صفحةٌ رئيسيةٌ لهاتفٍ محمولٍ تظهر عليها أيقوناتٌ لتطبيقات جوجل وتيك توك وتويتر وإنستغرام وتيليجرام وغيرها

يبدو أن الغرامات التي فرضتها المحاكم الروسية على شركات جوجل ويوتيوب وميتا وتيك توك وتيليجرام على خلفية النزاع حول المحتوى المتعلق بحربها على أوكرانيا قد تم حلُّها، حيث لم تَعُد هذه الشركات مُدرجةً كجهاتٍ مَدينةٍ للحكومة الروسية في قاعدة البيانات القضائية للدولة.

وعند الاطلاع على قاعدة البيانات المذكورة، وجدت رويترز (Reuters) أن الغرامات ما تزال ساريةً على شركتي X (تويتر سابقاً) وتويتش (Twitch) اللتين تواجهان غراماتٍ يبلغ مجموعها 51 مليون روبل (560,730$) و23 مليون روبل (252,879$) على التوالي.

أسباب الغرامات الروسية على عمالقة التكنولوجيا

تزايدت خلافات روسيا مع شركات التكنولوجيا الدولية مع غزوها لأوكرانيا في شباط/فبراير من عام 2022، فمنذ ذلك الحين، منعت روسيا الوصول إلى مواقع فيسبوك وإنستغرام التابعين لشركة ميتا، وموقع X المملوك لإيلون ماسك (تويتر سابقاً)، كما أصبَحَ موقع يوتيوب -التابع لشركة جوجل- بشكلٍ خاصٍ مصدرَ إزعاجٍ كبيرٍ لروسيا.

فالغرامات التي فرضتها المحاكم الروسية على شركاتٍ مثل جوجل ويوتيوب وميتا وتيك توك وتيليجرام -والتي يبدو أنه قد تم إسقاطها الآن- ترجع في الأساس إلى سببين رئيسيين: أولاً، الصرامة التي أبدتها روسيا حيال مسألة التحكم بالمعلومات المتعلقة بعملياتها العسكرية في أوكرانيا، حيث صنّفت أية معلوماتٍ مناقضةٍ لروايتها على أنها “مزيفة” أو “مضلِّلة”، لينتهي الأمر بها إلى تقييد الوصول للمنصّات التي تسمح بنشر مثل هذه المعلومات. وثانياً، تُصِرُّ روسيا على تخزين بيانات مواطنيها داخل البلاد، وهي خطوةٌ باتجاه تحقيق ما يسمى بالسيادة الرقمية، وتهدف إلى تمكين الحكومة الروسية من زيادة التحكم بل ومراقبة أنشطة مواطنيها عبر الإنترنت.

بالإضافة إلى ذلك، تُبدي روسيا قدراً من الصرامة أيضاً بشأن محتوى مجتمع الميم (LGBTQ+)، وتصِفه بأنه “متطرف”، وتعكس حملتها اللاحقة -التي تمثّلت بالغرامات والإجراءات القانونية- موقفَ الدولة المُحافظ تجاه حقوق أفراد مجتمع LGBTQ+ والأقليّات الجندرية وجهودها للتحكم بالأعراف الاجتماعية باستخدام المنصات الرقمية.

الدور المحوريّ لوسائل التواصل الاجتماعي في الصراع

لعبت منصّات التواصل الاجتماعي دوراً بالغ الأهمية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، حيث وصفتها صحيفة نيويوركر (The New Yorker) بأنها “حرب تيك توك الأولى”، في حين اعتبرتها مجلة الإيكونوميست (The Economist) الحربَ “الأكثرَ انتشاراً” على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد شهدت هذه الحرب استخداماً غير مسبوقٍ لوسائل التواصل الاجتماعي، ليس فقط لتبادل الأخبار، وإنما أيضاً لتوثيق الحرب من خلال “المواطنين الصحفيين”. وهكذا فقد أدى الاستخدام الديناميكي لوسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير النظرة تجاه الصراع الروسي الأوكراني وكيفية فهمِهِ على مستوى العالم.

وفي هذا السياق يمكن فهم سبب الغرامات التي فرضتها المحاكم الروسية على شركات التكنولوجيا الكبرى، والتي تمت تسويتها الآن وفقاً لقاعدة بيانات الديون الحكومية. فعلى سبيل المثال، لعبت منصّة تيليجرام (Telegram) دوراً بالغ الأهمية في الصراع الأوكراني، حيث أصبحت مصدراً غير رسميٍّ ومهمّاً للأخبار – الموثوقة منها أو غير الموثوقة- بالنسبة لملايين الأوكرانيين والروس من خلال تقديمها لتفاصيلَ تناقض الرواية الرسمية الروسية في بعض الأحيان.

تيليجرام (Telegram): منصّة تواصلٍ اجتماعيّ أم ماكينة بروباغاندا؟

استخدم الأوكرانيون ميزات منصة تيليجرام بشكلٍ فعّال للتنسيق، والتحذير من الضربات الجوية ومشاركة المعلومات الهامة. ويعتمد المسؤولون الحكوميون الأوكرانيون والسكان المحليون واللاجئون بشكلٍ كبيرٍ على قنوات Telegram للحصول على التحديثات بشكلٍ لحظيّ. وكمثالٍ على ذلك، ارتفع عدد متابعي قناة تيليجرام التابعة للرئيس الأوكراني زيلينسكي من حوالي 65,000 متابعٍ قبل الغزو، إلى أكثر من 1.5 مليون بعده.

كما حوّلت الحكومة الأوكرانية قناة “أوكرانيا الآن” -والتي تم إنشاؤها أصلاً إبّان جائحة كورونا- إلى مصدرٍ إخباريٍّ يضمّ أكثرَ من 3 ملايين مشترك، حيث ينشر المسؤولون المحليون عبرها تحذيراتٍ من الغارات الجوية وغيرها من المعلومات المهمّة. ويستخدم المواطنون أيضاً روبوتات Telegram للإبلاغ عن تحرُّكات القوات الروسية في محاولةٍ لمساعدة قوّات الجيش الأوكراني.

ولكن في المقابل أيضاً، يبدو أن سياسات الحدّ الأدنى من الرقابة التي تتّبعها هذه المنصة سمحت بانتشار البروباغاندا، خاصّةً من القنوات الموالية لروسيا، والتي تتمتع بعددٍ كبيرٍ من المتابعين، وغالباً ما تنشر معلوماتٍ مضللةً بدعمٍ من الكرملين.

واستناداً إلى بيانات موقع Statista لعام 2022، فقد تصدّرت الهند عدد تحميلات تطبيق تيليجرام، وجاءت روسيا في المرتبة الثانية بعدها بـ 34.4 مليون تحميل؛ أما في أوكرانيا، فقد شهد التطبيق أكثرَ من 10 ملايين عملية تحميلٍ لتحتل المركز التاسع عالمياً من حيث عدد مرّات التحميل خلال ذلك العام.

إحصائيةٌ تُظهر الدول الأكثر استخداماً لمنصة تيليجرام اعتماداً على عدد مرّات تحميل التطبيق

لا ريبَ أن البروباغاندا تحظى بأهميةٍ كبيرةٍ لكلا الطرفين، إذ يمكنها أن تؤدي إلى تحولاتٍ جذريةٍ في الرأي العام العالمي. وفي ظلّ انخفاض الدعم الشعبي في الولايات المتحدة لتقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا -بالتوازي مع استنفاد موارد أوكرانيا- فإن الرأي العام والضغوط السياسية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم باتت أكثرَ تأثيراً من أيِّ وقتٍ مضى.