علم الصين وأمامه ظلٌّ ليدٍ تحمل هاتفاً يعرض شعار تطبيق TikTok

يخوض تطبيق التواصل الاجتماعي الشهير تيك توك (TikTok) أكبرَ تحدياتٍ يواجهها حتى الآن داخل الولايات المتحدة من قبل جهاتٍ تشريعيةٍ أمريكيةٍ، والتي يبدو أنها تنوي إيقافه كليّاً لدواعٍ تخصّ الأمن القوميّ بسبب ارتباط التطبيق بالحكومة الصينية، فقد تم طرح مشروع قانونٍ توافقيٍّ -بين الحزبين- هذا الأسبوع من شأنه أن يُجبر شركة ByteDance (مالكة تيك توك) على بيع وتصفية استثمارها في التطبيق داخل الولايات المتحدة أو مواجهة حظرٍ على مستوى الدولة يمنعها من التواجد على جميع الأجهزة الأمريكية.

وتمّت تسمية مشروع القانون باسم “قانون حماية الأمريكيين من تطبيقاتٍ تابعةٍ لجهاتٍ أجنبيةٍ معادية”؛ ويمنح المشروع شركة ByteDance مهلة 180 يوماً لسحب استثماراتها من تيك توك وأيّ تطبيقاتٍ أخرى بحوزتها.

القانون يهدّد التطبيق المفضّل لدى جيل مواليد عقد الألفية

لخّص النائب الجمهوريّ مايك غالاغر (Mike Gallagher) الأسبابَ التي دفعت زملاءه لإصدار مشروع القانون بقوله:

“لا يوجد أيّ مبرّرٍ لتحكّم العدو الأكبر للولايات المتحدة (الحزب الشيوعي الصيني-CCP) بمنصّة تواصلٍ اجتماعيٍّ مهيمنةٍ داخل الولايات المتحدة، وسينتهي وقت تيك توك في البلاد للأبد في حال لم يقطع صلاته بشركة ByteDance التي يتحكّم بها الحزب الشيوعي الصيني”.

وتمثّل هذه الإجراءات المُقترحة -التي يدعمها البيت الأبيض- الخطوة الأكثر عدوانيةً في استهداف الكونجرس لتطبيق تيك توك وسط المخاوف المستمرّة من إجبار التطبيق على مشاركة بيانات مستخدميه الأمريكيين مع حكومة الصين لأهدافٍ استخباراتيةٍ. وعلى الرغم من إنكار تيك توك لحدوث هذا، يُحذِّر مسؤولون أمريكيون من أن القانون الصيني يسمح للحكومة بإجبار الشركة على تسليم بيانات المستخدمين الأمريكيين في أيّ وقت؛ ومن المرجّح أن يكون هذا الادعاء صحيحاً بسبب قانون Xi Jinping للاستخبارات الوطنية الصادر عام 2017، والذي يتطلب من جميع الأفراد والمنظمّات والشركات المساعدة في العمل الاستخباراتي الوطنيّ عند يُطلب منهم ذلك.

وفيما لا يوجد دليلٌ ملموسٌ على مشاركة بيانات مستخدمي تيك توك الأمريكيين مع الحزب الشيوعي الصيني، لكن الحزب أذكى من أن يترك دليلاً على العملية في حال طلبه لبياناتٍ كهذه، وأضاف غالاغر: “في حال تقديركم لحريتكم الشخصية وخصوصيتكم على الإنترنت والأمن القوميّ للمواطنين الأمريكيين في الداخل، وحتى إن كنتم تودّون استمرار التطبيق بالعمل داخل الولايات المتحدة؛ فإن هذا القانون هو الخطوة الحقيقية الوحيدة التي يمكنها تحقيق هذه الأهداف… إنّه يوفّر الوسيلة الوحيدة لاستمرار عمل التطبيق ضمن حدود الولايات المتحدة ودون تهديد لحريةِ وخصوصيةِ وأمن مستخدمي الإنترنت”.

