يد تمسك هاتفاً محمولاً تظهر على شاشته تطبيقات ذكاء صنعي وفي الخلفية فنجان قهوة

كشفت شركة SenseTime -وهي شركةٌ صينيةٌ تعمل في مجال الذكاء الصنعيّ- النقابَ عن SenseNova 5.0، وهو تحديثٌ لأوّل نماذج اللغة الكبيرة (LLM) الذي أطلقته عام 2023، والساعي -وفقاً للشركة- إلى منافسة نموذج تشات جي بي تي 4 (GPT-4 Turbo) من شركة أوبن إيه آي (OpenAI)، لتشهد أسهم شركة SenseTime المُدرَجة في بورصة هونج كونج ارتفاعاً هائلاً عقب هذا الإعلان، رغم أن قيمتها ما تزال متراجعةً بقوة مقارنةً بأعلى مستوياتها لعام 2024.

وكانت شركة SenseTime قد أزاحت الستار عن نموذجها هذا خلال حدثِ Tech Day في شنغهاي أمس الأول، وقالت إن أنشطة التطوير الرئيسية للتحديث الجديد تشمل جوانب الرياضيات والاستدلال والمعرفة والأكواد البرمجية.

وتبعاً لشركة SenseTime، فقد أصبحت أداة SenseNova 5.0 تتمتع حالياً بقدراتٍ حسابيةٍ وكوديةٍ واستدلاليةٍ تُعَد الأفضل في فئتها، ما يضيف المزيد لقيمتها بين تطبيقات نظم التمويل وتحليل البيانات.

وأضافت الشركة: “بالنظر إلى نفس المُدخلات المعرفية، فقد أصبح النموذج يتمتع بقدراتٍ أفضلَ في جوانب الفهم والتلخيص والإجابة على الأسئلة، ما يوفر دعماً قوياً للنظم التي يمكنها الاعتماد عليه في مجالاتٍ كالتعليم وصنع المحتوى”.

رجل يقف متحدثاً في إحدى قاعات المؤتمرات وخلفه شاشة ضخمة تعرض بيانات

شركة صينية تكشف النقاب عن منافسٍ جديد لتطبيق تشات جي بي تي (ChatGPT)

في العام الماضي، كشفت شركة SenseTime عن برمجيتها SenseChat للمحادثة الآلية والتي تحظى بالقدرة على تأدية مهامّ متعددةٍ مثل كتابة رسائل البريد الإلكتروني عند الطلب؛ وحينها صرّح الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك للشركة Xu Li أن أداة SenseChat تقوم على نموذج الذكاء الصنعيّ الكبير SenseNova الخاص بالشركة، معلناً ظهور منافس قويّ لسابقه تشات جي بي تي (ChatGPT).

وكان سعر سهم شركة SenseTime قد تراجع كثيراً خلال العامين الماضيين؛ ففي كانون الثاني/يناير من عام 2022، ارتفعت قيمة الشركة السوقية لتبلغ 35 مليار دولار، لكن قيمة سهمها عاودت الانخفاض لاحقاً. وفي الأسبوع الماضي، سجّل سعر سهمها أدنى مستوياته على الإطلاق على الرغم من انتعاشه منذ ذلك الحين، إلا أن القيمة السوقية للشركة أصبحت تقلّ قليلاً عن 3.5 مليار دولار حالياً، أي دون أدنى مستوياتها المسجلة على الإطلاق بنسبة 10%.

وبالمقارنة، تتجاوز القيمة السوقية لشركة OpenAI مطوِّرة نموذج ChatGPT علامة 80 مليار دولار، إضافةً إلى تلقّيها استثماراتٍ بمليارات الدولارات من شركة مايكروسوفت (Microsoft). وبما أن أسهم الشركات الصينية يتم تداولها -عادةً- بخصوماتٍ كبيرةٍ مقارنةً بمنافساتها في قطاع التكنولوجيا داخل الولايات المتحدة، فنجاح نموذج الذكاء الصنعيّ الخاص بشركة SenseTime في التفوّق على سابقه ChatGPT سيفتح آفاقاً رحبةً لازدهار هذه الشركة.

شركة صينية تبتكر منافساً لأداة ChatGPT

جاءت ادعاءات شركة SenseTime بقدرة نموذجها SenseNova 5.0 على منافسة نظيره GPT-4 التابع لشركة OpenAI مثيرةً للدهشة حقاً، وذلك بالتزامن مع فرض الولايات المتحدة قيوداً على صادرات الرقائق الإلكترونية المتطوّرة إلى الصين خشية تقدُّم أنظمة الذكاء الصنعيّ المخصّصة لأغراض عسكريةٍ وغيرها في البلاد.

ومن المعلوم أن الولايات المتحدة تتفوّق عالمياً في مجال تطوير نظم الذكاء الصنعيّ الخاصّة بالأغراض العسكرية، حيث يستثمر الجيش الأمريكي بقوةٍ في تكنولوجيا الذكاء الصنعيّ ويطوّر مركباتٍ ذاتية القيادة إلى جانب طائراتٍ ذاتية القيادة وأنظمةٍ أخرى يمكنها مساعدة الجنود من البشر في ساحات المعارك. مع ذلك، فقد حققت الصين خطواتٍ كبيرةً في قطاع الذكاء الصنعيّ وتقنياته أيضاً، في محاولةٍ حثيثةٍ للحاق بركب التقدم التكنولوجي في هذا المجال.

ويبدو أن القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على تصدير الرقائق الإلكترونية تؤتي ثمارها، والمتمثلة بكبح طموحات الصين في مجال الذكاء الصنعيّ. فعلى سبيل المثال، ألغت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة علي بابا (Alibaba) -والتي تقوم أيضاً ببناء نماذجها الخاصّة بالذكاء الصنعيّ- إطلاق ذراعها الخاص بالنظم السحابية نتيجةً للقيود الأمريكية المفروضة على صادرات الرقائق الإلكترونية.

