إيلون ماسك في لقاء صحفيّ

قام إيلون ماسك (Elon Musk) برفع دعوى قضائيةٍ ضد مختبر الذكاء الصنعي OpenAI ومديره التنفيذي سام ألتمان (Sam Altman)، مدعياً بأن الشركة تخلت عن مهمتها الأساسية كمؤسسةٍ غير ربحيةٍ متخصّصةٍ بتطوير تقنيات الذكاء الصنعي لصالح البشرية. ولم تتّضح بعد إمكانية فوزه بهذه الدعوى القضائية، ولكنّه على حق؛ فقد أصبح هذا الفرع الرئيسيّ للشركة عبارةً عن مؤسسةٍ ربحية. وبالرغم من تحديد حدٍّ أقصى لأرباحه، إلا أنها مرتفعةٌ إلى درجةٍ بحيث لا يمكن اعتبارها إجراءً شكلياً وحسب.

ويقول ماسك -أحد المؤسّسين المشاركين وأوائل الداعمين لشركة OpenAI- بأنه قد تمّ إقناعه بالمساعدة في تأسيس المنظمة عام 2015 بناءً على وعود ألتمان وبعض المؤسّسين حينها بأنها ستظلّ مؤسسةً غيرَ ربحيةٍ وستُشارك أبحاثها بشكلٍ علنيّ.

لكنّ الدعوى القضائية تزعم بأنّ OpenAI قد ركّزت بشكلٍ متزايد على زيادة الأرباح من خلال الشراكات الحصريّة، لتصبحَ “شركةً فرعيةً مُغلقة المَصدر” تابعةً لمايكروسوفت (MSFT) بشكلٍ غيرِ رسميّ.

ما هي مزاعم الدعوى القضائية؟

تزعم الدعوى القضائية -التي تم رفعها يوم الخميس في المحكمة العليا بكاليفورنيا- بأنّ OpenAI ومؤسّسيها قد خرقوا العقود المتفق عليها عندما تبرّع ماسك بأكثرَ من 44 مليون دولار للشركة باعتبارها منظمةً غير ربحيةٍ بين عامي 2016 و2020.

كذلك تقول الدعوى بأن ألتمان وجريج بروكمان (Greg Brockman) -أحد مؤسّسي OpenAI- قد قدّموا لماسك مشروع منظمةٍ مستقلةٍ غير ربحيةٍ في عام 2015 تهدف لمواجهة جهود الشركات الرئيسية في مجال الذكاء الصنعيّ مثل جوجل (Google)، وضمان تطوير ذكاء صنعيّ عامّ (AGI) -أي ذكاءٍ صنعيّ يتمتع بمقدراتٍ بشريةٍ عامةٍ- يعود “لخدمة البشرية”.

بالإضافة إلى ذلك، ذكرت الشكوى القانونية التي قدّمها ماسك أنّ ميثاق OpenAI ووثائقها التأسيسية تتضمّن مبادئ مثل إمكانية الوصول إلى أبحاثِها للمساعدة في التطوير المسؤول لقدرات الذكاء الصنعي العامّ (AGI).

البند 57 من الدعوى القضائية يتضمن إعلان شركة OpenAI عن كونها غير ربحية

وتزعم الدعوى القضائية أن OpenAI قد تخلت عن هذه المبادئ المتعلقة بإتاحة مصادرها، مقابل التركيز على الاستفادة المالية من نماذج الذكاء الصنعي الخاصة بها بدلاً من استخدامها لتطوير الذكاء الصنعي العام أو إيجاد إجراءاتٍ آمنةٍ حول الذكاء الصنعيّ. والأمر المثير للسخرية، هو أن OpenAI هي شركة الذكاء الصنعيّ الوحيدة التي لم تُطلِق أيَّ منتجٍ مفتوح المصدر حتى الآن.

يُشار إلى أن هذا التحوّل قد بدأ تقريباً بين عامي 2018 و2019 عندما أنشأت الشركة مختبر المعالجة اللغوية OpenAI LP كفرعٍ ربحيّ، والذي موّلته شركة مايكروسوفت بأكثرَ من 13 مليار دولار خلال السنوات الأخيرة.

ويُشير محامو ماسك إلى أن تركيز شركة OpenAI على شراكتها مع مايكروسوفت أدى إلى تحويل مختبر OpenAI لشركةٍ فرعيةٍ تابعةٍ لعملاقة التكنولوجيا، ويبدو أن أعمال المختبر ونماذجه الأخيرة مصمّمةٌ في المقام الأول لخدمة مصالح شركة مايكروسوفت ومقرّها ريدموند.

وكدليلٍ على هذه المزاعم، استشهدت الدعوى بتعليقات ساتيا ناديلا (Satya Nadella) -المدير التنفيذيّ لشركة مايكروسوفت- في أواخر العام الماضي حول استفادة مايكروسوفت بشكلٍ مباشرٍ من أعمال OpenAI، إضافةً إلى السريّة المحيطة بنماذج OpenAI الأخيرة.

