صورة لشعار شركة أمازون

انتشرت أخبار عن نية أمازون (Amazon) لتبنّي سياسة جديدة تعلّق فيها ترقيات الموظفين الذين لا يلتزمون بقرار الشركة بالعودة إلى العمل من مكاتبهم، وذلك وفقاً لاتصالات داخل الشركة نشرتها عدد من وسائل الإعلام.

وقد قامت شركة التكنولوجيا العملاقة التي يتجاوز عدد موظفيها الـ 1.5 مليون موظف حول العالم بتطبيق سياسة أقرّتها خلال شهر شباط/فبراير الماضي تجبر العاملين لديها على العمل من مكاتبهم لثلاثة أيام أسبوعياً كحدٍ أدنى ابتداءً من شهر أيار/مايو، إلّا أن عدداً من الموظفين رفضوا قرار العودة إلى العمل من المكاتب، ما دفع بأمازون إلى زيادة حدة الضغط عليهم.

ومن جانبها، دعت رسائل في منصات أمازون للتواصل الداخلي موظفيها إلى الالتزام بقرار العمل من المكاتب ليستحقوا الحصول على ترقيات وظيفيّة، حيث ذكرت إحدى المنشورات الموجهة للموظفين بأنّه “إذا كان منصبكم في الشركة يتطلب العمل من المكتب لثلاثة أيام أو أكثر أسبوعياً ولم تلتزموا بذلك، سيتم إعلام مديركم المباشر بذلك وستحتاجون موافقة نائب الرئيس للحصول على الترقية”.

المدراء التنفيذيون لدى أمازون يدافعون عن التدابير الجديدة

أكّد براد غلاسر (Brad Glasser) -المتحدث باسم أمازون- تغيير الشركة لسياساتها، حيث علّق بالقول: “نتوقع من موظفينا المؤهَلين للحصول على ترقية وظيفيّة بأن يلتزموا بإرشادات الشركة وسياساتها، شأننا بذلك شأن أي شركة أخرى”.

ويمثل هذا الأمر آخر الإجراءات التي اتخذتها أمازون لإجبار موظفيها على العودة إلى العمل من مكاتب الشركة بالرغم من الانتقادات التي واجهتها، حيث وقّع أكثر من 30,000 عامل لدى الشركة -في آذار/مارس الماضي- على عريضة يطالبون أمازون بموجبها التراجع عن قرارها الأخير، كما نظّم المئات من العاملين إضراباً بدأ مع وقت الغداء في مقرات الشركة في مدينة سياتل في أيار/مايو الماضي احتجاجاً على هذه السياسات.

وقد دافع الرئيس التنفيذي لعملاق التجارة الإلكترونيّة آندي جاسي (Andy Jassy) عن هذا القرار قائلاً بأنّ مستوى التعاون بين فرق العمل يرتفع في حال التقائهم وعملهم وجهاً لوجه، في حين تمسّك العديد من الموظفين بموقفهم الرافض للقرار، وقد أعلمت أمازون بعض موظفيها بإلزامية تغيير مكان إقامتهم إذا رغبوا بالعمل عن بعد، ممّا أدى إلى استقالة بعضهم.

وخلال الشهر الماضي، منحت شركة أمازون المدراء لديها صلاحية طرد الموظفين غير الملتزمين بالقرار بعد تحذيرهم شفهيّاً وخطّياً، وتضيف السياسة الجديدة لأمازون عواقب إضافية للعاملين الرافضين الانصياع لقوانين العمل.

ويذكر بأنّ العاملين لدى أمازون يبذلون الغالي والنفيس للحصول على ترقية وظيفيّة، حيث ينتظر الموظفون الذين يمارسون الأعمال المكتبيّة ترقية كل سنتين إلى ثلاثة سنوات، وفي حال عدم حصولهم على ترقية ما، سيشكل هذا الأمر انتكاسة كبيرة في حياتهم المهنيّة، إلى جانب العواقب الاقتصاديّة الكبيرة عليهم والمتمثلة بخسارة دخل إضافي من منصبهم الجديد، وبالنظر إلى هذه التداعيات الوخيمة، فقد يَعدل الكثير من الموظفين عن قرارهم ويلتزمون بقرار العودة إلى العمل من مكاتب الشركة.

اتّضح أن شعار أمازون بالعمل من أي مكان هو مجرد أقوال

يؤمن بعض العاملين لدى أمازون بزيف صورتها عن تبنّي سياسة مرونة العمل، حيث أعلنت الشركة في عام 2020 إجراءها تدابير تمكن العاملين في الكثير من المناصب لديها من “العمل من أي مكان”، ما يسمح بذلك لموظفيها حرية تغيير سكنهم أو حتّى العمل عن بعد.

وقد أثار قرار الضغط على الموظفين للعودة إلى العمل من مكاتب الشركة وإنهاء تنفيذ القوانين التي كانت تتيح مرونة العمل غضب العديد منهم، ويعتقد بعض الخبراء في المجال بأنّ إلزام الموظفين بالعودة إلى المكاتب قد يضر بقدرة أمازون على الاحتفاظ بالمواهب، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار تسريح عدد من الشركات التكنولوجيّة لموظفيها، ما يتيح العديد من الخيارات البديلة أمام العاملين لدى أمازون.

ويعكس الصراع بين أمازون وموظفيها جدلاً أوسع في أروقة عدد من الشركات في الولايات المتحدة حول آلية العمل عن بعد، في حين طالب عدد من الشركات وفي مقدمتهم أمازون وأبل (Apple) موظفيها بالعودة إلى العمل من مكاتبهم، تبنّت شركات تكنولوجيّة كبيرة أخرى مثل ميتا (Meta) وتويتر (Twitter) بشكلٍ دائم سياسة المرونة في العمل.

