قد تشرَع أوفكوم (Ofcom) -هيئة مراقبة وسائل الإعلام في المملكة المتحدة- قريباً بفتح تحقيقٍ يتعلق بمنصة X (تويتر سابقاً) الخاصّة بإيلون ماسك (Elon Musk)، حيث تراقب الهيئة عن كثب التحقيق الجاري من قِبَل الاتحاد الأوروبي (EU) بخصوص المنصة؛ وتأتي هذه المراقبة الحذرة في إطار استعداد هيئة Ofcom لتكثيفِ جهودها التنظيميّة بموجب قانون السلامة على الإنترنت المرتقب صدوره.
وعلى الرغم من عدم اتخاذها خطوةً من جهتها بعد، إلاً أن مصدَراً يرتبط بالهيئة أخبرَ صحيفة تايمز (The Times) البريطانية بأن الجهة التنظيميّة تراقب عن كثب تحقيق الاتحاد الأوروبي مع منصة التواصل الاجتماعي الخاصة بإيلون ماسك، ما يشير إلى أنها قد تتخذ إجراءً قريباً. وحتى قبل هذا التقارير، كانت منصة X أولى الأهداف المحتملة للحملة التنظيمية التي ستشنّها Ofcom، حيث تُعرف المنصة بإيمانها بمبادئ حرية التعبير عن الرأي ومستوى الرقابة على المحتوى المنخفض لديها.
الاتحاد الأوروبي يحقق في مدى امتثال منصة X لقانون الخدمات الرقمية (DSA)
في كانون الأول/ديسمبر الماضي، قام الاتحاد الأوروبي بفتح تحقيقٍ بشأن منصة X ليرى ما إذا كانت تلتزم بالقواعد الجديدة بموجب قانون الخدمات الرقمية (Digital Services Act-DSA). ويركز التحقيق على كيفية تعامل منصة X مع المحتوى غير القانونيّ والمعلومات الخاطئة وشفافية المنصة والتصاميم المضللة.
وعليه، يقوم الاتحاد الأوروبي حالياً بفحص تقاريرَ تخص منصة X وكيفية تعاملها مع المحتوى الذي ربّما يكون غير قانوني، كأيِّ شيء يمكن اعتباره خطاباً مثيراً للكراهية أو دعماً ضمنياً للإرهاب، كما تتحقق جهاته أيضاً ممّا إذا كانت ميزة “ملاحظات المجتمع” وكذلك خطواتٍ أخرى مناسبةً بما يكفي لمكافحة انتشار المعلومات الخاطئة.
بالإضافة لهذا، يتحقق الاتحاد الأوروبي من شفافية منصة X في مشاركة البيانات مع الباحثين ومدى وضوح سجلاتها الإعلانية. ومن الجوانب المهمة الأخرى التي يركّز عليها التحقيق، ما إذا كانت ميزة الاشتراك في “العلامة الزرقاء” المُميِّزة لمنصة X تتسبّب بتضليل المستخدمين.
وعلى الرغم من استمرار هذا التحقيق المُفصّل حالياً، فإن هذا لا يعني إدانة منصة X بارتكاب أية انتهاكاتٍ حتى الآن، وإذا تبيّن أن منصة X تنتهك قواعد قانون الخدمات الرقمية (DSA)، فقد تواجه عواقبَ بسبب عدم امتثالها لذلك القانون.
دور Ofcom بتعزيز قوانين السلامة عبر الإنترنت
يتسم قانون الخدمات الرقمية (DSA) بأهدافٍ مشابهةٍ لقانون السلامة عبر الإنترنت الخاص بالمملكة المتحدة، والذي سيتمّ تنفيذه على عدة مراحلَ بدايةً من نهاية عام 2024.
وسيتناول قانون السلامة عبر الإنترنت -الذي يُعتبر أحد الأسباب الرئيسية لإثارة النقاشات في البرلمان البريطاني- الحاجَة إلى تحمّل الشركات ومقدّمي الخدمة على الإنترنت للمزيد من المسؤولية، خاصّةً بعد مطالبة بعض أرباب الأسر ممّن فقدوا أطفالهم جراء محتوى خطيرٍ على الإنترنت باتخاذ الإجراءات المناسبة.
يُذكر أن هذا القانون سيكون له تأثيره على العديد من المنصّات العاملة عبرَ الإنترنت، إذ سيطلب منها العثور على المحتوى غير القانونيّ والضارّ والتعامل معه لحماية مستخدميها، خاصّةً منهم الأطفال. لذا فإنه يسلتزم إنشاء بروتوكولاتٍ خاصّةٍ بالسلامة، والإبلاغ عن المحتوى المخالف للقوانين، والحفاظ على التوازن بين سلامة المستخدمين وحقوقهم في التمتع بحرية التعبير عن الرأي والخصوصيّة.