واتّضحَ تأثير مايكروسوفت بشكلٍ أكبرَ عندما حاول مجلس إدارة OpenAI إقالة سام ألتمان من منصبة الإداريّ في المنظمة، وباءت محاولات المجلس بالفشل، حيث تُشير الشائعات إلى أن تأثير ناديلا وفريقه دفعا مجلس الإدارة لإعادة تعيين ألتمان.

يُذكر أن ناديلا كاد أن ينجح بإقناع ألتمان وغالبية فريقه بالعمل في مايكروسوفت، حتى أنه أعلن على منصّة X بأنهم سيغادرون لتأسيس فريق ذكاء صنعيٍّ جديد في مايكروسوفت. لكن لحسن حظ مستثمري OpenAI، فشلت هذه الخطة عندما نجَحَ مجلس الإدارة بإقناع ألتمان بالعودة للشركة.

وأدّت هذه الخلافات إلى إعادة بناء مجلس الإدارة من جديد وحصول مايكروسوفت على “مقعد مراقبةٍ” في المجلس دون حق التصويت.

وجاء في الوثيقة المُقدّمة إلى المحكمة: “قام السيد ألتمان بانتقاء أعضاء مجلس إدارة جُددٍ يفتقرون الخبرة التقنية أو الخلفية الهامّة بإدارة الذكاء الصنعيّ التي كان يتمتع بها أعضاء المجلس السابق”.

“تحت إدارة مجلسها الجديد، لا تقوم الشركة بالتطوير فحسب، بل تعمل أيضاً على تخصيص تقنيات الذكاء الصنعيّ العام لتعظيم أرباح مايكروسوفت”.

وقد أسفرَ قيام الشركة الشهيرة ببرامجها ويندوز (Windows) وOffice 365، باستثمار 10 مليار دولار في OpenAI مؤخراً شرط الحصول على ثلث أرباح OpenAI حتى يتم سداد مبلغ الاستثمار بالكامل. ويُذكر أن مايكروسوفت تمتلك 49% من الفرع التجاريّ لـ OpenAI.

ماذا سيستفيد ماسك من الدعوى؟

بالتأكيد يشعر إيلون ماسك بالانزعاج من أنّ مبلغ 44 مليون دولار الذي تبرّع به لم يتم اعتباره كاستثمارٍ على غرار مايكروسوفت أو المستثمرين الآخرين، ولا توجد فرصةٌ حقيقيةٌ له باسترجاع أمواله أو تحقيق أيّ عوائدَ، بل هو يسعى حالياً لإجبار OpenAI على الالتزام بمهمّتها الأصلية والوفاء بالتزامها من خلال إجراء أبحاثٍ تُفيد البشريّة.

ويتضمّن هذا الالتزامَ مجدّداً بالمبادئ المتعلقة بالوصول المفتوح إلى أبحاث OpenAI السابقة والمستقبلية، ومنع الشركة من الاستفادة مالياً من منتجاتها إلى أن تثبت قدرتها على التطوير المسؤول، بالإضافة إلى منع المُدراء التنفيذين في OpenAI والشركاء من الاستفادة شخصيّاً من تقنياتها.

علاوةً على ذلك، يسعى ماسك للحصول على حكم من المحكمة بخصوص إمكانية اعتبار أنظمة الذكاء الصنعيّ التي تمَّ تطويرها مؤخراً -مثل GPT-4- على أنها أنظمة ذكاءٍ صنعيٍّ عام، وبالتالي فإنها لا تقع ضمن اتفاقية ترخيص مايكروسوفت التي تُغطي فقط أعمال OpenAI التي سبقت تطوير AGI.

وفي هذا السياق، تذكر الدعوى بأن مجلس إدارة OpenAI يفتقر إلى الخبرة التقنية الكافية لتقييم ما إذا كانت ابتكاراتها الأخيرة تصل إلى مستوى الذكاء الصنعي العام الذي يتمتّع بقدراتٍ بشرية

مايكروسوفت وOpenAI لم يعلقا بعد على هذا الإجراء القانونيّ

يُذكر أن شركتي مايكروسوفت وOpenAI لم تعلقا بشكلٍ علنيٍّ بعدُ على الدعوى القضائية التي رفعها إيلون ماسك، والتي ستتسبّب بتوتر العلاقات بين ماسك والإدارة الحالية لـ OpenAI، واللذين يُعدّان أهمَّ لاعِبين بتشكيل مستقبل الذكاء الصنعي. مع العلم أن مايكروسوفت ستكون أكبرَ الخاسرين في حال فاز ماسك بالدعوى، فقد تفقد النموذج الأساسيّ الذي تعتمده العديد من أدوات ومنتجات الذكاء الصنعيّ الخاصة بها.

