أعلنت شركة جوجل (Google) التابعة لشركة ألفابت (Alphabet) عن تسريح مئات الموظفين من أقسام مختلفةٍ أمس الأربعاء كجزء من إجراءاتها لتقليص النفقات المستمرّة وإعادة الهيكلة الداخلية، حيث أثرت عمليات الفصل هذه على فرقٍ تابعةٍ لأقسام تطبيق مُساعد جوجل الصوتيّ (Google Assistant) والأجهزة الصوتية بما في ذلك Pixel وFitbit، بالإضافة إلى جزء من الفرق الهندسية المركزية.
وكانت تقاريرُ صادرةٌ عن نيويورك تايمز (The New York Times) وSemafor و9to5Google وThe Verge قد أفادت بتسريح شركة جوجل “للمئات” من موظفي الأقسام سالفة الذكر، كما أكد متحدثٌ باسم شركة جوجل للوسائل الإعلامية تسريحَ الشركة لـ “بضع مئاتٍ” من الموظفين التابعين لكلِّ قسم.
وأعرَضت الشركة عن تحديد ما إذا كانت أقسامٌ أخرى قد شهدت عمليات تسريحٍ مماثلة، ولم تُقدّم تفاصيلَ كاملةً حول هذه العمليات. ومن جانبه، انتقد اتحاد عمال ألفابت -الذي يمثل بعض موظفي جوجل- هذه الإجراءات في تغريدة له على حسابه الرسمي على منصة X (تويتر سابقاً) مُعتبراً إياها “جولةً أخرى من عمليات التسريح غير الضرورية” ومؤكداً على أن الشركة “لا يمكنها مواصلة طرد زملائنا في العمل بينما تستمرّ بتحقيق أرباح فصليةٍ بمليارات الدولارات”.
استمرار عمليات التسريح رغم تراجع حدة الضغوط الاقتصادية
يُعَد تسريح العمالة امتداداً لعمليات إعادة الهيكلة في بعض الأقسام بعد التغييرات المؤسسية وإعادة تقييم الأولويات التي أجرتها الشركة عام 2023؛ وتبعاً لكورتناي مينشيني (Courtenay Mencini) -المتحدثة باسم الشركة- فإن هذه التدابير تهدف إلى إكساب الشركة “كفاءة الأداء وسلاسة العمل ومواءمة مواردها مع أولوياتها الخاصّة بالمنتجات”.
وبدورها، أخطرت الشركة الموظفين الذين تم تسريحهم أمس الأربعاء، وذكرت التقارير أنه سرعان ما تم حجب وصولهم إلى أنظمة الشركة وبريدها الإلكترونيّ بعد وقتٍ قصير. وفي بيانٍ تم إرساله عن طريق البريد الإلكتروني، قالت جوجل إنها ستوفر “الدعم لأيِّ موظفٍ تمَّ تسريحه أثناء بحثِهِ عن وظيفةٍ جديدة داخل جوجل وخارِجَها”، وتشمل الوظائف التي تم الاستغناء عنها تلك المرتكزة على تطبيق Google Assistant، وهو المساعد الصوتي الرقميّ الرئيسيّ للشركة، والذي تم تطويره لمنافسة Alexa التابع لشركة أمازون (Amazon) وSiri الخاص بشركة أبل (Apple).
وتبعاً لتقرير Semafor، تسعى جوجل أيضاً إلى تجديد مساعدها الرقميّ الصوتي عن طريق دمج تقنيات الجيل الجديد من الذكاء الصنعي، مثل نموذجها Bard. وكانت الشركة قد أعلنت خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي عن خططها لبناء مساعد لا يرتكز على الصوت فقط عبر الاستفادة من التطوّرات التقنية.
وفي السياق ذاته، أثرت عمليات التسريح على فرق العمل المعنية بأجهزة Google Pixel وأجهزة المستهلك Nest بالإضافة إلى Fitbit الذي اشترته جوجل مقابل 2.1 مليار دولار عام 2019. وعلى وجه التحديد، تم تسريح مؤسّسي Fitbit، وهما: جيمس بارك (James Park) وإريك فريدمان (Eric Friedman) في إطار عملية إعادة الهيكلة المذكورة آنفاً، والتي تسعى لدمج فرق الأجهزة المختلفة في قسم واحد، وفقاً لما أكدته مصادر مختلفةٌ لـ TechCrunch.