ويمكن للهيئة التنظيمية Ofcom فرض غراماتٍ على الشركات تصل إلى 18 مليون جنيه إسترليني أو 10% من أرباحها العالمية في حال لم تقم بالتزاماتها القانونية، كما يمكن مقاضاتها في الحالات الجدية. ويركز هذا القانون بشكلٍ خاص على حماية الأطفال من المحتوى الضار؛ لذا يجب على موفري الخدمات المختلفة اتباع قوانين مختلفةٍ وفقاً لحجم وطبيعة نشاط كلٍّ منها، حيث يهدف القانون لضمان احترام موفري هذه الخدمات لخصوصية المستخدمين وحريتهم في التعبير عن أنفسهم بينما تُحافظ على سلامتهم.
وتحضيراً لتنفيذ قانون السلامة عبر الإنترنت، قامت Ofcom بتوسيع فريقها الخاص بإجراءات السلامة عبر الإنترنت بضمّ خبراء من منصّات وشركات X وميتا (Meta) ومايكروسوفت (Microsoft) وجوجل (Google)، واستفادت -في ذلك- من مجهود العديد من الخبراء الذين فقدوا وظائفهم في قطاع التكنولوجيا خلال العامين الماضيين. ويتماشى نهج Ofcom الاستباقيّ مع ما يقوم به الاتحاد الأوروبي، ويعكس اتجاهاً عالمياً نحو إرساء قواعد أكثرَ صرامةً ومستويات أمانٍ أعلى عبر الإنترنت.
هل يؤول حلم إيلون ماسك بـ “حريّة التعبير” إلى زوال؟
يأتي هذا التركيز من الجهات التنظيمية الدولية في الوقت المناسب، خاصّةً في ظلّ التغييرات الأخيرة المتعلقة بمنصة X بقيادة إيلون ماسك بعد استحواذه عليها نظيرَ 44 مليار دولار. وفي حين يجد العديد أن نوايا ماسك الواضحة لتسهيل حرية التعبير عبرَ منصته التي تشبه ساحة المدينة الرقمية هو بالأساس أمرٌ جيد، إلا أن الواقع يختلف كثيراً عن ذلك؛ فقد تعرّض ماسك لانتقاداتٍ كبيرة بسبب التغييرات الرئيسيّة التي أدخلها على منصّته، والتي يقول النُقاد بأنها تسهّل انتشار محتوى قد يكون خطراً.
فعلى سبيل المثال، كان قرارُ ماسك بتقليص حجم الفريق المسؤول عن اتباع معايير السلامة بشكلٍ كبير والسماح للمستخدمين المثيرين للجدل ممّن تم حظرهم سابقاً بالعودة إلى المنصّة مثيراً للجدل بشكلٍ خاص، حيث أدت هذه التغييرات إلى ابتعاد بعض الشركات الإعلانية بسبب مخاوفها بشأن صورة علامتها التجارية؛ وقامت شركاتٌ مُعلنةٌ ضخمةٌ -كشركات مايكروسوفت (Microsoft) وديزني (Disney) وAirbnb- بإيقاف إعلاناتها على المنصة مؤخراً بعد قيام ماسك -على ما يبدو- بدعم نظريةٍ معاديةٍ للسامية، رغمَ إصداره اعتذاراً عن ذلك لاحقاً.
يُذكر أن المفوضية الأوروبية تراقب منصة X منذ تشرين الأول/أكتوبر من عام 2023، ويعود هذا بشكلٍ أساسيٍّ إلى المخاوف المتعلقة بكيفية تعاملها مع المحتوى غير القانونيّ والمعلومات الزائفة، خاصّةً فيما يتعلق بالصراع بين إسرائيل وحركة حماس، فقد سمَحَت منصّة X بنشر الكثير من الصور والمقاطع المصوّرة وعدد لا يُحصى من الخطابات المثيرة للكراهية خلال هذا الصراع دون إزالة معظمها.
علاوةً على ذلك، لم يَردّ مسؤولو X على العديد من طلبات توفير المعلومات، كذلك فإن الاجتماعات في سان فرانسيسكو مع مهندسيها لم ترضِ المسؤولين الأوروبيين. لذا، فقد طلب الاتحاد الأوروبي المزيد من التفاصيل بموجب قانون DSA وقرّر المُضيَّ قُدُماً في تحقيقه بعد دراسة المعلومات التي قدّمتها X، ومنها تقارير متعلقةٌ بتقييم المخاطر والشفافية لديها.
وفي حال استمرّت منصة X بالنضال لإزالة المحتوى غير القانونيّ والمسيء -وفق ما هوَ مبيّنٌ في قانون الخدمات الرقمية أو قانون السلامة عبر الإنترنت في المملكة المتحدة- فقد تكون في موقفٍ حرج للغاية؛ إذ قد يفرض الاتحاد الأوروبي وحده على منصة X غرامةً تصل إلى 6% من إجمالي إيراداتها السنوية، كما قد تفرض المملكة المتحدة غرامةً أخرى تصل إلى 10% على إيراداتها، وهو ما يمكن أن يُعَد -حينها- بمثابة حكمٍ بالفشل على الشركة المتعثّرة مؤخراً بالفعل.