وقالت شركة Alibaba في بيانها: “لقد خلق التوسيع الأخير للقيود الأمريكية على تصدير رقائق الحوسبة المتقدّمة أجواءَ ضبابيةً أحاطت بمستقبل مجموعة Cloud Intelligence Group”.

وتمتد حالة القلق هذه لتطال شركاتٍ صينيةً أخرى أيضاً. ففي العام الماضي، قالت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة Tencent إنه رغم مخزونها من رقائق H800 الخاصة بشركة إنفيديا (Nvidia) -والخاضعة حالياً لقيود التصدير- قد يكفي “لمدّةٍ لا تقلّ عن بضعة أجيال” لنموذجها “Hunyuan” الخاص بالذكاء الصنعيّ، إلا أنها ستحتاج إلى تطويرٍ لتصبح استخداماتُها أكثرَ “فاعليةً”، وأضافت الشركة: “سنحاول أيضاً البحث عن مصادرَ محليةٍ لرقائق التدريب هذه”.

التوترات الأميركية الصينية تضر بمصالح الشركات على كلا الجانبين

لا يقتصر الضرر الناتج عن توتر العلاقات الصينية الأمريكية على الشركات الصينية وحدها، فالحرب التكنولوجية المتصاعدة بين البلدين تضرّ بمكتسبات الشركات الأمريكية أيضاً. وكمثالٍ على ذلك، حذرت شركة إنفيديا من أن قدرتها التنافسية طويلة الأجل في الصين -والتي كانت تمثل 20% من إيراداتها الخاصة بقطاع مراكز البيانات قبل الحظر- قد تتأثر سلباً، وقد تخسر نشاطها التجاريّ في الصين.

وعلى الرغم من العقوبات، إلا أن الشركات الصينية تمضي قُدُماً في إنجازاتها التكنولوجية، وتأتي شركة هواوي (Huawei) الصينية كأوضح مثالٍ على ذلك، حيث تمكنت من تحقيق اختراقٍ في مجال تصنيع الرقائق رغم معوقات العقوبات الأمريكية؛ كذلك حققت الهواتف الذكية الجديدة للشركة نجاحاً فورياً لدى المستهلكين الصينيين، إذ جاء ارتفاع مبيعاتها على حساب مبيعات هاتف آيفون (iPhone 15) في البلاد، إلا أن وزيرة التجارة الأمريكية -جينا ريموندو (Gina Raimondo)- قلّلت من أهمية الإنجاز التكنولوجي لشركة هواوي في مجال الرقائق الدقيقة في مقابلةٍ مع برنامج 60 Minutes على شبكة CBS News، حيث قالت خلاله: “إنهم متأخرون لسنواتٍ عمّا لدينا داخل الولايات المتحدة. فنحن لدينا أشباه الموصلات الأكثر تطوّراً في العالم، وهو ما تفتقر إليه الصين، فقدراتنا الابتكارية لا تُضاهى”.

ورغم أن شركة هواوي ترغب في أن يصدّق العالم أنها حققت هذا الاختراق التكنولوجي بالاعتماد على إمكاناتها الذاتية، إلا أن هناك مزاعمَ بأنها تمكنت من تجاوز العقوبات الأمريكية، فربّما تكون قد دفعت أموالاً طائلةً لجهاتٍ أخرى كي تزوّدها سراً بالأجهزة عالية الجودة التي احتاجتها، في غياب ما يكفي من الأدلة القاطعة لإثبات ذلك يقيناً.

وتبعاً لمسؤولٍ كبير في وزارة التجارة الأمريكية، فإنه “من المحتمل” أن تكون شركة SMIC -شريكة هواوي المختصّة بتصنيع الرقائق الإلكترونية- قد انتهكت العقوبات الأمريكية بتزويدها شركة هواوي برقائقَ متقدمة.

حرب التكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الصنعيّ تتجه نحو التصاعد

تدور حربٌ تكنولوجية في مجال الذكاء الصنعيّ بين الولايات المتحدة والصين، مع سعي شركات التكنولوجيا في كلا البلدين للاستفادة من الاستخدامات المذهلة لأنظمة الذكاء الصنعيّ؛ فقد حظرت الصين تطبيق ChatGPT تماشياً مع سياستها الداخلية المُتَّبعة منذ فترةٍ طويلةٍ، والمتمثلة بتجنّب شركات التكنولوجيا الأجنبية بحثاً عن بدائل محلية، وربّما لأسبابٍ تتعلق بالدعاية وأمن البيانات والنزعة الانعزالية.

وفي هذا الإطار، وفّرت الصين بدائلَ محليةً لمنصاتٍ مثل جوجل وفيسبوك، وذلك مراعاةً لحساسية البلاد العالية تجاه سلامة بيانات مواطنيها، وهو ما انعكس في الإزالة القسرية لسهم شركة ديدي (Didi) من سوق الأسهم الأمريكية.

وختاماً، يبدو أن حرب المنافسة في مجال تطوير نظم الذكاء الصنعيّ بين الصين والولايات المتحدة مرشحةٌ للتصاعد خلال الأشهر المقبلة مع قيام شركات التكنولوجيا الصينية بتطوير منتجاتها الخاصة بهذه النظم، وفي حال ثبت نجاح شركة SenseTime بتطوير نموذجها الذي يمكنه “إزاحة” نظيره ChatGPT والتفوّق عليه، فسيكون ذلك مؤشراً على أن العقوبات الأمريكية الرامية لإحباط قدرات الصين في مجال الذكاء الصنعيّ ذات تأثير محدودٍ في أحسن الأحوال.