يُذكر أن جيمس بارك كان له دورٌ بارزٌ في إطلاق ساعة Pixel التابعة لشركة جوجل. وفي المستقبل، سيكون لدى الشركة وحدةٌ هندسيةٌ واحدةٌ لكافة الأجهزة بدلاً من فرقٍ منفصلةٍ لمنتجات Pixel وFitbit وNest.
ثلاثة اتجاهاتٍ تؤثر على تخفيضات الوظائف في شركات قطاع التكنولوجيا هذا العام
منذ عام 2021، ألقت عملاقة التكنولوجيا باللوم -في تسريحها لآلاف الموظفين- على تدهور أوضاع الاقتصاد الكليّ الذي تبع رفع معدلات الفائدة وتشديد السياسات المالية. وفي عام 2024، اختلف الوضع قليلاً مع تلميح الاحتياطي الفيدرالي بالفعل إلى إمكانية بدء سلسلة خفض معدلات الفائدة تدريجياً، ما يعني أن الرؤية الاقتصادية تخدم -في الواقع- نموّ الشركات، وخصوصاً تلك المتواجدة في قطاع التكنولوجيا.
إذاً، فما هي العوامل التي تقف وراء موجات تسريح الموظفين؟ في البداية، بدا أن الشركات تعطي الأولوية للأرباح على النموّ حيث يظلّ الاقتصاد بعيداً عن مستويات ما قبل التسريح، وهذا يعني أنه على الرغم من أن شركات التكنولوجيا ستشهد تحسناً في أدائها المالي، إلا أن تقارير أرباحها التاريخية ستظلّ منخفضةً جداً مقارنةً بذروة عامي 2020 و2021.
بالإضافة إلى ذلك ومع استمرار معدلات الفائدة بالارتفاع إلى مستوياتٍ تاريخيةٍ، تحتاج الشركات الناشئة وشركات قطاع التكنولوجيا التي ما تزال في مراحل نموّها المبكرة إلى استقطاب المستثمرين في الوقت الذي يفضل فيه هؤلاء الشركات الراسخة على نظيراتها الناشئة والشركات الصغيرة التي لم تُثبِت نجاحَها بعد.
على صعيد آخر، يدفع تزايد الاعتماد على تقنيات الذكاء الصنعي الشركاتِ نحو زيادة التشغيل الآلي، ما يؤدي إلى تقليص العمالة البشرية بدوره، كما تؤثر أجهزة المساعدة المدعومة بالذكاء الصنعيّ -جزئياً- على عمليات التسريح؛ فكلما تقدّمت هذه الأنظمة وتطوّرت بشكلٍ أكبرَ وأكثرَ تعقيداً، زادت سرعة إعادة تشكليها للقوى العاملة داخل الشركات.
وفي النهاية، يمكن لتنفيذ سياسات عودة الموظفين للعمل من مكاتبهم أن يوضّح لأصحاب العمل أن بعض الأدوار تتداخل مع بعضها البعض أو أنها أصبَحت غيرَ ضروريةٍ عندما يتم وضعها في سياقاتها الفعلية.
عملاقة التكنولوجيا توشك على مواجهة تحدياتٍ كبرى
تواجه شركة جوجل إلى جانب معظم شركات التكنولوجيا الكبرى أيضاً ضغوطاً من تبعات الظروف الاقتصادية الحالية، وتلوح في الأفق أيضاً تهديداتٌ منفصلةٌ وأكثرُ حدّة، إذ زادت هيئات مكافحة الاحتكار ومنظمو إجراءات السلامة عبرَ الإنترنت في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وغيرها من وتيرة إنفاذ القوانين المتعلقة بكلٍّ منها.
وكانت إدارة ترامب قد قامت برفع زوجٍ من الدعاوى القضائية لمكافحة الاحتكار ضدّ شركتي جوجل وميتا، واتبعتها إدارة بايدن برفع زوج آخرَ من الدعاوى القضائية إحداها ضد جوجل وأخرى تستهدف أمازون؛ أمّا بالنسبة للدعوى الأولى ضد جوجل والتي أوشكت على الانتهاء، فقد استهدفت بشكلٍ رئيسيٍّ دفعَها أموالاً لشركة أبل وغيرها من الشركات لضمان بقاء متصفح جوجل كروم (Google Chrome) -محرك البحث الافتراضيّ- على الهواتف الذكية التي تنتجها، وتُعَد هذه القضية إحدى أهم الدعاوى القضائية لمكافحة الاحتكار في العصر الحالي.