تفاصيل إضافية حول القانون المُقترح الذي يمكن أن يتسبّب بحظر تيك توك

في حال الموافقة على مشروع القانون سيتم:

  • منحُ شركة ByteDance مدة 180 يوماً لتصفيةِ استثماراتها في تيك توك والتطبيقات المرتبطة به ونقل جميع العمليات والبيانات ضمن الولايات المتحدة إلى شركةٍ أمريكيةٍ بعيدة عن السيطرة الصينية، وفي حال الفشل في الامتثال لهذه المطالب سيتم تجريم تحميل هذه التطبيقات واستخدامها داخل الولايات المتحدة.
  • تمكين الحكومة الفيدرالية الأمريكية من الاستمرار بتحديد “التطبيقات التي تسيطر عليها جهاتٌ معاديةٌ أجنبيةٌ” وحظرها في حال تهديدها للأمن القومي الأمريكي حتى لو كانت خارج ملكية التيك توك.
  • السماح للولايات المتحدة بحظر التطبيقات المشبوهة ومنع استفادتها من خدمات استضافة مواقع الإنترنت، ما يعني أن الأثر على الشركات سيتجاوز المتاجر الإلكترونية لشركتي آبل (Apple-AAPL) وجوجل.

يُذكر أنه قد تم تمرير مشروع القانون بسرعةٍ بفضل تشجيع البيت الأبيض ولجنة التجارة بالكونجرس لذلك، حيث حاز يوم الخميس على تصويتٍ بالإجماع من كلا الحزبين (50-0)، ما يعكس مدى قلق المشرّعين الحكوميين من كلا الحزبين حول مضار تيك توك على الخصوصية والأمن القومي. ويتجه القانون الآن ليعرَضَ في اجتماع الكونجرس الكامل الأسبوع القادم، وقد تحدّثت رئيسة اللجنة -ممثلة الحزب الجمهوري في واشنطن- كاثي مكموريس رودجرز (Cathy McMorris Rodgers) عن هذا الموضوع قائلةً: “سنأخذ اليوم أولى خطوات وضع قوانين طال انتظارها لحماية الأمريكيين من تهديد تطبيقاتٍ تسيطر عليها جهاتٌ معاديةٌ أجنبيةٌ وللتأكيد على التزام الولايات المتحدّة بقيَمها وحمايتها للحرية”.

ولا نعرف كيف سيتجّه القانون ضمن مجلس الشيوخ إلّا أن إدارة الرئيس بايدن (Biden) قدّمت مساعدةً فنيّةً في صياغة مسوّدته، وصرّحت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير (Karine Jean-Pierre) بقولها: “ما زال القانون بحاجةٍ للمزيد من العمل” قبل أن يتمَّ تبنّيه بالكامل.

تيك توك (Tik Tok) يقاوم بعزم ويحثّ المستخدمين على مناشدة صنّاع القرار منع الحظر

من جهتها، لا تدّخر منصة تيك توك -التي تحظى بـ 170 مليون مستخدمٍ أمريكيّ نشط- وِسعاً في مقاومتها لمشروع القانون الذي “سيفرض حظراً فورياً” يؤدي لإسكات ملايين الأصوات بشكلٍ منافٍ للدستور.

وصرّحت الشركة قائلةً: “سيتعدّى هذا القانون على الحقوق الدستورية لـ 170 مليون مواطنٍ أمريكيٍّ وفق التعديل الدستوريّ الأول ويحرم خمسة ملايين شركةٍ صغيرة من المنصّة التي تعتمد عليها للنموّ وإيجاد فرص عمل”. من جانب آخر، بدأ تيك توك هذا الأسبوع حَثّ المستخدمين -من خلال إنذاراتٍ ضمن التطبيق- على “رفع صوتهم الآن” ومطالبة ممثليهم في الكونجرس بمعارضة هذا القرار قبل أن “تُجرّد الحكومة 170 مليونَ مواطنٍ أمريكيٍّ من حقوقهم الدستورية الخاصّة بحرية التعبير”.

