أقرَّ الملياردير تشينجبينج تشاو (Changpeng Zhao) ومنصّة بينانس (Binance) -التي يتولّى منصبَ مديرها التنفيذيّ- بالذنب بالتهم الفيدراليّة الموجّهة إليهم يوم الثلاثاء الماضي، الأمرُ الذي يُعَد خطوةً مهمّةً في إطار السعي لتنظيم تعاملات قطّاع الكريبتو الذي يتسم غالباً بالفوضى.
ووفقاً لما ذكره موقع CNN، فإنّ بينانس -أكبرُ منصّة تداول كريبتو عالمياً- قد اعترفت بانتهاكها لقوانين مكافحة غسيل الأموال، وتحويل الأموال دون رخصة، وخرقها للعقوبات المفروضة على بعض البلدان، كما أقرَّ تشاو -الذي تتجاوز ثروته 23 مليار دولار- بعدم التزامه ببرنامج فعّالٍ لمكافحة غسيل الأموال.
وقد وافقت بينانس -في إطار تسويةٍ شاملةٍ مع السلطات الفيدرالية- على دفع غراماتٍ تتجاوز قيمتها مجتمعةً 4 مليار دولار، إلى جانب موافقة تشاو على التنحي عن منصبه كمديرٍ تنفيذيٍّ للمنصة التي أسّسها مع دفع غرامةٍ تبلغ 200 مليون دولار.
Today, I stepped down as CEO of Binance. Admittedly, it was not easy to let go emotionally. But I know it is the right thing to do. I made mistakes, and I must take responsibility. This is best for our community, for Binance, and for myself.
Binance is no longer a baby. It is…
— CZ 🔶 Binance (@cz_binance) November 21, 2023
من جانبه، أكّد تشاو -عبر حسابه الرسميّ على X (تويتر سابقاً)- استقالته من منصبه مشيراً إلى صعوبة اتخاذ القرار، ومتحمّلاً المسؤولية الكاملة عن الأخطاء التي اقترفها؛ وقد أعلن تشاو بأنّ ريتشارد تينج (Richard Teng) -رئيس الأسواق الإقليمية السابق في منصّة بينانس خارج الولايات المتحدة- سيتولّى منصب الرئيس التنفيذيّ الجديد للمنصة.
ووفقاً لـ CNN، يواجه تشاو تهماً بالسجن لعشرة سنواتٍ كحدٍّ أقصى، لكن من المتوقع أن تكون عقوبته أقلَّ من ذلك، إذ تشير الإرشادات الفيدراليّة إلى احتمالية سجنِهِ لمدة 18 شهراً تقريباً، وسيحدّد أحد القضاة مدة الحكم النهائيّ.
وفي منشور على مدوّنتها نُشِر مؤخراً، أعلنت منصة بينانس وصولها إلى تسويةٍ مع الهيئات التنظيمية الأمريكية، حيث أقرّت بعدم امتثالها للقوانين سابقاً، وتمّت إعادة هيكلة الشركة بشكلٍ يركز على الالتزام بالقوانين الناظمة وتحسين درجة أمان المستخدمين وحمايتهم، ولم يكن اختيار المدير التنفيذيّ الجديد اعتباطياً، إذ يمتلك خبرةً تتجاوز ثلاثة عقود في قطّاع الخدمات المالية وقوانينه التنظيميّة.
التحقيقات تكشف دور منصة بينانس في تسهيل المعاملات غير المشروعة
بعد تحقيقٍ استمرَّ لفترة طويلة، اتهمت السلطات منصة بينانس بالسماح بمرور معاملاتٍ غير شرعيّةٍ عبرَ منصّتها، وتسهيل ارتكاب جرائمَ عدة ومنها الاعتداء الجنسيّ على الأطفال وتجارة المخدرات، إلى جانب تمويل مجموعاتٍ إرهابيةٍ مثل داعش (ISIS) والقاعدة وكتائب القسّام التابعة لحركة حماس.
