مبنى مايكروسوفت وأمامه أشجار وبجانبه أبنية شركات كبرى أخرى

في خطوة غير اعتياديةٍ أثارت حماس عالم التكنولوجيا، قامت شركة مايكروسوفت (Microsoft) بتنفيذ عمليةٍ إستراتيجيةٍ غير مسبوقةٍ في مجال الذكاء الصنعيّ من خلال استحواذها على العقول الرائدة من شركة الذكاء الصنعي إنفلكشن (Inflection AI) بما في ذلك المُبتكر مصطفى سليمان (Mustafa Suleyman)، وتتجاوز هذه الخطوة كافة الممارسات المُتعارف عليها لعمليات الاستحواذ ضمن شركات التكنولوجيا، بل ويمكننا القول إنها ليست عملية استحواذ اعتياديةً بأيّ شكلٍ كان.

فعلى ما يبدو، ترغب مايكروسوفت بالاستحواذ على العقول الرائدة لشركة إنفلكشن ليس فقط لإغناء فريقها بخبراءَ جددٍ وحسب، لكنّ هذه الخطوة تُعَد حاسمةً في مساعيها لتصدّر سوق الذكاء الصنعيّ وتجنّب التعقيدات التي غالباً ما تظهر في معاملات الشركات.

سنناقش في مقالنا اليوم كيفَ أعاد هذا التحالف تعريف مستقبل مايكروسوفت وكيف ارتدَّ بشكل صاعقٍ وصادمٍ على وادي السيليكون (Silicon Valley).

تفاصيل هذه الصفقة

في خطوة أثارت انتباه مجتمع التكنولوجيا، أبرمت شركة مايكروسوفت صفقةً لا مثيلَ لها مع شركة Inflection AI بطريقةٍ غير معهودة في تاريخ دمج واستحواذ الشركات، حيث تنصّ الصفقة على انتقال مصطفى سليمان والعديد من أعضاء شركة إنفلكشن إلى مايكروسوفت دون تشارُك الأسهم أو براءات الاختراع كما يحصل عادةً في عمليات الاستحواذ الاعتيادية. فبدلاً من ذلك، نجد هنا شراكةً إستراتيجيةً تدل على حرص مايكروسوفت على تطوير أفضل منتجات الذكاء الصنعيّ للمُستهلكين دون الدخول في تعقيدات الاستحواذ الكامل.

وتعيد هذه الصفقة إلى ذاكرتنا العرض الذي قدمه المدير التنفيذيّ لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا (Satya Nadella) لنظيره في شركة Open AI سام ألتمان (Sam Altman) والعديد من أعضاء فريقه للانتقال إلى مايكروسوفت وإنشاء فريقهم الخاص، وذلك بعد وقتٍ قصير من إقالة ألتمان. لكن -ولسوء حظ ناديلا- عاد ألتمان في النهاية إلى OpenAI بعد أيام عدّة سادت فيها الفوضى، ما أدى في نهاية المطاف إلى فشل الصفقة، لكنّ فكرة إنشاء فريقٍ من نجوم الذكاء الصنعيّ لم تفارق ناديلا، ووجّه اهتمامه هذه المرّة نحو شركة إنفلكشن.

اشتهرت شركة Inflection AI سابقاً بتطويرها لبرمجيّة الدردشة Pi التي تُركّز على خدمة المستهلكين، لكنها الآن بدأت بالانتقال نحو خدمة الشركات من خلال تطوير نموذج جديد للمعاملات بين المؤسسات التجارية (B2B)، وهذه الخطوة ليست مجرّد إضافة اتجاه جديد، بل تُعد تغييراً جذرياً في نموذج عملها؛ ويشير إلى تحرّك قطاع الذكاء الصنعيّ نحو تطوير خدماتٍ مخصّصةٍ للشركات.

وتوفر هذه الصفقة جلبَ خبرة Inflection إلى مايكروسوفت دون تعقيدات تشارك الأسهم أو براءات الاختراع، ما سيُمكن مايكروسوفت من تصدّر ابتكارات الذكاء الصنعي، كما ستبدأ هذه الشراكة حقبةً جديدةً من التعاون التكنولوجي تُركّز على التعاون الإستراتيجيّ بين الشركات بعيداً عن الاستحواذ والتحكم.