لقطة شاشة تعرض تحذير تيك توك للمستخدمين وتحثّهم على المطالبة بإلغاء مشروع القانون

ويبدو أن هذه الرسائل تسبّبت بموجةٍ من الاتصالات الهاتفية أغرقت مكاتب الكونجرس لدرجة قيام بعضها بإغلاق الخطوط الهاتفية لتجنّبها، واتهم غالاغر التيك توك بمحاولة “ترهيب” صنّاع القرار الأمريكي وإجبارهم على التصويت ضد مشروع القانون، فيما تُصِرّ الجهات الراعية على أن القرار لا يُعَد حظراً شاملاً، إذ يُمكن لتيك توك الاستمرار بالعمل تحت ملكيةٍ جديدة، ولكنَّ تيك توك رفضت هذا المُقترح بشكلٍ مباشرٍ من خلال تصريحٍ لها يقول: “إن هذا القرار يمثل نتيجةً محدّدةً مسبقاً وهي حظرُ تيك توك بالكامل داخل الولايات المتحدة”.

كما ظهرت اعتراضاتٌ من قبل مجموعات الحريّات المدنية مثل ACLU التي عبّرت عن استنكارها لحظر أو تقييد تيك توك بصفته اعتداءً على حقوق حرية التعبير، وقد حذّرت رابطة القطاع التجارية الأساسية أن هذا القانون “سيكون بمثابة انتهاكٍ للإصلاح الدستوريّ الأول والمتعلق بحقوق الشركات الخاصة في إدارة وعرض المحتوى الذي تُؤمن بملاءمته لمجتمعاتها”.

الاستشهاد بمخاطر أمنية يأتي نتيجة عدم إثبات مبرّراتٍ للحظر حتى الآن

حذّر مسؤولون أمريكيون في عدّة إداراتٍ جمهوريةٍ وديمقراطيةٍ طيلة سنواتٍ عديدة من المخاطر المحتملة لتيك توك كونَها مملوكةً للصين، ما يتيح لحكومة بيجين الاستبدادية جمع بيانات المستخدمين ومراقبتها، فضلاً عن إطلاق حملات تضليلٍ وحتى التجسّس بشكلٍ مباشرٍ؛ وبالرغم من عدم وجود أدلةٍ عامةٍ واضحةٍ على وقوع أنشطةٍ كهذه، يؤكد مسؤولون أمريكيون أنه قد يتم إلزام شركة ByteDance -بموجب القوانين الصينية- بتيسير عمليات التجسّس والتأثير التي تستهدف الأمريكيين عبر تيك توك.

وقد حذّرت النائبة كاثي مكموريس روجرز (Cathy McMorris Rodgers) من مخاطر هذا التطبيق على الأمن القومي للولايات المتحدة بقولها: “عبر هذا التطبيق، يمكن جمع كافة نقاط البيانات المتاحة تقريباً بدءاً بموقع المستخدمين مروراً بما يبحثون عنه باستخدام هواتفهم والأشخاص الذين يقومون بالتواصل معهم وغيرها من المعلومات الحسّاسة”.

يُشار إلى أن عدة ولاياتٍ أمريكيةٍ قد قامت بالفعل بحظر تيك توك من العمل على الأجهزة الحكومية، كما قامت الحكومة المركزية بفرض حظرٍ مشابه، كما قامت ولاية مونتانا بتمرير مشروع قانونٍ يحظر تطبيق تيك توك في متاجر التطبيقات بشكلٍ تام داخلها. ومع ذلك، قام قاضٍ فيدراليٌّ بمنع تطبيق الحظر في عموم ولاية مونتانا بشكلٍ مؤقتٍ لأنه واسع النطاق بشكلٍ زائد بحيث يمكنه تهديد حرية التعبير.

وقد يُسهم تركيز القانون الجديد على الأمن القومي في تخطيه للرقابة القضائية بعكس قوانين الحظر الخاصّة بالولايات وفقاً لمؤيدي القرار، وتنصّ نشرةٌ قام بتوزيعها كلٌّ من النائبين الداعمين لمشروع القانون غالاغر وراجا كريشنامورثي (Raja Krishnamoorthi) -وهو نائبٌ ديمقراطيٌّ عن ولاية إلينوي- على أن القانون “يركّز -بشكلٍ تامٍ- على مواجهة جهاتٍ عدائيةٍ خارجيةٍ، وليس على محتوى الخطاب الذي تتم مشاركته”.

