاء الاصطناعي” من صفحة نتائج البحث الكلاسيكية الخاصّة بها، والتي تجمع بين المواضيع والأفكار والوسائط ذات الصلة من خلال النقر على نماذج الذكاء الاصطناعي.
وسيتم طرح هذه التصنيفات الجديدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في بادئ الأمر لعمليات البحث المتعلقة بالطعام ووصفاته والأفلام والفنادق والكتب والتسوّق. ومع ذلك، فإن تحسينات الذكاء الاصطناعي ستتجاوز مجرّد تقديم المعلومات بشكلٍ مختلف.
كما كشفت جوجل أيضاً أن محرك البحث المدعوم بالذكاء الاصطناعي سيبدأ بصياغة لمحاتٍ نصيةٍ مخصّصةٍ لتلخيص الموضوعات المعقدة مباشرةً في النتائج بدلاً من مجرّد الإحالة إلى مواقع أخرى، وهذا ما قد يكون له آثارٌ كبيرةٌ على كيفية استهلاك المستخدمين للمعلومات عبر الإنترنت وعلى مواقع الويب التي تهدف إلى جذب الزيارات إليها من خلال ظهورها في عمليات البحث.
وعلى هذا المنوال، تطلق الشركة ميزات بحثٍ متعددة الوسائط جديدة تمزج الأوامر النصية مع الصور والمستندات والتحميلات الأخرى لتقديم خلاصاتٍ ذات صلةٍ بكلّ سؤال.
ويتيح إدخال نموذج جيميني (Gemini) -بما يقدمه من إثراءٍ للنتائج عبر خدمات Google المختلفة- إمكانات بحثٍ جديدةً تماماً مدعومةً بالذكاء الاصطناعي تتجاوز مطابقة النص التقليدية التي جعلت محرك البحث هائل الرواج ومُعتمَداً على نطاقٍ واسع.
تحسيناتٌ كبيرةٌ على خدمة البريد الإلكتروني Gmail بفضل قوة Gemini AI
يأتي جيميل (Gmail) من بين أولى تطبيقات جوجل التي ستتلقى دعم الذكاء الاصطناعي عبر تضمين نموذج جيميني (Gemini) الجديد لدعم الكتابة والتحليل والمساعدة في المهام. وقدّمت الشركة شرحاً حول كيفية الطلب من جيميني قراءة مجموعةٍ متراكمةٍ من رسائل البريد الإلكتروني حول موضوعٍ معيّن، وتحديد النقاط الرئيسية وعناصر العمل، وصياغة رسائل الردّ لتسهيل سير العمل.
كما يستهدف جيميني أيضاً تطبيقات جوجل الأساسية مثل Google Docs وSheets وSlides وأدوات إنتاجية Workspace الأخرى لمنح المستخدمين المساعدة عند صياغة المستندات والبيانات وتحريرها وتحليلها، والإجابة على أسئلة المتابعة، وتحديد صيغ الكتابة لتنفيذ عملياتٍ معينةٍ، وإنشاء العروض التقديمية وفرز مجموعات البيانات الضخمة حسب الحاجة.
ومع أن Gmail يقدم مسبقاً اقتراحات الكتابة باستخدام الذكاء الاصطناعي من خلال ميزة “ساعدني في الكتابة”، فإن وظائف Gemini الجديدة تمثل قفزةً كبيرةً فيما يتعلق بتجربة المستخدم، حيث سيؤدي تضمين جيميني إلى تعزيز إمكانيات مساعدي الذكاء الاصطناعي الحاليين ودمجهم في جميع أدوات الأعمال والإنتاجية الأساسية لشركة جوجل.
دعم تفاعلات الهاتف الذكيّ مع Gemini Live
بالنظر إلى المستقبل، كان أحد إعلانات جوجل الأكثر إثارةً هو عرضٌ لميزة “Gemini Live”، وهي ميزةٌ جديدةٌ تهدف إلى تقديم محادثاتٍ صوتيةٍ أكثرَ طبيعيةً ومدعومةً بالذكاء الاصطناعي على الهواتف الذكية.
ومع ميزة Live، سيتمكن Gemini من الانخراط في أحاديثَ متبادلةٍ، ورؤية البيئة المادية للمستخدم والتفاعل معها من خلال كاميرا الهاتف، واستنتاج المعلومات ذات الصلة للإجابة عن أسئلة المتابعة، أي أنه يَعِدُ بتقديم تجربةٍ أقرب إلى التفاعلات بين البشر.