كما قدمت وزارة العدل والمسؤولون التنفيذيون ومحامو شركة جوجل دفوعهم القانونية بالفعل في المحكمة، ولكنّ الأمرَ قد يستغرق سنواتٍ حتى يتم اتخاذ القرار النهائي، ووقتاً أطولَ حتى يتم اتخاذ تدابيرَ تنفيذيةٍ مؤثرة. ومن المتوقع أن يصدر القاضي المشرف على القضية حكماً خلال ربيع عام 2024، لكنه قال: “لا أدري ماذا يجب أن أفعل؟” بعد صدور البيان الختاميّ.
ورغم أنه -من الناحية الفنية- يمكن أن يتم تقسيم شركة جوجل في حالة فوز وزارة العدل في النزاع القضائيّ، إلا أن معظم المحللين القانونيين يؤكدون على أن هذا أمرٌ غير مرجّح نظراً لملابسات القضية، أما السيناريو الأكثر ترجيحاً فهو أنه بعد خسارة جوجل -إذا ما حدث ذلك- فسيتم منعها من دفع الأموال لمصنّعي الهواتف الذكية لجعل جوجل كروم المتصفّح الافتراضيَّ لديها.
تسريح العمالة يجتاح قطاع التكنولوجيا من جديد في الأيام القليلة الأولى من عام 2024
في الواقع، لم تكن جوجل الشركة الوحيدة التي قامت بتخفيض وظائفها، بل شهد قطاع التكنولوجيا -بشكلٍ عام- تسريح أكثر من 260,000 عاملٍ خلال عام 2023 وفقاً لموقع البيانات التحليلية Layoffs.fyi. ومن بين الشركات الأخرى التي قامت بتخفيض أعداد موظفيها بشكلٍ هائلٍ شركة أمازون (AMZN)، والتي قامت بتسريح مئات الموظفين من وحدات Prime Video والإستوديو هذا الأسبوع، بينما قامت شركة Unity بتخفيض حوالي 25% من قوتها العاملة أو حوالي 1,800 شخص.
وبشكلٍ عام، أوضحَ موقع Layoffs.fyi أن أكثر من 3,000 موظفٍ فقدوا عملهم حتى الآن في عام 2024. وتشمل الشركات الأخرى التي أعلنت أيضاً عن تخفيضاتٍ طوعيةٍ بالعمالة كلاً من شركات Citrix وHumane وTwitch وOrca Security.
غيرَ أنه من الملاحظ أن شركة ألفابت -الشركة لأم لجوجل- قد قلصت وظائفها بتسريح 12,000 موظف -أي ما يعادل 6% من موظفيها عالمياً- خلال كانون الثاني/ يناير لعام 2024. وفي هذه الحالة، تم الإعلان مسبقاً عن عمليات الفصل هذه مسبقاً، حيث تم التواصل مع موظفي الشركة المعنيين هذا الأسبوع عن طريق نوّاب الرؤساء وإدارة الموارد البشرية بدلاً من فريق القيادة العليا.
وما تزال شركات التكنولوجيا العملاقة تواجه ضغوطاً اقتصاديةً متواصلةً في ظلّ توقعات الركود الاقتصادي الوشيك، إذ تشهد مجالاتٌ معينةٌ -مثل الإعلانات عبر الإنترنت- تباطؤاً يفوق المتوقع. وفي إطار تقارير معدلات الأرباح الأخيرة، تعهد مسؤولو جوجل وألفابيت التنفيذيون بمراجعة التكاليف عن كثب لتهدئة مخاوف المستثمرين.
وبعيداً عن تشديدات الموازنة، تواجه شركة جوجل منافسةً متزايدةً في مجالي البحث الإلكتروني والذكاء الصنعي، حيث تقوم منافساتها -من أمثال مايكروسوفت (MSFT)– بضخ الموارد لتطوير أدواتٍ مثل Bing وEdge وCopilot لرأب الفجوة بينها وبين منافسيها، كما تقوم الشركات الناشئة أيضاً بتوسيع آفاق ما يمكن تحقيقه عبر الاستعانة بتقنيات الذكاء الصنعيّ.
وفي ظلّ التطوّر السريع للقطاع التكنولوجي، يبدو أن شركة جوجل تسعى لتبسيط أنشطتها والتركيز على أولوياتها. ومع ذلك، تثيرعمليات تخفيض العمالة المستمرة تساؤلاتٍ حول إستراتيجية الشركة طويلة الأمد وتؤثر بالسلب على العاملين فيها في ظلّ التحوّلات الموسّعة للقطاع بأكمله.