وأشارَ تقريرٌ نشرَته صحيفة New York Times في عام 2020 إلى عدم تمكّن وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) من إيجاد أيّ دليلٍ على تمكن أجهزة الاستخبارات الصينية من الوصول للتطبيق أو قواعد بياناته، كما يصعُبُ تصوّر أن يترك الحزب الشيوعي الصيني أيَّ أثرٍ في حالِ وصولهِ لبيانات تيك توك، ما يجعلُ المشرّعين الأمريكيين في موقفٍ مُحرِج للغاية.

هل يمكن أن يتم حظر TikTok؟ هذا ما يتعيّن على الكونجرس القيامُ به

الرئيس التنفيذي لتيك توك شو زي تشيو (Shou Chew)

ويُرجَّح أن يُوافق مجلس النوّاب على إجراءات الحظر المتعلقة بتيك توك، حيث أبدى رئيس المجلس مايك جونسون (Mike Johnson) دعمَه للقرار، كما يسعى زعيم الأغلبية ستيف سكاليز (Steve Scalise) لإفساح المجال للتصويت عليهِ سريعاً خلال الأسبوع القادم. ومع ذلك، يبقى مستقبل مشروع القانون غامضاً في مجلس الشيوخ بسبب عدم وجود قانونٍ مشابهٍ له حتى الآن، كما لم تتعهّد عضوة مجلس الشيوخ الديمقراطية عن ولاية واشنطن ماريا كانتويل (Maria Cantwell) -والتي تترّأس لجنة التجارة بالكونجرس المعنية بالنظر في هذه المسألة- بتمرير مشروع قانون مجلس النواب. وأخبرت كانتويل قناة CNN أنها “ستتحدّث إلى زملائها في مجلسي الشيوخ والنواب لمحاولة إيجاد مسارٍ تشريعيٍّ يحمي الحريات المدنية”.

وقد يعتمد هذا المسار على التحركات الإستراتيجية المرتقبة لشركة ByteDance؛ ويأمل بعض المسؤولين الأمريكيين أن توافق الشركة الصينية على بيع تيك توك كي لا تتعرّض للحظر التام في البلاد، ما قد يحل مشكلة المخاوف المتعلقة بالأمن القوميّ دون الحاجة لخوض صراعاتٍ كثيرة حول حرية التعبير قد يتسبّب بها حظر المنصّة في البلاد.

مع ذلك، فإن البيع المُحتمل لتيك توك قد يُضعِف خوارزميات ByteDance المحميّة بعنايةٍ فائقةٍ -والتي تُستخدَم في ميزة الفيديوهات المقترحة الجذّابة والمخصّصة لكلِّ مُستخدِم على حدة، إذ يُرجَّح أن تبادر منصاتٌ منافسةٌ -مثل يوتيوب- لدفع مليارات الدولارات للاستحواذ على التقنية المدعومة بالبيانات -والتي يرجعُ لها الفضل برَوَاج تيك توك الهائل وتفاعل المستخدمين معَها بشكلٍ لافِت.

ومن المفارقة أن تعتمد حملة الرئيس بايدن الانتخابية الجديدة على منصّة تيك توك للوصول إلى الناخبين الأصغرِ سنّاً على الرغم من دعم إدارته لقانونٍ يحظر التطبيق بسبب مخاوفَ أمنية؛ ليُحاول البيت الأبيض الخروجَ من هذا المأزق بادّعاء أنه يسعى “للوصول إلى الشعب الأمريكيّ أينَما كان” تزامناً مع مواجهة تيك توك وتهديداتها المحتملة.

في نهاية المطاف، قد يعتمد تحقّق هذا الاحتمال على خيارات شركة ByteDance وقدرة الكونجرس على سدّ فجوة الانقسامات الحزبية لدى وصول مشروع قانون تيك توك إلى ساحة مجلس الشيوخ؛ ونظراً لكون أكثر من ثلث الأمريكيين من مستخدمي تيك توك النشطين، قد تواجه واشنطن ردود فعلٍ قويةً من قِبَل الناخبين في حال تم منعهم من الوصول إلى هذه “الظاهرة الثقافية” بحجّة تسبّب منصّة تيك توك بمخاوفَ متعلقةٍ بخصوصيّة البيانات.