وقد أظهر استخدم خبراء جوجل لميزة Live في سيناريوهاتٍ مختلفةٍ خلال الوقت الفعليّ كيف تمكنت هذه الميزة من متابعة سلسلة المحادثة أثناء مراجعتها للحقائق ذات الصلة بموضوع الحديث من قاعدة معارفها لتقديم المساعدة في مهامّ مختلفة.
وتقول الشركة إن ميزة Live تستفيد من تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدية الجديدة التي توفر للحاسوب قدراتٍ متقدمةً في إمكانيات التمييز البصريّ وإدراك الكلام مقارنةً بمساعدي الذكاء الاصطناعي الحاليين.
مع ذلك، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت ميزة Live ستكون متاحةً أو متى ستكون متاحةً للجمهور، نظراً لأن العرض التجريبيّ ظلَّ نموذجاً أولياً فقط حتى الآن. وفي كلّ الأحوال تمثل هذه الفكرة قيد التطوير رؤية جوجل لمساعد الذكاء الاصطناعي الذي يتمتع بدرجةٍ معينةٍ من الوعي بالزمان والمكان من خلال الاعتماد على الكاميرات وأجهزة الاستشعار الذكية لإجراء تقييماته وتقديم الاستجابات ذات الصلة.
تغطية أساسيات الذكاء الاصطناعي مع تحديثات جيميني (Gemini)
ركّزت جوجل أيضاً على تطوير هيكلية Gemini على المدى القريب، وسيحصل نموذج Gemini 1.5 Pro على توسعةٍ مرتقبةٍ لنافذة الاستيعاب الظرفيّ من مليون إلى 2 مليون رمز، وستسمح النافذة الأوسع باستيعاب ومعالجة وتوليد المخرجات من حجوم أكبرَ للوثائق والفيديوهات والمواقع ومستودعات السطور البرمجية وغيرها من مصادر البيانات، ويُعتبر هذا عاملاً أساسياً لإنتاج مُخرَجاتٍ أكثر اطّلاعاً وموثوقيةً بالمقارنة مع النماذج الحالية.
ووثّقت جوجل نماذج عن إمكانية تحليل كتبٍ رقميةٍ كاملةٍ باستخدام Gemini 1.5 Pro بهدف إنشاء دروسٍ ومحاضراتٍ تفاعليةٍ، كما يتم تحسينه حالياً في مجالاتٍ متخصّصةٍ مثل تحليل السطور البرمجية لتسريع سير تطوير البرمجيات بمساعدة الذكاء الاصطناعي، كما توجد تحديثاتٌ قادمةٌ لنماذج Gemini Flash -الأفضل من ناحية السرعة- وGemini Nano الجديد المُدمج في متصفّح كروم (Chrome) لإجراء معالجة الذكاء الاصطناعي ضمن الجهاز وبشكلٍ أكثرَ خصوصيةً، ونوّهت جوجل إلى مساعيها في مجال أمان الذكاء الاصطناعي من خلال أدوات العلامات المائية وكشف الوسائط المُصطنعة إلى جانب العديد إجراءات الوقاية الأخرى.
تقديم “Project Astra” لحوسبة الواقع المعزز
قد يكون Project Astra أكثرَ مبادرةٍ جرأةً تم كشفها في مؤتمر I/O، وهو عبارةٌ عن تجربةٍ متطوّرة لخلق ذكاء اصطناعي قادر على فهم العالم الحقيقيّ والتفاعل معه باستخدام حسّاسات الكاميرا والرؤية الحاسوبية، وينطلق Astra من مفهوم جيميني المخصّص للهواتف الذكية واحتمالية توسّعه ليشمل نظارات الواقع المعزز وغيرها من الحواسيب المستقبلية القابلة للارتداء، ولمّحت جوجل إلى أن Astra قد يسمح للمستخدمين بوضع مهامَّ معقدة متعدّدة الخطوات باستخدام الصوت والإشارات مع تلقّي المساعدة والسياق من البرمجيات الذكية.