وفي سياقٍ متصلٍ، كشفت السلطات الأمريكية رصدَها لأكثر من 100,000 عملية تحويلٍ عبر منصة بينانس مرتبطةٍ بنشاطاتٍ غير شرعيّةٍ، فضلاً عمّا يتجاوز 1.5 مليون عملية تداولٍ بالعملات الرقمية تخرق العقوبات الأمريكية المفروضة على دولٍ عدّة بما فيها إيران وسوريا وكوبا، وحسب المدّعين العامّين، استغلّت منصة بينانس عمداً السوق الأمريكية دون الالتزام بالضوابط المعمول بها، حيث انطلقت هذه النشاطات غير الشرعية في شهر آب/أغسطس من عام 2017 بمشاركة عدد من كبار المسؤولين في الشركة.
وقد كشف التحقيق مع منصة بينانس عن رسالةٍ أرسلها أحد موظفي المنصة المسؤولين عن التزامها بالقوانين في شباط/فبراير من عام 2019 مفادُها بأنّ منصة بينانس يجب أن ترفع رايةً تحمل العبارة التالية:
“إذا كان غسيل أموال تجارة المخدرات صعباً هذه الأيام؟ فعليكم بمنصّة بينانس التي ستُنجز المهمّة عنكم”.
تدقيق السلطات الأمريكية على قطّاع الكريبتو يؤدي إلى انهياراتٍ كبيرة
تستدعي المصاعب التي تُواجهها منصّة بينانس حالياً للأذهان السقوط المدوّي لواحدة من كبريات الشركات في القطّاع ألا وهيَ منصّة FTX والتي تمّت إدانة مؤسّسها سام بانكمان فريد (Sam Bankman-Fried) بجرم الاحتيال؛ وقد شكلت إدانة فريد بالتهم الموجهة إليه لحظةً مفصليّةً في قطّاع الكريبتو وألقت الضوء على نقاط ضعفِهِ بالرغم من ادعائِهِ تبنّي معايير الشفافية واللامركزيّة، ويُواجه قطّاع الكريبتو حالياً تدقيقاً شديداً بعد أن كان بعيداً عن أنظار الرقابة الصارمة للهيئات التنظيميّة، إذ تُسلط المشاكل القانونية التي تواجهها منصة بينانس الضوء بشكلٍ أكبرَ على نقاط ضعف القطّاع.
وعلى الرغم من الرقابة الحالية الصارمة، ما تزال بعض المجموعات غير القانونيّة تستخدم العملات الرقمية في أنشطتها مثل مجموعات القراصنة الرقميين في روسيا وعمليات غسيل الأموال في كوريا الشماليّة، وغالباً ما تستخدم هذه المجموعات “خدمات خلط العملات الرقميّة” المتاحة أمام الجميع لإخفاء مصدر هذه العملات، الأمر الذي دفع الحكومة الأمريكية لاتخاذ خطواتٍ أكثرَ حزماً لمكافحة هذه الجرائم المرتبطة بالكريبتو، ووجّهت -في آب/أغسطس من العام الماضي- عدّة تهم لمؤسّسي خدمة خلط عملات رقميةٍ تدعى تورنيدو كاش (Tornado Cash) فيما يتعلق بمساعدتهم لمجرمين على غسل عملاتٍ رقميةٍ بقيمة 7 مليار دولار تقريباً قاموا بسرقتها بطرقٍ احتياليةٍ ومن خلال جرائمَ إلكترونيّة.
ختاماً، يشهد قطّاع الكريبتو تغيّراتٍ جذريةً مع مواجهة المدير التنفيذيّ السابق لمنصّة بينانس والملياردير تشينجبينج تشاو وشركته بينانس لمشاكلَ قانونيةٍ عدة، سبقها إدانة مؤسّس منصة FTX سام بانكمان فريد، وتُظهر هذه الأحداث تبنّي السلطات الأمريكيّة لنهج الرقابة الصارمة على القطّاع والذي يفتقر إلى القوانين الصارمة، وفي خضمّ نموّ قطّاع الكريبتو وتغيّره الدائم، ستلعب إجراءات السلطات المعنيّة دوراً محورياً في تشكيل معالمِهِ المستقبليّة، مع التركيز على ضمان الأمان والثقة لجميع المشاركين فيه.