لماذا مايكروسوفت ولماذا الآن؟

هذه الخطوة الإستراتيجية التي اتخذتها مايكروسوفت للتعاون مع Inflection AI بضمّ مصطفى سليمان وأهمّ أعضاء فريقه لها تُعَد خطوةً مدروسةً لترسيخ مكانة مايكروسوفت في مجالي الذكاء الصنعي والتكنولوجيا الاستهلاكية. وتُعَد هذه الشراكة التي لا تتضمّن تشارك أسهم الشركة أو براءات الاختراع طريقةً ذكيةً لاكتساب مهاراتٍ وخبراتٍ قيّمةٍ يُمكنها تطوير قدرات مايكروسوفت في مجال الذكاء الصنعيّ، ويُعَد نهج وتوقيت مايكروسوفت مثاليين للأسباب التالية:

تطوير الذكاء الصنعيّ وتكنولوجيا المُستهلك

نموّ قطاع الذكاء الصنعيّ: ينمو سوق الذكاء الصنعيّ العالميّ بسرعةٍ ومن المتوقع أن تصل قيمته السوقية إلى 1.35 تريليون دولار بحلول عام 2030، ويُعَد ضمّ مايكروسوفت لفريق Inflection AI الماهر خطوةً إستراتيجيةً لتعزيز مكانتها في هذا السوق المزدهر.

الميزة التنافسيّة: يُعَد الابتكار أمراً حاسماً في عالم التكنولوجيا، وتتطلع مايكروسوفت لترسيخ تفوّقها في هذا المجال من خلال توسيع نطاق خدمات الذكاء الصنعيّ، الأمر الذي يُعَد ضرورةً في الاقتصاد العالمي المتوقع أن تُساهم تقنيات الذكاء الصنعي برفده بـ 15.7 تريليون دولار إضافيةٍ بحلول عام 2030.

التوقيت والسياق

  • زيادة اعتماد الذكاء الصنعيّ: تأتي جهود مايكروسوفت لتطوير خبراتها بالتزامن مع تزايد اعتماد الذكاء الصنعي ما يجعل توقيتها مثالياً، حيث تسمح لها هذه الاتفاقية بالاستعداد لتلبية الطلب المتزايد لحلول الذكاء الصنعيّ من مختلف القطاعات.
  • سرعة الابتكار: يتطوّر مجال الذكاء الصنعيّ بسرعةٍ ويتسم بالتنافسية الشديدة، وتتيح خطوة ضم فريق Inflection AI إلى مايكروسوفت امتلاكَها لأحدث الخبرات، وتُقدّم دليلاً على حِرصها بتصدّر ابتكارات الذكاء الصنعيّ.
  • مكافحة الاحتكار: يساعد ضمّ مايكروسوفت لهذه المواهب بدلاً الاستحواذ الكامل للشركات على تجنّب أيّ مشاكلَ قانونيةٍ محتملةٍ، ما يسلط الضوء على ذكاء نهج تعاملها مع القوانين التنظيمية.

باختصار، يتجاوز تعاون مايكروسوفت مع Inflection AI مجرّد إضافة أعضاء جُددٍ للفريق؛ فهو خطوةٌ إستراتيجيةٌ للحفاظ على تصدّرها سباق الذكاء الصنعيّ، كما يأتي هذا الإجراء في فترة نموّ قطاع الذكاء الصنعيّ واشتداد المنافسة فيه، ما يُعَد وقتاً مثالياً لاستفادة مايكروسوفت من الفرص الناشئة في مجال الذكاء الصنعيّ والتكنولوجيا الاستهلاكية.