ويمكن أن يقوم Astra -نظرياً- بإرشاد المستخدم لإجراء الإصلاحات المنزلية من خلال تحديد الأدوات وقراءة دليل التعليمات بصوتٍ عالٍ وعرض النماذج ثلاثية الأبعاد ومرافقته خطوةً بخطوة باستخدام التخطيط المساحي وعروض الواقع المعزز، ولكن Astra ما يزال حالياً قيد التطوير ويبعد عدّة سنواتٍ عن دمجه في منتجات المستهلكين.
مزايا الذكاء الاصطناعي المُقدّمة إلى نظام أندرويد بما فيها الإحاطة للبحث وتحسين الكاميرا
تم التركيز على تطبيقات الهاتف في مؤتمر I/O حيث أعلنت جوجل أن نظامها التقنيّ بأكمله سيتمحور بشكلٍ أكبر حول الذكاء الاصطناعي، وتم استعراض منتجاتٍ وميزاتٍ جديدة ذات وصولٍ أفضل للذكاء الاصطناعي وقدراتٍ أخرى مثل خدمة Gemini لمراقبة المكالمات الصوتية -التي تستطيع كشف الاحتيالات المُحتملة- وتحسينات أداء الكاميرا بوساطة الذكاء الاصطناعي، وقد تم تطوير ميزة “الإحاطة للبحث” التي تم الإعلان عنها سابقاً وأصبحت أكثر كفاءةً واستيعاباً، وستسمح للمستخدمين بطلب المعونة من مساعد Gemini بخصوص أيّ عنصرٍ تتم إحاطته بالإصبع أو إشارات اليد.
كما قامت جوجل بخطوةٍ غريبةٍ بإضافة نماذج الذكاء الاصطناعي مباشرةً إلى نظام أندرويد لكشف الفيروسات على الجهاز وإيقاف تطبيقاتها إلى جانب إضافة الأذونات وإلغائها بشكلٍ تلقائيّ في حال كشف أيّ تهديدات. وسيستفيد المطوّرون من مجموعة الأدوّات الموسّعة لبناء مساعدين افتراضيين مدعومين بجيميني تحت اسم “Gems” يمكن تخصيصهم لمجالاتٍ متنوّعةٍ مثل سير العمل والتطبيقات والخدمات؛ أي أنها عبارةٌ عن روبوتات محادثةٍ مخصّصةٍ مدعومةٍ بجيميني.
التركيز على القيم وإعدادات الخصوصية لتهدئة المخاوف من الذكاء الاصطناعي
يوجد الكثير من الأمور التي تستحق المشاركة تم التطرّق لها في مؤتمر Google I/O، ولربّما نحتاج إلى أكثر من مقالةٍ لتغطيتها جميعاً، ولكن من الواضح أن الذكاء الاصطناعي أصبح أولويةً إستراتيجيةً للشركة التي تطمح لتحقيق أمورٍ تتجاوز كلَّ توقعاتنا، وسيخضع النظام التقنيّ لجوجل لتحديثٍ سريع بفضل جيميني وميزاته التي ستتوفر بشكلٍ فوريّ أو خلال الأشهر القادمة.
وقد أشارت جوجل إلى اهتمامها بشكلٍ خاص بإضافة إجراءات الحماية التي تسمح بتلطيف المُخرجات التي يمكن إنشاؤها باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي، وذلك لمنع المستخدمين ذوي النوايا السيئة من استغلال البرامج لأغراضٍ ضارةٍ بالمجتمع مثل نشر الأخبار الكاذبة أو صنع البرمجيات الخبيثة.
ومن المخطط له أن تمتدَّ جيميني (Gemini) إلى كلّ عناصر نظام جوجل التقنيّ بما فيها البريد الإلكتروني وسير عمل الوثائق وكاميرات الهواتف الذكية وبيئات الواقع المعزز في نهاية المطاف؛ ومن المرجّح أن يثير هذا التركيز الكبير على الذكاء الاصطناعي مخاوفَ وانتقاداتٍ حول جمع البيانات والمعلومات التي يمكن معرفتها بشكلٍ شخصيّ وعملية تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي.
قد يكون هذا أكبر تحدٍّ في وجه جوجل وسط ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي: الحفاظ على ثقة المستخدمين مع اقتراب الذكاء الاصطناعي من خصوصياتهم وتواجده الكليّ في كلّ مكانٍ وتأثيره في حياتهم الرقمية اليوم.