ويؤكد الاختلاف في سياسات الشركات غياب أي توافق واضح حول شكل آلية العمل المناسبة، ويبدو أنّ أمازون لا تبدي أي رغبة في التراجع عن سياساتها الجديدة، حتّى لو كلّفها هذا الأمر إثارة غضب المزيد من موظفيها.

إلّا أنّ شركة أمازون تواجه خطر استنفاذ معنويات موظفيها وازدياد حدّة معارضتهم لقراراتها إذا ما استمرت في تضيق الخناق عليهم فيما يتعلق بعودتهم للمكاتب، ولا يمكننا التغاضي عن حجم شركة أمازون الهائل والذي يمكّنها من تنفيذ رغباتها، وهو أمر تفتقر له الشركات الأصغر حجماً، أمّا عن الفترة الراهنة، فلا تظهر شركة أمازون أي رغبة في التراجع عن قراراتها المتعلقة بالعودة إلى العمل من المكتب بالرغم من موقفها المعقد مع موظفيها.

التأثيرات الواسعة لموقف أمازون

قد يكون لموقف أمازون الثابت بشأن عودة الموظفين للمكاتب تأثيرات متلاحقة تطال عالم الأعمال والشركات كله، إذ تؤثر سياسات أمازون على الشركات الأخرى لأنها إحدى أكبر جهات التوظيف في القطاع الخاص؛ ويخالف إصرارها على عمل الموظفين في مكاتبهم توجه العمل عن بعد السائد في هذه الأيام.

وإذا نجحت أمازون في فرض العودة للمكاتب دون خسارة أعداد كبيرة من الموظفين، فقد تقوم شركات أخرى بتطبيق الإجراء نفسه. وبالمقابل، إذا تسببت هذه السياسة باستنزاف المواهب أو انهيار معنويات الموظفين، فقد يثني ذلك الشركات الأخرى عن تبني نهج متشدد مشابه.

ويُذكر أن أمازون تُعتبَر رائدةً في مجال أتمتة المستودعات وتتبع الإنتاجية، فإذا ما اتبعت نفس استراتيجية المراقبة المستمرة لإنتاجيّة العاملين في الوظائف المكتبيّة، فقد تُسبب انتشار معايير مشابهة في السوق ككل.

وفي الجانب المقابل، إذا ظهر ما يثبت تراجع روح الابتكار أو الإيرادات بسبب تقييد مرونة العمل عن بعد، فقد تتردد الشركات الأخرى في الحد من خيارات العمل من المنزل.

ويبدو أن أمازون مصرّةٌ على موقفها الحالي بسبب ثقتها بأن التعاون الشخصي وجهاً لوجه سيتغلب على رغبات الموظفين بالمرونة وحرية العمل عن بعد، إلا أن نتائج رهانها على عودة الموظفين للمكاتب لم تتضح بعد بشكل كامل، ولا يمكننا الآن تحديد التأثيرات التنظيمية المترتبة على هذه السياسة.

آراء الموظفين حول سياسة أمازون بشأن العودة للمكاتب

برغم الضغوط الشديدة من قبل الإدارة، يعارض العديد من موظفي أمازون عودتهم للمكاتب بشكل إلزامي، وذكر هؤلاء بعض الأسباب التي تبرر ترددهم بشأن تطبيق هذا القرار، ألا وهي:

  • فقدان المرونة: تتيح ترتيبات العمل عن بعد والعمل ما بين مقر الشركة وخارجه تحقيق التوازن بين العمل وحياتهم الشخصية بسبب عدم الحاجة للتنقل بشكل كبير.
  • غياب الشفافية: بررت أمازون سياسة العودة للمكاتب بالادعاء أن الابتكار وثقافة العمل تستلزم التعاون الشخصي وجهاً لوجه، إلا أنّها لم تقدم أي بيانات تدعم هذا الادعاء.
  • عدم الالتزام بالقواعد: بعد أن أشارت أمازون سابقاً لإمكانية أداء معظم المهام الوظيفية عن بعد، يبدو تراجعها عن هذا الموقف اعتباطياً وجائراً بالنسبة للموظفين ممن قاموا بتغيير أماكن إقامتهم.
  • الحفاظ على الإنتاجية بالعمل عن بعد: حافظت العديد من الفرق على إنتاجيتها الفردية والجماعية العالية خلال جائحة كورونا بالرغم من العمل عن بعد، ما يقلل من أهمية الادعاء بأن التواجد في مقرات الشركة أمر ضروري.
  • ثقافة العمل من المكتب: يعارض العاملون التقنيون من الشباب معايير يرون أنها بالية تتمحور حول العمل في المكاتب لساعات محددة كوسيلة لاختبار التزام العاملين.

وبالرغم من أن أمازون تنظر لهذه الممانعة كتعبير عن عدم رغبة الموظفين بالالتزام بأولويات الشركة، يشعر الموظفون بأن سياسة الشركة تعكس عدم اكتراثها لراحتهم وآرائهم، وتسبب عدم التوافق هذا في إذكاء عدم الثقة بين الطرفين.

وحتى يتم التعامل مع مخاوف غياب المرونة والشفافية وثقافة العمل، من المرجح أن يصر العديد من الموظفين على عدم قبولهم هذه السياسة بالرغم من التهديدات بالفصل من العمل وتعليق الترقيات.