تبعات هذا التعاون على مايكروسوفت

سنناقش فيما يلي آثار هذه الشراكة على شركة مايكروسوفت:

تحسين كفاءات الذكاء الصنعي: من خلال إضافة خبرات شركة Inflection AI إلى فريقها، تقوم مايكروسوفت بتطوير إمكانياتها لإنشاء حلول الذكاء الصنعيّ التي تُركز على المستهلكين، كما أنه يُحسّن مهارات الشركة في مجال الذكاء الصنعيّ التوليديّ الذي تتصدّره شركة OpenAI بفضل برنامجها ChatGPT. ستتمكن مايكروسوفت -عبرَ هذا الفريق المتميز- من تسريع عملية الابتكار، وربّما إنشاء منتجاتٍ وخدماتٍ جديدة تعتمد على الذكاء الصنعيّ يُمكنها مضاهاة -وربّما حتى التفوّق على- منتجات OpenAI وغيرها من شركات الذكاء الصنعيّ.

تطوير الخدمات السحابية: من المقرّر أن تساهم خبرات شركة Inflection AI بشكلٍ كبير في تطوير خدمات مايكروسوفت السحابية وخصوصاً Azure. وبما أن قطاع الذكاء الصنعيّ يعتمد على المنصات السحابية لتطوير نماذجه المعقدة، فيمكن لشركة مايكروسوفت استخدام هذه الخبرات لجعل Azure أكثر ملاءمةً لمهام الذكاء الصنعيّ، وبالتالي جذب المزيد من الباحثين والمطوّرين في مجال الذكاء الصنعيّ. وقد يؤدي هذا إلى زيادة حصة Azure في سوق الخدمات السحابية وتحدّي منافسيها مثل الخدمات السحابية لأمازون (Amazon Web Services) وجوجل (Google Cloud).

الذكاء الصنعيّ المخصص للمستهلكين والتميّز في السوق: تسمح هذه الصفقة لشركة مايكروسوفت بتقديم أفضل منتجات الذكاء الصنعي للمستهلكين في ظلّ التطوّر السريع لسوق الذكاء الصنعيّ وسعي كلٍّ من المستهلكين والشركات لإيجاد أدوات الذكاء الصنعيّ الجديدة والمفيدة؛ حيث يمكن لشركة Microsoft استخدام أفكار شركة Inflection AI لتحسين منتجاتها مثل Bing وMicrosoft 365، من خلال تعزيزها بميزات الذكاء الصنعيّ المتقدمة، الأمرُ الذي لن يؤدي فقط إلى تحسين تجربة المستخدم لهذه المنتجات، بل أيضاً سيميز مايكروسوفت كشركةٍ رائدة في إتاحة أدوات الذكاء الصنعيّ وتوظيفها في الاستخدامات اليومية لمنتجاتها.

باختصار، يبدو قيام مايكروسوفت بضمّ أهم خبرات شركة Inflection AI خطةً مدروسةً للتفوّق على المنافسين من خلال تعزيز خدمات الذكاء الصنعيّ والخدمات السحابيّة، ويدل على تصميم مايكروسوفت وسعيها الحثيث لريادة سباق الذكاء الصنعيّ، خاصّةً في مجالات الذكاء الصنعي للمستهلكين والخدمات السحابية. وتعمل هذه الإستراتيجية على ترسيخ دور مايكروسوفت في عالم الذكاء الصنعي، وربّما إرساء معاييرَ جديدة لابتكارات وتطبيقات الذكاء الصنعيّ.

ملخص ختاميّ

تعمل شراكة مايكروسوفت الإستراتيجية مع Inflection AI على تغيير الطريقة المعهودة لعمليات الدمج والاستحواذ في شركات التكنولوجيا، ويضع مايكروسوفت في طليعة المنطلقين بمجال الذكاء الصنعيّ سريع التطوّر، حيث يبرز تفاني مايكروسوفت لريادة ابتكارات الذكاء الصنعي من خلال جلب أفضل المواهب من Inflection AI دون التعامل مع تعقيدات تشارك ملكية الشركة أو براءات الاختراع، وتعمل هذه الخطوة الرائعة على تعزيز الذكاء الصنعيّ للمستهلكين والخدمات السحابية، وتُمكّن مايكروسوفت من تغيير شكل ومستقبل قطاع التكنولوجيا.