ثلاث عملات ذهبية تحمل شعار بيتكوين موضوعة فوق علم نيجيريا

يشتدّ الصراع الغريب المستمرّ بين منصة بينانس (Binance) لتداول العملات الرقمية -المتصدّرة عالمياً للترتيب من حيث أحجام التداول اليومية- والحكومة النيجيرية على إثر اعتقالِ مسؤولي بينانس التنفيذيين بتهمة زعزعة استقرار العملة الوطنية (النايرا). فمنذ سنواتٍ عديدة، لجأ النيجيريون إلى العملات الرقمية للتحوّط من تقلبات عملتهم الوطنية في التفافٍ على القوانين الهادفة لدعمها، وقد ساهمت تقنية البلوكتشين بحفظ القوة الشرائية لدى الكثير من المواطنين النيجيريين وسط الارتفاع المستمرّ لمعدل تضخم عملة النايرا الرسمية، والذي بلغ 29.9% في كانون الثاني/يناير الماضي.

مخطط بيانيّ لسعر زوج NAIRA/USD - المصدر: Tradingview

قطاع الكريبتو يؤدي مهمته على الوجه الأكمل

يُعتبر الهروب من العملات التي تفتقر إلى استقرار قيمتها -كعملتي النايرا النيجيرية والبيسو الأرجنتيني- أحد أفضل أوجه الاستفادة من قطاع الكريبتو، فبدلاً من الالتزام بعملةٍ وطنيةٍ تتناقص قيمتها باستمرار، يمكن التوجّه لاستبدالها بعملاتٍ مستقرة مدعومةٍ بالدولار الأمريكي -أو بغيرها من العملات الرقمية- كملاذٍ لتجنّب تكبد نزيف خسائرٍ مستمرّ؛ إلّا أن هذا الهروب من الاحتفاظ بالعملات الوطنية قد يتسبّب بالمزيد من التراجع لقيمتها بسبب استبدالها بعملاتٍ مستقرّةٍ -مدعومةٍ بالدولار الأمريكي- في السوق السوداء بأسعارٍ أقلَّ من سعر الصرف الحكوميّ.

لماذا بينانس بالتحديد؟

تسعى الحكومة النيجيرية لمكافحة تأثير العملات الرقمية المتزايد في البلاد، وقد حدّدت منصة بينانس (Binance) كهدفٍ رئيسيّ لتنفيذ مسعاها هذا؛ إذ تُستخدم المنصّة -داخل البلاد- لشراء عملاتٍ رقميةٍ والاطلاع على أسعار الصرف في السوق السوداء مقابل العملات المستقرة المدعومة بالدولار (والتي عادةً ما تكون أقلَّ مقارنةً بسعر الصرف الحكوميّ بالطبع). وفي ظلّ هذا الصراع، طالبت الحكومة منصة التداول الشهيرة بالكشف عن أكبر 100 مستخدم لها في البلاد وتقديم سجلٍّ مفصّلٍ لعمليات التحويل خلال الأشهر الستة الأخيرة.

يُذكر أن الحكومة تدّعي أن منصة بينانس تُستخدم للتلاعب بقيمة عملة النايرا على الرغم من إشارة الأدلة إلى أشخاصٍ عاديين يُحاولون الحفاظ على قدرتهم الشرائية عبرَ مبادلة رصيدهم من النايرا بعملاتٍ تتسم قيمتها باستقرارٍ أعلى، ويتماشى طلب الحكومة النيجيرية مع جهودها الهادفة لاستقرار سعر صرف العملة الوطنية وفرض سطوتها على أسواق الكريبتو ضمن حدود الدولة، ولكنَّ هذه المهمة تُعَد صعبةً بالفعل نظراً لأنَّ سوق الكريبتو النيجيريّ يُعَد أحد الأسواق الأكبر والأسرع نموّاً عالمياً.

بلبلة الاحتجاز: نظرةٌ أقربُ على اعتقال مسؤولين تنفيذيين في منصة بينانس

تصاعد التوتر مع احتجاز اثنين من مسؤولي بينانس التنفيذيين في نيجيريا، ما شكَّل نقطة تحوّلٍ مهمةً في مواجهة الحكومة مع منصة التداول الشهيرة.

ويُعتبر المسؤولون المحتجزون جزءاً مهماً من عمليات بينانس ضمن قارة أفريقيا، وقد تم اعتقالهم دون توجيه تهمٍ رسميةٍ لهم، ما أثار قلقاً دولياً وتساؤلاتٍ حول مدى تقاطع قوانين العملات الرقمية والعلاقات الدبلوماسية، لتثيرَ هذه الاعتقالات الكثير من الجدل مع ظهور ادعاءاتٍ بنصب فخٍّ لاعتقال المسؤولين التنفيذيين؛ فبحسب تقريرٍ لصحيفة Wall Street Journal، أبدى رئيس التحقيقات لدى بينانس اعتقاده بأن تيغران غامباريان (Tigran Gambaryan) اعتقد بأن رحلته ستكون مجرّد رحلة عملٍ قصيرة للاجتماع بمديري المصرف المركزيّ، غير أنه لم يكن هناك أيّ اجتماعٍ وتمّ اعتقاله مع زميله نديم أنجاروالا (Nadeem Anjarwalla) مدير بينانس في قارة أفريقيا.

وتؤكد هذه الحادثة على التعقيدات والمشاكل التي تواجه محاولات تنظيم قطاع الكريبتو العالمي واللامركزيّ، وبالأخصّ إثرَ قيام نيجيريا بحجب مواقع الإنترنت الخاصّة بالعديد من منصات تداول الكريبتو.

للاطلاع: كيفية شراء بيتكوين في نيجيريا

ولا تمثّل نيجريا وبينانس الطرفين الوحيدين في هذه القصة، إذ تمتد تبعاتها لتشمل النظام التقني العالمي للعملات الرقمية، حيث تعاني الحكومات في أنحاء العالم إثرَ محاولتها تنظيم القطاع، ويمكن لنتيجة هذه المواجهة أن تؤثر في مقارَبتها للقوانين المتعلقة بالكريبتو، وبالأخص في مجال خصوصية بيانات المستخدمين والتعاون بين منصات التداول والحكومات.

الخلاصة: ماذا يخبّئ المستقبل؟

يراقب مجتمع الكريبتو تطوّر هذه القضية عن كثب، ويمكن للتوازن الذي تحققه نيجيريا -بين الاستقرار الاقتصادي وقطاع الكريبتو المزدهر- أن يؤثر على الأُطر القانونية المستقبلية لدى دولٍ أخرى وبالأخصّ في أفريقيا، ففي حين أنه من الضروري استمرار السعي نحو إتاحة العملات الرقمية للجميع، يُمكن لحلِّ هذا النزاع أن يساعد منصات التداول على فهم كيفية التعامل مع الوسط الجيوسياسي المُعقّد بالتوازي مع حماية خصوصية المستخدمين وتشجيع تطوير الاقتصاد الرقمي.

أخيراً، يعكس الصراع بين بينانس والحكومة النيجيرية صعوبات تقاطع الاقتصاد الرقمي المزدهر مع الهيكليات الاقتصادية الخاضعة لسيطرة الحكومات، إذ يُنتظر أن تتجاوز نتيجة هذا الصراع الحدود النيجيرية وصولاً إلى التوافق على مقارباتٍ تنظيميةٍ لقطاع الكريبتو على مستوى المنطقة -وربّما العالم- وكيفية تحقيقِ التوازن بين الابتكار والخصوصيّة والإشراف الحكوميّ.