بالإضافة لذلك، تُثير الدعوى أيضاً مخاوفَ بشأن التزام OpenAI بإجراءات السلامة والتطوير المسؤول لأنظمة الذكاء الصنعيّ المتطوّرة مثل ChatGPT الذي يمتلك مقدراتٍ رائعةً لكن تشوبُها العيوب. على أيّ حالٍ، تجدر الإشارة إلى وجود مُعارضين لماسك.

ويقول محللو القطاع بأن OpenAI تحتاج لرأسِ مالٍ ضخمٍ من أجل تمويل أبحاث الذكاء الصنعيّ على المدى الطويل، وهذا ما لا يوفّره النموذج غير الربحيّ للشركة، ويدّعون أن هذا يبرّر بعض التنازلات عن المبادئ التي وضعَها مؤسسو مختبر الذكاء الصنعيّ الذين اتسموا بالتفاؤل في البداية.

وليسَ هذا فحسب، بل يُعارضون أيضاً رؤى ماسك عمّا يُعتبر ممارساتٍ غيرَ آمنةٍ أو غير مسؤولة، مشيرين إلى تجاهله مسبقاً للمخاطر المترتبة على بعض التطويرات في شركة تسلا مثل السيارات المتطوّرة ذاتية القيادة.

يُذكر أن هذه الدعوى القضائية تأتي بعد سنواتٍ من انتقادات ماسك العلنية لـ OpenAI بخصوص مشاكلَ مماثلةٍ لما ذكرَه في الدعوى، وقد حذّر أن تقنيات الذكاء الصنعي الخاصة بها قد تؤدي إلى تمركزٍ كبيرٍ وخطيرٍ للسلطة إذا لم يتمّ فرض ضوابط لاستخدامها.

وقد أطلق ماسك العام الماضي شركةً ناشئةً في مجال الذكاء الصنعيّ تنافس مُختبر ألتمان تحت اسم xAI، الذي يُشبه الاسم الجديد الذي أطلقه على تويتر. وكان أول منتجٍ تُطلقه الشركة هو روبوت محادثةٍ يعمل بالذكاء الصنعيّ يُسمى Grok يشبه ChatGPT، ويقول بأنه يهدف إلى “تعزيز فهمنا الجماعيّ للكون”.

التأثير العام على قطاع الذكاء الصنعيّ الناشئ

نظراً للاهتمام المتزايد بتقنيات الذكاء الصنعيّ، قد تؤدي الدعوى إلى إجبار المُختبرات -مثل OpenAI- على مراعاة المخاطر المحيطةِ بالنماذج الأكثرِ تطوّراً، والتي لا يظهر للعامّة سوى جزء محدود منها. فبالرغم من أن التقنيات الحالية تبدو مبهرةً، تجب المطالبة بتوخّي الشفافية بشأن محدوديتها وحوافزها الاقتصادية وإمكانية تسبّبها بالضرر.

وفي حال حصلَ ماسك على الموافقة القانونية حولَ بعضٍ من بنود شكواه، فقد ينجح بتحدّي السيطرة الفردية والشروط التجارية التي يُمكن أن تفرضها الشركات الخاصّة من خلال تقييد الوصول إلى ابتكاراتها في مجال الذكاء الصنعيّ.

مع ذلك، يتوقع المحللون بأنّ أيَّ تأثيرٍ للدعوى القضائية لن يظهر سوى بعد سنواتٍ من النزاعات القضائية والاستئنافات، وخلال هذه الفترة سيستمرّ التطوير السريع لأدوات الذكاء الصنعيّ وقُدراتِه، مدعوماً بشكلٍ أساسيّ بالحوافز الاقتصادية والتكنولوجية.

ويبدو أن كبار اللاعبين في القطاع غير مستعدّين للتنازل طوعياً عن مزاياهم التنافسية والسماح بالوصول المفتوح إلى تقنياتهم، وقد يتطلب الأمر تدخلاً سياسياً أو تنظيميّاً لمعالجة المشكلة التي يطرحها ماسك، والتي تتعلق بالشفافية والحوكمة.

وفي هذا السياق، إذا اعتبرنا عالم العملات الرقمية مثالاً على كيفية استجابة الجهات التنظيميّة للتقنيات الناشئة، فقد نكون على بعد سنواتٍ من رؤية قوانينَ شاملةٍ يُمكنها معالجة المخاطر المتعدّدة المتعلقة بالتطوير العشوائيّ للذكاء الصنعي.

فضلاً عن ذلك، تمتلك كلٌّ من مايكروسوفت وOpenAI الموارد الكافية لخوض هذا النزاع القضائيّ لعدة سنوات -قد تصل لعقود من الزمن- ما يعني أنه حتى ثروة ماسك التي تبلغ مليارات الدولارات قد لا تكون كافيةً لإيقاف مشروع ألتمان عن جني ثمار تأسيسِهِ لأفضل أدوات الذكاء الصنعيّ التي شهدتها البشريّة حتى الآن.