تتسلّط الأضواء في السوق على أخبار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بسبب تأثير قراراته حول معدّلات الفائدة على كافة فئات الأصول وخصوصاً العملات الرقمية. وسنتحدّث ضمن هذه المقالة التحليلية عن العلاقة المعقّدة بين سياسات الفيدرالي النقدية وسوق الكريبتو المتقلّب، ونتحدّث عن أنماط التفاعل السابقة بين الكريبتو والفيدرالي والسيناريوهات الحالية والاحتمالات المستقبلية، إذ إن التفاعل بين تعديلات الفيدرالي لمعدّلات الفائدة وأسعار عملات الكريبتو ليس بالأمر الجديد.
ولطالما تسبّبت زيادة معدّلات الفائدة تاريخياً بارتفاع التوتر في سوق الكريبتو، حيث ترتفع تكاليف الاقتراض خلال فترات محاربة الفيدرالي للتضخم من خلال زيادة معدلات الفائدة، وبالتالي يزداد التخوّف من الأصول المتقلّبة مثل العملات الرقمية، فيما يؤدي خفض معدّلات الفائدة لإنعاش سوق الكريبتو والأصول عالية المخاطر بالتزامن مع سعي المستثمرين لتحقيق أرباحٍ أكبرَ من خلالها، ويعود ذلك لتراجع جاذبية الأصول قليلة المخاطر مثل السندات -بما في ذلك سندات الخزينة الأمريكية- إلى جانب انخفاض تكاليف الاقتراض الذي يمنَحُ رافعةً ماليةً كبيرةً مقابل معدل فائدةٍ منخفضٍ، وعادةً ما تقدم الأصول عالية المخاطر -في هذه الظروف- نسبةً أفضلَ للربح مقابلَ المخاطرة.
(معدّلات الفائدة التي يحددها الفيدرالي)
وقد شهدنا هذا التفاعل في الماضي القريب؛ فعند ارتفاع معدلات الفائدة في عام 2018 -تحت إدارة جانيت يالين (Janet Yellen)، تراجع سعر بيتكوين بشكلٍ كبيرٍ بالتوازي مع سوق الأسهم، ما يؤكد على حساسية سوق الكريبتو لتغيير معدلات الفائدة. أمّا في سوق عام 2021 الصاعدة؛ فقد تسبّبت معدّلات الفائدة المنخفضة في فترة وباء كورونا بموجة ارتفاع قويةٍ لبيتكوين ومجمل سوق الكريبتو، لتواجهَ بعد ذلك تصحيحاً قوياً عند إعلان الفيدرالي عن نيّته تشديد السياسة النقدية ورفع معدّلات الفائدة مجدّداً.
العلاقة بين معدّلات الفائدة والكريبتو: موقف الفيدرالي الحالي واستجابة سوق الكريبتو
يحافظ الفيدرالي على نهجه الحذر في الوقت الحاليّ ويُثبّت معدلات الفائدة لمكافحة التضخّم المستمرّ الذي يأبى الهبوط إلى هدف 2% الملائم للاقتصاد، ويعكس هذا القرار تأخيراً إستراتيجياً في تخفيضات معدلات الفائدة المرتقبة، في إشارة إلى التزام الفيدرالي بكبح التضخّم قبل البدء بالتخفيف من تشدّد سياسته النقدية.
ويعني هذا الكلام -بالنسبة لسوق الكريبتو- أن الظروف الحالية التي تزيد من جاذبية الأصول الآمنة قد تدفع الاستثمارات بعيداً عن العملات الرقمية المتقلّبة، إذ إنّ إصرار الفيدرالي على تثبيت معدّلات الفائدة العالية قد يُعرقل أجواء التفاؤل -التي عادةً ما تقف وراء استمرار السوق الصاعدة- ويتسبّب ببدء مرحلةٍ من التقلّبات وعدم اليقين في سوق الكريبتو مجدّداً.
التوقعات المستقبلية: تداعيات استمرار ارتفاع معدلات الفائدة على سوق الكريبتو
🌐Market update:
Overall, stocks have been down since the beginning of the week, as well as crypto. There are several relatively clear reasons for this:
◽️ Fed officials emphasized that they do not want to lower interest rates too soon, leading to a change in Fed Fund Futures,… pic.twitter.com/I6NLLyoDM9
— Jukov (@JukovCrypto) April 3, 2024
تتوالى التكهنات المحيطة بسياسات الفيدرالي المستقبلية، ويجب على سوق الكريبتو الاستعداد للظروف الصعبة القادمة في حال تأجيل خفض معدلات الفائدة، حيث يترافق ذلك مع ارتفاع جاذبية الاستثمارات التقليدية على حساب العملات الرقمية، وبالتالي احتمالية خروج رأس المال من سوق الأصول الرقمية. من جهةٍ أخرى؛ يمكن لأي إشارةٍ بخفض معدلات الفائدة أن تشعل الحماس مجدداً في سوق الكريبتو وتعيد المستثمرين للبحث عن العملات الرقمية عالية الأرباح خصوصاً مع اقتراب حدث تنصيف بيتكوين.
ويلتزم المستثمرون التفاؤل الحذر؛ إذ إن تخفيض معدلات الفائدة قبل أوانه يمكن أن يجدّد ضغوطات التضخم، ما سيضع صنّاع القرار أمام وضعٍ صعب.
العوامل الواجب مراقبتها
توجد بعض المعايير والإشارات التي يمكن متابعتها إن كنتم قلقين من تأثير سياسات الفيدرالي على سوق الكريبتو (وهو أمرٌ طبيعيٌّ لمن يمتلك عملاتٍ رقمية)، ويمكنكم البدء أولاً بمتابعة اجتماعات الفيدرالي التي تُقام شهرياً في تاريخٍ محدّدٍ مسبقاً، حيث تمّ تحديد موعد الاجتماع التالي بين 30 نيسان/أبريل و1 أيار/مايو، ويمكنكم الاطلاع على بقية المواعيد في الجدول أدناه.
وتُعتبر إحصائيات التضخم ثاني إشارةٍ يجب متابعتها، وقد عبّر الفيدرالي صراحةً عن رغبته بتخفيض التضخم وتثبيته عند 2%، ونستبعد بالتالي خفض معدلات الفائدة قبل تحقيق هذا الهدف والحفاظ عليه لمدّةٍ من الزمن، فمن المرجح أن يؤجل الفيدرالي تخفيض معدّلات الفائدة في حال استمرار التضخم فوق 2% لعدّة أشهر. وفي سياقٍ متصل؛ يقوم المكتب الأمريكي لإحصائيات العمل بإصدار إحصائيات التضخم -وتحديداً مؤشر أسعار المستهلكين (CPI)- شهرياً وبشكلٍ دوريّ، ومن المقرّر صدور الإعلان القادم في 10 نيسان/أبريل الحالي، ويمكن الاطلاع على بقية المواعيد من الجدول أدناه.
الخلاصة: يجب مراقبة علاقة الكريبتو والاحتياطي الفيدرالي
يحاول الفيدرالي مراعاة التوازن الهشّ بين مكافحة التضخم وتشجيع النموّ الاقتصادي، فيما يظلّ سوق الكريبتو مُراقِباً خارجياً يتأثر حتى بأقل التغييرات في السياسات النقدية، ويجب على المستثمرين والمهتمّين البقاء على اطّلاع مستمر وتوخّي الحذر في الوسط المالي الذي تتشابك فيه الأصول التقليدية والرقمية بشكلٍ متزايد، ويتأثر بسياسات أقوى مصرفٍ مركزيّ في العالم.